المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

شرعت لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح بمجلس النواب يوم الثلاثاء 13 جوان 2017 في مناقشة مشروع القانون الأساسي عدد 48/ 2017 المتعلّق بإصدار مجلة الجماعات المحلية. ويفترض سياسيا صدور القانون قبل انطلاق الحملة الانتخابية للبلديات في ديسمبر المقبل، وهو أمر غير متأكد بالنظر إلى عدد فصوله (363 فصل) ولتعقيده وكذلك لأهميته الاستثنائية.

واقعا، يواجه المشروع صعوبة في الرزنامة قد ينعكس تسرعا في المعالجة واقتصادا في النقاش داخل المجلس وخارجه، خاصة وان المشروع المقترح قد تميز بمحافظته وغموضه إضافة إلى تعدد الهنات الشكلية واللغوية مما يستوجب جهدا مضاعفا.

1/ مقاربة شكلية

في شرح الأسباب تمّ الاعتماد حصرا على الجانب التكنوكراطي (القانوني-الدستوري) دون التعرض إلى دوافع اعتماد اللامركزية، وكمؤشر يحمل دلالة واضحة لم يتضمن شرح الأسباب مرجعية الثورة أو مصطلحات التنمية أو الاعتراف باختلاف الوضعيات بين منطقة وأخرى، وهو اخلال منهجي ومضموني اذا ما اتفقنا أنّ الاختلال في التنيمة بين الجهات ومركزية السلطة كانت من أهم دوافع الثورة وأن السلطة المحلية والفصل السابع من الدستور فرضتها استحقاقات الثورة.

عموما ركّز شرح الأسباب على الشكل دون التّعرض إلى الأهداف المرتقبة من السلطة المحلية، و تحاشى المشروع التعرض إلى مسائل مفصلية ومنها تقسيم التراب الوطني إلى أقاليم وتحديد عواصم الأقاليم وأرجأ الموضوع إلى “الدراسات التي يتعين انجازها والتوافق حولها”(ص2).

وقد أشار الفصل 17 من الأحكام الانتقالية إلى مباشرة المجلس الأعلى للجماعات المحلية أعماله في أجل لا يتجاوز سنة من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية والجهوية. (إلى بداية 2019). وقد نصّ الدستور على إن يكون مقرّ المجلس الأعلى خارج العاصمة إلا أن المشروع قد غفل عن تحديده. ومن جهة أخرى قدّم الفصل 43 امتيازا للبلديات “الأربع ألأكبر من حيث عدد من السكان” وهي واقعا بلديات تونس و صفاقس وأريانة وسوسة، ويمكن التساؤل حول هذا الامتياز ولماذا كان العدد 4 وليس 2 او 9 مثلا.

في الجانب الايجابي جاء المشروع بالاعتراف القانوني بالجهة لأول مرة منذ الاستقلال، وقد تم تعميم أسماء الولايات على الجهات (الملحق ب)، حيث أصبحت مثلا جهة الكاف تغطي المجال الجغرافي لولاية الكاف ، وذلك في تواصل لمنطق الدولة اليعقوبية المركزية والذي لا يخلو من تعسف معنوي ، وينطوي إجراء تعميم الأسماء على تغليب معنوي للمركز الإداري على إطرافه، وطمس للهويات المحلية مما قد يؤسس لبعض مظاهر العنصرية المحلية أو يدعمها، وقد يخلف أثرا سلبيا في علاقة المواطن بالسلطة. بالنهاية جدّد مشروع القانون تغليب المنطق والمصطلح الإداري على ثقافة الشعب، ذلك أن مناطق البلاد تحمل أسماء لها مرجعيتها التاريخية أو الثقافية أو الجغرافية مثل الجريد والساحل والوطن القبلي والصحراء ومجردة والأطلس والشعانبي والسباسب العليا والسفلى ونفزواة و فريقيا والإعراض وغيرها.

2/ تمويل الجماعات المحلية: تواصل في الغموض.

يشكو التمويل العمومي للجماعات المحلية من غياب في الشفافية وقد صنفت ثلاث دراسات دولية حول الميزانية و التي أجريت بين 2003 و 2011 تونس من بين الدول الأقل شفافية في الإنفاق العمومي وفي تمويل الجماعات المحلية. نظريا تتكون مصادر التمويل العمومي للجماعات المحلية من الصندوق المشترك للجماعات العمومية المحدث سنة 1975 ونقح بقانون المالية لسنة 1982، ومن صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية (الأمر 1135 لسنة 1997 ثم الأمر 3505 لسنة 2014) ، إضافة صندوق حماية المناطق السياحية (احدث بقانون مالية سنة 1993) الذي يقوم بتحويلات بين البلديات السياحية. وهي آليات تستفيد منها الجهات بمقادير مختلفة حيث يتفاوت نصيب الولايات من 1 إلى 3 بالنسبة للفرد.

