بقلم عبد الله الزواري

المصدر: مدونة عبد الله الزواري

أتعرف من الضيف الثقيل؟؟

أليس هو من يطرق بابك و أنت في أشد الغنى عنه، بل لا حاجة لك إليه إطلاقا اليوم وغدا.. يطرق بابك و لك من المشاغل و الأعمال ما تبذل قصارى جهدك لإنجازها… أو يطرق بابك و أنت تريد الاختلاء بنفسك تسترجع ذكريات عزيزة عليك.. أو تريد مجرد الاستراحة من عناء الكدح اليومي من أجل لقمة تريدها مغمسة بالعرق لا مغمسة بالذلة و الهوان …

قد يكون هذا الضيف صديقا أو حبيبا أو قريبا لكنه و مع ذلك قد يكون ضيفا ثقيلا إن طرق الباب على غير موعد أو في وقت غير مناسب..

و لذلك جاءت الآداب النبوية ترشد إلى أفضل السبل و أقومها في بابنا الذي نتحدث عنه…

و هذا إذا كان ضيفنا من الذين تذكر بالله رؤيته و يزيد في العلم منطقه و تحبب في العمل الصالح سيرته فتنشرح لقدومه النفس و يسر بمحادثه العقل و تسمو بفضائله الروح…

لكن هناك من يكون ضيفا ثقيلا أبد الدهر و لو كان أخوك التوأم أو قريبك أو…

هذا الضيف الثقيل أبد الدهر هو عون الأمن، و أحسب أن هذه الصفة تنسحب على عون الأمن أينما كان… حتى في ظل البلدان الأعرق ديمقراطية و الأشد احتراما لحقوق الإنسان و تقديسا لها.. و لعل الاستقبالات التي يحظى بها المفتش” كولومبو” في تحقيقاته الجنائية تبرز ما أشرنا إليه..

إذا كانت حساسية المواطن العادي إزاء عون الأمن على ما ذكرت في مثل تلك الدول فبالله عليك كيف تريد هذا العلاقة أن تكون في ظل دول الاستبداد و القهر و تغول الدولة و الأنظمة التي تفنقر إلى كل شرعية غير شرعية القوة الغاشمة.. في ظل أنظمة تجرم البريء و تبرئ المجرم و تنتهك الكرامة الإنسانية..؟؟؟

جرني إلى هذا الحديث ما تتعرض إليه عائلة السجين السياسي و القيادي السابق في حركة النهضة و هي التي استبشرت يوم خروج ابنها من السجن بعدما ما قضى وراء القضبان سبعة عشر سنة في ظروف يمكن أن تضفي عليها ما شئت من الأوصاف غير مختلف الصفات التي لها علاقة بالآدمية و الإنسانية ( كرامة، حرمة جسدية، حقوق إنسان…) استبشرت بانتهاء معاناتها المرة في زياراتها لابنها و هو في السجن و ما تلاقيه من جفاء و تشف و إهمال و معاملة فضة و خشيتها المتواصلة على حياة ابنها و ما يمكن أن يسلط عليه من اضطهاد..

استأنفت المراقبة اللصيقة للسيد العجمي بعد أن انقطعت مدة إثر تذمر السكان من هؤلاء الذين حلوا عليهم ضيوفا دون دعوة منهم و لا إذن لهم، منتهكين حرمة منزل والديه و متسببين في حرج بالغ لكافة العائلة التي لم تتعود قضاء شؤونها تحت أعين هؤلاء بصفة دائمة..

قدموا قبل صلاة العشاء و بعدها، قدموا فجرا و قيلولة و أصيلا، و سؤال بسيط دائما يرددونه بالليل و النهار؟ أين العجمي؟؟” ” هل هو في المنزل و إن خرج فإلى أين؟؟؟ و إن أجابت العائلة بكل أريحية المرة الأولى، فإنها فقدت وسع بالها و رحبة صدرها بعد ذلك، و سرعان ما انزاحت هذه ليحل محلها تبرم و تذمر من هؤلاء الضيوف…

العجمي لا فرق لديه بين مدن البلاد و مستعد للتنقل بينها فقد فاتهم أن ينصصوا على “تمتعيه” بالمراقبة الإدارية لكي يحددوا مجال تفسحه و تنقله و عمله… كما أن العجمي مستعد لاحترام القانون لكنه مع ذلك قد يدفع دفعا إلى مغادرة منزل والديه تخلصا من هؤلاء الضيوف الثقال… و لاشك أن وراء هذه الممارسات المتخلفة الممنهجة إصرار على فرض عزلة اجتماعية على العجمي تأديبا له على تمسكه بحقوقه الأساسية و التي لم تثنه عنها سبعة عشر سجنا في ظروف التي ذكرت سابقا…

و إن كان معتوق العير قد قرر يوما بعد هرسلة متواصلة أن يقيم في شاحنته التي أوقفها أمام المنطقة التي يرجع إليها بالنظر و كتب برقية في الغرض لإعلامهم بتغيير محل إقامته فقد يجد العجمي أشكالا أخرى يمكن أن تكون أكثر طرافة تعيبرا منه على رفضه لما يمارس عليه… و قديما قال آباؤنا: “كثرة الهم تضحك”

جرجيس في 05 أكتوبر 2007

ملاحظة: انظر البرقية التي وجهها العجمي الوريمي إلى الجمعيات الحقوقية و التي ننشرها رفقة هذا هي الموجهة إلى السيد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

بسم الله الرحمان الرحيم

سوسة في 3 اكتوبر 2007

إلى السيد: مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

تحية طيبة و بعد:

إني الممضي أسفله السجين السياسي و القيادي السابق في حركة النهضة تعرض عائلتي منذ أسبوع إلى ضغط مستمر من طرف الأجهزة الأمنية التي تطرق الأبواب في أي وقت و دون إعلام و دون موجب للاستفسار عني و عن تنقلاتي و غيابي أو وجودي بمنزل العائلة و هو ما جعل عائلتي تشعر أن معاناتها مستمرة وأن الأمل الذي عاد إليها بخروجي من السجن في شهر جويلية 2007 ليس إلا سرابا خادعا و أن ابنها خرج من السجن المضيق إلى السجن الكبير و أن هناك من يصر على أن يفرض عليه عزلة اجتماعية بعد سنوات العزلة الفردية و الجماعية في سجون تونس..

إن هذه الممارسات الغريبة و المريبة و التي تأتي على أبسط حقوق المواطنة قد نغصت علينا العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك و كشفت لنا حقيقة شعارات التسامح و الإخاء في الوطن و الدين..

إن ما تتعرض إليه عائلتي عقوبة جماعية مخالفة للقانون و منافية لما جاءت به الشرائع السماوية و الوضعية..

السيد رئيس الرابطة المحترم:

ألفت انتباهكم أني خضعت بعد خروجي من السجن مباشرة إلى مراقبة لصيقة دامت ما يزيد عن شهر كامل و قد أبلغت رئاسة الجمهورية بذلك و تذمر المواطنون و الأصدقاء فرفع الحصار و لكن ذلك لم يدم إلا أياما عادت إثرها الوضعية إلى أسوأ مما كانت عليه، لذا أرجو من سيادتكم لفت نظر كل من يهمهم الأمر حتى لا اضطر و عائلتي إلى اللجوء إلى أشكال أخرى أكون قد أعذرت قبل الدخول فيها دفاعا عن حقوقي التي منحني إياها دستور البلاد و قوانينها و ضمنتها المواثيق الدولية التي أمضت عليها الدولة التونسية بدون تحفظ…و تقبلوا سيادة الرئيس المحترم فائق احترامي و تقديري

العجمي الوريمي