من المرهق تتبع مسار خالد شوكات، فالرجل ومنذ أن ولج السياسة لم يطل به البقاء في مقام. فمنذ 1989 تنقل بين أحزاب ومدارس سياسية وفكرية وغيرها كما يغيّر ثوبه. شوكات الذي غادر قريته المزونة بولاية سيدي بوزيد في سبتمبر 1989 وهو يحمل شهادة البكلوريا آداب، إلتحق منذ أسابيعه الأولى في الجامعة بالعمل السياسي من بوابة الإتحاد العام التونسي للطلبة، الفصيل الطلابي لحركة النهضة، اسوة بابن ولايته الهاشمي الحامدي الذي كان قدوته منذ انطلاق دعوات الاصلاح والمراجعة في صفوف الحركة الاسلامية في المنفى من اواخر التسعينات الى 2012.

خالد الذي لم يكن اسمه يعني الكثير للتونسيين، فقلة تعلم من هو الرجل الذي طالما غيّر صفته والقابه، فهو اللاجئ في المملكة المغربية منذ 1991 أين أمضى فترة من شبابه التقى فيها مع سيف الله بن حسين «أبو عياض»، زعيم انصار الشريعة المحظور، «أخوه» كما يصفه شوكات نفسه الذي خيّر كأخيه أن يتجه إلى أوروبا، فافترقا. فسيف الله بن حسين اختار اللجوء الى بريطانيا فيما اختار خالد شوكات هولندا التى أقام فيها فارا من المملكة المغربية خشية أن تسلمه الى تونس التي صدر فيها حكم غيابي ضده بالسجن لـ4 سنوات. هولاندا التي كانت نقطة تحول في حياة الرجل الذي انشأ جمعية\حزب باسم اللقاء الديمقراطي، مع قدوته الهاشمي الحامدي وعدد من المنشقين عن حركة النهضة على غرار خميس الماجري، نشط في شتى المجالات، فشوكات نحج في هولاند في ختم دراسته الجامعية ونسب النفسه درجة الدكتوراه، وانتقل ليصبح صحفيا عاملا في عدد من وسائل الإعلام المشرقية، أهمها اسلام اونلاين. هذه التجارب التي توشح السيرة الذاتية لرجل احترف السياسة كما تُحترف الرياضة، فهو ينتقل من فريق لخصمه والإنتقال يكون دئما مرتبط بما سيحققه من مكاسب، فبعد ثلاث سنوات في حركة النهضة قضاها كمرشح لعضوية لم ينلها، انتقل شوكات في مقر إقامته الاوروبي، روتردام، الى ضفة نظام بن علي وكان الوسيط بينه وبين عدد من الإسلاميين «التائبين» من وجهة نظره ونظر النظام.

شوكات وفي كربه الهولاندي، اقترب من تخوم نظام بن علي الذي مكنه من امتيازات عديدة، اقلها ايقاف الملاحقة القضائية بشأنه مما سمح له بالعودة الي تونس، التي طالما تردد عليها منذ 1996، هذه الإمتيازات لا ينفيها شوكات الذي شدد علي أن نضجه الفكري والسياسي جعله يؤمن ويراهن على دفع نظام بن علي الى الحوار مع معارضيه، وفي سبيل ذلك تصبح قنوات الإتصال المفتوحة بينهما امرا طبيعيا ومبررا. ولا يقتصر التبرير عند شوكات على حتمية التقارب قبل 2011 مع نظام بن علي، فهو يدافع عن نفسه وعن الهاشمي الحامدي، زعيم تيار المحبة حاليا. فشوكات اقتفى اثر الرجل في منفاه المزعوم، في تقاربه مع الخليج ونظام بن علي ودفاعه عنه حتى بعد انهياره في 2011.

شوكات الذي تمني أن ينفك كرب بن علي كان من اشد الرافضين لحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وذلك لأسباب «مبدئية»، فالرجل كان ولايزال قادرا على أن يخفي اشد مواقفه انتهازية خلف شعارات المبدئية، فهو وبدافع الأخلاق والشهامة ناصر العريضة الشعبية في انتخابات المجلس الوطني التاسيسي في 2011 وظل وفيا في الدفاع عن مطلقها الهاشمي الحامدي، حتي فرق بينهما سليم الرياحي منذ 2012، تاريخ انتداب شوكات لمنصب الأمين العام للاتحاد الوطني الحر. ذات الوفاء لصاحب عمله انتقل معه الي الإتحاد الوطني الحر، حيث دافع عن سليم الرياحي ووضعه في خانة الزعماء الوطنيين الصادقيين، فالرياحي بعد أن أحسن ايفادة شوكات مكّنه من كل التمويلات اللازمة ليؤسس صحيفة تتبع الحزب وهي «تونس الحرة» التي لم تصدر رغم مئات الملايين التي ضخت فيها وفي المعهد العربي للديمقراطية بتونس، الذي أسسه شوكات في 2012.

