يوم السبت 19 أكتوبر، نقل أعوان من السجن المدني ببلاريجيا عبيّد إلى المستشفى وهو في حالة صحية متعكرة، لم يُعلم المستشفى أو إدارة السجن عائلة الشاب بحالته، غير أن الصدفة قادت أحد أصدقاءه للقائه في مدخل قسم الاستعجالي بمستشفى جندوبة، ليسارع بإعلام العائلة بالأمر. يقول الشاب بحسرة في تصريح لنواة:

كنت في زيارة لأحد أقربائي في قسم الاستعجالي بالمستشفى الجهوي بجندوبة وشاهدت صدفة عبيّد صديقي، كان بالكاد يتماسك مسنودا بعونين من السجون. اقتربت منه وبدا أنه في حالة شبه إغماء، عانقته باكيا وسألته عن حاله لكنه لم يقوى على الكلام وكانت يداه وساقاه موثوقتين بأصفاد. أدخلوه إلى قسم الاستعجالي ثم أعادوه إلى سيارة السجون والإصلاح التي توجهت به نحو قسم آخر في المستشفى ووُضع في غرفة في الطابق الرابع. حاولت صحبة بعض أصدقائه الدخول إلى تلك الغرفة غير أن عوني السجن لم يسمحا لنا بذلك وطلبا منا المغادرة قائلين إنه بخير.

سجن تليه جنازة

تم إيقاف عُبيّد الدخيلي قبل عشرة أيام بتهمة حيازة القنب الهندي، وأودع بسجن بلاريجيا في انتظار محاكمته، وقبل يومين من وفاته، زاره والده وعمته وكان بصحة جيدة ولا يشكو من أي مرض أو مشكل صحي. يقول حسونة الدخيلي والد عبيد، لنواة ”لم يكن ابني يشكو من أي مرض قبل دخوله السجن أو بعده، وزرته يوم الأربعاء 16 أكتوبر وكانت معي عمته، قال لي مازحا هل أعجبتك حلاقة شعري الجديدة، واعتذر مني متأسفا على قبوعه وراء القضبان، كما طمأنني على حاله واشتكى من الأوساخ بالسجن. لم يكن هناك أي شيء غير عادي، وبعد زيارتي له بيومين، هاتفني صديقه مؤكدا أنه عثر صدفة على عبيّد في حالة سيئة بقسم الاستعجالي بمستشفى جندوبة مرفوقا بأعوان السجون، ذهبت صحبة عمته مسرعا. كان ابني ممددا في الغرفة رقم 14، وهي غرفة مظلمة، ومنعنا عونا السجن من الدخول للاطمئنان عليه وقال أحدهما مهددا شقيقتي إنها إذا ألحت عليه أكثر للدخول إلى غرفة ابني، فسيأمر بإبعاد عُبيّد بنقله إلى سجن سليانة“.

لم يتمكن حسونة الدخيلي من الاطمئنان على حال ابنه رغم أنه كان يرقد في غرفة عادية لا غرفة إنعاش، وعاد إلى منزله، ليتلقى يوم غد خبر وفاة ابنه عن طريق أحد أصدقاءه، لم يستوعب الأب الخبر، فقد زار ابنه قبل دخوله المستشفى، كما حُرم من الاطمئنان على حاله وهو ما أدخله في دوامة من الأسئلة التي لم يجد لها إجابة لا من المستشفى ولا من إدارة سجن بلاريجيا. يقول حسونة الدخيلي ”لم لم يتم إعلامنا بنقل ابني للمستشفى؟ وإذا كانت حالته متعكّرة لم رُمي في غرفة عادية مظلمة دون عناية؟ من حق العائلة أن تتلقى إجابات منطقية. سٌلمت لنا شهادة وفاة ابني وكتب عليها إن سبب وفاته هو سكتة قلبية، كما أن الطبيبة التي دوّنت شهادة الوفاة لم تكن أصلا حاضرة حين كان ابني ممددا في تلك الغرفة وقد ملأت استمارة تسجيل دخوله للمستشفى بعد وفاة عبيّد. كل تلك الظروف تجعلني أشك في سبب وفاة ابني. هل هو تقصير من المستشفى أم من سجن بلاريجيا؟ ننتظر نتائج التشريح وتعهد وكيل الجمهورية بالملف، وقد بلغني من شهود في قسم الاستعجالي أن أعوان السجن الذين نقلوا ابني إلى المستشفى قد اعتدوا عليه حين وقع على ركبتيه عاجزا عن المشي طالبين منه النهوض، وتعهد الشهود بتقديم شهاداتهم أمام وكيل الجمهورية وسأطالب بدوري بالعودة إلى كاميرا المراقبة في قسم الاستعجالي“.

