Les articles publiés dans cette rubrique ne reflètent pas nécessairement les opinions de Nawaat.

المواطن التونسي عاش تصحرا سياسيا طيلة اكثر من خمس عقود مضت وهو اليوم و رغم الثورة مازال ينفر من السياسة رغم استيلائها على حيز هام من نقاشاته اليومية في المقهى و العمل والبيت. المواطن التونسي و على غير عادته شارك وتابع الانتخابات الاخيرة و التي كانت نتائجها مخيبة للامال بالنسبة للبعض مما ادى الى عزوفه ثانية عن متابعة الشان السياسي.

هذه الخيبة شملت ثلاث مستويات :

سكان الحاضرة الذين استانسوا بمنوال اجتماعي حداثي متحرر نوعا ما و الذين افاقوا على انتصار كاسح لقوة سياسية ذات مرجعية دينية، مما اثبت ان هؤلاء كانوا و لا يزالون يعيشون في عزلة عن باقي فئات الشعب كما ان ثقافتهم و طرائق عيشهم مغتربة عن اغلبية المجتمع.

هؤلاء معنيون اكثر من غيرهم بعملية البناء ولا ارى من حل غير انخراطهم في منوال اجتماعي واقتصادي تضامني عبر خيارات سياسية ذات اولويات اجتماعية حتى وان كانوا من الراسماليين المتغولين فان اللحظة الراهنة تقتضي التكاتف للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة في انتظار تشريعات جدية تحد من امكانية استغلالهم لعرق الكادحين مع ضمان منظومة تقطع مع فساد المتمكنين في الدولة و مزاحمتهم اللامشروعة لاصحاب الاموال كما حدث في عهد العصابة الطرابلسية.

المستوى الثاني هو دون ادنى شك سكان الحاضرة المنضوين تحت لواء الاحياء الشعبية و المحظوظين جغرافيا و المهمشين اجتماعيا والمفقّرين اقتصاديا و المتخبطين ثقافيا و الذين شاركوا في العملية الانتخابية الاخيرة بغاية القطع مع الماضي والتوق الى مستقبل تقوده القوى التي يرون فيها القدرة على الحد من الجريمة المتفشية في اوساطهم والارتقاء بالاخلاق والاخلاقيات التي اندثرت وراء انتشار الفقر و سعي ابائهم الى كسب قوت يومهم عبر الممنوع و المحظور.

وهنا الخيار السياسي يجب ان يكون مستلهما من البرامج القريبة المدى التي تطرحها مختلف الاحزاب السياسية و مدى واقعيتها و امكانية تفعيلها و تلاؤم الحلول المقدمة مع حقيقة الحاجيات و خاصة المستعجلة منها.

المستوى الثالث يضم الجهات الداخلية بشمالها ووسطها و جنوبها و التي لم تنصفها التنمية و بقيت في غياهب النسيان كما قاطعها الاعلام في العهدين السابقين مما جعل نوعا من الحقد يتفشى بينها ،حقد بريء كرّسه النظام و جعل ابناء الجهات يتخيلون المدن الكبرى جنات تجري من تحتها الانهار فيقصدونها للعمل و يهجرون اراضيهم ليسطدموا بالواقع المريرو انعدام فرص العمل، الا انهم يخيرون البقاء في المدن على العودة الى مسقط راسهم بيد فارغة واخرى لا شيء فيها.

وهنا لاحظ الجميع قساوة نظام الانتخاب تجاه القائمات مما جعل الناس يصوتون لاحزاب بمعزل عن الاشخاص الشيء الذي ادى الى صعود نواب ليسوا من الذين يعيشون و يسترزقون من الجهة و لا يحملون هموم و مشاغل ابناء الجهة، و بحكم اني ابن جهة داخلية و لم اولد او اترعرع في احضانها فانا جسم غريب عنها و لا استطيع ان امثلها.

والمقترح هنا ان يسعى ابناء الجهات الى تجاوز العقلية الحزبية و التصويت لابناء الجهة من الثقات و القادرين على التغيير اذا ما انتقلوا الى مواقع القرار.

الملاحظ في الانتخابات الاخيرة هو حداثة غالبية الانتماءات الحزبية، مما يجعلنا نتفق ان الغالبية لا تمتلك ادوات العمل السياسي و لم تتشبع بالفكر ولم تطلع على الصيرورة التاريخية لمختلف التيارات السياسية و انما اختارت فريقا و استماتت في الدفاع عنه ولم تتوانى في الانسلاخ عنه اثر ذلك. وهو ماحدث للتكتل و المؤتمر المكونين للترويكا الحاكمة و في غالبية بقية الاحزاب على غرار ابناء الحزب الواحد الذين انقسموا و انخرط بعضهم في محاولات توحيدية يائسة لم ترتقي الى مستوى انتظارات و تطلعات الشعب التونسي و حافظ بعضهم الاخر على النقاوة الايديولوجية و بقي معزولا، مما ادى الى امعان البعض في شرذمة القوى السياسية تحت عنوان توحيد صفوف المعارضة.

الشيء الذي ان دل على شيء فهو مضي هؤلاء لمقارعة الحزب الحاكم المتغلغل في وجدان و عواطف الشعب المسلم دون الارتكاز على استراتيجيا او برنامج واضح يمثل البديل المقنع القادر على زعزعة ثقة هؤلاء في الحزب الذي ترسخت صورته في المخيلة الشعبية على اساس انه حامي الحمى و الدين و المتضرر الابرز من الديكتاتورية البورقيبية و النوفمبرية.

و بقطع النظر عن احقيته بالسلطة من عدمها و مدى فاعليته في الحكم فان ابرز نقيصة في المشهد السياسي التونسي تبقى دون ادنى شك انتفاء البديل القادر على المزاحمة الجدية في ظل هشاشة التنظيم و الهيكلة و الانضباط للواقع و القطع مع الايديولوجيات الارضية المتحجرة لغالبية الاحزاب و التي اثبت فشلها في مقارعة الايديولوجيا السماوية الموغلة في قلوب التونسيين المسلمين.

فالنهضة ليست خيارا بل شر لابد منه في انتظار العمل الميداني و الاتجاه نحو المواطن التونسي في كل شبر من ربوع الوطن للاستماع الى مشاغله و الابتعاد عن دمغجته وادلجته بل كسب ثقته. حينها تستطيع الايديولوجيا ان تغير المجتمع بحيث لن تكون مسقطة بل نابعة منه و نافعة له.

حينها فقط سيرسي المجتمع ادوات تفكيره الخاصة والياته ووسائل انتاجه المحلية دون ان يكون في حاجة الى استيراد قوالب جاهزة.