المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

Hassen-Zargouni-libette-secutite-sigma-terrorisme

هل إنت مع أو ضد التنازل عن البعض من الحرية مقابل المزيد من الأمن ؟حسان زرقوني

أن تطرح مثل هذا السؤال، فكأنما طرحت أحد هاته الأسئلة : «هل إنت مع أو ضد التنازل عن رئتك مقابل المزيد من اللبلابي؟» «هل إنت مع أو ضد التنازل عن النظام الجمهوري من أجل المزيد من الكلافص الغنية بالمعادن؟» «هل إنت مع أو ضد التنازل عن المطاعم الجامعية من أجل المزيد من الأمطار؟» «هل إنت مع أو ضد التنازل عن الهندسة الإقليدية من أجل المزيد من الألقاب الرياضية الموسم القادم؟» في الأساس لا علاقة عضوية سببية بين الإثنين. لا يزيد الأمن بنقص الحرية، و لا تزيد الحرية كلما نقص الأمن. الأمن وظيفة مجتمعية، و الحرية حالة إنسانية مكتسبة. فقط هم المجهّلون، مدعو المعرفة ورثة السفسطائيين و ديار إفتاء السلطان، يبتدعون مثل هاته الإشكالات المغلوطة، باسم معرفة تقنية ما.

يمكن أن تكون حرا في مجتمع غير آمن (القبائل المتنقلة البدوية، كالمغول الحاليين)، و يمكن أن تكون مقيدا في مجتمع آمن (كوريا الشمالية و إيران)، و يمكن أن تكون مقيدا في مجتمع غير آمن (سجن المرناڨية مثلا، بوشوشة، معسكرات داعش)، كما يمكن أن تكون حرا في مجتمع آمن (و لن أذكر مثالا هنا، كي لا يتهمني أحد بمناصرة هذا البلد على ذاك، لكم أن تتساءلوا أين تريدون أن تكونوا الآن و لماذا، و كل إجابة مثال على عدم استحالة هذا الإمكان).

يمكن للحر أن يعدل من تصرفاته، في نفس الإطار المبدئي. لي أن اختار التخلي عن هاته العادة و تلك، من أجل ظرف طارئ، و التزم. حريتي تسمح لي بذلك. و حين يكون الأمر اختياري، أكون طرفا فاعلا ولو مقدار ذرة. بينما حين أكون مقيدا، يتم إجباري على التخلي عن هاته العادة أو تلك. و لن أعدم حيلة لاصطناع عادة أخرى رفيدة و مقابلة. و سيكون التزامي صوريا صفرا، إن لم يكن سلبا.

عودا إلى النموذج الفرنسي الحالي في التعامل مع ظرف طارئ، حين سألت مقدمة أحد البرامج التلفزية على قناة “فرانس 2” خبيرا أمنيا عما سيحل مع الموقوفين، أجابها أنه سيتم استجوابهم بطريقة كتابية، و إن رفضوا فذاك ما سيدون في المحضر. لا مطالبة بتعليق فلان من فخذه الأيمن، و لا صراخ لإعادة استعمال قوارير. المطلوب معلومات، و ليس “متهمين” و “انظروا ها قد فعلنا شيئا ما”. حتى “الحوار” المفروض هناك، ليس جدالا عقيما حول “حرية أو أمن”، بل جدل عقيم حول ماهية “المواطن الفرنسي” و هل يحق اعتماد الإعتقاد بدين الإسلام كعامل إقصاء.

هذا عن الحرية. أما عن الأمن، فهو مرتبط عضويا بمبدأ آخر، و هو “العدالة”، ليس الحرية. كلما نقص الإحساس بالعدالة، تورم النقص في الأمن. و لكم في ما أوردته العلوم الإجتماعية و علوم التاريخ أكثر من دليل. السؤال الأسلم كان ليكون : «هل أنت مع أو ضد التنازل عن بعض الظلم و اللا عدالة مقابل المزيد من الأمن؟».

و هاته أمور لا يدركها الجهلة و الرعاع، كارهي العلوم و الكتب، أمثال الزرڨوني و غيره من الأورام المجتمعية.