تنبيه :

يهدف هذا التقرير إلى رصد الانتهاكات التي تمارس من قبل أجهزة الدولة على الانترنت في تونس من مصادرة وحجب ومراقبة وغيرها. وكما أنّ من قام بإعداده من غير المختصّين، فإنه يتوجّه لجمهور غير مختصّ؛ فالمرصد يسعى أساسا إلى فضح الآليّات الحكومية للمصادرة وتقنياتها المستعملة، ولكن أيضا إلى مساعدة التونسيّين المدافعين عن الحرّيّات في التسلّح بأدوات المعرفة والحماية ضدّ مختلف الهجومات التي يتعرّضون لها سوى على بريدهم الالكتروني أو على مستوى إمكانيّات الإبحار الحرّ على الشبكة.
كما أنّ جهودنا تتجه أيضا إلى تشجيع التونسيين على ممارسة مواطنة فاعلة قصد تجاوز الآثار السلبيّة للتهميش، خاصّة بالنسبة للشباب الذي يمثّل الشريحة العمريّة الأكثر استعمالا للانترنت
.

المحتوى:

I. ملخّص عملي:

أصبحت تونس معروفة على النطاق العالمي بوصفها إحدى أكثر الدول ممارسة للحجب والمصادرة في الانترنت بصفة متواترة ومنهجيّة، وذلك منذ
انعقاد القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في نوفمبر 2005. حتّى أصبح التحدّي الإعلامي القضيّة الأكثر حضورا في الفضاء التونسي المغلق. إذ لم تكتف السلطات بخنق الصحافة والوسائط السمعيّة-البصريّة، بل تمادت إلى محاصرة هذه الوسيط الإعلامي الجديد المتمثل في الانترنت. فجنّدت جيشا من الأعوان لدى وزارة الاتصال لملاحقة مستعملي الانترنت في تونس ومراقبة نشاطاتهم.
ورغم التعدّد الظاهريّ، فإن المشهد الإعلامي التونسي بقي فقيرا، إذ أنّ حرّية إصدار الصحف أو البث التلفزي أو الإذاعي الحرّ مصادرة كلّيّا، فمنذ سنة 1987 لم تمنح رخصة النشر لأيّ وسيلة إعلام مستقلّة.

ولئن كانت تونس تفخر بأنها البلد الأول عربيّا وإفريقيّا في الربط بالشبكة المعلوماتية، إذ تعدّ رسميّا أكثر بلدان شمال إفريقيا ارتباطا بالشبكة بمعدّل نفاذ 4,12%؛ فإنها مع ذلك تعدّ البلد الإفريقي الوحيد الذي يمنع الارتباط بالشبكة عبر الأقمار الصناعيّة بالنسبة للخواصّ، كما أنّ شبكة بالهاتف القارّ تبقى حكرا على المزوّد الرسمي “اتصالات تونس”.

لقد شهدت الانترنت إقبالا منذ سنة 1999، حيث وجد فيها الشباب والمعارضون منفذا على العالم وفضاء موازيا يمكن أن يمارسوا فيه مواطنتهم بحرّيّة. لكنّ السلطة التي فوجئت بهذا الاجتياح غير المنتظر، قامت بتطوير أدواتها القانونية والمادّيّة لاحتواء الشبكة العنكبوتيّة في شباك مصادرتها ورقابتها. فبعثت جهازا أمنيّا مختصّا في المعلوماتيّة “يسهر” على “الأمن الفكريّ” للتونسيّين. إذ تعدّ تونس من أوائل دول المنطقة في إرساء قوانين تعتبر من أكثر القوانين المنظّمة للانترنت ردعيّة وقسوة. هذه القوانين لا تعتبر رديئة في ذاتها، ولكنها تشترك في منح صلاحيّات واسعة جدّا وسلطات غير محدودة للإدارة العموميّة مع تضييق هامش الدفاع المتروك للمواطن.

كما أنّ إمكانيّات ضخمة وظّفت من أجل مراقبة نشاط الانترنت. فقد وضعت السلطات مخططا بحيث تقع المراقبة على عدّة مستويات وتسمح بالفرز والمصادرة صلب العمود الفقري نفسه للشبكة. الأمر الذي حوّل الانترنت في تونس إلى شبكة ربط داخليّ محدودة “انترانت” ممتدّة على مستوى البلاد.
هذا الصنف من المصادرة يطرح إشكالات خطيرة تتعلق بالمساس من الحريّات الفرديّة وحماية الحياة الخاصّة التي يفترض أنها محميّة بموجب الفصل التاسع من الدستور، إلى جانب القانون المتعلّق بحماية المعلومات ذات الطابع الشخصي.

والرقابة على الانترنت كلّية بسبب إحكام قبضة المزوّد بالجملة لخدماتها -الوكالة التونسية للانترنت- على جميع خطوط الشبكة ومساراتها في تونس. وفي حقيقة الأمر فإنّ الوكالة التونسية للانترنت ليست إلاّ ستارا لجهاز خفيّ مرتبط مباشرة بوزارة الداخليّة وبرئاسة الجمهوريّة يمارس في الخفاء عمليّات المراقبة والمصادرة التي يشكّل فرز المحتوى باستعمال برمجيّات الفرز على غرار “ويبسونس” Websense و”سمارت فيلتر” Smartfilter التقنية الرئيسيّة المستغلّة فيها من قبل هذا الجهاز لحجب المواقع.
وتبقى مراقبة واعتراض الرسائل الالكترونية تشغل الحيّز الأكبر من نشاطه. ولتحقيق هذا الغرض يوظّف تقنية المراقبة اللّصيقة للحزمات Deep Packet Interception (DPI) المستعمل حاليّا لمراقبة البريد الاكتروني والربط الصوتي على الانترنت VoIP (مثل السكايب).

لقد غدا من الدارج والمعتاد لدى المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين المستقلّين أن يُقطع الربط بالشبكة أو أن تُغلق بوّابات الخدمات الرقمية أو أن يختفي بريد الكتروني أو يُعاق تحميل ملفّ مرتبط به، بعد أن كانوا قد خبروا أشكال المصادرة الأخرى. هذه الوضعيّة دفعت ثلاثة منظّمات غير حكوميّة أن تطلق صيحة فزع في سبتمبر 2008 من خلال بيان مشترك أصدرته.

من يصادَر و ماذا يصادَر؟

لا يسلم أحد من هوس المراقبة منذ المعارضين السياسيين و الجمعيّات المستقلّة وحتّى الوزراء مرورا بالفاعلين الاقتصاديّين ومنخرطي الحزب الحاكم والنقابات والجامعات وحتّى البعثات الديبلوماسية.

أمّا المحتوى المصادر، فهو عادة مواقع حقوق الإنسان ومواقع المعلومات ومواقع أحزاب المعارضة والمواقع الإباحيّة ووسائل تجاوز الحجب والإبحار المقنّع (الإبحار الآمن) ومواقع الترجمة الآليّة وبعض مواقع الموسوعات مثل بعض صفحات موسوعة ويكيبيديا ومواقع إيواء الفيديو مثل “يوتوب” و”دايلي موشن” والشبكات الاجتماعية مثل “فايسبوك”.

وتخضع الفضاءات العموميّة للانترنت Publinets بدورها إلى رقابة مشدّدة وإلى كراس شروط مجحفة. فمسيّر الفضاء “يلتزم بالسهر على أن يكون محتوى الصفحات المشاهدة من قبل الحريف مطابقا للمعايير المرخّص فيها من قبل الوكالة التونسية للانترنت، كما أنه مطالب “بالمراقبة عن بعد لمحتوى البريد الالكتروني لحرفائه”.

ومنذ بدايات 2009، أعادت السلطة تفعيل إجباريّة التعريف بالهوّيّة لمستعملي الانترنت قبل الشروع في الإبحار في الفضاءات العموميّة؛ وقد فرضت الوكالة التونسية للانترنت على جميع أصحابها استعمال برمجيّة Publisoft الذي يمكّن من مراقبة نشاط زوّار الانترنت مباشرة، بحيث تتمكن أجهزة الدولة من معرفة المواقع التي يزورها كلّ مستعمل والتعرّف على هوّيته وذلك بشكل فوريّ.

هذه المراقبة اللصيقة أدّت إلى الحدّ من انتشار الفضاءات العموميّة للانترنت بسبب الغلق الإداري الذي ضرب نصفها في ظرف 4 سنوات. حتّى أصبحت الوكالة التونسية للانترنت تتجنّب اليوم الإعلان في صفحات موقعها عن عدد الفضاءات العمومية للانترنت في تونس.

ولا تكتفي شرطة الانترنت بمراقبة التونسيين في تونس، إنما جنّدت كلّ إمكاناتها لتطال يدها نشاط التونسيين خارج تراب البلاد. فضاعفت الهجومات على المواقع المعارضة المأويّة في الخارج (أي جميع مواقع المعارضة لأن مزوّدي الخدمات التونسيين يرفضون إيواء مواقع على هذه الشاكلة)، كما تقوم أجهزتها بمراقبة خطوط ربط المعارضين بالخارج وبريدهم الالكتروني بالالتجاء إلى خدمات وسطاء وبإرسال جواسيسها لنفاذ الفضاء التدويني.

يمكننا الجزم أنّ الاستثمارات الموظّفة في عمليّات مراقبة الانترنت بلغت حجما ضخما، تتقاسم أعبائها ميزانيّات وزارة الاتصال ووزارة الداخليّة والوكالة التونسية للاتصال الخارجي ورئاسة الجمهوريّة.

