أوقفت الشرطة الأستاذين غازي الشواشي ورضا بلحاج بعد أيام من اعتقالات شملت سياسيين ومعارضين للرئيس سعيّد، ضمن ملفّ تعهدت به الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب بتاريخ 12 فيفري 2023 بتعليمات من وكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، وعلى خلفية طلب من وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بعد القيام بأبحاث أولية شملت ثمانية أشخاص من ضمنهم خيام التركي وكمال اللطيف وعبد الحميد الجلاصي..
منذ ذلك التاريخ، بدأت أكثر المحاكمات السياسية إثارة للجدل بعد 25 جويلية 2021، بسبب التشكيك في الأدلة التي ارتكز عليها ملف القضية وإصرار فريق الدفاع على أن القضية فارغة من أي شبهة جدية وليست سوى قرارا سياسيا بإزاحة معارضين من المشهد، في قضية مُنع التداول فيها إعلاميا وحرم المتهمون فيها من أبسط حقوقهم بما في ذلك رفض السلطة جلبهم للمحاكمة حضوريا تجنبا لانفضاح التلفيق في القضية. رغم كل الجدل الذي رافق تفاصيل هذه القضية، أصدرت محكمة الاستئناف بتونس يوم 28 نوفمبر 2025، أحكامها النهائية في الملف، ونال غازي الشواشي حكما بعشرين سنة سجنا، بعد أن حُكم عليه في الطور الابتدائي بالسجن مدة 18 عاما.
كيف تحولت المعارضة إلى تآمر على أمن الدولة
يوم 11 فيفري 2023، داهمت مجموعة من الفرقة الوطنية الأولى للبحث في جرائم الإرهاب، منزل خيام التركي، رجل الاعمال والقيادي السابق في حزب التكتل وقامت باعتقاله. جرّ إيقاف التركي بعد معاينة هاتفه، غازي الشواشي وسياسيين آخرين إلى زنازين السجن.
حسب تقرير ختم الأبحاث الصادر عن مكتب التحقيق عدد 36 بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، الذي يرأسه القاضي سمير الزوابي، أُجريت معاينات ضد ”محمد خيام التركي وأحمد دولة ومحمد بنضو ومحمد المنصف بن عطية وأحمد المحيرصي ومحمد صابر الجلاصي وكمال اللطيف وعبد الحميد الجلاصي و كل من سيكشف عنه البحث على خلفية اعتزامهم التخطيط للإطاحة بالنظام التونسي الحالي وتغييره بالتعاون مع جهات داخلية وأجنبية والتحريض على القيام بأعمال إرهابية وإجرامية تمس من سلامة وأمن التراب الوطني والاعتداء على الممتلكات العامة وتحريض الناس على الاعتداء على بعضهم البعض من خلال العبث بالأمن الغذائي والدعوة لإسقاط النظام القائم بتونس“. يوم 12 فيفري 2023 تعهدت الفرقة الوطنية للبحث في الجرائم الإرهابية بمواصلة البحث، ليُضاف غازي الشواشي وعصام الشابي وأحمد نجيب الشابي وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك ورضا بلحاج وغازي الشواشي إلى قائمة الموقوفين.

