منذ بدء صراع “المبيدات” الفايسبوكية كتبت على صفحتي على فايسبوك منددا بعقلية “الابادة” (في شكلها الافتراضي عبر إبادة البروفايلات في فايسبوك من خلال استغلال صيغ فاسيبوك التي تتيح ذلك) و استبطان الاستبداد.. الاستبدادين معا و بدون استثناء: واحد باسم “محاربة التطرف العلماني” و في الواقع باسم محاربة أي شكل من الاختلاف مع الدين بما في ذلك أي شخص ملحد أو لا ديني حتى إن عبر عن هذا الاختلاف بشكل هادئ و دون شتائم و خاصة بدون نزعة اسلاموفوبية شعبوية

بل امتد الأمر إلى استهداف بروفايلات لأشخاص (بما في ذلك مدونين) لم يناقشو هذا الموضوع أصلا و ربما لمجرد صداقتهم مع أشخاص (مدونين) آخرين… و تم في هذا السياق استهداف مدونين أختلف معهم في عدد من المسائل لكن لا يمكن لي إتهامهم بمثل الاتهامات التي وجهت اليهم مثل “أرابستا” و المدونة “عمشة” بل امتد الأمر إلى المدونة “مغرمة” و المدون “زاد” الذين لا أذكر تعرضها لموضوع الدين أصلا

و الآخر باسم “محاربة التطرف الديني” و في الواقع باسم محاربة الدين ذاته تحت عنوان “محاربة التخونيج”… إذ لم يقع فقط استهداف أشخاص (و كذلك مدونين) لا يمكن أن نطلق عليهم صفة “الاسلام السياسي” (المتطرف فيه و المعتدل.. و هذا موضوع آخر سأتعرض إليه أسفله إذ البعض مازال يعتبر أن مجرد كون شخص “اسلامي” فهو يستحق “الابادة” و ليس الافتراضية فقط) بل أيضا تم استهداف أشخاص لمجرد تعبيرهم عن خطاب متدين.. ينطبق ذلك مثلا على المدونين “هذا أنا” و “على الحيط”… بما يعني أن عبارة “التخونيج” المستعملة تشمل كل من يعبر عن رؤية دينية للعالم بما في ذلك للشأن السياسي و هي حالة تشمل طيف واسع ربما هو غالبية الشعب التونسي.. و يعكس رؤية اسلاموفوبية ليست من استنتاجاتي لكن اعترف بها المشرف على المجموعة

صحيح أن بروفايلات و لغة هؤلاء تشير إلى أننا بصدد شباب ربما دفع به الحماس و الصراع المشخصن إلى مثل هذا الخطاب المتوتر.. لكن ذلك ليس مبررا للصمت و التهوين من الموضوع.. و حتى لو افترضما أن ذلك سيقتصر على مجرد صراع “ابادة” بروفايلات.. و لكن الأمر لا يقتصر على ذلك.. و أعتقد (بعكس الكثيرين الذين كتبوا على الأمر) الأخطر ليس فيما ذكر أعلاه بل فيما يتعداه

الأخطر و الأهم و ما لا يجب أن يمر في صمت انخراط الفريقين (الفريقين دون استثناء) بالتحديد و بشكل منسجم كأننا بصدد أناس يحملون نفس الأجندة السياسية في التقرب و التزلف للسطة السياسية في تونس من خلال اعتبار ما يقومون به عمل تطوعي للدفاع عن السلطة في تونس… الفريق الأول يتقرب من خلال ترديد نفس الخطاب الخشبي حول “تشويه صورة تونس في الخارج” لمجرد نقد سياسات النظام السياسي… و هنا أبرز و أوضح مثال هو ما قيل في المدون “زاد” .

و في المقابل نجد ثقة أكبر و اقبالا أوضح لدى الفريق الآخر الذي وصل حتى تحديد الأسماء و الحديث بشكل واضح على الرغبة في العمل كمخبرين بل و تقديم أسماء و أرقام هاتف من يريدون استهدافهم.. إذ يبدو بالنسبة لهؤلاء إصرارا أكبر على التنسيق “الأمني”… و تحويل عملية “اباداة” بروفايل عبر استخدام متحيل لقوانين الاستعمال الخاصة بموقع “فاسيبوك” و ليس عبر القرصنة إلى جريمة تستوجب السجن و الملاحقة.. و من الواضح أن التهمة بالنسبة لهؤلاء هي ببساطة “التخونيج” بكل أبعاده السياسية و الدينية…

المشكل و المفارقة هنا أن هناك فعلا ملاحقة قائمة الذات و على قدم و ساق لما يسمى بـ”الخوانجية” (و هو مصطلح اتخذ بعدا أمنيا تعويميا و ساتطاع النفاذ لمخيلة العامة في تونس) سواء في فترة التسعينات (حركة “النهضة”) أو الآن (“التيار السلفي”) و هي ملاحقة مؤسسة على خلفيات سياسية و فكرية و تم خلالها.. و هي ليست معزولة عن التوجه العام لأداء السلطة السياسية القائمة على استبعاد المخالف السياسي… و لو أن غالب الملاحقات مركزة على هذا التيار.. و بمعنى آخر فإنه و برغم مرور كل هذه التجارب التي أكدت أن الصمت على محاولة “استئصال” (بالمناسبة تعبير “استئصال” ورد فعلا في كلام المجموعة الثانية و للمفارقة ورد عند البعض للدفاع فقط عن المستهدفين من المجموعة الأولى) التيار الاسلامي اقترن عمليا مع استئصال العملية السياسية في تونس برمتها.. و المصيبة أن هذه الرية مازالت متوصالة ليس لدى بعض “شيوخ السياسة” (ممن لا يهمنا كثيرا أمرهم) بل مستمر لدى شبية ناشئة تتطوع للقيام بدور المخبر مثل أعضاء “لجان الأحياء” في فترة ما و لو على مستوى افتراضي…