ويرى العديد من الملاحظين أنّ هذه الاستثمارات كانت ستعود بالفائدة العظمى على المجموعة الوطنية لو وظّفت في مشاريع مثمرة، وأنها كانت ستسمح باستيعاب ثلث نسبة بطالة الشباب التونسي المعطّل من حاملي الشهادات العليا.

كما لا يسع المرصد إلاّ أن يشير إلى الدور السلبيّ الذي لعبه الشريك الأوروبيّ من خلال المساندة المطلقة لسياسة النظام التونسي هذه والتي يسوّقها تحت شعار الأمن ومكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في المنطقة.

II. توصيات:

إن مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع يطالب الحكمومة التونسية بالسهر على:

1. احترام التزاماتها الدوليّة وخاصّة المتعلّقة بحريّة التعبير (الفصل 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك الميثاق الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).

2. تأسيس كلّ التشريعات المتعلّقة بتداول ونشر المعلومات على الانترنت على مبدأ حرية التعبير كما عرّفها الفصل 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

3. احترام الفصل التاسع من الدستور التونسي الذي ينصّ على ضمان حرمة المسكن وسرّية المراسلات وحماية المعطيات الشخصيّة، والكافل لعدم اعتراض مراسلات المواطنين.

4. إيقاف كلّ شكل من أشكال المصادرة والرقابة على المعطيات المتداولة على الانترنت والمتعلّقة بحرية التعبير، والعمل على ألاّ تكون مسألة “تنظيم الانترنت” حجّة لتقنين محتوى الانترنت بشكل تعسّفي.

5. إلغاء جميع القوانين الخانقة للحرّيات وخاصّة تلك التي تجعل من مزوّد تقني للانترنت مسؤولا عن المحتويات المشاهدة من قبل المستعملين، ورفع كلّ القيود المفروضة على المراكز العمومية للانترنت.

6. العمل على أن يكون اتخاذ كل قرار متعلق بقانونيّة محتوى موقع ما من عدمها من أنظار السلطة القضائية وحدها والتي ينبغي أن تكفل احترام مبادئ العدالة والاستقلالية.

7. وضع تكنولوجيات المعلومات والاتصال في خدمة تطوير وتنمية المواطنة والكفّ عن تجريم الإبحار على الانترنت.

8. ضمان حرّيّة النشر للمحتويات المكتوبة والصوتية والمرئيّة على الانترنت دون أيّ قيود قانونيّة أو إداريّة.

9. أن تكون الانترنت فضاء عامّا عالميّا مفتوحا ومتاحا للجميع دون تمييز أو قيود.

10. إتاحة إمكانية الولوج إلى هذا الفضاء بكل الوسائل بما في ذلك الربط بالأقمار الصناعيّة.

III. مدخل: “وسائل الإعلام في مجتمع مغلق”:

منذ انعقاد القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في نوفمبر 2005، تكشّفت تونس لدى الرأي العام العالمي بأنها إحدى الدول التي تمارس الحجب بشكل واسع ومنهجي على الانترنت. فخلال هذه القمة، لم يتمّ احترام الإطار الدولي والخارجي للقمّة المنعقدة تحت لواء الأمم المتحدة، إذ مورس الحجب على نطاق واسع على موقع القمة نفسه، وتمّت مصادرة تقرير لمنظّمة العفو الدوليّة ومنع من التداول، كما تعرّض صحفيّون أجانب إلى الاعتداء ، إضافة إلى استمرار حجب المواقع ذات المحتوى النقدي؛ لكن وبالأخصّ قطع البث المباشر على القناة الوطنيّة للخطاب الافتتاحي لرئيس الكنفدرالية “صمويل شميد” المشارك في تنظيم القمّة، وذلك في اللحظة التي أشار فيها إلى أنّ “الأمم المتحدة ما زالت تجمع بين أعضائها دولا تسجن المواطنين لا لشيء إلاّ لأنهم انتقدوا السلطة على الانترنت أو في الصحافة… لذلك أنتظر أن تشكّل حرّية التعبير وحرية المعلومة المواضيع المركزية خلال هذه القمة.”
وقد أعلنت السيدة كاترين تروتمان، النائبة في البرلمان الأوروبي المشرفة على بعثته إلى القمّة، يوم 13 ديسمبر 2005 خلال الجلسة العامّة المخصّصة لتقييم القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في البرلمان الأوروبي أنه “لا يمكن قبول ما جدّ من حوادث خطيرة أحاطت بالقمة ومسّت من حريّة الصحافة وحرّية التعبير وحرية الاجتماع بل وحتى من الأشخاص، إضافة إلى ما تعرّضت له بعثتنا، وخاصّة إفساد أشغال ورشة حقوق الإنسان. فهي ممارسات متنافية مع التعهّدات التونسية المبرمة في اختتام القمّة، وأيضا مع اتفاق الشراكة الذي أخلّت به من جانبها الحكومة التونسية”.

لكن رغم هذه التصريحات، فإنّ حالة فقدان للذاكرة أصابت الشركاء الصناعيّين الأوروبّيّين واستعادت تونس موقعها كـ”دولة مثال في التعاون الأورومتوسّطي” وتحيّى من أجل إنجازاتها في مجال حقوق الإنسان من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أعلن خلال زيارته لتونس في أفريل 2008 أنّ “فضاء الحرّيّات يتطوّر”، في تجاهل تام لما أجمعت عليه كل التقارير التي نشرتها المنظّمات التونسية والدولية غير الحكومية من تضييق متزايد لهذا الفضاء.

في هذا المجتمع المغلق، يغدو التحدّي الإعلامي هو القضيّة الأولى. إذ لم تكتف السلطات التونسية بمحاصرة الصحافة ووسائل الإعلام المرئية والسمعيّة، بل امتدّت حملة مطاردتها لهذه الأداة الإعلامية الجديدة: الانترنت. فتمّ تجنيد جيش من الأعوان (أكثر من 400) صلب وزارة الاتصال لتتبّع مستعملي الانترنت ومراقبة إبحارهم.

مشهد إعلامي فقير رغم التعدّديّة الظاهريّة:

في بلد بلغت فيه عبادة الشخصيّة من الدرجات أن تحوّلت الحياة اليوميّة لرئيس الدولة موضع اهتمام لدى وسائل الإعلام أشبه بالطقوس، يمكننا أن نفهم لماذا لا ينتقد بن علي من أجل تحويله وسائل الإعلام إلى أدوات دعاية تمجّد إنجازاته.

أمّا بالنسبة لشركائه الغربيّين، فإنه يسوّق مشهدا إعلاميّا “متحرّرا وتعدّديّا” بحصيلة 265 صحيفة ومجلّة وقناتي تلفزيون و3 محطات راديو خاصة. لكنّ حقيقة هذه الواجهة هي أنّ من بين الـ265 صحيفة، لا يوجد غير ثلاثة ناطقة باسم أحزاب معارضة (تتعرّض ثلاثتها للتضييقات)، ولا توجد من بينها واحدة مستقلّة؛ فالصحف المستقلّة تمّ القضاء عليها منذ سنة 1990 بعيد وصوله إلى سدّة الحكم.

وبالنسبة للقنوات التلفزية ومحطات الراديو الخاصّة، فجميعها على ملك أشخاص قريبين لبن علي، وقد تمّ منح تراخيصها في ظلّ تعتيم كلّي حول شروط الترخيص.

إنّ حرّيّة نشر الصحف أو بثّ محتويات تلفزية أو إذاعية حرّة مصادر كلّيا. فمنذ سنة 1987 – تاريخ وصول بن علي إلى الحكم – لم يمنح ترخيص بالنشر لأيّ وسيلة إعلام مستقلّة، باستثناء جريدة “مواطنون” – لسان حال حزب معارض – رأت النور سنة 2007.

ولعلّ ما حصل لراديو كلمة في جانفي الفارط أبلغ مثال عن اتساع صدر السلطات العموميّة لأيّ صوت ناقد. ففي حين كان هذا الراديو يبثّ على الانترنت وعلى الأقمار الصناعيّة من خارج تونس، تمّت محاصرة مقرّه من قبل الشرطة ، وإيقاف صحفييه، ومصادرة أجهزته، وتشميع المحلّ الذي كان يؤوي الأستوديو، وملاحقة مديرته قضائيّا من أجل “الاستعمال الممنوع لموجات الراديو” ، والتحقيق لا يزال جاريا.

أمّا بالنسبة للصحفيّين، فإنهم يلاحقون بشكل منتظم ويتعرّضون لضغوط عدّة بحيث تطغى لديهم المصادرة الذاتية وتسيطر على إنتاجهم عند اشتغالهم في وسائل الإعلام الرسميّة أو القريبة من السلطة؛

ومن يعملون منهم لصالح وسائل إعلام أجنبيّة فهم يتعرّضون للتضييق بشكل دوري، ومحرومون من بطاقة الصحفي، وفي بعض الأحيان يتعرّضون للاعتداء الجسدي أو للاعتقال.

إنّ أجلى مثال عن إرادة السيطرة على هذا القطاع لدى السلطة وعلى ضيق صدرها بكلّ صوت نقديّ حتى ولو كان معدّلا هو محاولة الانقلاب الذي تعرّضت له النقابة الوطنيّة للصحفيّين مؤخرا.

