لم يُفلح التدخل الأمني الذي وصفه البعض بـ”العسكرة“ في فض اعتصام عمال الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية “STIP” بمساكن يوم الأربعاء الفارط. والذي انطلق منذ 14 جويلية 2016 بعد مرور ثلاث أشهر على تعطّل الإنتاج بسبب عجز الشركة على سداد ديونها، فضلا عن حجز موادها الأولية بمخازن الديوانة التونسية.

نفق العجز الذي دخلت فيه شركة ”الستيب“ أدت إليه توجهات الخوصصة القديمةـ الجديدة، والتي تمثلت في جملة من القرارات الرسمية من بينها: رفض البنوك العمومية تمويل الشركة لاستئناف الإنتاج رغم قبول البنوك الخاصة بهذا الإجراء، وقطع التيار الكهربائي من طرف الشركة التونسية للكهرباء والغاز بسبب التخلف عن تسديد معاليم فاتورة وحيدة. أما رصاصة الرحمة فقد تم إطلاقها على ”الستيب“ عندما قامت مؤخرا الشركة التونسية للبنك ببيع أسهمها لمستثمر جديد.

مراكمة العجز من أجل التفويت

تم بعث الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية في 21 جويلية 1980، في إطار شراكة تونسية دولية، وتساهم فيها الدولة عن طريق البنوك العمومية من بينها الشركة التونسية للبنك بنسبة 7.31 بالمائة وعن طريق الديوان التونسي للتجارة بنسبة 8.94 بالمائة، علاوة على البنك التونسي-السعودي “ستوسيد بنك” الذي تبلغ مساهمته 15.35 بالمائة. وتتولى أيضا الدولة التونسية الإشراف على إدارة المؤسسة من خلال تعيين المديرين العامين والرؤساء المديرين العامين. وتحتوي الشركة على 2 وحدات إنتاج بكل من مساكن ومنزل بورقيبة، وتُشغّل حاليا حوالي 1000 عامل من بينهم 800 بوحدة الإنتاج الرئيسية بمساكن.

بدأ شبح العجز يخيّم على الشركة منذ سنة 2000 بسبب عوامل داخلية متعلقة بسوء التصرف والتسيير وأخرى مرتبطة بهيمنة السوق الموازية التي غطت آنذاك حوالي 80 بالمائة من حاجيات السوق المحلية. هذه الصعوبات اضطرت الشركة للدخول في مشروع جديد لتحسين إمكانياتها التكنولوجية أطلقت عليه «All Steel». ورغم ريادية المشروع الجديد فإنه سقط في سوء الإدارة والتصرف الأمر الذي أدى بعد ثلاث سنوات إلى دخول الشركة في حلقة جديدة من العجز.

في سنة 2003 سجلت ”الستيب“ تراجعا كبيرا في قيمة معاملاتها، وشهدت عجزا ماليا بلغت قيمته 6 مليارات. وعوض التفكير في إخراجها من الأزمة بَرز توجه حكومي يدافع عن خيار التفويت والخوصصة، وهو ما عبر عنه آنذاك الرئيس المدير العام السابق محمد بسباس الذي أكد في إحدى تصريحاته الصحفية سنة 2005 ”هناك توجها حكوميا موجود اليوم من أجل تفعيل خيار الخوصصة التامة لرأس مال الشركة عبر التفويت في حصص كل المؤسسات العمومية والمقدرة بـ51.59، وهناك كراس شروط يتم اعدادها حاليا من أجل اختيار بنك أعمال لتقييم الوضعية الحالية للشركة ومعرفة حجمها الحقيقي في انتظار اتمام كل اجراءات الخوصصة لاحقا“.

وفي هذا السياق أكد رضا الساسي، الكاتب العام للنقابة الأساسية بـ”الستيب“ -الذي يشتغل منذ 33 سنة بالشركة وكان شاهدا على تلك الحقبة- لموقع نواة “خيار التفويت كان يُمهَّد له عبر مراكمة العجز المالي، إذ رفضت السلطات تمكين الشركة من منحة التأهيل الصناعي سنة 2003 التي تبلغ قيمتها 12 مليار بتعلة أن الملف غير مكتمل، رغم أنه يتم منحها لمؤسسات أقل ربحا وإنتاجية”. وأضاف محدثنا أنه مع بلوغ سنة 2007 تم إغراق الشركة في الديون ليسهل التفويت فيها، وقد بلغ حجم هذه الديون 82 مليار للشركة التونسية للبنك و42 مليار للبنك الوطني الفلاحي. وأثناء هذه الأزمة تم تسريح 408 عامل.