قضايا التآمر: أداة الدولة لتصفية الخصوم
09/02/2024
يواجه المعتقلون ضمن ما يُعرف بقضية التآمر قرابة 12 تهمة على خلفية 16 فصلا من قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وعشرة فصول من المجلة الجزائية، بما فيها الفصل 72 الذي ينص على أنه ”يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي“.
تقول دليلة بن مبارك التي تنوب غازي الشواشي وموقوفين آخرين من ضمنهم شقيقها جوهر بن مبارك، في تصريح لنواة:
اعتقل خيام التركي وعبد الحميد الجلاصي وكمال لطيف وخمسة آخرين على خلفية وشاية من ”xxx“، وهو شاهد لم تكشف المحكمة عن هويته، في المقابل تم إيقاف جوهر بن مبارك وعصام الشابي وغازي الشواشي لا على خلفية تلك الوشاية بل بسبب محادثات على ”واتساب“، فمن ضمن القرائن التي اعتمدت عليها المحكمة فيما يعرف بقضية التآمر، محادثة على واتساب جمعت بين خيام التركي وغازي الشواشي تحدثا فيها عن الوضع العام وتبادلا الأخبار حول الوضع السياسي، إضافة إلى سفر الشواشي صحبة صهره رضا بلحاج لزيارة ابنيهما في فرنسا، الشواشي زار ابنه في ليون قبل العودة منها إلى تونس، في حين عاد رضا بلحاج على متن طائرة قادمة من باريس، المحكمة اعتمدت ذلك كركيزة لتهمة التخابر مع جهات أجنبية. وُجهت إلى غازي الشواشي تهم التآمر الداخلي والخارجي والانضمام إلى تنظيم إرهابي، ولم تكشف المحكمة عن شكل ذلك التنظيم ولا عن عقيدته ولا أفعاله. الملف قائم على 123 كذبة دونها قاضي التحقيق.
حسب قرار ختم البحث في القضية، أنكر غازي الشواشي التهم المنسوبة إليه، وأقر بمعرفته بخيام التركي شأنه شأن بقية السياسيين، وأن علاقته بالتركي تدخل ضمن حريته الشخصية ولا يمكن أن تكون قرينة للتهم الموجهة إليه، ورغم ذلك، حُكم عليه يوم 18 أفريل الماضي، بالسجن مدة 18 سنة.

يقول هشام العجبوني القيادي في حزب التيار الديمقراطي في تصريح لنواة إن غازي الشواشي كان السبب في حصول التيار الديمقراطي على 22 مقعدا في البرلمان سنة 2019، الذي أصبح ثالث أكبر حزب بالبرلمان آنذاك، وذلك بفضل آدائه في مجلس النواب سنة 2014. يضيف العجبوني ”غازي الشواشي شخصية استثنائية ونزيهة التزم بعمله في عهدي البرلمان بين 2014 و2019، بكل احترام، من ذلك ما جاء في تقرير لجمعية البوصلة أنه قدم نحو 25 بالمائة من مقترحات تعديل كل القوانين التي عرضت على البرلمان، الشواشي شخص يؤمن بالحوار معروف بنزاهته لذلك حاول التأسيس لمبادرة للحوار الوطني للخروج من المأزق السياسي سنة 2022، ولعل تلك المبادرة هي السبب في أن يحشر في القضية المهزلة التي تسمى بقضية التآمر رغم أن الخبير الذي عينته المحكمة ذكر أن التواصل بين غازي الشواشي وعصام الشابي وجوهر بن مبارك كان هدفه تنظيم حوار وطني، غير أن قاضي التحقيق لم يضمن هذه الخلاصة في قرار ختم البحث لأنها تدحض سردية النظام في وجود تآمر، كما أن النيابة العمومية نزهت الدبلوماسيين الأجانب من تهمة التآمر وبالتالي مع من تآمر المعتقلون ؟“
انتقام وتنكيل
يوم 14 جانفي 2023، صرح غازي الشواشي أن المبادرة السياسية للإنقاذ التي أعلن عليها في أواخر شهر ديسمبر 2022، تتقدم بخطى مهمة مضيفا أنها مبادرة مستقلة تضم حقوقيين ومستقلين وأنها تقوم بمشاورات قبل عرضها على سياسيين وخبراء والرأي العام، ورفض الشواشي حينها الإفصاح عن الأسماء المشاركة قبل استكمال ملامحها، مضيفا أن هذه المبادرة لا تخص الرئيس قيس سعيد لأنه هو المشكل حسب قوله، حيث تعمل على إيجاد بديل له لتجاوز الأزمة.

