يعتبر مجلس الصحافة التونسي هيئة خاصة مستقلة غير ربحية، تعمل على ضمان التعديل الذاتي لوسائل الإعلام. تم تأسيسه من خلال جمعية دعم مجلس الصحافة التي تتولى توفير الإطار القانوني والتنظيمي للمجلس وتعبئة الموارد المالية اللازمة لعمله. هو التجربة الأولى من نوعها في المنطقة العربية، وُلد هذا المجلس بعد مخاض سنوات من النقاشات داخل المهنة ليكون أحد وسائل التعديل في قطاع الإعلام، لكن تجربة الخمس سنوات الماضية أظهرت نقائص هيكلية ومادية أثرت بشكل كبير على عمل المجلس، وجعلته محل انتقادات بسبب عدم قدرته على القيام بمهامه.

التعديل الذاتي وغياب الإطار التشريعي

قبل الانطلاق في تقييم موضوعي لأداء مجلس الصحافة في تونس، من المهم القول إن مهام مجلس الصحافة تتلخص أساسا في مساعدة المؤسسات الإعلامية والصحفيين على ممارسة صحافة مهنية وذات جودة وحماية استقلالية الصحافة من أي تدخل أو ضغط محتمل مهما كان مصدره. بالإضافة إلى إبداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالمهنة أو ممارستها، وفي كل المسائل الأخرى المتعلقة بمجال نشاطه. بالإضافة إلى دور ”تحكيمي“ يتمثل في تقبل الشكاوى من جمهور المتابعين ومعالجتها في إطار تعديل ذاتي يحصّن قضايا النشر من تدخل أجهزة قضائية وأمنية عادة ما تعمل بشكل زجري يجنح نحو العقوبات، بدل معالجة القضية بشكل مدني مهني.

رغم حداثة التجربة، إلا أن مجلس الصحافة لم يتمكن من القيام بمهامه المنصوص عليها في نظامه الأساسي لعدة أسباب، بل إن دوره اقتصر في السنوات الخمس الماضية على بعض البيانات الداعية إلى احترام أخلاقيات المهنة من قبل المؤسسات الإعلامية، أو نشر توصيات وتدابير تتعلق بكيفية تغطية احداث معينة مثل الانتخابات والاستفتاء. وهو ما يُعتبر دون التوقعات والآمال المعلقة على هذا المجلس خاصة مع الخروقات المهنية الجسيمة التي ترتكبها وسائل إعلام في حق أخلاقيات المهنة والجمهور.


المجلس الأعلى للصحافة : دوره، اليات عمله و تحدياته في حوار مع ناجي البغوري
– 25 أفريل 2017 –

المسار كان طويلاً. إنطلق أواخر 2011، بعد أن إتفقت الهياكل المهنية على نموذج يعتمد التعديل في الإعلام السمعي البصري والتعديل الذاتي في الصحافة المكتوبة والإلكترونية. عقبات عديدة اعترضت مساعي النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والهياكل المهنية الشريكة، أفضت إلى تشكيل الهيئة الوقتية لمجلس الصحافة في 20 أفريل الجاري.
ماهو دور مجلس الصحافة ؟ ماهية اليات عمله ؟ أي تحديات للتعديل الذاتي في فترة يشكو منها التعديل من مقاومة وشيطنة أصحاب النفوذ ؟ ناجي البغوري، نقيب الصحفيين السابق، يجيب


يعتبر نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار أن ”الظروف لم تكن ملائمة ليقوم مجلس الصحافة بدوره كما يجب، خاصة وأن البرلمانات السابقة كانت مطالبة بالاعتراف بمجلس الصحافة ووضع إطار تشريعي متكامل للتعديل الذاتي وتنظيم آليات عمله بالإضافة الى هيئة الاتصال السمعي البصري، إذ لا يمكن أن نتحدث عن تعديل أو تعديل ذاتي دون وجود إطار تشريعي ينظم ذلك“. لكن نقيب الصحفيين يعتبر أن وجود مجلس الصحافة، وهي سابقة في المنطقة العربية، هو في حد ذاته شيء إيجابي فضلا عن أن السياق العام لتأسيس المجلس ومناخ التجاذب السياسي والإعلامي خفّض من سقف التوقعات حول عمل مجلس الصحافة حسب قوله.

