anc-tunisie-exit

بإعلان نتائج الإنتخابات التشريعية تنتهي مهمّة المجلس التأسيسي في تونس الذي تمّ انتخاب أعضائه في شهر أكتوبر من سنة 2011. ثلاث سنوات قضاها هذا المجلس في القيام بهمّة صياغة الدستور والرقابة على الحكومة وسنّ أو تعديل بعض القوانين. مهمّة لم تكن سهلة في فترة تخلّلتها عديد الصعوبات الأمنية والإقتصادية وحمّل فيها الشارع التونسي المسؤولية لأعضاء المجلس التأسيسي فيما يتعلّق بما وصف بالتهاون في الرقابة على السلطة التنفيذية والبطئ في إنهاء صياغة الدستور.

شهدت الإنتخابات التشريعية 2014 مشاركة 150 نائبا بالمجلس التأسيسي لم يفز منهم سوى 44 من بينهم 32 نائبا عن كتلة حركة النهضة سابقا. ويبلغ عدد نواب التأسيسي الذين سيغادرون قريبا قصر باردو قرابة 173 نائبا. ومن بين أبرز الوجوه التي لن تكون حاضرة في البرلمان الجديد نذكر رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ونائبه محمد العربي عبيد وممثلي الحزب الجمهوري نجيب الشابي وعصام الشابي وممثلي حزب التحالف الديمقراطي محمود البارودي ومحمد الحامدي بالإضافة إلى أعضاء كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة وفاء وتيار المحبة، هذه الأحزاب التي عرفت هزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية.

رغم أنّ رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر كان يحمل أمل العودة إلى كرسي الحكم عبر الإنتخابات الرئاسية التي خيبت نتائجها دورتها الأولى حُلمه، إلاّ أنّ عددا من نواب المجلس المغادرين وخصوصا منهم الذين شاركوا في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 عبّروا عن استيائهم من المسار الإنتخابي للتشريعية والرئاسية واشتكوا من الخروقات الحاصلة أثناءه والتي أضرّت بتكافئ الفرص وأدت إلى حرمانهم من العودة إلى مواقعهم النيابية.

القانون الإنتخابي في خدمة المال السياسي

شدّد رئيس المجلس التأسيسي المتخلّي مصطفى بن جعفر خلال أغلب تدخّلاته الإعلامية في إطار حملته للانتخابات الرئاسية على مسألة سيطرة المال السياسي على هذه الإنتخابات. وقال بن جعفر في إطار ندوة صحفية عقدها مؤخّرا أنّ استعمال السياسيين المفرط لتمويل الحملات الإنتخابية سواء التشريعية أو الرئاسية كان مؤثّرا وملفتا. ويبدو أن بن جعفر لم يتوقّع أن يولي المترشحون للإنتخابات الرئاسية اهتماما كبيرا لحملاتهم حيث عبّر عن تفاجئه بسيطرة الأحزاب ذات التمويلات الكبرى على المشهد الإنتخابي بقوله:

لا يحتاج الأمر استعمال آلة حاسبة لتقدير الملايين التي أنفقها بعض المترشحين على شراء اللافتات العملاقة وتنظيم الحفلات واستئجار الفضاءات الفاخرة بما يتجاوز سقف التمويل الذي حددته هيئة الإنتخابات أي 750 ألف دينار. هذا التجاوز الذي لم تعلّق عليه هيئة الإنتخابات، يضع المتجاوزين المستفيدين في نفس السباق مع مترشحين لا يملكون هذه الإمكانيات الضخمة ومن بينهم من انشغل بمسؤولياته الجسيمة تجاه الوطن فلم يعر اهتماما لكل هذه الشكليات التي تبين أنها قادرة على التأثير على رأي الناخب.
مصطفى بن جعفر

كما انتقد بن جعفر مسألة سيطرة حزب واحد على المشهد السياسي مؤيدا مقولة “التغول” التي كان رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي قد حذر منها سابقا.

