وقفة طاقم  اذاعة " الشعانبي آف . آم - مصدر الصورة: الصباح
وقفة طاقم اذاعة ” الشعانبي آف . آم – مصدر الصورة: الصباح
بقلم نسرين الرمضاني،

لم يجد طاقم راديو الشعانبي آف . آم من سبيل أمامه إلا الدخول في إضراب مفتوح عن العمل في محاولة للضغط على صاحب الراديو من أجل الإستجابة لمطالب العملة المتعلقة بمستحقاتهم المالية و تحديد الإطار القانوني لعملهم.

بدأ فريق راديو الشعانبي آف . آم، المتكون من صحفيين و تقنيين و منشطين، إضرابه المفتوح منذ حوالي شهرين و يزيد، و السبب في ذلك هو عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية منذ مزاولتهم للعمل، أي منذ حوالي 10 أشهر، إضافة إلى غياب الإطار القانوني الذي يضمن حقوقهم و يحدد واجباتهم.

قد لا يبدو الأمر غريبا على المهنيين فأغلب وسائل الإعلام في تونس تعمل في ظل ظروف مادية حرجة بما لا يسمح لها من خلاص أجور العاملين فيها و مجابهة التكاليف و هو السبب الذي أجبر العديد منها على التوقف عن العمل بصفة نهائية.

لن ندخل في ما يجب و ما لا يجب، لن ننظر إلى المسألة بصفة مجردة، فقط سنسلط الضوء على هذا الصراع الصغير داخل راديو الشعانبي آف . آم الذي يختزل أحد أهم مشاكل قطاع الإعلام في تونس، و سنتخذه كمثال لما يعاني منه القطاع.

في تفسيرها لأسباب الإضراب و ظروف العمل في أول إذاعة أخذت تصريحا حكوميا للبث في ولاية ألقصرين، استهلت منية المساوي الصحفية براديو الشعانبي آف . آم حديثها عن بداياتهم مع هذه الإذاعة قائلة:

في البداية قبلنا العمل في إذاعة الشعانبي آف . آم كمتطوعين لأننا نعرف جيدا القطاع و صعوبات تأسيس محطة إذاعية جديدة و لأننا أردنا المشاركة و لو بجزء بسيط في انطلاق إذاعة في ولاية القصرين … و ماكان من صاحب الراديو، الاعلامي مختار التليلي، إلا أن وعدنا بأنه سيحسن وضعياتنا المهنية بمجرد دخول إيرادات الإشهار…

واصلت منية حديثها حول ظروف العمل الصعبة و جول غياب أبسط الإمكانيات لتسهيل العمل و لاسيما العمل الصحفي:

في الشعانبي آف . آم نفتقر إلى العديد من الضروريات فالإذاعة لم تكن مؤثثة كما يجب فمثلا كنا نملك طاولة واحدة يستعملها الجميع كمكتب… مع انتشار الإذاعة تلقينا مساعدات من المجتمع المدني و من الأهالي و من السلط المحلية تمكنا من خلالها من تجهيز مقر الراديو بالأثاث اللازم…

و واصلت كالعادة بكل حماس ساخر عجز عن اخفاء الألم في كلامها:

أما بخصوص الهاتف فحدث ولا حرج… في كل الإذاعة هناك هاتف واحد هو نفسه الهاتف الذي نجري منه اتصالاتنا بمصادرنا و هو نفسه الذي يتصل عليه المستمعون للمشاركة في أحد البرامج أو للاتصال بالراديو… و قد تسبب هذا الأمر في شجارات عديدة بين الزملاء: دائما هناك من يحتاج إلى إجراء اتصال من أجل التثبت من خبر عاجل فيتصادم مع منشط يرفض طلبه لأنه بصدد استقبال مكالمات المستمعين للمشاركة في برنامجه…

و يواصل فريق الشعانبي آف . آم إضرابه المفتوح عن العمل،فما كان من صاحب الإذاعة إلا أن أغلق أبواب المقر و أطلق كلاب الحراسة في الحديقة كي لا يتمكن الفريق من الدخول و مواصلة الإضراب بالداخل. طبعا هذا التصرف لم يلقى استحسان أبناء الراديو المضربين فقاموا بمحاضر معاينة ألحقوهاب ملف القضية التي رفعوها ضد مرؤوسهم الساخط.

أمام كل هذا التصعيد حاولت أطراف عديدة التدخل بالصلح، منها النقابة الوطنية للصحفيين، و خلال الجلسات تم الاتفاق لتجاوز نقاط الخلاف و إيجاد سبل للتسوية ترضي جميع الأطراف.

