قبل سبتمبر 2024، لم تكن سوار البرقاوي البالغة من العمر 24 سنة والمتخرجة من معهد الصحافة وعلوم الأخبار، شخصية معروفة لدى الرأي العام بما في ذلك الصحفيين أنفسهم، غير أن تيّارا جارفا سحبها نحو غياهب السجون بعد أن حصد أغلب الرؤوس التي تجرأت على منافسة الرئيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية لسنة 2024، فنالت حكما بالسجن بقدر عدد سنوات عمرها.

لم يقف الأمر عند القضايا التي حوكمت عليها سوار البرقاوي، حيث ستواجه القضاء مرة أخرى يوم 30 أكتوبر على خلفية 8 ملفات جديدة. 

الطريق إلى السجن

كانت سوار البرقاوي عضوة بحملة العياشي زمال وشاركت في جمع التزكيات من أجل تقديم ملف ترشحه للرئاسة عن حركة عازمون التي أسست سنة 2022، حركة اختفى صوتها غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات واختفت الوجوه التي نشّطت حملتها خوفا من أن يطالها ما طال العياشي زمال وسوار البرقاوي من مظالم وسجن ونسيان.

يوم 2 سبتمبر 2024، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول نهائي لملفات 3 مترشحين وهم قيس سعيّد وزهير المغزاوي والعياشي زمال، ولكن قبل ذلك الإعلان بساعات، اعتقل زمال في اليوم ذاته.


العياشي الزمال يتعرض لتنكيل متعمد، حوار مع رمزي الجبابلي
– 13 سبتمبر 2024 –

منذ توجهه بكلمة مقتضبة فاجأت جرأتها المتابعين للشأن السياسي، تلاحق الشكايات المرشح الرئاسي العياشي الزمال ليتحول الاهتمام من برامجه إلى تنقله بين السجون والمحاكم أسابيع قليلة قبل موعد 6 اكتوبر. نواة حاورت الاستاذ رمزي الجبابلي مدير الحملة الرئاسية للعياشي الزمال للوقوف على حقيقة ما يجري مع مرشحهم والعراقيل التي تواجه حملتهم.


في الواقع، كان اعتقال العياشي زمال وسوار البرقاوي أشبه بلعبة القط والفأر، ففي 16 أوت سنة 2024، تلقت سوار البرقاوي استدعاء للتحقيق على خلفية شكايات من قبل ثلاثة أشخاص زعموا أنه تم تدليس تزكياتهم، تم إيقاف سوار يوم 19 من الشهر ذاته قبل أن يطلق سراحها يوم 30 أوت من نفس العام، أُفرج عنها وأُلزمت بالمراقبة الإدارية وعدم مغادرة الدائرة الترابية التي تعود لها المحكمة الابتدائية تونس 2، حيث أُجبرت على الذهاب يوميا للإمضاء في مركز الشرطة. تأجلت قضية سوار البرقاوي بخصوص الحزمة الأولى من الشكايات التي تتهمها بالتدليس إلى يوم 19 سبتمبر 2024. تواصلت لعبة القط والفأر التي مارسها القضاء على البرقاوي وزمال، فبعد ساعات من إطلاق سراح رئيس حركة عازمون ثم إعادة اعتقاله من أمام السجن، تلقت سوار البرقاوي استدعاء لمثولها أمام فرقة الشرطة العدلية بسيدي حسين، ثم استدعاء ثانيا يوم 25 من الشهر ذاته، وفي الوقت ذاته، واصلت البرقاوي دعمها للمترشح عن حركة عازمون، قبل أن يتم إيقافها يوم 27 سبتمبر 2024  عند توجهها للإمضاء المتعلق بالمراقبة الإدارية، ثلاثة أيام بعد إيقافها حكمت المحكمة الابتدائية تونس 2 عليها بالسجن مدة 12 عاما مع النفاذ العاجل، ثم خفضت محكمة الاستئناف العقوبة إلى 4 سنوات وسبعة أشهر في ملف يحتوي على 8 شكاوى.

13 أوت 2023 تونس – سوار البرقاوي خلال لقاء نسائي بحركة عازمون احياء لذكرى اصدار مجلة الأحوال الشخصية – حركة عازمون

يقول سامي بن غازي محامي سوار البرقاوي في تصريح لنواة إن ملف منوّبته يحتوي على 16 قضية، حكم في 8 منها بأكثر من أربع سنوات في الطور الاستئنافي وحددت جلسة يوم 27 أكتوبر القادم للنظر في هذه القضايا، ويضيف بن غازي ”تُحاكم سوار البرقاوي على التهم ذاتها في كل قضية من القضايا الستة عشر وفق الفصل 199 من المجلة الجزائية و88 من قانون المعطيات الشخصية والفصل 161 من قانون الانتخابات“. 

ينص الفصل 88 من القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية على أنه ”يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من حمل شخصا على إعطاء موافقته على معالجة معطياته الشخصية باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد“ في حين أشار الفصل 199 من المجلة الجزائية على عقوبات تتراوح بين ستة أشهر وعامين سجنا في تهم التدليس.