وفي تصريح لنواة أكد النائب في التأسيسي عن حركة وفاء أزاد بادي أن

المال السياسي سيطر بشكل مخز على المشهد الإنتخابي. فالإنتخابات التّشريعية أمّنت عودة رموز النظام السابق باستعمال المال الفاسد بكميات خيالية. هذه الأموال مشبوهة المصادر وقع توظيفها لشراء ذمم ناخبين يعانون من تردي أوضاعهم الإجتماعية في خرق واضح لمبادئ الشفافية وهو ما جعل من المنافسة غير متكافئة. الإنتخابات الرّئاسيّة لم تختلف كثيرا عن سابقتها وقد أعيد استعمال المال السياسي بوضوح وكثافة مما ساهم في مصادرة حرية الناخب ونسف تعددية المشهد السياسي وحصرها في بعض المرشحين فقط. هذه الممارسات أدت إلى انهزام حزبنا الذي عول على جملة من المبادئ في الإنتخابات التشريعية، كما دفع مرشح الحزب عبد الرؤوف العيادي إلى الإنسحاب من سباق الإنتخابات الرئاسية وهو أمر مؤسف ويعكس تهديد أصحاب المال للديمقراطية الناشئة.
أزاد بادي

وقال النائب بالتأسيسي عن الحزب الشعبي التّقدّمي هشام حسني لنواة أنّ نتائج الإنتخابات التشريعية في علاقتها بالجدل حول المال السياسي خلال حملات الإنتخابات الرئاسية كانت متوقعة منذ سنّ القانون الإنتخابي“. مُضيفا ،

عدد هام من أعضاء المجلس التأسيسي كانوا قد حذّروا من ضعف نص القانون الإنتخابي بخصوص حماية الأحزاب الصغرى والمستقلين من هيمنة الأحزاب ذات التمويلات الضخمة. أما بخصوص تخوّف بن جعفر من مسألة التغول فإنّ لجنة الصياغة والتنسيق التي كان يرأسها ويديرها صحبة مقرر الدستور عن حركة النهضة الحبيب خضر هي التي ساهمت في إرسائها وفرضها على المجلس التأسيسي.
هشام حسني

ووضّح حسني أنه كان قد تم التنصيص خلال نقاشات لجنة القضاء على أن تتم المصادقة على أعضاء المحكمة الدستورية بأغلبية الثلثين بمجلس النواب غير أنّ هيئة الصياغة غيرت هذا الفصل ونصصت على أن يتم تعييين هؤلاء الأعضاء من طرف الرؤساء الثلاث.

الإعلام يشعل الإستقطاب الثنائي

نجح حزب نداء تونس في كسر سيطرة حركة النهضة الفائزة في انتخابات 2011 على المشهد السياسي. هذا الحزب الذي تأسس سنة 2012 تصدّر المشهد السياسي واستقطب قاعدة شعبية مكّنته من الفوز في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 مقابل هزيمة مدوية لأحزاب ذات تاريخ نضالي، كحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الجمهوري و التكتّل. وقد أفضى الصراع على السلطة بين حزبي النهضة والنداء إلى استقطاب ثنائي ظهرت نتائجه في الإنتخابات التشريعية وفي مسار حملات الإنتخابات الرّئاسية. و اشتكى عدد من المتضررين من هذا الإستقطاب ومن بينهم نواب في المجلس التأسيسي من دور الإعلام في الترفيع من حظوظ هذين الحزبين وخلق حالة من المنافسة الإعلامية بين قيادييهما مما أثر على المتلقي الذي وجد نفسه مجبرا على دعم هذا الطرف أو ذاك.

واتّهم رئيس المجلس التأسيسي المترشح للإنتخابات الرّئاسية مصطفى بن جعفر خلال ندوة صحفية بعض وسائل الإعلام بالضلوع في تغذية الإستقطاب الثنائي.