IV. انترنت وآليّات المصادرة:

شبكة عصرية تغطي كامل البلاد

تعتدّ تونس بكونها البلد العربيّ والافريقيّ الأوّل الذي يرتبط بالشبكة. فمنذ سنة 1991، ارتبطت تونس بالانترنت عبر المعهد الجهوي لعلوم الإعلاميّة والاتصالات IRSIT. وسنة 1993، تمّ بعث الشبكة الوطنيّة للبحث والتكنولوجيا RNRT بهدف ربط مراكز البحث التونسية. ثمّ سنة 1996، بعثت الوكالة التونسية للانترنت ATI من أجل التطوير التقني للشبكة ولعب دور خادم Operateur انترنت. وتعتبر الوكالة الخاضعة لإشراف وزارة التكنولوجيات والاتصال، المزوّد بالجملة للانترنت في تونس.

لم يمكّن الخواصّ من الرّبط بالشبكة إلا في نهاية سنة 1997 عن طريق مزوّدين خاصّين في العاصمة. اليوم أصبح عدد المزوّدين الخواصّ 5 موزّعون على كامل تراب الجمهورية يضاف إليهم 6 مزوّدين سابقين للقطاع العمومي.

تعتبر تونس رسميّا البلد الأكثر ارتباطا في شمال إفريقيا بنسبة نفاذ Taux de pénétration 4,12%. وحسب إحصائيات وزارة الاتصالات، فإن نسبة نفاذ الانترنت للعائلات بلغت 3,36 سنة 2007.

كما أنّ الشبكة الوطنيّة للألياف البصريّة تغطي كامل تراب البلاد على شكل حلقات SDH مرتبطة بمحوّلات متددة الخدمات. أمّا الوصلات الدوليّة فيؤمنّها الربط بكوابل بحريّة للألياف البصرية مرتبطة بأوروبا وكذلك بواسطة الربط عبر الأقمار الصناعية.

ومع ذلك فمن المفيد أن نذكّر بأن تونس هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي تمنع الربط عبر الأقمار
الصناعية للخواصّ الذي يجرّمه ويعاقب عليه قانونها.

لقد بقي الهانف القارّ حكرا على شركة اتصالات تونس، علما بأن شبكة القارّ، التي تمّت رقمنتها كلّيّا منذ سنة 1999، تعدّ 1,2 مليون منخرط، أي بمعدّل كثافة اتصاليّة تقدّر بـ25 خطّا لكلّ 100 ساكن. أمّا خطوط الانترنت عالية التدفّق ADSL فهي تقدّم على شكل عروض مشتركة بين اتصالات تونس ومزوّدي خدمات الانترنت الخواصّ من خلال سعات تتراوح من 256 كليوبايت/ثانية إلى 2048 كيلوبايت/ثانية.

كما عرفت تونس تطوّرا في حقلها المعلوماتي خلال السنوات الأخيرة، هذا الحقل الذي بلغ 472000 وحدة سنة 2004.

وقد أعلنت الوكالة التونسية للانترت سنة 2009 عن 305,960 منخرطا ، منهم 262,986 يتمتعون بربط عالي التدفق وعن 2.960,000 مستعمل انترنت من بين 10 ملايين ساكن بلغت نسبة التعلّم بينهم 74,30% ؛ وبالإضافة إلى الاشتراكات الخاصّة، نجد المراكز العمومية للانترنت المسماة Publinets التي ظهرت منذ أواخر سنة 1998؛ حيث كانت البلاد تعدّ 200 مركز وكانت الدولة تعتزم بعث 400 آخرين مع نهاية سنة 2001.

انترنت، الوسيط الإعلامي البديل:

منذ سنة 1999، اكتسحت الانترنت من قبل شريحة الشباب والمعارضين الذين وجدوا فيها نافذة تطلّ على العالم وفضاء بديلا تجد فيه كلمة المواطنة تعبيرتها الحرّة، بحيث عرفت الشبكة التونسية حالة غليان حقيقيّ.

وكان موقع “تكريز” أوّل المواقع التي تحدث ضدجّة، هذه المجلّة الالكترونية التي تمّ إيواؤها في الولايات المتحدة، أطلقت سنة 1998 من قبل طالبين؛ وكانت في البداية مجرّد نشرة إلكترونية عرفت نجاحا حقيقيّا وتحوّلت سنة 2000 إلى منتدى واسع الشعبيّة لدى الشباب المتخفّي المتمرّد على المحرّمات. في هذه السنة عمدت الوكالة التونسية للانترت إلى منع الولوج إلى الموقع الذي اختفى بعدها بزمن يسير.

وفي أوت 1999، أطلق المجلس الوطني للحريات بتونس CNLT، الذي تمّ رفض طلب تسجيله كمنظمة مستقلّة قبلها بقليل، موقعه ومنتداه (المأويّين في كندا)، ليتحوّل بدوره إلى فضاء للحوار واسع الشعبيّة، ويتمّ حجبه أيضا بعد زمن يسير من إطلاقه.

كما ازدهرت مواقع المعارضين المنفيّين؛ ففي ماي 2000 أطلقت تونس نيوز نشرتها الالكترونية التي عرفت ذروة نموّها ونجاحها سنة 2003.

وفي أكتوبر 200، ظهرت للوجود مجلّة كلمة على إثر رفض ترخيصها، ليتمّ حجبها أيضا بعد أسابيع من إطلاقها.
وفي جويلية 2001، بعث زهير اليحياوي تونيزين TUNeZINE. هذا الموقع ستتبلور من خلاله ثورة الشباب خارج كل الأطر السياسية والجمعيّاتيّة. تمّ إيقاف زهير اليحياوي في جوان 2002 في المركز العمومي للانترنت الذي يشتغل فيه، وحوكم بسنتين سجنا نافذة من أجل “نشر أخبار زائفة”، ولم يقع إطلاق سراحه إلاّ في نوفمبر 2003.

توفّي زهير في مارس 2005 بعد ان عانى ملاحقة وتضييقا مستمرّين من الشرطة. وتوقف موقه بعده بزمن يسير. لتتواصل بعده المحاولات لإحياء تجربته التي أثرت في جيل بأكمله على غرار الإفاقة التونسية ثمّ لاحقا نواة في 2004.

هذه المواقع ستتحوّل إلى ما يشبه الحاضنة التي سيترعرع فيها من جديد المجتمع المدني التونسي الذي عانى من حصار من نار خلال عشريّة كاملة قبلها.

من جهتها قامت السلطة التي فوجئت بهذا المدّ غير المنتظر، بتطوير إجراءات وترتيبات قانونيّة ولوجستية على المقاس من أجل الإبقاء على الشبكة العنكبوتيّة في شباك المصادرة والرقابة. فبعثت للغرض جهاز شرطة للمعلومات “يسهر” على “الصحّة الثقافية للتونسيين”.

جهاز قانوني ردعي

إنّ ممارسة المصادرة على الانترنت تتمّ في ظلّ منظومة واسعة من القوانين والتراتيب الإدارية، حيث تمتاز تونس بين دول المنطقة بأسبقيّتها في تطوير أكثر قوانين الانترنت قسوة وردعيّة. وليست كلّ هذه القوانين سيّئة في ذاتها، لكنّ معضلتها أنها تمنح جميعا صلاحيّات تقديريّة غير محدودة للإدارة العموميّة، مضيّقة في نفس الوقت من إمكانيّات الاعتراض المتاحة للمواطن الذي يجد نفسه دائما عاجزا عن التظلّم من استغلال نفوذ الإدارة واسعة الصلاحيّات ومدركة لحصانتها. وسنورد بعضا من هذه التشريعات.

قرار وزير الاتصالات بتاريخ 22 مارس1997″المتعلّق بالموافقة على كرّاس الشروط الضّابط للشروط الخاصّة بوضع واستغلال الخدمات ذات القيمة المضافة في مجال الاتصالات من نوع انترنت”.

يعتبر هذا النصّ أكثر النصوص جورا في الترسانة القانونيّة المتعلّقة بالانترنت، حيث يجعل من مزوّد الخدمات مسؤولا عن المحتوى المتصفّح من قبل الحرفاء، وملزما بإبلاغ المتدخل العمومي (الوكالة التونسية للانترنت) بالقائمة الاسميّة لمنخرطيه.

فالفصل 9 ينصّ على ما يلي: “يتحمّل المدير الذي يعيّنه مزوّد الخدمات، طبقا للفصل 14 من الأمر عدد 501 لسنة 1997 المشار إليه أعلاه، والذي يجب أن يقدّم اسمه للمتدخل العمومي المعني، المسؤوليّة حول محتوى صفحات وموزّعي الواب التي يقوم بإيوائها في أنظمته، طبقا لأحكام مجلّة الصحافة المشار إليها أعلاه.” ويضيف: “يلتزم المدير بضمان مراقبة دائمة لمحتوى الموزّعين المستغلّين من قبل مزوّد الخدمات حتى لا يقع تمرير معلومات مخالفة للنظام العامّ والأخلاق الحميدة” !

إضافة إلى كون المدير ملزما “بمدّ” المتدخل العمومي المختصّ بقائمة اسميّة ممضاة ومحيّنة لكلّ المشتركين، وذلك في مفتتح كلّ شهر (الفصل 8).