فشل شوكات في ادارة الصحيفة لم يكن اول اخفاق له في القطاع، فقد سبق له أن أدار صحيفة المحرر اليومية قبل أن تتوقف عن الصدور بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 بأسابع، وبعد فشل مموّلها في الفوز في الإنتخابات التأسيسية. ولخالد شوكات خصائص اخرى، فهو مادح الحكام وشاعرهم، فالرجل الذي جعل «الباجي قائد السبسي موفود العناية الإلهية»، أشاد بحاكمه الجديد وجعله في مرتبة الانبياء، كيف لا والباجي «قد شرفه باللقاء معه مرارا» وشجعه على أن ينتقل من الإتحاد الوطني الحر الي حركة نداء تونس التي التحق بها في يوم الجمعة 5 أفريل 2013. شوكات، كالعادة، جعل من التحاقه بنداء تونس امرا مبدئيا، فهو انضم ليدافع عن مبادئ ثابتة لديه لا تتزعزع، تونس النيرة المنفتحة ضد شطحات حركة النهضة التي اتهم قادتها مرار بأنهم أصحاب «البطولات الفارغة» و «الجامدين المحنطين» وبلغ حد انتقاده أن اعتبر راشد الغنوشي «شيخا يكرر نفسه ويصر على صواب منهجه ويرفض الإعتراف بأخطائه ويقصي رفاق دربه ولا يتورع في إباحة كل الوسائل لأتباعه للانتقام من أصحابه وأعدائه». شوكات نفسه كاد أن يتنكر لمبادئه في فترة الإعداد لقائمات مرشحي حركة نداء تونس في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014، حيث لوّح الرجل بالإستقالة والخروج من الحركة التي لم تدرك عبقريته السياسية ولم تعينه رئيسا لإحدى قائماتها الإنتخابية، وهو ما تداركه الباجي قائد السبسي وعينه رئيسا لقائمة الحزب في دائرة فرنسا 1، التي لم يستقر به المقام فيها من قبل. هذا التعيين الذي انتهى بأن يكون شوكات عضوا في مجلس نواب الشعب، وهو منصب لم يكن كافيا لارضاءه، فقد منى نفسه بان يكون وزيرا وهو ما تم له بعد أن خيّر الإصطفاف خلف نجل الباجي قائد السبسي في أزمته ضد محسن مرزوق، فكانت مكافئته أن عُيّن ناطقا رسميا باسم حكومة الحبيب الصيد في التحوير الوزاري الأخير في جانفي 2016. هذا المنصب الذي أعاد تقديم شوكات للجماهير، كصاحب تصريحات لا تفك رموزها، فهو القائل أن الحكومة لا تمتلك عصا سحرية لحل ازمة التشغيل اثناء الإحتجاجات التي طالت 14 ولاية. وهو القائل أن الحكومة ستنتدب 5000 عاطلا من ولاية القصرين قبل أن يتدخل وزير المالية ويشدد على أن شوكات اخطأ الفهم. وهو المدافع عن منح قطعة ارض كتعويض لسفارة الولايات المتحدة الامريكية وهو أيضا المدافع عن زين العبادين بن علي والمطالب بعودة الرجل الى تونس. ليحافظ شوكات على خصلة من خصاله، الدفاع عن اصحاب عمله الحاليين والسابقين. فهو يحفظ جميل من أكرمه، فمثلما حفظ جميل الهاشمي الحامدي وظل في صفه منذ غادر تونس الى أن التحق بالإتحاد الوطني الحر، حفظ جميل سليم الرياحي وظل ينفي أن يكون الرجل مورطا في قضايا مالية في ليبيا واعتبره وطنيا ولايزال، كما دافع عن الباجي مبعوث العناية الالهية ولايزال يثني عليه، ودافع عن بن علي الذي مكنه في السابق من العودة لتونس، في انتظار أن يلتحق بحزب جديد ليدافع عن زعيم منتظر.