وحتى يكون التقييم سليما يجب أن نربطه بالمهام التي تأسس عليها مجلس الصحافة والمذكورة في نظامه الداخلي، وهي أساسا مساعدة المؤسسات الإعلامية والصحفيين على ممارسة صحافة مهنية وذات جودة، حماية استقلالية الصحافة من اي تدخل او ضغط محتمل مهما كان مصدره بالإضافة إلى رصد التدابير السياسية والتشريعية أو غيرها التي قد تؤثر على نشر الاخبار التي تهم الجمهور وتهدد حقه في الحصول على المعلومة. كما يسعى المجلس إلى إبداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالمهنة أو ممارستها، وفي كل المسائل الأخرى المتعلقة بمجال نشاطه بالإضافة إلى اقتراح تدابير من شأنها تعزيز قطاع الصحافة وتحديثه وتطويره.

رغم أن مجلس الصحافة لم ينجز كثيرا من تلك البنود المنصوص عليها في نظامه الداخلي، ورغم التبريرات بغياب الإطار التشريعي وفقدان أدنى مقومات العمل من مكاتب ومرصد لتقبل الشكاوى ورصد الاخلالات، إلا أن التقييم يبقى غير ذي جدوى نظرا لعدم توفر الإمكانيات الدنيا لعمل المجلس ولا التشريعات اللازمة لذلك.

أي معنى للتعديل الذاتي في ظل ضرب منظومة التعديل

إن مبدأ التعديل الذاتي، بما هو آلية مهنية تقوم على تعديل الخروقات والتجاوزات المهنية داخل أطر الصحافة بعيدا عن سلطة القضاء وفرق الأبحاث، لا يمكن أن يوجد في بيئة إعلامية تفتقر إلى آلية التعديل خاصة في المجال السمعي البصري والذي تختص له هيئة الاتصال السمعي البصري، هذه الهيئة أصبحت غائبة بحكم الأمر الواقع، دون أن تقوم السلطة بما يلزم من إجراءات تجديد أعضائها وتحويل المرسوم المنظم لها إلى قانون أساسي، عن أي تعديل ذاتي نتحدث والحال أن الهيئة التعديلية (الهايكا) منذ تأسيسها وهي تواجه عراقيل لا حصر لها من السلطة وأصحاب المؤسسات حتى انتهى بها الحال إلى هيئة مجمدة بفعل التهميش المتعمد. واليوم بعد 12 سنة من تأسيس الهايكا نجد المشهد الإعلامي في حالة من الفراغ الهيكلي والتشريعي والفوضى المنظمة بتدبير من السلطة بهدف تهميش الإعلام ووضعه في حالة من الفوضى والتخويف بالمحاكمات لتسهيل السيطرة عليه وتدجينه خدمة لأجندة السلطة الحاكمة.


تقرير الحريات الصحفية وانهيار النظام الإعلامي التونسي
– 03 ماي 2025 –

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، قدمت نقابة الصحفيين السبت 3 ماي تقريرها السنوي للحريات الصحفية. التقرير الذي أخذت مقدمته عنوان نقابة الصحفيين في مواجهة انهيار النظام الإعلامي التونسي، لم يرتق إلى حجم انتظارات الصحفيين الذين حضروا الحدث باقتصاره على تكرار ما سبق رصده، دون التعرض بعمق لجرائم التضليل الإعلامي المتعمد وترويج خطاب الكراهية العنصري والرقابة المفروضة داخل غالبية مجالس التحرير الصحفية.


وفي هذا السياق يشدد نقيب الصحفيين على أنه ”لا يمكن الحديث عن تعديل ذاتي في ظل غياب التعديل الذي تقوم به هيئة الاتصال السمعي البصري من خلال فرض احترام أخلاقيات المهنة في وسائل الإعلام واحترام القوانين التي تحمي الجمهور والمستهلك وصورة المرأة والطفل وتناهض خطاب التحريض بالإضافة إلى ضمان التعددية والتنوع السياسي والاجتماعي، يجب ضمان هذه المعايير حتى نتحدث بعد ذلك عن التعديل الذاتي والعمل على احترام أخلاقيات المهنة وتفعيل آلية التدخل عن طريق الشكايات التي تعتبر من أساسيات عمل مجلس الصحافة“، ويضيف نقيب الصحفيين أن هناك نقيصة أخرى تتعلق بعدم إلمام الجمهور الواسع بوجود مجلس الصحافة اصلا وهو ما زاد في تعطيل آلية الشكوى التي يقدمها الجمهور، وبقي المجلس حكرا على المتداخلين فيه وعلى الفاعلين الإعلاميين بصفة عامة حسب قوله.