قرار وزير الاتصالات المؤرّخ في 9 سبتمبر 1997

بضبط شروط استعمال الشفرة فى استغلال الخدمات ذات القيمة المضافة للاتصالات ونص القرار على ضرورة حصول كل مزود يرغب فى استقبال أو إرسال معلومات مشفرة على رخصة مسبقا تؤهله لاستخدام الشفرة، وللحصول على الترخيص يجب تقديم استمارة مخصصة لهذا الغرض بالإضافة إلى مجموعة المفاتيح المتعلقة بالتشفير محل الطلب، وإذا حصل على الموافقة فلا يمكن لمزود أو مستعمل الخدمة استعمال الشفرة إلا فى الأغراض والحدود المذكورة فى الرخصة، مع احتفاظ وزير المواصلات بحق سحب رخصة التشفير فى أى وقت إذا اقتضت ذلك حاجيات “الدفاع الوطنى” أو “الأمن العام”

يضبط هذا القرار شروط استعمال التشفير في استغلال الخدمات ذات القيمة المضافة للاتصالات. ويلزم مزوّدي خدمات الانترنت بالحصول على ترخيص من وزارة الانصالات من أجل استعمال التشفير: “على كلّ مزوّد أو مستعمل لخدمة ذات قيمة مضافة للاتصالات يرغب في استقبال أو إرسال معلومات مشفّرة على الخدمة، الحصول مسبقا على رخصة تؤهّله لوضع واستغلال الشفرة (الفصل 2)، وتمنح رخصة استعمال الشفرة على خدمة ذات قيمة مضافة للاتصالات إلى مزوّدي أو مستعملي الخدمة من قبل الوزير المكلّف بالمواصلات… بعنوان شخصيّ ولا يمكن إحالتها للغير إلاّ بترخيص من الوزير المكلّف بالمواصلات (الفصل 4)”.

قانون عدد 38-98 بتاريخ 2 جوان 1998 المتعلّق بمجلّة البريد
تسمح مجلّة البريد لإدارة البريد بمصادرة كل إرساليّات بريديّة أو إلكترونيّة بموجب “الإخلال بالنظام العامّ”، فالفصل 20 ينصّ على أنه : ” لايمكن قبول المراسلات التي لا تستجيب إلى الشروط الواردة بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها وكذلك بالنصوص القانونية والترتيبية الجاري بها العمل أو المراسلات التي من شأنها المساس بالنظام والأمن العامين.” وينصّ الفصل 21 على أنه ” في حالة العثور على المراسلات المنصوص عليها بالفصل 20 من هذه المجلة لاتسلم إلى المرسل إليه ولاترجع إلى المرسل، وتتولى السلط المختصة مصادرتها طبقا للتشريع الجاري به العمل”.

قانون عدد 1-2001 المؤرّخ في 15 جانفي 2001

يمكن اعتبار الهيئة الوطنيّة للاتصالات هيكلا قضائّيّا مختصّا للنظر في النزاعات المتعلّقة بـ: – الربط البيني الخطوط والنفاذ إلى الشبكات؛ -شروط الاستعمال المشترك للبنى التحتيّة المتوفّرة. (الفصل 67) لكنّ جلساتها سريّة (الفصل 69). وتنظّم هذه المجلّة معايير إحالة امتيازات الاتصالات – والتي إلى حدّ الآن تعدّ حكرا على الدّولة – إلى الخواصّ، وتضع – في الأثناء – كلّ نشاط بثّ أو استقبال أو استغلال لأيّ من معدّات للاتصال، تحت رقابة وزيري الدفاع والداخليّة (الفصل 52 و56). كما أنشئت “وكالة وطنيّة للذبذبات” و”مجلس وطني للاتصالات”. ليغدو منذئذ كلّ استغلال لراديو حرة بدون ترخيص من الوكالة موجبا للعقاب بخمس سنوات سجن (الفصل 62)، في الوقت الذي كانت فيه الراديوهات الحرّة قبل ذلك غير خاضعة للإذن المسبق. ويعاقب بنفس العقوبة الآنفة كلّ شخص يرتبط بشبكة الأقمار الصناعيّة (وذلك من أجل كلّ الاستعمالات مثل الهاتف) بدون الحصول على رخصة الوكالة (الفصل 82) أو يستعمل وسائل أو خدمات تشفير (الفصل 87).

قانون عدد 83-2000 الخاصّ بالمبادلات والتجارة الالكترونية

بموجبه بعثت “الوكالة الوطنية للمصادقة الالكترونيّة”

قانون 10 ديسمبر 2003 حول الإرهاب

القانون عدد 75-2003 الخاصّ بدعم المجهودات الدوليّة لمقاومة الإرهاب ومنع غسيل الأموال. “تعامل جرائم التحريض على الكراهية أو التعصب العنصري او الديني معاملة الجريمة المتصلة بالارهابية مهما كانت الوسائل المستعملة لذلك” (الفصل 6) . إن ما يجب ملاحظته في هذا السياق هو أنه منذ 2004، أصبح هذا القانون الأكثر استعمالا في معاقبة الجرائم المتعلّقة بالإبحار على الانترنت والدخول إلى مواقع محرّمة.

قانون توجيهي عدد 13-2007،

المتعلّق بالاقتصاد الرقمي؛ هذا القانون يتعلّق أساسا بإمكانيّة قيام الدولة والجماعات المحلّيّة والمؤسسات والمنشآت العموميّة على إبرام اتفاقات شراكة عبر طرق تفاوض مباشر.

الفصل 3: يمكن للدولة والجماعات المحلّيّة والإدارات والمؤسسات العمومية أن تعهد في مجال الاقتصاد الرقمي إلى مؤسسة أو عدّة اقتصادية القيام بكامل نشاطها أو بجزء منه أو المساهمة في إنجاز مشاريع ذات أهمّية اقتصادية في هذا المجال.

الفصل 4: يتمّ في إطار الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاص في مجال الاقتصاد الرقمي إبرام اتفاقيات عن طريق التفاوض التنافسي الذي يعتمد على مبدأ المساواة في معاملة المشاركين والشفافية في المعاملات.

أمر عدد 2638-2008 مؤرخ في 21 جويلية 2008

المتعلّق بتحديد شروط التزويد للخدمة الهاتفيّة بواسطة الانترنت.

أمر عدد 2639-2008 مؤرخ في 21 جويلية 2008

المتعلّق بتحديد شروط وآليّات استيراد وتسويق وسائل وخدمات التشفير عبر شبكات الاتصال.

شرطة انترنت على مقاس اتساع الشبكة
لقد رصدت تونس إمكانيّات ضخمة لمراقبة نشاط الانترنت. فقد وضعت بنية هندسيّة بحيث تتم المراقبة على عدّة مستويات لضمان الفرز صلب عمود الانترنت الفقري. (backbone)

لقد حوّل المزوّدون العموميّون التونسيّون منذ البدء شبكة الانترنت إلى شبكة مغلقة تمتدّ على كامل البلاد. فمن المفروض، حين يرسل شخص طلبا من جهازه، أن ينقل عبر محوّلات ربط حتّى يبلغ هدفه، لكن في تونس، تقطع هذه الدارة على مستوى جدار ناريّ ضخم يغلقها، ليعبر الطلب المرسل طريقا مغايرا، فيمرّ عبر مصفاة تحلّله وتقرّر إن كان من المسموح له مواصلة الطريق أم لا؛ فإذا كان مسموحا به، يتمّ إرساله إلى محوّل ربط موجود خارج التراب التونسي، وتتمّ الاستجابة له بشحن الصفحة المطلوبة. أمّا إن كان الطلب مسجّلا في القائمة السوداء، فإنّ رسالة خطأ هي التي ستظهر للمستعمل معلمة إيّاه أنّ الصفحة المنشودة غير موجودة. إنها الرسالة الشهيرة 404 (صفحة غير موجودة Page not found)، التي تأتي لتعوّض رسالة العرقلة، والتي سخر منها مستعملو الانترنت التونسيّون بأن أعادوا تسميتها “عمّار 404″.

هذا الصنف من المصادرة يطرح حتما قضايا خطيرة متعلّقة بالحرّيّات الشخصيّة وبحماية الحياة الخاصّة التي يفترض أنها محميّة بموجب الفصل التاسع من الدستور الذي ينصّ على أنّ: ” حرمة المسكن وسرية المراسلة مضمونتان” بالإضافة إلى القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المتعلّق بحماية المعطيات الشخصيّة والذي ينصّ فصله الأوّل على أن: ” لكل شخص الحق في حماية المعطيات الشخصية المتعلقة بحياته الخاصة باعتبارها من الحقوق الأساسية المضمونة بالدستور ولا يمكن أن تقع معالجتها إلا في إطار الشفافية والأمانة واحترام كرامة الإنسان وفقا لمقتضيات هذا القانون”.

هذه الاستعدادات القانونية تتناقض كليّا مع حقيقة الوصاية التي تمارسها شرطة الانترنت على المواطنين التونسيين بأن تقرر في مكانهم المحتوى الذي يليق بهم تصفّحه وما هو ممنوع.
وقد غدت مراقبة الانترنت والسيطرة على الإبحار كلّية بفضل هذا الغلق الممركز الذي يقوم به شكلا المزوّد بالجملة لخدمات الانترنت (الوكالة التونسية للانترنت)؛ وفي الحقيقة ليست الوكالة التونسية للانترنت من يقوم بالمراقبة، ولكن جهاز آخر مرتبط مباشرة بوزارة الداخليّة وبرئاسة الجمهوريّة يعمل في ظلّ تعتيم كلّي وتلعب الوكالة دور ستار له.