عقوبة مزدوجة

 ينص الفصل 54 من المجلة الجزائية على أن ”الجرائم الواقعة لمقصد واحد ولها ارتباط ببعضها بعضا بحيث يصير مجموعها غير قابل للتجزئة، تعتبر جريمة واحدة توجب العقاب المنصوص عليه لأشد جريمة منها“، غير أنه في ملف  سوار البرقاوي، لم تلتزم المحكمة التي حكمت عليها ب24 عاما بهذا الفصل، إضافة إلى مبدأ عدم محاكمة شخص مرتين على فعل واحد . يقول المحامي سامي بن غازي المكلف بالدفاع عن البرقاوي لنواة :

لم يتم ضم الملفات وحوكمت سوار بثلاث تهم عن كل قضية تزكية والتي بلغ عددها ثمانية ملفات مما يعني أنها واجهت التهم نفسها في كل شكوى ضدها قدمها مشتكون زعموا أنها دلست إمضاءاتهم، في حين أن الفعل واحد حسب القانون وهذه الملفات غير قابلة للتجزئة. يضيف الأستاذ بن غازي موضحا بأن الفصل 55 من المجلة الجزائية نص على وحدة المقصد أي الفعل ولعدم قابلية التجزئة تنطبق على القضية العقوبة الأشد، مع العلم أنه يوجد نص قانوني خاص وهو القانون المتعلق بالانتخابات وبالتالي هو وحده الذي يجب أن يطبق، إذا افترضنا وجود جريمة بالفعل.

 تم استئناف الحكم الابتدائي القاضي بسجن سوار البرقاوي بأربعة وعشرين عاما وصدر الحكم عليها في الطور الاستئنافي يوم 10 جانفي الماضي بالسجن أربع سنوات وسبعة أشهر، قبل أن يتقدم دفاعها بالتعقيب في الحكم.

تقول يسر البرقاوي شقيقة سوار أن أختها تواجه تهم التدليس والتلاعب بالمعطيات الشخصية وتقديم هدايا ووعود للناخبين بتقديم أموال مقابل تزكيتهم للعياشي زمال، وتضيف في تصريح لنواة ”فتشت الشرطة منزلنا ولم تعثر على أي مبلغ مالي، اختبارات الشرطة الفنية أثبتت أن الإمضاءات على التزكيات التي زُعم أنه تم تدليسها، ليست بخط يدي شقيقتي، إضافة إلى ذلك، ادعى شخص أنه قام بتزكية قيس سعيد وتثبت عبر هاتفه ليجد نفسه مزكّيا العياشي زمال، وعند التثبت من ادعائه، تبيّن أنه لم يزكّ أي مترشح للانتخابات“.

جويلية 2022 تونس – صورة لأشغال الاكاديمية السياسية لشباب حركة عازمون ويظهر في طرفي الصورة السجينين عن الحركة العياشي زمال وسوار البرقاوي – حركة عازمون

تروي يسر البرقاوي وقع سجن شقيقتها على العائلة وتقول إن عائلتها انقطعت عن التواصل مع العالم الخارجي عند إيقاف سوار البرقاوي في المرة الأولى، وزاد قلق العائلة بعد الإفراج عنها قبل إيقافها مرة أخرى، حيث أعلمتهم سوار بتعرضها للمعاملة السيئة التي وصلت حد ضربها. تقول يسر البرقاوي:

عند خروج شقيقتي من الإيقاف يوم 30 أوت الماضي، لاحظنا وجود كدمات زرقاء على جسدها، روت لنا أنها عاشت ظروفا قاسية طيلة ما يقارب عشرة أيام من الإيقاف حيث تم الاعتداء عليها من قبل الأعوان في السجن المدني بمنوبة، وأُخرجت من الزنزانة عارية وتعرضت للضرب قبل أن يُسكب على جسدها الماء البارد كي تُمحى آثار الضرب، مُنع عنها الأكل ولم تحصل إلا على قطعة من الخبز سرا قدمتها لها إحدى السجينات، حيث اضطرت لإخفائها بإحكام خوفا من الوشاية والتعرض لعقوبة اخرى والأكل منها في كل مرة داخل غرفة الاستحمام، لكن بعد مرور أشهر صارت معاملتها عادية كباقي السجينات لتمكن شقيقتي من التأقلم مع ظروف السجن، فهي تجيد التواصل وتسعى للحفاظ على سلامتها في أوقات الصعوبات والشدة، وفهمت أنه عليها أن تصنع عالمها في السجن، وأصبحت مصدر قوتنا وصبرنا.

في الواقع، لم تكن سوار البرقاوي وحدها ضحية سباق التنافس على الانتخابات الرئاسية، فقد جرّ هذا السباق مترشحين في مواجهة مع أحكام بالسجن، مثل عبد اللطيف المكي ونزار الشعري وعادل الدو وناجي جلول، الذي أثيرت ضده قضية تدليس تزكيات الترشح لانتخابات 2019، في المقابل، لا أحد يعلم مصير الدعوى القضائية التي قدمها مجموعة من المواطنين في منطقة شربان التابعة لولاية المهدية في سبتمبر 2024 ذكروا فيها أن شخصا استغل بياناتهم الشخصية الموجودة على بطاقات تعريفهم التي قدموها بغرض تأسيس شركة أهلية، وتم استخدام تلك البيانات  دون علمهم أو إمضائهم لتزكية قيس سعيد الرئيس المنتهية ولايته آنذاك.

لا تعد سوار البرقاوي السجينة الوحيدة التي تسبب نشاطها السياسي في جرها خلف القضبان بعد انقلاب 25 جويلية 2021، فاغلب العائلات السياسية لها مساجين بتهم مختلفة متنوعة. إلا أن سوار من السجينات القلائل اللواتي لم يجدن صفحات تواصل اجتماعي تشن الحملات تشهيرا بمظلمتهن ومطالبة بإطلاق سراحهن، فحركة عازمون اختفت تقريبا بالكامل مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، لتبقى بعيدة عن الأضواء رغم التنكيل الذي لحقها، فباستثناء بعض البلاغات الاعلامية التي تنشرها قلة من المنظمات الحقوقية التي تستقي اخبارها القليلة من لسان الدفاع، تقبع سوار خلف القضبان بعيدا عن دائرة ضوء الحراك السياسي الحقوقي المناهض للرداءة وللتسلط.