و أسفرت الجلسة التي عقدت يوم 2 أفريل بمقر النقابة الوطنية للصحافيين بتونس بحضور ممثلين عن العاملين في الإذاعة و مختار التليلي صاحب الإذاعة و ممثل عن نقابة الثقافة و الإعلام بإتحاد الشغل و ممثل عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، على الاتفاق حول النقاط التالية:

– تمكين العاملين من مستحقاتهم المالية كاملة مع دراستها حالة بحالة.
– إبرام عقود قانونية مع من سيتم الاتفاق على مواصلتهم العمل مع احترام كل الشروط و الإجراءات القانونية.
– إعادة هيكلة الإذاعة وفق المعايير المهنية و التقنية.
– تحييد الإذاعة عن كل التجاذبات و تحكيم نقابة الصحافيين و نقابة الثقافة و الإعلام في حل الخلافات المهنية و النقابية.
– التعهد بإسقاط الدعاوى القضائية الشغلية و المدنية و الجزائية من الطرفين.
– إنهاء الإضراب و التعهد بالإلتزام و الإضافة المهنية.
– تم الإتفاق على دفع قسط 25 بالمائة من المتخلدات خلال نهاية أفريل 2013 و الإلتزام بدفع البقية حالة بحالة على 5 دفعات بداية من الأول من جوان إلى موفى شهر أكتوبر 2013.
– تم الاتفاق على إبرام عقود قانونية حالة بحالة يتم إقتراحها من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين و نقابة الثقافة و الإعلام مع عدم التخلي عن العناصر القارة إلا بما يضبطه القانون.

اتصلنا بمعاذ البركاوي تقني صوت براديو الشعانبي آف . آم لنستفسر عن أسباب تواصل الأزمة حتى بعد الإتفاق فقال:

“صاحب الراديو ليس له أي نية لحل الأزمة فبعد كل اتفاق يصرح لوسائل إعلام خلاف ما تم الإتفاق عليه و لا يتردد في إتهامنا كالعادة و توجيه الإهانات لنا… فمثلا صرح ذات مرة لراديو قفصة عندما سُؤل لماذا يمنع العاملين في الراديو من الدخول بالإستعانة بكلاب حراسة قال بالحرف الواحد:” هاته الكلاب زملاءهم”.

و كان من الطبيعي لإنجاز هذا العمل أن نتصل بصاحب إذاعة الشعانبي آف . آم السيد مختار التليلي لنستمع إليه بهذا الخصوص فقال أن المشكل يكمن في الوضعية المادية الصعبة التي يمر بها الراديو:

أنا أملك أفقر راديو في القصرين… حتى عائدات الإشهار ليست بالشيء الكثير ليساعدنا على تغطية تكلفة الراديو و تسديد أجور العاملين فيه فمن يشهرون في راديو الشعانبي هم أساسا المحلات التجارية الصغيرة… و هذا ليس بالأمر المربح…

و يؤكد صاحب راديو الشعانبي آف . آم على استعداده لإحتواء الأزمة و لكن بشروطه هو حيث قال: “سأعيد إلى العمل كل من له النية في العمل دون أي خلفيات و طبعا من يحترمني و لكن كيف لي أن أواصل العمل مع من يوجه لي الشتائم في كل مناسبة”. فكانت هذه مناسبة لنذكره بما قاله سابقا في إذاعة قفصة لعل الذكرى تنفع،فلم ينكر السيد مختار التليلي ما صرح به بل حاول تفسير ما قصده من كلامه: ” الكلاب كانت موجودة في مقر الراديو حتى قبل مجيء هؤلاء للعمل فيها… ثم لطالما قلنا أن الكلب صديق الإنسان و أنه رمز الوفاء فهل أصبح الان التشبيه بالكلاب أمر سيء؟”

الحل الذي وجده مختار التليلي، بعد 3 أشهر من إنطلاق الراديو هو تأسيس جمعية أسماها “جمعية عرعار للثقافة الرقمية” حيث قال بعض العاملين بالإذاعة أنها أنشأت من قبل صاحب الراديو و شقيقه ليتمكن الفريق العامل من الحصول على أجر 200 دينار وفق ما يسمح به قانون الجمعيات.

و بهذا الخصوص قالت لنا مصادرنا أنها: ” تقريبا جمعية وهمية” فهي لا تقوم بأي نشاط و ليس لها مقر، و هذا ما أكده لنا صاحب الراديو السيد مختار التليلي عند اتصالنا به، حيث قال أن عنوان هذه الجمعية هو نفس مقر الراديو و أن الهدف منها هو تكوين الصحفيين و لكن نظرا لشح الموارد المالية فهي عاجزة عن القيام بأي نشاط جمعياتي.

تصعيدات عديدة حصلت في أزمة إذاعة الشعانبي آف . آم، و تتالت محاضر المعاينة و محاضر التنبيه ضد صاحب الراديو و رفعت القضايا بين الطرفين و تبادلت الاتهامات، كل هذا و الفريق العامل ما يزال مضربا عن العمل، كل هذا و الإذاعة الشابة الصاعدة تشق طريقها بصعوبة لتتخذ لها مكانا في مشهد الإعلام المحلي و الخاص.

و يبقى المشكل متعلق أساسا بالإمكانيات المادية، و هو المشكل الذي تعاني منه عديد الإذاعات الخاصة الجديدة، و الذي يشكل تهديدا لبقاء الإذاعة و استمرارها. فمن المسؤول عن إعطاء تراخيص البث للإذاعات الخاصة دون التأكد من رأس مالها و من حجم الميزانية اللازمة لإنجاز مثل هذا المشروع الإعلامي؟