حان الوقت للبعض مما يسمى “التنويريين” لتحديد موقفهم بوضوح من موضوع التعبير السياسي و الملاحقة الأمنية للاسلاميين على خلفيات فكرية و سياسية.. و كل من يصمت و يشمت و يرتاح على أي ممارسة بوليسية من هذا النوع هو في النهاية منافق و انتهازي و استبدادي في جبة “تنويرية”.. مهما أثث خطابه بشعارات مكثة حول “التنوير” و “الديمقراطية” و “التقدمية”… و الأهم من كل ذلك لا تشير التجربة إلى أن السلطة استعملت بعض هؤلاء كمكنسة رمت بها متى استنفدت دورها بل أيضا أن حتى هذا الدور لم يعد مطروحا بما أن السلطة ترغب هي أيضا بمزيد تكريس خطابها الديني لغاياتها السياسية و بهذا المعنى لن تكون مرتاحة كما جرت العادة للعب على خطاب يمكن أن يفهم منه “عداء للدين” من العامة… و بالتالي لم يعد من الممكن استنساخ تجربة التسعينات “الاستئصالية” حتى لو رغبوا في ذلك

إن ذلك يشير أولا إلى أن فيما يخص موضوع الاستبداد عموما و الحجب بشكل خاص المسألة السياسية ليست “بسيطة” بل هي دائما حاضرة و هي مظلة فعلية لما يحدث حتى بالغياب أحيانا و عمليا هي المسألة الأصعب خاصة في السياق التونسي حيث يتلعثم معظم أفراد شعبنا قبل الانخراط في أي نقد كان، حتى أبسطه، تجاه السلطة.. في حين أن المواضيع الأخرى التي تحظى بنقاشاات ماراطونية بما في ذلك المواضيع المتعلقة بالدين، نجد إقبالا خاصا عليها بما في ذلك في البلوقوسفير التونسي… و هي فعليا أكثر “مسكوت عنه”.. إذ ينقد الجميع السلطة فقط عبر وسائطها بما في ذلك كرة القدم

إن ما يجري الآن هو ما حاول البعض الدفع به في الحقل السياسي و يقع الدفع به من حين لآخر منذ حقبة التسعينات في المجالات التي تشهد نقاشا عاما بما في ذلك في المجال المحدود و السطحي أحيانا كثيرة أي البلوقسفير التونسي… و هو محاولة استبدال النقاش السياسي و بالتحديد النقاش حول أداء السلطة السياسية في تونس بالتركيز على نقاشات أخرى و خاصة منها التي تجعل السلطة بعيدة عن مرمى السجال… إذ يقوم البهض بالتركيز على كل سلطة (الدين خاصة و غيره) في مقابل تجنب الحديث عن السلطة اللأأكثر واقعية و المحددة لأغلب مسارات الصراع الواقعي أي السلطة السياسية… تلك هي ببساطة الحقيقة الأكثر “مسكوت عنها” في السياق التونسي و مدوني الفايسبوك و البلوقوسفير التونسي جزء من ذلك و ليسوا استثناءا… و طبعا الدافع الرئيسي لانسياق الكثيرين حتى من شبيبة اليوم في هذا التوجه هو استمرار رهبة التونسيين و الشباب منهم خاصة من الانخراط في نقاش الشأن السياسي.. مقابل اقبلاهم حتى على “الاستشهاد” من أجل بطولة تونس لكرة القدم، مثلما سمعت أخيرا من جماهير فريق كرة تونسي

و هنا نحن بصدد أزمة السلطة السياسية في تونس و لكن أيضا أزمة بديلها الممكن.. و ذلك موضوع أكثر تعقيدا كنت أنوي مواصلة الكتابة عنه قبل حدوث صراع الاستبداديين هذا..

ملاحظة أخيرة: يقوم بعض المعلقين على هذا الموضوع بالتركيز على طرف دون آخر و تجنب نقد الطرف المقابل.. و هو سلوك انتقائي لا يعكس أي جدية في تناول الموضوع بل يشير إلى رغبة في التواطئ مع طرف دون آخر بل و خاصة الصمت على المسألة السياسية و موقف المجموعتين من السلطة.. و هذه بعض الأمثلة.

Facebook version intégriste

المبيد الحشري الفايسبوكي يطارد فلول الملحدين

La politique de radiation des comptes Facebook en question

كما أرجو أن لا يقع أحد في الخطاب التبريري و التبسيطي حول أن “البادئ أظلم” خاصة أن “البادئ” يختلف حسب كل طرف.. فهو يبدأ بساتعمال “المبيد” بالنسبة للبعض و يبدأ بالخطاب الاسلامفوبي بالنسبة للبعض الآخر