لم تكن هذه الوضعيّة لتعجب الشركات الأجنبية المنتصبة في تونس والتي ترغب في التمكن من استعمال الشبكات الخاصّة الافتراضيّة VPN والارتباط بالشركات الأمّ وتقاسم مواردها باستعمال التشفير والمصادقة من أجل حماية الشبكة الافتراضية من المتسللين.

وقد كان على هذه الشركات أن تنتظر سنة 2005 حتى تتمكن من استعمال VSAT وهو شبكة خاصّة للاتصالات عبر الأقمار الصناعيّة من أجل تبادل المعطيات بين مقرّها المركزي وفروعها؛ لكن شبكة “فيسات” VSAT، الذي اقتنته اتصالات تونس منذ 2001 بثمن تجاوز مئات الآلاف من الدولارات، لم يدخل أبدا حيّز العمل وتمّ تجميده بشكل مقصود؛ لتفوز في الأخير “ديفونا” Divona عن طريق “بلانات” Planet بامتياز استغلاله في إطار خوصصة قطاع المواصلات. علما وأن “ديفونا” تحوزها “بلانيت”، أكبر مزوّدي الانترنت على ملك سيرين مبروك، ابنة الرئيس بن علي.

تقنيات المصادرة:

فرز المحتوى
من السهل تقنيا فرز الاتصالات بالانترنت عبر تحليل جزء من طلبات الحرفاء من جهة، وإجابة الموزّعات من جهة أخرى. وهي تقنية تعتمد على سكويد SQUID، وتتمثل في تمرير جميع طلبات صفحات الواب على نقطة مراقبة مكلّفة بالسماح أو بالمنع للطلبات. فإذا تمّ الفرز بمقارنة طلب الحريف بقائمة للطلبات المسموح، فإن ذلك يسمّى القائمة البيضاء؛ أمّا إذا تعلّق الأمر بقائمة للمواقع الممنوعة، فإننا حينئذ بصدد الحديث عن قائمة سوداء. أمّا مقارنة إجابة الموزّعات بقائمة شرطيّة (عبارات دالّة، …) فتخضع لتقنية ما يطلق عليه فرز المحتوى.
وتستعمل السلطات التونسية أداتين لهذا الغرض هما وابسنس Websence وسمارتفيلتر Smartfilter. ويقع تحيين قاعدة بيانات عناوين المواقع يوميّا. كما أنّ برمجيّات أخرى صينيّة المصدر يقع استعمالها حاليّا:

• الكيلوجر (مسجلات المفاتيح) أو تسجيل ضغطات الأزرار على لوحة المفاتيح تسجلّ خلسة جميع ما يقع نقره على لوحة مفاتيح حاسوب ما، وترسل هذه المعطيات إلى المصدر. ويمكن زرع هذه البرمجيّات عن بعد عبر شبكة أو عبر بوّابة خلفية (حصان طروادة) أو فيروس أو عبر صفحة واب تستعمل بروتوكول أكتيفيكس ، وهي تتطلب بالتالي ولوجا حقيقيّا للآلة من أجل استقبال المعطيات المجمّعة. وتسجّل أغلب هذه البرمجيّات أسماء التطبيقات الجارية وتاريخ وساعة الإطلاق إضافة إلى نقرات الأزرار المرتبطة بهذه التطبيقة.

• أحصنة طروادة والفيروسات: تقوم شرطة الانترنت كذلك بإرسال أحصنة طروادة مجهّزة ببرمجيّات من نوع البوّابات خلفيّة (BAckdoor). وغالبا ما يكون هذا البرنامج مخفيّا في ملفّ تنفيذي على غرار الفيروسات ويمكن أن يحمل أسماء ملفّاتكم. وحين يتمّ تشغيله، فإنّ حصان طروادة يزرع داخل الجهاز بوّابة خلفيّة تسمح بالولوج إلى حاسوبكم طالما كنتم مرتبطين بالانترنت.

مراقبة واعتراض البريد:

تستعمل حاليّا تقنية المراقبة المعمّقة للحزمات Deep Packet Inspection (DPI) لمراقبة الرسائل والمكالمات على الانترنت (VoIP). وتعتمد هذه التقنية تحويل وجهة خطّ سير الحزمات؛ يمكن لهذه الأداة وبشكل مباشر أن تجمّع (تسجيل المعلومات بغرض تحليلها) وأن تلتقط 10 جيغابايت في الثانية. وتعتمد لذلك على التقاط رسائل بعينها مستهدفة من خلال عنوان بريد إلكتروني أو عنوان إنترنت IP أو – كما في حالة VoIP- من خلال رقم هاتف معيّن.

ولكي تحقّق هذه الغاية أنشأت شرطة الانترنت عنوان مراقبة؛ بحيث يعمل البرنامج على استنساخ كلّ بريد إلكتروني مرسل أو متقبّل للشخص موضوع المراقبة، وإرسال النسخة إلى صندوق المراقبة.

• اختفاء البريد وعرقلة الملفّات المرتبطة: منذ سنة 2008، خبر المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيّون المستقلّون تجربة تقنية جديدة من تقنيات اعتراض البريد، تقنية لم يعد مستغلّوها يحرصون على التخفّي وعلى العمل عن بعد. حين تفتح صندوق الرسائل، فإن قائمة الرسائل الواردة سيظهر على الشاشة، لكن ما إن يضغط الشخص على الرسالة المطلوبة، فإنها تختفي أو يعوّضها بريد غير مرغوب فيه يتحّدث عن حالة الطقس أو يدعوك إلى موعد غراميّ أو يتهمك باللاّوطنيّة. ومن جهة أخرى، حين ترسل بريدا وتحاول أن تربط به ملفّا، فإنّ الربط يلغى. كما يحدث أحيانا أن يتمّ إرسال البريد لكنّه لا يصل أبدا إلى هدفه.

مثال لرسالة أصليّة اختفت لفائدة بريد غير مرغوب فيه في حساب قياديّة في الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيّات

هذه الوضعيّة دفعت بثلاثة جمعيّات مستقلّة هي الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات وجمعيّة نساء تونسيّات من أجل البحث والتنمية، لإطلاق صيحة فزع في سبتمبر 2008: “إننا معطّلون بشكل كبير في عملنا منذ أشهر. لم يعد ممكنا الدخول إلى بريدنا الالكتروني، وحين نتمكّن من ذلك تختفي رسائلنا أو تصبح غير مقروءة وتبتلع. ورغم العديد من التشكّيات ومن التثبّت لدى إدارات الانترنت والمواصلات، فإنّ العرقلة تستمرّ لبريد جعيّاتنا الالكتروني وبريدنا الخاصّ: ولا يتعلّق الأمر لا بمشاكل تقنيّة ولا بمشاكل ربط بالشبكة، ولكن، وبكلّ وضوح، بالرقابة المسلّطة على المجتمع المدني التونسي المستقلّ. ونحن نرفض هذا الشكل المشجوب للمصادرة الذي يعرقل نشاطاتنا اليوميّة. وندعو كلّ شركائنا ليأخذوا بعين الاعتبار وضعيّة الانغلاق هذه ويتفهّموا تأخّرنا المتكرّر في الرّدّ”.

• قطع الربط بالانترنت: هناك طريقة أخرى جرّبتها غالبيّة المنظّمات المستقلّة وخاصّة مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع والمجلس الوطني للحريات في تونس، تتمثّل بكلّ بساطة في قطع الربط بالانترنت من طرف الخادم العمومي “اتصالات تونس”، رغم كون المشترك يدفع اشتراكه بانتظام. وقد تمكّنت هاتان المنظّمتان التين تتشاركان نفس المقرّ من الحصول سرّا على كشف وثيقة التشكّيات المرفوعة لمزوّد خدمات الانترنت (انظر الوثيقة في الملحق)؛ هذه الوثيقة تبيّن تواريخ التشكيات المقدّمة من قبل المشرك طوال تسعة أشهر من سنة 2008، والتي تضمّنت 16 عشر شكاية بسبب قطع الاتصال؛ ليقوم المزوّد برفع تقريره إلى اتصالات تونس والذي يتضمّن العبارة التالية: “مودم متزامنة ولا يمكن الدخول إلى انترنت” « Modem synchro et pas de connexion » أو “لا يوجد تزامن” « pas de synchronisation »؛ ليقوم المشغّل العمومي للهاتف القارّ إمّا بتجاهل الطلب وإبقاء القطع، أو بإعادة الربط ليقطعه من جديد.