27 ماي 2025 تونس – نقابة الصحفيين تعقد سلسلة من الورشات بمعية نشطاء مدنيين وبرلمانيين لتباحث سبل تعديل المشهد السمعي البصري – نقابة الصحفيين

التعديل الذاتي في مواجهة انتهاكات خطيرة لأخلاقيات الصحافة

مع إعلان التركيبة الجديدة لمجلس الصحافة قبل أسبوعين، وأمام التراجع الكبير على مستوى جودة المضامين الصحفية في عدد مهم من وسائل الإعلام خاصة على مستوى أخلاقيات المهنة، يواجه المجلس مع انطلاق ولايته الثانية صعوبات كبيرة. صعوبات لا تنفصل عن السياق السياسي وواقع الحريات في تونس، وبعيد عن تجميل الواقع فإن الساحة تشهد انتعاشا غير مسبوق لخطاب الكراهية والتحريض ضد المخالفين والنشطاء والتماهي مع خطاب السلطة بتخوين المعارضين وتجريم العمل المدني، بالإضافة إلى خطاب عنصري طغى على الفضاء العام مع أزمة مهاجري جنوب الصحراء الافريقية، إضافة إلى سيف المحاكمات والمرسوم 54 المسلط على رقاب الصحفيين والنشطاء والمحامين وكل العاملين في الشأن العام، كل هذه العوامل تزيد من تعقيد مهمة مجلس الصحافة، خاصة وأن سياسة التعديل الذاتي وضرورة حماية حرية الصحفيين أثناء أدائهم لمهامهم ستصطدم بواقع قمعي تُحاصر فيه حرية الرأي والتعبير ويُساق فيه الصحفيون إلى المحاكم والسجون وفرق الأبحاث على خلفية آرائهم أو أعمالهم الصحفية.

وحسب نقيب الصحفيين زياد دبار فإنه على مجلس الصحافة في الفترة القادمة أن ”يبتعد عن منطق رد الفعل ويتجه أكثر نحو المبادرة وذلك من خلال التعهد بصفة آلية بالخروقات الكبيرة والحالات المتعلقة بخطاب الكراهية والتحريض ضد المعارضة والمجتمع المدني وكل المخالفين للسلطة، بالإضافة إلى الخطاب العنصري وغيرها من المضامين الاعلامية التي تتعارض مع قيم الحرية وحقوق الإنسان وكرامته“. يشدد زياد دبار على صعوبة الوضع على مستوى الحريات وأخلاقيات المهنة خاصة مع غياب مرصد يعمل على رصد كل الاخلالات والخروقات المهنية في إعلام خاص احترف جزء مهم منه الإشاعات والثلب وتخوين المخالفين والتطبيل للسلطة حسب قوله.

ومن جهته يعتبر عضو مجلس الصحافة فطين حفصية أن مهمة المجلس ”لا يجب أن تنفصل عن السياق العام الذي يشهد هجمة على حرية التعبير في ظل مناخ تزايدت فيه خطابات الكراهية والتمييز والتحريض والرسائل الإعلامية المخالفة لأدنى الضوابط الأخلاقية والمهنية، ما يدعوه إلى التدخل والقيام بدوره التعديلي ليس بمنطق الوصاية أو الوكالة بل بوصفه محكمة شرف“. يضيف حفصية أنه من الطبيعي أن تكون البدايات صعبة ومحفوفة بنوع من التعثر باعتبار أن الهيئة السابقة للمجلس اشتغلت في ظروف قاسية من حيث السياق السياسي والامكانيات واللوجستيك لكنها قامت بجهد كبير سواء على مستوى التفكير أو التخطيط النوعي، وسيحاول المجلس الجديد متابعة العمل ومحاولة تأسيس ما يمكن وصفه بالفقه الإعلامي الأخلاقي كخطوة أولى. بالإضافة إلى ضرورة العمل على انفتاح مجلس الصحافة على الجسم الصحفي والمؤسسات الاعلامية وخصوصا الجمهور، الحلقة الاساسية الاولى في التعديل الذاتي ورأس مال العملية الصحفية حسب قوله.

