منذ أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن بداية الفترة الانتخابية، خاض عشرات المترشّحين المنافسين للرئيس المُنتهية ولايته، قيس سعيد، سباق حواجز تتحكّم في تركيزها أو إزاحتها، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وذلك بموجب ولايتها العامة على مسار الانتخابات التي منحتها لنفسها. دفعت تلك الصلاحيات التي حدّدتها الهيئة بموجب قرارات ترتيبية لمجلسها، نحو تأخير الحسم النهائي في قائمة المترشحين وذلك بلجوء ستّة مترشحين إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برفض ملفاتهم.
لم تنفك مسألة التزكيات تثير جدلا لدى المتنافسين على كرسي الرئاسة منذ المراحل الأولى لفرزها. مما خلق غموضا بخصوص معايير قبول تزكية من عدمها، تسببت فيه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعدم وضع معايير واضحة لاعتبار التزكية صحيحة أو ملغاة من جهة، ومنعها منظّمات تحصلت على اعتمادات من الملاحظة خلال عملية الفرز.
غموض يسقط مئات التزكيات
بعد انتهاء آجال إيداع الترشحات للانتخابات الرئاسية، أعلن التليلي المنصري، الناطق باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن أربعة معايير اعتمدتها الهيئة لقبول التزكية من عدمها. وقال المنصري إنّ “مجلس الهيئة اتخذ قرارين من أجل تسهيل المنافسة، الأول هو أن الهيئة تسامحت في التزكيات على المستوى الشكلي وقبلنا التزكيات التي تتوفر فيها أربعة شروط وهي الإسم واللقب ورقم بطاقة التعريف الوطنية واسم الأم والإمضاء، وهي معطيات كافية لقبول التزكيات”. في المقابل يُثبت ردّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المعلّل لرفض ملف المترشح منذر الزنايدي، والذّي تحصلت نواة على نسخة منه، أنّ الهيئة أسقطت 491 تزكية بسبب عدم تطابق تاريخ الولادة لهوية المزكّي، و468 تزكية بسبب عدم تطابق تاريخ إصدار وثيقة هوية المزكّي. كما أسقطت الهيئة 57 تزكية للمترشح منذر الزنايدي بسبب عدم إدراج تاريخ ولادة المزكّي وستّة تزكيات بسبب عدم إدراج تاريخ إصدار وثيقة الهوية، وعشرة تزكيات لأن أصحابها لم يدرجوا تاريخ إمضائهم التزكية. ليفوق بذلك عدد التزكيات التي أسقطتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الألف تزكية، بسبب بيانات سبق للتليلي المنصري، الناطق باسم الهيئة، أن قال إنّها معطيات غير وجوبية وتاليا فإنّ وجودها من عدمها لا يسقط التزكية.
بعد إسقاطها عددا من التزكيات من ملف المترشح منذر الزنايدي، علّلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رفضها قبول ملف ترشّحه بعدم استيفائه شروط توفّر تزكيات خمسمائة ناخب في عشرة دوائر، وأنّ الزنايدي لم يستجب لذلك الشرط إلاّ في ثمانية دوائر، “إضافة لعدم تطابق النسخة الورقية لقائمة المزكّين مع عدد أصول التزكيات، وعدم تطابق النسخة الورقية لتلك القائمة، مع النسخة الإلكترونية” حسب ما جاء في وثيقة رد الهيئة على المترشح منذر الزنايدي.
من جهته، تقدم المترشح عبد اللطيف المكي باستئناف حكم عدم قبول ملف ترشّحه، لدى المحكمة الإدارية وذلك بعد أن تمّ رفض ملّفه من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. يقول محمود الرصّاع المشرف على ملفّ التزكيات لدى المكي، في تصريح لنواة إنّه تمّ إسقاط ملف المترشح عبد اللطيف المكي بعد إسقاط 13 تزكية في دائرتين تسببت في خلل في شرط خمسمائة تزكية في عشرة دوائر. وهو ما يؤكّده أحمد النفاتي مدير حملة المترشح عبد اللطيف المكي، لنواة، حيث يقول “على عكس ما صرّح به السيد فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بأنه لم يتمّ إسقاط أي ملّف ترشّح بسبب البطاقة عدد 3، فإنّ الهيئة رفضت ملف المترشح عبد اللطيف المكي لسببين؛ الأول هو غياب بطاقة السوابق العدلية، والثاني هو نقص في التزكيات في دائرتين، وإحداها تنقصها تزكية واحدة. وفي المرة الاولى، أسقطت الهيئة 1651 تزكية، وهو ما تسبّب في خلل في شرط عدد الدوائر ثمّ قمنا بإضافة 2600 تزكية إضافية في الدوائر التي اختلّ عدد التزكيات بها ودوائر أخرى، وذلك خلال المهلة التي قدمتها الهيئة للمترشحين”. ويضيف النفاتي أن فريق حملة المكي تثبّت في مرحلة ثانية من كلّ التزكيات الإضافية ومن صحتها بعد رفض الهيئة قبول ملف الترشح، وأنّ الفريق قدّم للمحكمة الإدارية ما يثبت صحتها.