جزء من وثيقة تشكيات (انظر البقيّة في الملحق)

• عرقلة مرافئ الخدمات: بعض الحقوقيّين أو المعارضين عرفوا بدورهم تجربة الصفحة البيضاء رغم وجود ربط شغّال بالانترنت، بحيث يمكن الدخول إلى صفحات قليلة وأحيانا لا يمكن الدخول إلى أيّ صفحة في حين تعلن صورة شاهد الربط عن تدفّق عاديّ. إضافة إلى غلق مرافئ خدمة تحميل الملفّات FTP (المرافئ رقم 20 و21 و22) وإخضاعه إلى ترخيص مثلها مثل المرافئ المخصصة للاتصال المؤمّن (المرفأ 443 مثلا).
• طريقة أخرى تتمثل في إعطاء عنوان إي بي IP لمجموعة من الأشخاص (شخصيّات من المعارضة وجمعيّات مستقلّة) بعد التعرّف على عنوان الماك الخاصّ بهم (عنوان فيزيائي صلب بطاقة الربط الالكترونية في الحاسوب، معرّف عالميّا)، وهكذا يتمّ إخضاعهم لمراقبة خاصّة من قبل جهاز مختصّ، مثال ذلك الدكتور أحمد بوعزي الجامعي والقيادي في الحزب الديمقراطي التقدّمي، الذي أصدر بلاغا يوم 25 ماي 2009 يتعلّق بتحويل وجهة خطّ ربطه بالانترنت، وهذا جزء من تصريحه: “منذ منتصف شهر جانفي 2009، تباطأ خطّي بشكل جليّ، لم يعد بإمكاني فتح بريدي الالكتروني، استعمال خدمات الدردشة أو تحميل الملفّات أو التمكّن من الدفع الالكتروني المؤمّن بل وحتّى الدخول إلى فايسبوك. وقد كشفت تشكياتي لدى مزوّد الخدمات الذي تعاقدت معه أن خطي لم يعد مرتبطا لديه، وقد علمت بأنني أصبحت مرتبطا بمزوّد آخر مجهول الهويّة ثبّت عنواني الإي بي على الرقم 41.231.48.2 الذي لا ينتمي إلى أيّ مزوّد معروف. في حين أنني أدفع اشتراكي لشركة اتصالات تونس مقابل ربطي بمزوّد الانترنت الذي تعاقدت معه وضمان تدفّق 2 ميغابايت في الثانية؛ والشركة المعنيّة لا توفّر لي ما دفعت من أجله، بل الأدهى، تحوّل وبشكل غير قانوني ربطي على مزوّد مجهول ليغلق في وجهي أغلب خدمات الانترنت المعتادة… على إثر هذه الهجومات كاتبت مدير اتصالات تونس ثمّ وزير تكنولوجيات الاتصال، لكن بدون نتيجة؛ ممّا اضطرّني إلى اللجوء للقضاء. وقد قدّم محاميّ شكوى لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضدّ اتصالات تونس يوم 13 ماي الفارط”

من يصادر وماذا يصادر؟

إنّ هوس المراقبة لا يستثني أحدا؛ من المعارضين والجمعيّات المستقلّة وصولا إلى الوزراء مرورا بالفاعلين الاقتصاديّين وأعضاء الحزب الحاكم ومديري المنظّمات الوطنيّة والنقابيين والجامعيّين والمسؤولين الجهويّين والسفارات ومختلف مكوّنات الأمن وحتّى السبر العشوائي بين المواطنين العاديّين.

بقيت البعثات الديبلوماسية حتى موفّى سنة 2007 تشتكي من المراقبة واعتراض بريدها وعرقلة بعض المواقع التي اعتادت زيارتها. لكن منذ ذلك التاريخ، استطاعت تلك البعثات بدورها الاشتراك في خدمات الربط بالقمر الصناعي VSAT الذي يعفيها من المرور عبر الطريق الإجباري للوكالة التونسية للانترنت.

وتؤكّد الحكومة التونسية في خطابها الرسمي أو في وثائقها الإشهارية على كون “حرية الدخول إلى انترنت حقيقة في تونس… فبعض المواقع من بين أكثرها نقدا للحكومة ومن بينها مواقع منظّمات حقوق الإنسان متاحة للمواطنين التونسيين”

ورغم ذلك تؤكّد العديد من الدراسات والتقارير العكس تماما. ففي 2006، قابلت بعثت تحقيق من الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير IFEX وزير المواصلات الذي اعترف بعرقلة بعض المواقع الإباحيّة والإرهابيّة لا غير. وفي تقريرها لسنة 2007 أكّدت مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس Tunisia Monitoring Group التابع لإيفاكس أنّ “ممثليها (تونس) أكّدوا لنا حقيقة العرقلة المنهجية للانترنت، لكنهم أشاروا إلى أن مصادرة المواقع السياسية أو الإعلاميّة يمكن تفسيرها من خلال المحتوى الإرهابي أو المحرّض على الكره الذي تتضمّنه المواقع المعنيّة. لكنّ موظّفي الدولة عجزوا عن تسمية أيّ إجراءات قضائية أو إداريّة كانت تسمح بشكل شرعيّ بالاعتراض القانوني على مثل هذه التوصيفات”.

ويمكن لحجب المواقع ألاّ يكون كلّيا، وإنما جزئيا، بحيث يكون الموقع متاحا، لكن الصفحة المحتوية على معلومات عن تونس يقع حجبها، ممّا يتيح للسلطات أن تؤكّد أن الموقع غير محجوب، وهو ما يحمل جانبا من الصحّة وجانبا من الخطأ.

وقد تعرّض تقرير نشرته Opennet initiative (ONI) سنة 2005 لذكر 4 أصناف للمحتوى المحجوب: مواقع حقوق الإنسان، المواقع السياسية للمعارضة، المواقع الإباحيّة وأدوات تجاوز الحجب والإبحار الخفيّ. ويجب أن نضيف اليوم مواقع الترجمة الآليّة وبعض مواقع الموسوعات مثل ويكيبيديا (ليس جميع الصفحات)، ومواقع إيواء الفيديو مثل يوتوب ودايلي موشن، ومؤخرا الشبكات الاجتماعيّة على غرار الفايسبوك.

ويجدر بنا التوقف قليلا عند ظاهرة الفايسبوك الذي عرف انتشارا واسعا وأصبح ظاهرة حقيقيّة في المجتمع التونسي؛ ففي أوت 2008، تمّ حجبه، ثمّ إعادة فتحه بعد 15 يوما بتدخّل سريع من الرئيس بن علي وعلى إثر موجة من الاحتجاجات والاستنكار مسّت كامل المجتمع حتّى الشرائح المسيّرة؛ وقد تضاعف عدد مشتركي الفايسبوك إثر غلقه في ظرف شهر واحد (من 28000 إلى أكثر من 60000)، وهو مستمرّ في الانتشار بشكل واسع، ممّا دفع بعض المقرّبين من السلطة، مثل الشهير عماد الطرابلسي – الذي أدين مؤخّرا من قبل المدّعي العمومي بأجاكسيو من أجل المشاركة في سرقة يخت – إلى استعمال هذه المنصّة لإطلاق حملة إشهارية من أجل فتح فضائه التجاري العملاق “بريكوراما”.

وفي هذا السياق، من المفيد قراءة هذا التعليق الساخر لصحفي، نشر على موقع شبه رسمي عند غلق الفايسبوك في سبتمبر 2008، لكي نفهم حجم هذه الظاهرة وعمقها: “ربّما وجب أن نفكّر في حصر استعمال البريد الالكتروني بشكل جذري على المحترفين وحدهم. والأفضل من ذلك: يمكن فتح مكاتب مختصّة لكتّاب محلّفين يرسلون مكاننا المراسلات المستعجلة. ممّا يتيح فرص عمل تستوعب عطالة أصحاب شهائد العربية والفرنسية… فلنضحّ بكامل شبكة الانترنت العالميّة، إذا استلزم الأمر، ما دامت سلامتنا تتطلّب هذا الثمن.”

هذه الحلقة التي قدّمت مسألة المصادرة على الانترنت في الفضاء العام، تمّ استغلالها أيضا من قبل مداهني النظام لدعوته إلى مزيد مراقبة الانترنت وإلى اعتماد إجراءات أكثر تضييقا، مثلما فعل برهان بسيس، الذي يعمل في الوكالة التونسية للاتصال الخارجي أو وكالة الإشهار الرسمي “… لكي نتفادى سوء الفهم والمزايدات، من الضروري الآن مزيد تقنين القطاع وخاصّة في علاقة بالمراقبة والعرقلة التي ينبغي إجراؤها… فمن حقنا ومن واجبنا أن نراقب هذه الطريق السريعة… وأن نقننها من خلال قانون… أعتقد أن التفكير في منظومة قانونية لتأطير هذه الإشكاليات قد أصبح من الضروريات الملحة تجنّبا لكل مظاهر الإلتباس أو المزايدة خاصة حين يتعلق الأمر بمسائل الرقابة والحجب المطلوب ممارستها في سياق عقد قانوني واضح… من حقّنا أن نراقب الفضاء الافتراضي بل من واجبنا ذلك تجاه طريق سيارة… وهو ما لا يمكن أن يتحدّد وينظم إلا عبر قانون واضح لتنظيم قواعد السّير والتجوال في هذه الطريق السيارة…”.

V. المراكز العموميّة للانترنت، مراقبة لصيقة:

المراكز العمومية للانترنت Publinets هي فضاءات للانترنت يمكن للأشخاص أن يدخلوا عبرها إلى الانترنت. هؤلاء تتمّ مراقبتهم بشكل لصيق ويخضعون إلى كرّاس شروط قاس. فالفصل 12 فقرة 5 من القرار عدد 2481 المؤرخ في 10 ديسمبر 1998 لوزير المواصلات المحدّد لكرّاس شروط المراكز العمومية للانترنت، ينصّ على أنّ تسجيل أو طباعة وثائق منزّلة أو مرسلة يجب أن يتمّ عرضه على مسيّر المركز أو التقني الذي يعوّضه وألاّ يحتوي الحاسوب المستعمل على قارئ أقراص ليّنة؛ كما ينصّ أيضا على ضرورة أن يحرص المسيّر على أن يكون محتوى الصفحات التي يتصفّحها المستعمل خاضعة للمعايير المسموح بها من قبل الوكالة التونسية للانترنت؛ وأن يحرص على مراقبة محتوى البريد الالكتروني لحرفائه عن بعد.

