كلمة الدكتور زياد الدولاتلي القيادي في حركة النهضة التي ارتجلها أمام الحضور بمناسبة الندوة الوطنية حول الجمهورية الذي نظمها الحزب الديمقراطي التقدمي في مقره بالإشتراك مع التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات يوم السبت 07 جويلية 2007

تغطية قام بها فريق نواة في تونس

بسم الله الرحمان الرحيم

أيها الإخوة و الأخوات

تونس اليوم وكذلك بقية الشعوب العربية في مفترق الطرق فإما أن تتجه نحو الديمقراطية وإما الدمار.. إما أن يقع التغيير بالوسائل السلمية والوسائل الحضارية وإلا فإن الشباب العربي لن يكون له الخيار غير رفع سلاح المقاومة ضد الفساد والاستبداد و التبعية. ونحن في حركة النهضة إذ نرفض رفضا شديدا وقطعيا و مبدئيا اعتماد المقاومة المسلحة في الوطن العربي لأنها تأتي على الأخضر واليابس فإننا نعتبرأننا مسؤولون جميعا على ضرورة التعاون و التنسيق وتوحيد الصفوف كي تتدرج شعوبنا العربية نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ولا تبقى جزرا معزولة بين شعوب العالم التي تقدمت و قطعت أشواطا في اتجاه الحرية والديمقراطية.

فمسؤوليتنا اليوم ونحن نحيي تأسيس الجمهورية .. الجمهورية التي ضحت لأجلها آلاف من شباب الشعب التونسي و من كل الأطياف المعارضة الوطنية .. من أجل مقومات جمهورية حقيقية هذه المقومات المفقودة اليوم. والتي يتحمل النظام و الحزب الحاكم مسؤولية افتقادها و كذلك المعارضة التونسية في قسم منها .

أنا اليوم لن أتحدث عن مسؤولية الحزب الحاكم فالنخب التونسية و العربية كلها مجمعة أن الحكومات العربية عاجزة على أن تحدث التغيير الديمقراطي. وذلك لعدة أسباب يطول شرحها، ولضيق الوقت سأمر على هذه النقطة لأنها محل إجماع و سأخصص جزءا قليلا من هذا الوقت للحديث عن مسؤولية النخب التونسية والمعارضة بالأساس.

صحيح أن الأنظمة العربية مستبدة وأن الأنظمة العربية باغية ولكن الوقوف على هذه الحقيقة لن يغير شيئا إذا كانت النخب ذاتها مشتتة..

النخب العربية رغم الاضطهاد المسلط عليها و ضعفها تقصي بعضها البعض.. فهل يمكن لنا أن نغير هذا الواقع بنخب مشتتة.. بنخب تقصي بعضها البعض بتعلات ايديولوجية.وهل يمكن لهذه النخب أن تحدث تغييرا لأنظمة مستبدة مدعمة من الغرب..؟ وهل يمكن أن تحدث تغييرا لأنظمة مدعمة بالحديد و النار من أعتا قوى الاضطهاد و الاستبداد في العالم.

فلا خروج ولا سبيل للخروج من هذا المأزق الخطيرإذا لم نعمل معا على تغيير هذا الواقع ..هناك الآن العديد من الشباب التونسي يعايشون اليأس من إمكانية التغيير الديمقراطي .. يئسوا من المعارضة الوطنية ..يئسوا من النخب التونسية.. ولم يبق أمامهم إلا التفكير في الوسائل اليائسة. فهناك اليوم أكثر من 3000 سجين من خيرة شباب تونس في السجون التونسية، تهمتهم الوحيدة أنهم يئسوا من إمكانية التغيير السلمي الديمقراطي فذهب اليأس ببعضهم حد التفكير في سلوك طريق العنف.. نحن يؤلمنا ذلك لأن فيه خسارة لابني أو ابنك أو أي احد من خيرة أبناء التونسيين فبدل من أن يساهموا في مجهود التنمية و البناء الديمقراطي نجدهم اليوم محشورون في غياهب السجون و المعتقلات .

سيعود هذا الطريق بالوبال حتما على هؤلاء الشبان ولكن سيعود بالوبال أيضا على البلاد و كل النخب التونسية. يقول تعالى “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..” ويقول تعالى ” الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك صوت عذاب.. “.. عندما يأتي العذاب فإنه لن يميز ما بين وطني ديمقراطي و بين مستبد و طاغ و ظالم، النار عندما تأتي تأكل الأخضر واليابس. لا يوجد بيننا أحد يرضى هذا الأمر فالنداء موجه اليوم للحزب الحاكم ، نحمله المسؤولية، فإما أن ينقذ البلاد بفتح الباب أمام كل الأصوات التي تنادي بالتغيير السلمي وإلا فإن التاريخ لن يرحمه و الأجيال القادمة لن ترحمه. و إذا كانت اليوم أمريكا بقوتها وجبروتها وبلدان العالم كلها متحدة فشلت بقوة الحديد و النار في العراق.. فشلت في فلسطين ولبنان.. فشلت أمام إرادة الشعوب في الحرية و الكرامة فكذلك الشباب العربي إذا لم يبق أمامه إلا طريق المقاومة المسلحة المدمرة فانه سيسلكها ولن يتراجع عنها.. فتلك سنة الحياة.