الهايكا لم تقم بدورها في مراقبة وسائل الإعلام التي عملت على فرش السجاد الأحمر لبعض المترشحين وتهميش آخرين. فبعض الإعلاميين يتعاملون بصرامة وشدة في طرح الأسئلة على بعض المترشحين ويعاملون مع آخرين بطريقة توحي بأنه ملحق إعلامي لا إعلامي. مصطفى بن جعفر

وأشار مصطفى بن جعفر إلى قيام قناة نسمة (دون أن يذكر اسم القناة) بإعادة بث لقاء الباجي قائد السبسي وادّعائها أنها تستجيب لطلب بالجماهير.

ورغم تأكيده على احترام حزبه لاختيارات الشعب التونسي في الإنتخابات التشريعية فقد اشتكى النائب في التأسيسي عن حزب تيار المحبة (العريضة الشعبية سابقا) أيمن الزواغي من نجاح وسائل الإعلام في التسويق للإستقطاب الثنائي مؤكدا أن بعض الجرائد والقنوات التلفزية والإذاعية أصبحت بوقا دعائيا لهذا الطرف أو ذاك. ووضّح الزواغي أنّ الإستقطاب الثنائي كان وراء خسارة حزبه في الإنتخابات التشريعية. ورغم أن الهاشمي الحامدي يمتلك قناة تلفزية تبث من خارج تونس وتعمل على التعريف بالحزب وببرامجه إلا أن الزواغي أعاد استعمال عبارة “الحقرة” الإعلامية التي عانى منها تيار المحبة متهما وسائل الإعلام العمومية خصوصا بالتهميش المتعمد لحزبه. وبخصوص مسألة إمكانية سيطرة حزب نداء تونس على السلطات الثلاث أكد الزواغي أن الوضع الذي تمر به البلاد يتطلّب تحالف حزبي حركة النهضة ونداء تونس لإحداث نوع من التوازن وتخفيف التوتر ممّا يسمح بالشروع في الإصلاحات الضرورية في كل القطاعات.

من جهته وضّح النائب المستقيل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الطاهر هميلة أنه لا يمكن الحديث عن حملات انتخابية في تونس سواء فيما يتعلق بالإنتخابات التشريعية أو الرئيسية بل عن عملية “تدجين” لعقلية الناخب التونسي من طرف وسائل الإعلام. وانتقد السيد هميلة أداء كل من الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والهايكا واصفا تدخلها في ما يخص الإخلالات التي شابت العملية الإنتخابية بالضعيف مما أثر على نتائج الإنتخابات. كما اعتبر هميلة أن تجاوز المترشحين للإنتخابات الرئاسية للدستور بتقديمهم لوعود مغرية تتجاوز صلاحياتهم قد أثبت تجاوز الدستور الجديد للعقلية السياسية والثقافية للشعب التونسي الذي لم يبلغ درجة من الوعي تمكّنه من التمييز بين الخطاب الجاد والمهاترات العبثية التي يسوّقها بعض المترشحين.

ويشاطر النائب في التأسيسي عن حزب التحالف الديمقراطي محمود الباردوي رأي الطاهر هميلة بخصوص قيادة أشخاص للإنتخابات بدل أحزاب. وقال الباردوي في هذا الخصوص:

لقد استمعنا منذ انطلاق الإنتخابات إلى خطابات أشخاص تحدثوا عن أنفسهم، عن أخلاقهم وأحلامهم ونضالهم ولم نستمع أبدا إلى تصورات وبرامج و رؤى. الشعب التونسي في مناصرته لهذا الطرف أو ذاك، انتقد أو أثنى على أشخاص وليس على أفكار ممّا جعل المشهد السياسي قائما على الكره أو على التعاطف. محمود الباردوي

أمّا بخصوص ما يتداوله البعض من احتمال ” تغوّل” حزب نداء تونس فقد أكد البارودي أن هذا الأمر غير ممكن نظرا لأن حزب النداء يحتاج للتحالف مع أطراف أخرى من أجل تشكيل الحكومة كما أن المعارضة ستكون قوية في البرلمان ولن تسمح بسيطرة طرف واحد على القرارات الهامة وستعمل على تشديد الرقابة على الحكومة.