معطيات حول مستعملي المراكز العمومية للانترنت:

حسب دراسة أعدّها سامي بن ساسي سنة 2004 حول الإقبال على مراكز الانترنت، فإنّ معدّل مدّة استعمال جهاز حاسوب مرتبط بالانترنت ساعة وأربعون دقيقة. ويبقى 18% من الشريحة المدروسة من بين مستعملي الانترنت أقلّ من ساعة، في حين يبقى 67% منهم ما بين ساعة واثنتين، و15% أكثر من ساعتين. وتشمل الشريحة المدروسة 40% موظّفين و56% طلبة وتلاميذ و4% معطّلين. ويتمتّع 64% من المستجوبين بمستوى جامعي يتراوح بين البكالوريا زائد سنة والباكالوريا زائد خمسة سنوات، في حين قام 3% منهم بدراسة جامعية لأكثر من 5 سنوات، بينما 29% مستواهم الدراسي التعليم الثانوي، و4% ابتدائي. أمّا معدّل نسبة العودة إلى المراكز العمومية للانترنت فقد قدّرته الدراسة بأربع مرّات في الأسبوع. ويزور 62% من المستجوبين بشكل دوري نفس المركز. ويقدّر معدّل سعر ساعة الانترنت ب 1,35 دينار (دولار واحد). ومن بين المستجوبين، يوجد 24% سنهم دون العشرين سنة و64% بين العشرين والثلاثين و12% أكبر من ثلاثين سنة. أمّا أصغر شخص فله من العمر ست سنوات، في حين يبلغ أكبر المستجوبين 50 سنة. وتتركّب الشريحة المستجوبة من 70% ذكور و30% إناث. يقطن 83% منهم على بعد مساو أو أقل لكيلومتر واحد من المركز الذي تمّ استجوابهم فيه. وقد صرّح 20% من المستجوبين بقيامهم بنشاطات بحث على الانترنت، في حين ذكر 44% أنّ نشاطهم يتركّز على عمليّات التواصل المباشر (الدردشة)، و28% لا يستعملون سوى البريد الالكتروني، بينما 4% يستعملون الألعاب، و4% يرفضون الإعلان عن نشاطهم الرئيسي في الانترنت.

رقابة لصيقة وتضييق للفضاء عبر الغلق الإداري

يتقن الشباب جيّدا لعبة الالتفاف ويتمكنون دائما من تجاوز حلقات الشرك؛ وقد تعدّدت المحاكمات من أجل “الإرهاب” والتي لم ترتكز على أدلّة غير تنزيل ملفّات تمّت رغم أنف المصادِرين؛ الأمر الذي أزعج السلطات ودفع بوزارة المواصلات لتكثيف عمليّات التضييق والضغط على أصحاب الفضاءات العمومية للانترنت الذين تفترض مسؤوليتهم على محتوى الصفحات المعروضة من قبل حرفائهم.

ولم تكف زيارات التفقد التي يجريها المراقبون لرفع جداول التصفّح على الحواسيب؛ الأمر الذي حدا بالسلطة سنة 2004 لزرع جواسيس في مساحيج التخديد (Routeurs) للخوادم مرتبطين مباشرة بالوكالة التونسية للانترنت. وتعتمد التقنية الأكثر استعمالا على تفعيل إدارة تقارير النشاط logs عند إدخال الرابط. وحين يكون هذا مفعّلا على مسحاج التخديد، فإن كل ربط مطلوب من قبل أيّ مستعمل يقع تسجيله في ملفّ، أين سنجد عنوان الإي بي الخاصّ بالمستعمل وتاريخ وساعة الطلب وعنوان الموقع المطلوب تصفّحه.

ورغم كلّ هذه التضييقات فإنّ الرقابة بقيت عاجزة، إذ واصل الشباب رغم كل شيء دخولهم إلى المواقع المحرّمة. الأمر الذي حذا بالسلطة إلى اعتماد سياسة متعمّدة للحدّ من مساح المراكز العمومية للانترنت، فأغلق العديد منها؛ وتمّت مؤاخذتها على سماحها للمعارضين والحقوقيين باستعمالها؛ أمّا التعليلات المقدّمة فهي على سبيل المثال غياب ممرّ خاصّ بالمعوّقين، كما وقع في مدنين. البعض الآخر من مسيّري المراكز العمومية كما في صفاقس (مع سليم بوخذير) وجرجيس (مع عبد الله الزاوري) يتمّ تشجيعهم على الاعتداء المادّي على هؤلاء المستعملين الذين يحتجون على حرمانهم من حق الدخول أو يجرون معاينة عن طريق عدل تنفيذ؛ لكن العدالة تلاحق الضحية بدل الجاني بتهمة عرقلة نشاط تجاري أو التشهير كما هو الحال مع عبد الله الزواري.

بلغ عدد المراكز العمومية للانترنت في تونس سنة 1999 200 مركزا، وكانت الدولة تخطط لبعث400 مركز جديد في موفّى جوان 2001. لكن في جوان 2002 كان عدد هذه المراكز 306؛ يتواجد نصفها في تونس الكبرى. وفي 2009 أطلق السيد سمير سحنون رئيس الغرفة الوطنية النقابية لمراكز الانترنت صرخة فزع: “أصحاب مراكز الانترنت الذين يغلقون محلاّتهم في تزايد مستمرّ. فمن بين 400 محترف في القطاع منذ أربع سنوات، بالكاد يوجد اليوم 200 وربما أقلّ” . لقد أصبحت الوكالة التونسية للانترنت اليوم تحجب من صفحات إحصائياتها عدد مراكز الانترنت التي غدا المساح المعلوماتي مفتقرا إليها بشدّة.

تسجيل المستعملين

منذ مطلع سنة 2009، فعّلت السلطات من جديد إجباريّة الاستظهار ببطاقة تعريف بالنسبة للمستعملين قبل الإبحار؛ وقد قامت الوكالة التونسية للانترنت بفرض استعمال برمجيّة تدعى Publisoft في جميع مراكز الانترنت، بحيث تتمكّن من التعرّف أيّ مستعمل يحاول أن يدخل كذا موقع. هذه البرمجيّة تلزم المستعمل بالاشتراك بعد تقديم بطاقة تعريفه بحيث تدوّن معطياته الشخصية في قاعدة البيانات الخاصة بالبرنامج ويتحصّل الحريف بالمقابل على معرّف دخول وكلمة سرّ يحتفظ بهما، ويصلحان للاستعمال في جميع المراكز العمومية ولا يمكنه الدخول إلى الانترنت إلا من خلالهما. هذا البرنامج مرتبط مباشرة بالوكالة التونسية للانترنت التي تتمكّن بذلك من التعرف في نفس اللحظة على المستعمل وعلى مكانه والمواقع التي يزورها.

ولقد حاول عدد كبير من أصحاب مراكز الانترنت التملّص من استعمال هذا البرنامج، واضعين في اعتبارهم الوقع السلبيّ على حرفائهم الذين سيترددون كثيرا في الإبحار تحت الرقابة الصارمة لبوليس الانترنت. وقد تعذّروا أحيانا بتباطؤ الأجهزة الذي يسببه استعمال هذا البرنامج. ولقد قام المراقبون أثناء عمليّات الزيارة الروتينيّة بتثبيت البرنامج بأنفسهم على الخادم؛ ثم في مرحلة ثانية، أصبح وبكلّ بساطة الغلق ينتظر من لا يشغّل البرنامج، كما حدث مع عديد المراكز في العاصمة وخاصّة مركز المرسى الذي تمّ غلقه بطريقة عنيفة من قبل الشرطة تحت أنظار الحرفاء في مارس 2009 (انظر صورة الغلاف).

القضاء يتدخل كلما عجز بوليس الانترنت:

دائما ما تنطلق وتنتظم عمليّة “صيد الإرهابيين” في الانترنت؛ فكثيرا ما تكون أدلّة الإدانة في القضايا المتعلّقة بشباب متهم بالإرهاب معلومات منزّلة على خازن معلومات صغير أو قرص ليزر (انظر تقرير المجلس الوطني للحريات بتونس بعنوان “القضاء الاستباقي” أو تقرير مجلس احترام الحريات وحقوق الإنسان والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب حول التعذيب في تونس.

VI. المراقبة خارج التراب التونسي

رأينا كيف أن هوس المراقبة يشمل كامل التراب التونسي، لكنّ بوليس الانترنت لا يكتفي بمراقبة التونسيّين في تونس، وإنما يجنّد كل إمكاناته من أجل توسيع دائرة فعله لتشمل التونسيّين خارج التراب التونسي. إذ يقوم هذا الجهاز بتوجيه الهجومات ضدّ مواقع الواب الخاصّة بالمعارضين والمأويّة في الخارج (علما وأنّ جميعها كذلك بسبب رفض مزوّدي الخدمات في تونس إيواء هذا الصنف من المحتوى)، ويراقب بريدهم الالكتروني واتصالاتهم ويرسل جواسيسه لاختراق فضاء التدوين.