حسب وثيقة صادرة عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في ردّها على تعليل رفض ملف المترشح عبد اللطيف المكي، فقد تمّ إسقاط أكثر من ألف تزكية، من ضمنها إسقاط 410 تزكية بسبب عدم تطابق تاريخ الولادة مع هوية المزكّي و256 تزكية بسبب عدم تطابق تاريخ إصدار وثيقة هوية المزكّي وأسقطت أيضا 292 تزكية بسبب عدم إدراج أصحابها تاريخ الولادة و43 تزكية بسبب عدم إدراج تاريخ إصدار وثيقة هوية المزكّي و78 أخرى بسبب عدم التنصيص على تاريخ إمضاء المزكّي. معطيات تناقض كليا تصريحات الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للانتخابات الذي سبق أن صرّح في أكثر من مرة أنّ الهيئة اعتمدت أربعة شروط فحسب لقبول التزكيات وهي شرط الاسم واللقب ورقم بطاقة الهوية واسم الأم وإمضاء من قام بالتزكية.
تأويلات تُسقط ملفات المترشحين
يوم 12 أوت، أي بعد يومين من إغلاق باب الترشحات، صرح التليلي المنصري، الناطق باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إذاعة ديوان أف أم أن قبول ملف التزكيات يرتكز على خمسة شروط وهي توفّر العدد المطلوب للتزكيات وهو عشرة آلاف تزكية، وتغطيتها لخمسمائة تزكية على الأقل في كل دائرة من عشر دوائر مختلفة وضرورة احترام البيانات الوجوبية في التزكية وهي الاسم واللقب واسم الأم ورقم بطاقة الهوية والإمضاء. وتمثّل الشرط الأخير في تطابق النسخة الإلكترونية لقائمة المزكّين مع النسخة الورقية. في المقابل، كان من بين أسباب رفض الطعن الذي تقدم به المترشح عماد الدايمي لدى المحكمة الإدارية، هو عدم توفّر خاصيّة النسخ في النسخة الإلكترونية والتي قدمها المترشح في صيغة pdf وهو ما اعتبرته المحكمة وثيقة غير قابلة للاستغلال. شرط لم تذكره الهيئة ولا المحكمة لقبول الملفات أو الطعون.
يقول طارق قرواشي، العضو السابق في شبكة مراقبون، في تصريح لنواة أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تملك إمكانيّات وموارد كان بالإمكان استغلالها لتسهيل عملية مراقبة التزكيات، وأنّه كان بإمكانها تفادي الضغط عليها في فرز وتعداد التزكيات، بالاعتماد على احتساب التزكيات على مستوى الهيئات الفرعية ثم تجميعها، أو الاعتماد على التزكية الالكترونية عوضا عن الاستمارات الورقية وهي حلّ ناجع يمكّن الهيئة من مراقبة دقيقة للتزكيات، وأثبت نجاعته خاصة خلال أزمة كوفيد. ويضيف قفراشي إنّ “عدم وضوح الإجراءات التي اعتمدتها الهيئة في علاقة بالتثبّت من التزكيات منذ بداية الفترة الانتخابية، تسبّب في الجدل الحاصل حولها، خاصة في ظلّ غياب كامل للملاحظين من طرف المنظمات التي تمتلك خبرة في مراقبة الانتخابات”.
منذ إعلان هيئة الانتخابات تاريخ قبول الترشحات الرئاسية، لم يهدأ الجدل في كل المراحل التي سبقت الإعلان عن ملفات المترشحين المقبولين أوليا، ما دفع 7 مترشحين، يعتبرون أن ملفاتهم كاملة، لتقديم طعون لدى المحكمة الإدارية، وذلك في ظل غياب ملاحظين مستقلين لعمليات فرز التزكيات. في هذا السياق، التقت نواة نافع حجي رئيس منظمة مراقبون.
تصرّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على سلامة قرارات الهيئة بخصوص التزكيات رغم تذبذبها في استعمال الشروط التي حدّدتها لقبول التزكية. في المقابل، يعزّز التضارب بين التصريحات الصحفية لمسؤولي الهيئة والردود التي تلقّاها المترشحون بخصوص إسقاط عدد من التزكيات، اتهامات وُجهت للهيئة بعدم استقلاليّتها ووقوفها في صف الرئيس المُنتهية ولايته، والذي يخوض سباقا سهلا في الانتخابات المنتظرة في 06 أكتوبر 2024.
iThere are no comments
Add yours