إن مصلحة الحزب الحاكم اليوم ومصلحة السلطة أن تفتح أبواب العمل السلمي لكل المواطنين الذين يريدون خدمة مصلحة بلادهم والإسهام من اجل إنقاذ شعوبهم من الفوضى و الدمار لذلك النداء موجه اليوم لكل الأطراف لأقول إنه أمامنا محطة أساسية.. -محطة انتخابات 2009- الذي يريد أن ينقص من قيمتها لا يدرك معنى السياسة. فأعلى هرم السلطة أمام هذه المحطة إما أن يعمل على أن ينقذ البلاد بنقلة ديمقراطية حقيقية ويفرج عن المعتقلين السياسيين ضحايا الاستبداد.. وإلا فان اليأس سيتعمق لدى الشباب ولا يمكن يومئذ أن نوقفه نحن و لا هم ولا أمريكا.. الذي يمكن أن يوقفه هو الرجوع إلى خيارات المصلحة العليا للبلاد دون إقصاء من أجل البناء الديمقراطي السليم.

نحن في حركة النهضة في مؤتمرنا الأخير عبرنا بوضوح أننا على استعداد للتفاعل الايجابي مع كل المبادرات التي تقوم بها السلطة في اتجاه التغيير السلمي الحقيقي ونحن نرى أن المصالحة والتغيير السلمي الحقيقي يجب أن يشمل كل القوى الوطنية فليست لنا مطالب خاصة بنا كحركة النهضة.. هناك مطالب تهمنا كلنا، السفينة مهددة بالغرق ، و بالتالي فمسؤولية إنجاح انتخابات 2009 بشروطها الديمقراطية تقع على عاتق رئيس الدولة و الحزب الحاكم والمعارضة كذلك .. فدور المعارضة يتمثل في العمل من الآن على توحيد صفوفها.. ليس التوحيد المبني على الإدماج و إنما التوحيد المبني على التنوع و الاختلاف البناء.. التوحيد المبني على الاتفاق على القواسم المشتركة للمقومات الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان و الثقافة الوطنية.. هذه هي المقومات التي توحدنا.. لا أقول المعارضة التونسية فقط بل توحيد كل أطياف المجتمع.. كذلك يجب توحيد صفوف الشباب حول التغيير الديمقراطي السلمي و النضال كأولوية مطلقة لإقامة مقومات الجمهورية.

فمن حق وواجب القوى النقابية و الحقوقية و الجمعياتية أن تشارك في هذه المعركة.. معركة التحرر والبناء الديمقراطي. الآن الحزب الحاكم يريد أن يصنع كارتونات ليشتت ويعمق القطيعة و العداء بين مقومات المجتمع المدني..فهو يجرّم كل نضال مشترك من أجل الحرية.. فمشاركة هذه الجمعيات و النقابات في النضال من أجل الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان جريمة في نظره.. هذه العقلية لم تكن موجودة عندما كان آباؤنا يقاومون الاستعمار .. كان الكل موحدين صفا واحد نقابيون وشباب وجمعيات وسياسيون… ذهب البعض إلى فرحات حشاد وقالوا له نحن مهمتنا نقابية بحتة وأنت تريد أن تدفع بنا نحو مواجهة الاستعمار بدعمك للسياسيين.. فكانت له هذه القولة الشهيرة والتي مفادها: إنه لا تتحقق مطالبنا النقابية العادلة إلا في إطار الحرية.. وأنا أقول من هنا انه لا يمكن للمحامين و لا النقابيين و لا الحقوقيين ولا لغيرهم أن يتحصلوا على حقوقهم المشروعة و العادلة ولا أن يرتقوا بواقعهم في ظل التبعية و عدم الاستقلالية وفي غياب الدفاع عن الحرية الديمقراطية وحقوق الإنسان. فالديمقراطية وحقوق الإنسان هي المقومات الأساسية لكل مناضل أينما كان موقعه سواء في جمعية أو نقابة أو أي مكان.. حتى النخب الأكاديمية اليوم تعاني من الظلم والطرد من الجامعة بسبب أنشطتهم النقابية والحقوقية وانتماءاتهم السياسية مثل الأستاذ رشيد الشملي الذي قام بإضراب جوع لأنه أراد أن يصلح قطاعه وهو عضو في رابطة حقوق الإنسان فتعرض للاضطهاد وتم إقصاؤه من الجامعة ومن التعليم ..

إن تجريم الاهتمام بالشأن العام جريمة في ذاتها وهي أيضا جريمة عظمى لكونها تفرغ مقدرات البلاد البشرية والذهنية و الابداعية و تجفف مؤهلاتها الأكاديمية و السياسية و مع أن تبعات هذا الشلل العام والتصحر تتحمل و ستتحمل مسؤولية نتائجه السلطة الحاكمة إلا أن المسؤولية التاريخية من جهة المهمات النضالية المطلوبة مناطة في عهدة كل واحد منا ،ذلك أن نضجا لابد أن يكون قد توفر لدى الجميع لنتجاوز ذواتنا و مصالحنا الضيقة و نقبل ما نحن عليه من اختلاف ونحترم مافينا من خصوصيات. و في ذلك إثراء للحياة وضمان للتطور نحو مستقبل أفضل لمجتمع حر و ديمقراطي.

و السلام