هجومات على مواقع واب المعارضين المأويّة في الخارج

من النادر أن تجد موقع واب أو مدوّنة لمعارض في الخارج لم تتعرّض لعمليّة قرصنة دمّرت أرشيفه أو عطّلته لأيّام. فخلال السنة المنقضية تعرّضت العديد من المواقع للهجومات، نذكر على سبيل المثال الموقع الإعلام الأكثر شهرة تونس نيوز، وكذلك كلمة تونس وتونيزيا واتش، أو مواقع المعارضة التونسية مثل PDPinfo موقع الحزب الديمقراطي التقدمي وCPRtunisie موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أو بعض المدوّنات مثل الصحوة التونسية Reveiltunisien ونواة Nawwaat.

وتعتبر قرصنة موقعي النهضة www.ennahdha.org والحزب الديمقراطي التقدّمي www.pdpinfo.org المأويّين في الخارج من أكبر عمليّات القرصنة، من أكبر عمليّات القرصنة؛ وقد تمّتا في حيّز زمني متقارب في فيفري 2008 من قبل نفس القرصان الذي نجح في زرع قشرة (واجهة استخدام عن بعدShell ) داخل بعض الملفّات. (انظر طبعات الشاشة في الملحق)

موقع الحزب الديمقراطي التقدّمي

موقع النهضة

نوع آخر من الهجومات العنيفة يتمثل في إرسال حصان طروادة يتسلل عبر موقع ما إلى المستعمل الذي يزوره ليتكاثر في جهازه؛ الهدف هو مهاجمة كلّ زوّار الصفحة، ثمّ استعمال حواسيبهم كقاعدة لإطلاق الهجومات على الآخرين. ولقد أصبحت محركات البحث مثل غوغل تشعر المستعمل بخطر هذه المواقع وترسل المعلومة إلى قواعد معلومات مضادات الفيروسات (نورتون، كاسبرسكي… إلخ) التي ستعتبره موقعا سيّئا وستحجبه برمجيّاتها بشكل غير مباشر. ففي 29 ماي 2009 تعرّض موقع Tunis-online لهذا النوع من الهجوم.
وقد تعرّض موقع كلمة الجديد، الذي أعيد إنشاؤه يقاوم بشكل أفضل هجومات القراصنة، يوم 24 أفريل 2009 في ظرف 4 دقائق إلى أكثر من 380 محاولة قرصنة إعلامية من نوع القوّة الغاشمة Brutt_force والمسمّاة أيضا التعريف بالإكراه (انظر طبعة الشاشة في الملحق) في محاولة للكشف بصورة آليّة على كلمة سرّ المشرفين للولوج إلى لوحة التحكّم، لكن محاولاتهم المتعدّدة باءت لحسن الحظّ بالفشل. وحسب مختصّ في الإعلاميّة والاتصالات: “غالبا ما تكون هجومات القوّة الغاشمة سريعة لكي لا تنبّه مشرفي الموقع، ولا تتجاوز عادة الدقيقتين في الأقصى، وهو زمن كاف لكسر كلمة سرّ الموقع المقرصن.”

مراقبة وصلات المعارضين المقيمين في الخارج

لم ينج من براثن رقابة شرطة الانترنت التونسية حتى المعارضون المقيمون بالخارج. وقد لجأت لذلك إلى خدمات الغير الذين يمكن أن يكونوا أجهزة استخبارات مختصة (تبادل خدمات)، طلبة تونسيون مقيمون بالخارج (زبونية أو تهديدات على الجواز) أو بكل بساطة تقتني خدمات قراصنة أجانب يعوّضونها في المراقبة. أمّا الآليّات فهي تقليديّة، يمكن أن يتعلّق الأمر بنشق الحزمات packet Sniffing أو باختلاس العنوان على الشبكة ARP spoofing؛ هاته الناشقات هي برمجيّات يمكنها التقاط المعلومات المنقولة في شبكة خاصّة، وتسمح بتصفّح سهل للمعطيات غير المشفّرة، ويمكنها بالتالي اقتناص كلمات المرور أو كلّ المعطيات التي تنقل بشكل عادي. ويمكن للمتسلل، لا فقط أن يتابع المعطيات المتداولة، ولكن أيضا أن يخزّنها لتحليلها لاحقا؛ كما يمكنه إعاقة مرور معطيات معيّنة ويلعب بالتالي دور المراقب الذي يفرز المحتوى المرسل والمتقبّل من عنوان الإي بي المختلس.
وفي حالة اختلاس عنوان الآ إر بي ARP spoofing أو تسميم عنوان الآ إ ربي ARP poisoning، فإن القرصان يعوّض بشكل ما الضحيّة ويتحصل على المعلومات الخارجة من حاسوبها أو الموجّهة إليه، بعد أن يؤكّد عنوانه الفيزيائي MAC adresse (بصمته المعلوماتية) من خلال عنوانه على الشبكة IP. “وهي تقنية مستعملة لمهاجمة كلّ شبكة داخلية تستعمل صيغة تصريف العنوان ARP، والحالات الأكثر انتشارا هي شبكات إيذرنات Ethernet والشبكات اللاسلكية ذات الموجات قصيرة التردّد Wi-Fi. هذه التقنية تسمح للمهاجم بتحويل وجهة سيّال الاتصال المارّ عبر الشبكة الداخليّة، ليتمكّن بالتالي من الإصغاء إلى المعطيات المبثوثة ومن تشويهها ولكن أيضا من اختلاس عنوان إي بي أو عرقلة التبادل. ويتمّ اختلاس عنوان الإي بي بإرسال حزمة آ إر بي يصوغها القرصان إلى الجهاز “أ”، لكي يرسل حزماته بدوره إلى المهاجم “ج”، في الوقت الذي كانت موجّهة إلى الضحيّة “ب”. وبنقس الطريقة، يرسل المهاجم “ج” حزمة آ إر بي مفبركة إلى الضحيّة “ب” لكي ترسل إليه حزماتها بدل توجيهها إلى الجهاز “أ”. وفي الأخير، على القرصان أن يوجّه حزمات “أ” إلى “ب” والعكس بالعكس لكي لا ينقطع الربط. ويتمكّن القرصان بهذه العمليّة من رؤية المعلومات التي تمرّ بدون تشفير بين الجهازين” (ويكي).

ويكمن أن نعرض على سبيل المثال للهجوم الذي تعرّضت له سهام بنسدرين في النسما والتي لم تعد تستطيع الدخول إلى بريدها الالكتروني أو بعض صفحات الواب المحجوبة في تونس مثل موقع مراسلون بلا حدود أو الصحيفة اليوميّة الجزائرية الوطن وذلك طوال عدة أشهر ما بين سبتمبر 2008 وفيفري 2009.

اختراق فضاء المدوّنات المعارضة

تستعمل تقنية أخرى لملاحقة وتشويه المعارضين تتمثل في اختراق المنتديات والمواقع التي ينشئونها أو ينشطون فيها مع تقمّص هوّية معارض شديد النقد وأحيانا مقذع فاحش السباب تجاه ممثلي النظام. وبعد أن يدفع ثمن بطاقة الدخول، يبدأ التحامل على الشخصيات المعارضة بتشويه سمعتها وضرب رصيد الثقة فيها. هذه الطريقة كثيرة الاستعمال لدى المخابرات التونسية التي نجحت في تجنيد الأقلام الصفراء في المهجر التي تنجز لحساب السلطة الأعمال القذرة. هؤلاء يتدخّلون في منتديات المعارضة،ولكن لديهم أيضا مواقعهم الخاصّة؛ وفيما يلي بعض المواقع المكلّفة بهذه المهمّة: بلادي، سامي بن عبد الله، كلمة حرّة؛

VII. الخلاصة

إنّ غياب الشفافية في التصرّف بالمال العمومي لا يسمح لنا على وجه الدقّة بقياس حجم الميزانية المرصودة في تونس وفي الخارج من قبل السلطات العموميّة من أجل مراقبة الانترنت وحجب كلّ معلومة يمكن أن تعكس صورة سلبيّة على ممارسات المسؤولين السياسيين التونسيين.

لكنّ ما هو ثابت أنّ إمكانيّات هائلة تمّ توظيفها في مراقبة الانترنت، وزّعت بين ميزانيّات وزارة المواصلات ووزارة الداخلية ووكالة الاتصال الخارجي ورئاسة الجمهورية. ويرى الكثير من الملاحظين أنّ هذه الإمكانيات الهامّة كانت ستعود بالنفع على المجموعة الوطنيّة لو تمّ استثمارها في مشاريع منتجة وكانت ستساهم في استيعاب بطالة الشباب التونسي من أصحاب الشهائد بما لا يقلّ عن الثلث.
كما لا يجب أن ننسى الإشارة إلى دور الشركاء الأوروبيين في الدعم اللامشروط لهذا النهج السياسي الذي يتوخّاه النظام التونسي والذي يسوّغه باسم الأمن ومقاومة الإرهاب وبالاستقرار في المنطقة.

لكنّ أهمّ ما تنبغي الإشارة إليه، هو أنّ هذه الحرب الضروس مشرعة الأسلحة البشرية والمادّية والتي تمّ حشدها من أجل غلق الانترنت في وجه المستعملين ومراقبة بريدهم في اعتداء صارخ على حياتهم الشخصيّة، هي في النهاية حرب خاسرة منذ بدايتها لأنّ الوسائل التكنولوجيّة المستعملة في تجاوز الحجب والمصادرة تتطوّر بنفس السرعة التي تتطوّر بها شراك المصادرة، لتجعل من هذه الأخيرة عديمة الفاعليّة.

هذا التقرير من إعداد مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع بتونس