التفويت في الشركة عبر البورصة

في 16 أفريل 2010 عَرضت الدولة التونسية أسهمها بالشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية للبيع للمستثمرين، ولكن تعطّلت هذه العملية بسبب الفيتو الذي رفعه الشريك الإيطالي ”بيرللي“ الذي يملك 15.83 بالمائة من أسهم الشركة، وهو ما يمنحه الحق في اختيار شريكه الاستراتيجي. وقد راجت معطيات آنذاك تفيد بأن الشركة الإيطالية عطّلت صفقة البيع لأن الشّاري كان أحد المقربين من صخر الماطري صهر الرئيس السابق. علاوة على هذا حالت الأحداث السياسية والاجتماعية باندلاع انتفاضة 17 ديسمبر 2010 دون إتمام قرار التفويت.

لكن في الفترة الأخيرة، تزامنا مع توقف الإنتاج في 19 أفريل 2016، أعلن البنك الإسلامي للتنمية بيع أسهمه التي تبلغ 14.7 بالمائة لصالح شركة Africa Holding وقد بلغت قيمة السهم بالبورصة 1250 مي. وفي خطوة مماثلة فوّت أيضا البنك التونسي-السعودي “ستوسيد بنك” في أسهمه التي تبلغ 15.35 لفائدة نفس الشركة المذكورة. ولعل الملفت للانتباه هو تفويت الشركة التونسية للبنك مؤخرا في أسهمها لفائدة شركة Africa Holding. لترتفع أسهم هذه الأخيرة إلى حوالي 44 بالمائة وهو ما يعتبر منعرجا في مصير ”الستيب“.

الاستحواذ على الشركة التونسية لصنع الإطارات المطاطية عن طريق البورصة يشكّل انعكاسا لخيار التفويت. إذ كان الاتجاه الحكومي يهدف إلى تأبيد حالة العجز ورفع اليد عن الشركة، ويتجلى هذا في رفض البنوك العمومية تمويل استئناف الإنتاج في مارس 2016، وفي هذا السياق أكّد رضا الساسي، الكاتب العام للنقابة الأساسية، “رفضت كل من الشركة التونسية للبنك والبنك الوطني الفلاحي تمويلنا لشرا المواء الأولية، مبرّرين ذلك بوجود تعليمات من صندوق النقد الدولي تمنع إعطاء قروض للشركات الخاسرة”. علاوة على هذا عمدت الديوانة التونسية إلى احتجاز المواد الأولية للشركة وقامت الشركة التونسية للكهرباء والغاز بقطع التيار الكهربائي بمجرد التخلف 14 يوم عن تسديد الفاتورة.

المستثمر الجديد والمصير المجهول للعمال

كان أوّل احتكاك للمستثمر الجديد صاحب شركة Africa Holding بمسؤولي ”الستيب“ وبقية المالكين وبممثلين عن عمال الشركة، في جلسة خارقة للعادة التأمت يوم 23 جوان 2016. وقد تبيّن من خلال هذه المصافحة الأولية أن المالك الجديد يريد إحكام قبضته الكلية على الشركة. وفي هذا السياق أكد الكاتب العام للنقابة الأساسية بـ”الستيب“ –الذي كان حاضرا في الجلسة- لموقع نواة أن المستثمر الجديد بدأ في اتخاذ جملة من الخطوات من بينها رفع توصية للبنوك بعدم تمويل الشركة، وإعلام بنك الأعمال التونسي -المكلف منذ جانفي 2016 بدراسة حلول للشركة- بإلغاء دراسته، علاوة على التهديد بالتراجع عن المكاسب الاجتماعية للعمال بتعلة أنها لا تتناسب مع إمكانيات شركة باتت على ملك الخواص.

هذا وأشار رضا السّاسي إلى أن المستثمر أملى بعض الشروط للعودة مجددا إلى الانتاج من بينها:

  • إعادة جدولة ديون الشركة من قبل البنوك العمومية والتخلي عن جزءها الأكبر مع المحافظة على أصل الدين.
  • التمتع بمنحة التأهيل الصناعي.
  • إحالة العمال لمدة ثلاثة أشهر على البطالة التقنية.

هذه الشروط تهدف إلى الضغط على الدولة من أجل بيع أسهمها المتبقية، وقد سبق أن طالب بها عمال الشركة التونسية لصنع الإطارات المطاطية منذ أكثر من 10 سنوات للخروج بمؤسستهم من عنق الزجاجة. ولكن إرادة الخوصصة كانت تهيمن على القرارات الحكومية منذ عهد النظام السابق إلى أيامنا هذه، وفي هذا السياق لم يستبعد وزير المالية زكريا حمد أثناء مساءلته بمجلس النواب شهر ماي المنقضي إمكانية التفويت الكلي في الشركة لصالح المستثمرين متعللا بأوضاعها الصعبة وعدم توفر السيولة اللازمة لدى البنوك العمومية.