مجلس الصحافة ضرورة للمهنة؟

رغم عدم نجاعة التجربة الأولى لمجلس الصحافة وفشلها في تكريس ثقافة التعديل الذاتي في قطاع الإعلام، ينظر القائمون على المجلس والداعمون له بشيء من التفاؤل الحذر، بين ضرورة العمل على إرساء منظومة التعديل الذاتي في سابقة قد تكون الأولى في المنطقة العربية، وبين سياسة السلطة التي لا تعترف لا بالتعديل ولا بالتعديل الذاتي ولا تتعامل مع قضايا الرأي والنشر إلا بمنطق المحاكمات واقتياد أصحاب الرأي إلى فرق البحث والمحاكم.

3 ماي 2025 تونس – احتجاجات الصحفيين على عودة القمع والاستبداد وفتح السجون في وجه الاعلاميين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة – صور نواة- سيف الكوساني

وهنا يعتبر نقيب الصحفيين التونسيين أن ”الفرصة موجودة لتكريس ثقافة للتعديل الذاتي وخلق مصالحة مع الجمهور وإصلاح أزمة الثقة في الإعلام، بالإضافة الى الابتعاد عن منطق الزجر وحماية حرية التعبير والقطع مع الأحكام السجنية على خلفية التعبير عن الرأي“، معترفا في الآن نفسه بصعوبة المهمة وغياب الإطار التشريعي وتعطيل الهايكا وعدم تبني أي سياسة عمومية للإعلام:

إن الكرة اليوم في ملعب السلطة الحاكمة التي يجب أن تعترف بمجلس الصحافة وتدفع نحو تركيز هيئة مستقلة حقيقية للاتصال السمعي البصري والقطع مع المرسوم 54 ومحاكمات الرأي وسياسة التضييق على الحريات والصحافة.

هذا الرأي يوافقه عضو مجلس الصحافة فطين حفصية الذي اعتبر من الطبيعي أن ”البدايات تكون صعبة ومحفوفة بنوع من التعثر باعتبار أن الهيئة السابقة للمجلس اشتغلت في ظروف قاسية  من حيث الامكانيات واللوجستيك لكنها قامت بجهد كبير سواء على مستوى التفكير أو التخطيط النوعي ، وسيحاول المجلس الجديد متابعة العمل بهدف تأسيس ما يمكن وصفه بالفقه أو الميثاق الإعلامي الأخلاقي كخطوة عملية أولى في عمله“، ويشدد فطين حفصية على أن المعرفة الجيدة بأدوار المجلس وصلاحياته وتوسيع مجال انفتاحه على الجسم الصحفي والمؤسسات الاعلامية وخصوصا الجمهور هو الحلقة الاساسية الاولى في التعديل الذاتي ورأس مال العملية الصحفية حسب قوله.

رغم كل ما قيل أو سيُقال عن تجربة مجلس الصحافة في تونس، يتفق الجميع على ضرورة مكافحة الانحدار في مستوى أخلاقيات المهنة الصحفية والخروقات اليومية التي ترتكبها وسائل الإعلام، ولا يمكن أن نكافح هذه الظواهر الخطيرة دون آليات لعل أولها هيئة للاتصال السمعي البصري ومجلس الصحافة. لكن المشكل الأكبر الذي نواجهه هنا هو حالة القمع والتضييق الممنهجة على حرية الصحافة والتعبير والتي جعلت من المحاكم وفرق الأبحاث والأحكام السجنية فضاء لمعالجة الأخطاء المهنية ومعاقبة كل رأي حر مخالف لتوجهات السلطة، وهنا من الوجاهة أن نتساءل: كيف يمكن أن نتحدث عن تنظيم الإعلام وتعديله والحال أننا لم نضمن بعد حرية الإعلام والتعبير عن الرأي؟ ذلك أنه من البديهي أن نفتك الحرية من جديد قبل أن نسعى إلى تعديلها وتنظيمها.