وقد أشار تقرير للبنك الدولي أن “40 في المائة من مساعدات الاستثمار للجماعات المحلية قد تم تضمينها في ميزانيات وزارات مختلفة ولا تظهر في صيغة مساعدات للجماعات المحلية”. وقد حدد التقرير قيمتها حينها ب 350 مليون دينار (المخطط 2002 -2006) وهي مشاريع تقوم بها الوزارات لفائدة البلديات دون أن تحتسب ضمن التمويل العمومي للبلديات. وقد أشارت التقارير إلى صعوبات في متابعة التحويلات والمساعدات للجماعات المحلية وتوقفت التقارير عند “الاعتماد المتكرر على التقاليد الادارية و الذي ينعكس سلبا على وضوح وحياد إجراءات اتخاذ القرار “، وقد اتفقت التقارير أيضا على “غموض العلاقة المالية بين ميزانية الدولة بالجماعات المحلية”

حافظ مشروع القانون على غياب الشفافية في الإنفاق العمومي في الجهات، وفي خطوة مثيرة حمل القسم السادس من الباب الأول عنوان ” في التضامن والتعديل والتمييز الايجابي” دون أن يحمل الفصلين 35 و 36 ادني إشارة لتحقيق الأنصاف بين الجهات في الاستفادة من الإنفاق العمومي. عمليا في غياب معرفة توزيع التمويل العمومي بين الجهات و البلديات لم يتجاوز التلويح بالتمييز الايجابي وظيفة الشعار.

3/ السلطة المحلية والتنمية: صلاحيات صورية

تميزت الفصول المتعلقة بصلاحيات السلطة المحلية بضعف مضمونها القانوني وبطابعها الإنشائي وبغياب التعريف لمصطلحات أساسية مثل : مبدأ التفريع، والتدبير الحر، والسلطة الترتيبية، والشؤون المحلية، وحملت الفصول صياغات ملتبسة ، فقد حدد مثلا الفصل 19 دور الأقاليم “بمتابعة الدراسات والتنفيذ والتنسيق والمراقبة” مما يفهم منطقا انه لا يمكن للإقليم المبادرة بالقيام بالدراسات، وتقييمها.

ويحافظ الوالي واقعيا على الإشراف غير المباشر على قرارات السلطة المحلية. كما أنّ مجال التهيئة العمرانية ظل تحت أشرافه، ولا يقرّ مشروع القانون بأشراف السلطة المحلية على الشرطة البلدية. وقد تكرر ذكر الوالي ما يقارب الخمسين مرة في مشروع القانون، وهو مؤشر لمدى حضوره في تسيير السلطة المحلية.

وقد أرجأ المشروع تعريف المجالات المحلية والجهوية والإقليمية إلى صدور قوانين لاحقة من دون تحديد آجالها ولم يقدم سقف زمني أو رزنامة تقديرية لاستكمال مؤسسات اللامركزية.

ومن جهة أخرى وفي علاقة بالتهيئة الترابية يندرج معرفيا تقسيم التراب الوطني إلى أقاليم في مجال علوم التنمية الإقليمية، مضمونه “توزيع الانشطة الاقتصادية والاجتاعية على التراب الوطني”، وتنعكس نتائجه على منوال التنمية الاقتصادي والاجتماعي، وهو خيار سياسي، إلا أن شرح الأسباب يشير إلى الاعتماد على “دراسات” سيقع القيام بها. وتطرح مقاربة “الدراسات ” اشكاليات متنوعة تدور حول القائمين عليها و مضمون كراس الشروط والمعايير المعتمدة لتقسيم التراب الوطني إلى أقاليم وتحديد شروط النفاذ للدراسات وكراس الشروط أو نشرها للعموم. وتكمن الهواجس المشروعة في الخشية من أن يفرض المركز المتوجس أصلا من السلطة المحلية تواصل الحكم المركزي ويدعم خياراته ” بالدراسات” التبريرية.

وتشكّل القوانين 82 و 83 و84 و85 لسنة 1994 و المحدثة للدواوين الجهوية للتنمية والمندوبية العامة للتنمية الجهوية الإطار القانوني والمؤسساتي لمنظومة التنمية الجهوية والوطنية، وهي من بين التشريعات المفترض انتهاء صلاحيتها مع تحقيق اللامركزية. وقد غفل المشروع عن إدراج هذه القوانين ضمن القوانين الانتقالية مما يوحي بالرغبة في المحافظة على المنظومة التنموية بهياكلها وفي تواصل تحكم المركز في توظيف الموارد.

عموما يمكن القول بان المقاربة المعتمدة تتسم بالمحافظة وبالحذر بقدر يتجاوز الشروط الموضوعية والصعوبات الحقيقية، ويترجم ممانعة المركز في التفريط في صلاحيته وهو ما أكده وزير البيئة والتنمية المحلية في أول جلسة استماع.

ومن غير المستبعد أيضا أن تظهر خلال النقاش تمايز داخل الكتل بين مواقف النواب بناءا على انتمائهم الجهوي، ذلك انه من المتوقع ان يسعى نواب الجهات المستفيدة إلى إحداث اقل قدر من التغيرات على المنظومة المركزية التي وفرت لجهاتهم امتيازات تاريخية ، خلافا لما يفترض أن يطالب به نواب الجهات المهمّشة.