قضية التآمر: حضرت الأحكام وغابت الحقيقة
24/04/2025
بعد قرابة شهر ونصف من تصريحه، اعتقل غازي الشواشي بتهمة التآمر الداخلي والخارجي على أمن الدولة، وبدا أن الملف حُسم حين صرّح الرئيس قيس سعيد في 22 فيفري 2023 خلال زيارته إلى الشركة التونسية للصناعات الصيدلية قائلا:
يتحدثون عن الخلاص وعن الحوار .الحوار مع من؟ أصبح الخماسي الراعي للحوار فلماذ قمنا بالانتخابات اذن؟ هم يتحدثون في وسائل الإعلام ويتلقون أموالا بالملايين، وأسماؤهم موجودة، ومن يتجرأ أيضا على تبرئتهم فهو شريك لهم.
في الواقع لم يكن دخول غازي الشواشي في مبادرة للحوار من أجل إنقاذ البلاد السبب الوحيد الذي قاده إلى السجن، فقد سبق أن صرح يوم 26 أكتوبر 2021 أن الرئيس قيس سعيّد يستهدفه شخصيا بسبب معارضته للإجراءات التي قام بها، حيث تحدث سعيد عن فساد في إسناد الأراضي الدولية خلال لقائه بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، قبل أن تثير وزيرة العدل ليلى جفال قضية ضد الشواشي برأه منها القضاء في ماي 2022.
يقول إلياس الشواشي ابن غازي الشواشي المقيم في فرنسا في تصريح لنواة إن الرئيس قيس سعيد لم يغفر لغازي الشواشي تشبثه بتركيز المحكمة الدستورية، ويضيف ”الرئيس قيس سعيد لديه مشكل مع والدي منذ أن كان نائبا ثم وزيرا، وذلك حين استقبله رئيس الجمهورية صحبة محمد الحامدي وزهير المغزاوي من أجل إقناعهم بتأجيل مسار تركيز المحكمة الدستورية فعارض والدي رأيه وذكر له أن تركيزها مسألة ضرورية فأعلمه الرئيس أنه هناك معلومات أمنية تحتم تأجيل ذلك فطالبه والدي بالكشف عن تلك المعلومات وأنه متشبث بموقفه الداعم لتركيز المحكمة فغضب سعيد وأنهى الاجتماع قبل أن تتصل نادية عكاشة بزهير المغزاوي وتعلمه أن الرئيس غاضب من والدي وأنه قال إنه لم يعد مرحبا به في القصر“.

لم يدفع المحامي غازي الشواشي ثمن معارضته للرئيس قيس سعيد فحسب، بل وصل الأمر إلى عائلته، حيث يذكر ابنه إلياس الشواشي أن القضية التي زُج بوالده فيها أصبحت قضية عائلية، حيث بدأ التنكيل بعائلته حين أثيرت قضية في جوان 2023 ضد إلياس الشواشي بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهورية، تلتها قضية أخرى ضده رفعها إبراهيم بودربالة رئيس مجلس النواب على معنى المرسوم 54 ثم سبع قضايا إرهابية جمع فيها احكاما سجنية بلغت نصف قرن. يضيف إلياس الشواشي ”إضافة إلى تلك القضايا الملفقة ضدي، تعرضت الى الاعتداء بالعنف وهو عنف سياسي واعتداء جسدي ولفظي في محاولة لسرقة هاتفي الجوال حتى يكشفوا عن محادثاتي وكان ذلك يوم 29 جوان 2025 في مدينة ليون بفرنسا. في الحقيقة لم يقع التنكيل بي فحسب، بل وصل الأمر إلى شقيقتي وهي طبيبة مقيمة حُرمت سنة 2024 من السفر لإجراء تربص بعد أن منعت من السفر حين توجهت للمطار في موعد رحلتها، وفي العام ذاته تمت نقلة والدتي التي كانت رئيسة دائرة في محكمة التعقيب إلى المحكمة العقارية والحط من رتبتها. التنكيل وصل إلى الأحفاد حيث أعطت المحكمة سنة 2024 الإذن لوالدي بمقابلة حفيدته البالغة من العمر سنة في زيارة مباشرة، لكن لم تقبل إدارة السجن الإذن متعللة بقرار من وزارة العدل بعدم قبول الإذن رغم أنه من حق كل سجين التمتع بزيارة مباشرة كل شهر“.
في أواخر ماي الماضي، نُقل الشواشي إلى سجن الناظور، وهي خطوة اعتبرها المقربون منه تتنزل ضمن مسار للتنكيل بالسجين وعائلته، وهو مسار اختبرته عائلات مساجين آخرين مثل شقيقة سنية الدهماني التي حُكم عليها في جويلية الماضي بالسجن مدة عامين مع النفاذ العاجل على معنى المرسوم 54، ودليلة مصدق شقيقة جوهر بن مبارك التي أحيلت أيضا على معنى المرسوم ذاته على خلفية تصريحات إعلامية بخصوص ما يعرف بقضية التآمر.





iThere are no comments
Add yours