لم يلاحظ حسونة الدخيلي آثار اعتداء على جسد ابنه عند غسله قبل دفنه، باستثناء آثار الأصفاد على معصميه وساقيه التي لم يتم نزعها حتى عند إيداعه المستشفى.

تهم ثقيلة ضدّ جيران عبيد

تقاسم أبناء حي الملجة الكحلة بجندوبة حيث يقطن عُبيّد الدخيلي، غضب عائلة الشاب الذي تُوفي في ظروف مسترابة، وخرجوا إلى الشارع للاحتجاج مساء الثلاثاء الماضي، عقب تلك الاحتجاجات قامت الشرطة بمحاصرة الحي وقطع الكهرباء لتداهم المنازل بعد رشقها بقنابل الغاز المسيل للدموع، شانة حملة اعتقالات عشوائية تواصلت إلى غاية يوم الأربعاء، حسب حسونة الدخيلي وبيان فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

فرع الرابطة بجندوبة رصد المداهمات بمنطقة الملجة الكحلة متكفلا بالمتابعة القانونية

يقول المحامي قيس المحسني المكلف بالدفاع عن الذين تمت إحالتهم بعد تلك الاحتجاجات، في تصريح لنواة إنه تم إيقاف قصّر بعد الحملة التي قامت بها الشرطة قبل أن يقرر قاضي التحقيق إطلاق سراحهم في انتظار سماعهم صحبة سبعة آخرين في حالة سراح منتصف الشهر القادم، ويضيف المحسني ”وُجهت لعشرة أشخاص تهما أولية بالاعتداء بالعنف الشديد على موظف عمومي والمشاركة في العصيان وتكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص والاعتداء المدبر على حرية الجولان والهرج والتشويش ورمي مواد صلبة“. ويضيف المحسني إنه حسب رواية والدة أحد الموقوفين فإن ابنها لحقه ضرر شديد في إحدى عينيه تخشى أن يتسبب له في فقدان البصر حسب قولها، من جهة أخرى ينتظر المحسني الذي كلّفه فرع رابطة حقوق الانسان بجندوبة بمتابعة ملف وفاة عبيّد وإيقاف المحتجين، تقرير الطب الشرعي لشرح الأسباب التي أدت إلى وفاة عبيّد الدخيلي، مضيفا أن الظروف التي حفّت بوفاة عبيّد مثل عدم إعلام العائلة بدخوله المستشفى، أو التواصل معها بعد وفاته هي التي أدخلتها في دوامة الشك بخصوص وفاته خاصة أن والده زاره قبل أيام قليلة من وفاته.


الموت المستراب في السجون التونسية، حوار مع شكري لطيف
19 مارس 2024

عاد الحديث عن الموت المستراب في السجون مستهل شهر مارس الجاري، والسبب وفاة سجينين بسبب غياب الرعاية الطبية اللازمة. واقع يواصل الافلات من العقاب تغذيته رغم فتح السلطات تحقيقاتها لتحديد المسؤوليات. للوقوف على ما حصل، التقت نواة شكري لطيف منسق الإئتلاف الوطني لمناهضة عقوبة الاعدام.


لم يكن عبيّد الدخيلي حالة الموت المستراب الوحيدة لموقوف أو سجين في تونس، حيث فاقت حالات وفاة الموقوفين المسترابة الاثني عشر حالة آخرها وفاة الموقوف رمزي البريكي بسجن المهدية في جانفي الماضي. وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور في قضية الحال يبدو أننا بدأنا نجني نتائج سياسة ملئ السجون بالشباب من أجل سيجارة قنّب بعد دعوة الرئيس لقبضة حديدية من أجل ”القضاء على المخدرات“، في الوقت الذي يدرك فيه أن المظاهرات التي طالبت بوقف العمل بقانون 52، كانت في مقدمة الحراك الذي أربك لأشهر حكومة المشيشي وما راكمه من زخم استغله سعيّد يوم 25 جويلية 2021.