المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
زيارة محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب، وعبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع، لمشروع رجيم معتوق. نوفمبر 2017

كفكرة محورية أولى سوف نخلص إلى جملة المساهمات التي تدخل في النطاق الاقتصادي وما يمكن أن تعطيه من تطوير لمؤسسات الوزارة. ثم نمرّ إلى ذكر المساهمات التي يمكن أن تقدمها الوزارة للمجتمع (بما فيها التّكوين المهني العسكري) مع ما لها من تأثير على مؤسسات الوزارة. أما المساهمات التي بوّبناها في المجال التكنولوجي سنعرض من خلالها جملة الجهود التي يمكن أن تتاح للمجموعة الوطنية ككل.

إن البطالة هي داء المجتمع كما ذكرنا سالفا ولمعرفة مدى حجم المشكلة نورد ما جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 2017 حول التزايد السكاني، حيث ذكر التقرير أن سكان الأرض يقارب 7.5 مليار نسمة في تلك السنة، ومن ضمن هذا العدد الهائل هناك في سوق الشغل حاليا ما يقارب المليارين من اليد العاملة النشيطة لا تحظى كلها بفرصة الحصول على شغل، واستشرافا للمستقبل يذكر التقرير أن سكان العالم سيبغلون سنة 2050 11 مليار نسمة وسيُضاف للمليارين من طالبي الشغل مليارين آخرين في ظرف نصف قرن، وسيكون سكان آسيا يليهم سكان إفريقيا في مقدمة المتضررين من صعوبة الحصول على شغل مستقبلا.

زيادة على ذلك فإن المكننة أو ما يسمى بالعزوف عن استعمال اليد العاملة واستبدالها بالآلات كان نسبيا غير مباشر في بروز هذه الظاهرة الاجتماعية التي عصفت بعديد الدول كما سبق الذكر، والتي أشعلت فتيل حروب أهلية وفجّرت أزمات اقتصادية عدة، نذكر منها عدم نجاح مستشار ألمانيا هلموت كول الذي خسر الانتخابات الأخيرة بعد 11 سنة في الحكم، لا لشيء إلا لعدم مقدرته مع حكومته طبعا علي التحكم في نسبة البطالة ببلده والذي كان له أسوأ التأثير على شباب هده البلاد خاصة، حيث كثرت الانحرافات والاحتجاجات وهذا طبيعي. فالشغل من الركائز الأساسية لاستقرار الفرد إذ به يحقق ذاته وبدونه يدخل في دوامة الفراغ النفسي والإفلاس المادي. كما لا ننسى أزمة دول جنوب شرق آسيا والتي يطلق عليها النمور الآسيويّة حيث كانت البداية أزمة ماليّة تحولت إلى فقدان للممتلكات وبطالة. ولعلنا لا نخطئ التحليل عندما نربط مظاهرات الجزائر العاصمة سنة 1992 بوجود أعلى نسبة بطالة في العالم بهذا البلد حسب إحصائية ذكرتها صحيفة “جون افريك” في السنة نفسها، وقد شهد البلد وجودا لأغلب طالبي العمل دون شغل وأغلبهم من الشباب، والأدهى والأمر أن المعطلين هم من حملة الشهائد العليا أحيانا. وتونس كغيرها من بلدان العالم تعرف نسبة بطالة مرتفعة نسبياكما ذكرنا، لعدّة أسباب نذكر منها الّنّمو الشّبابي الذي تمّ التحكم فيه بعد أن أتت سياسة تنظيم الأسرة أكلها على مدى ثلاثين عاما ولولا هذه السّياسة لكانت المشكلة أضخم.

المساهمات الاقتصادية للحد من البطالة

ترتبط المساهمات الاقتصادية لمعاضدة المجهود الوطني في مجال التّشغيل بالصّناعة أو بالفلاحة، ومساهمات أخرى لها ارتباط بالتجارة. أما السياحة والخدمات فسوف نتحدث عنها في المجال الاجتماعي. نعرف تاريخيا ما قامت به الجيوش خاصة في الدول الغربية لتطوير الصناعة العسكرية التي أصبحت قاطرة التقدم بل وتطلّبت يد عاملة كبيرة ومختصة خاصة في مجال صناعة الآليات الحربيّة وآلية الهندسة والسفن والطائرات والصّواريخ. لنكون واقعيين أكثر، لن نتطرّق إلى مساهمات لا يمكن تحقيقها. حيث أنّ الصناعة العسكرية في تونس مرتكزة على الاكتفاء الذاتي في كل ما يمكن صنعه بتونس اعتبارا لإمكانيّات البلاد ومواردها المتاحة ونذكر منها مثالا حيا؛ مصنع الذخيرة العسكري بمنزل بورقيبة الذي يمكن على غراره إحداث عدة مصانع أخرى لكن بتوجيه جديد:

  • إدخال يد عاملة مختصة مدنية.
  • ربح موارد مالية كانت تصرف لتوريد ما يمكن صنعه بتونس.
  • تطوير المؤسسة العسكرية باعتمادها على المصنوعات المحلية .

وإذا أردنا حصر ما تتطلبه المؤسسة العسكرية من مستلزمات يمكن صنعها بتونس وهي حاليا تستورد فإن القائمة تطول. كما أنه والحق يقال في السنوات الأخيرة نرى أفضلية الصناعة التونسية بالنسبة للمستورد سواء أكان ذلك في الآلات أو حتى في التجهيزات. وقد أكّد وزير الدفاع الوطني، يوم 3 جويلية 2018، في اختتام الدورة 35 لمعهد الدفاع الوطني رغبة عدد من الدّول في جعل تونس منصة تصنيع عسكري من أجل تصدير منتجاتها نحو دول إفريقية. وأضاف وزير الدفاع الوطني أن “الدولة ماضية في تحفيز الشراكة مع القطاع الخاص وفي تحفيز الاستثمار الخارجي في هذا المجال من أجل النهوض بالتصنيع العسكري في تونس”، وفقا لما أوردته وكالة تونس افريقيا للأنباء. لكن الصعوبات التي تواجه التصنيع العسكري في تونس، تتصل بالأساس بعدم تلاؤم الإطار التشريعي بين القطاعين العام والخاص، خصوصا في ما يتعلق بالتمويل.

أما في المجال الفلاحي فالفكرة التي نعرضها هنا بسيطة ويمكن أن نقول أيضا أن المسؤولين العسكريين لم يهملوها بل إنها كانت مفخرة للجيش وللوطن بصفة عامة. بعد النجاح النسبي لمشروع الفلاحة ببرج الخضراء والنجاح المنقطع النظير لمشروع رجيم معتوق والذي يعتبر مشروعا فلاحيا اجتماعيا قام به الجيش ومكّن من إحياء أرض قاحلة لا يصدّق أنها ستنتج خضرا وغلالا ومزروعات وأصبحت منطقة آهلة يستقر فيها جمع من الشباب الذي كان عاطلا عن العمل. هذا النجاح الذي مكّن تونس من إحراز الجائزة الأولى لمنطقة الأمم المتحدة في مؤتمر ريو للحفاظ على البيئة سنة 1992، نقول لما لا نواصل التجربة في تونس بها 45000 كلم2  من المناطق الجافة تمثل ربع مساحة البلاد. المشكلة هنا أن مساحتها تزداد بفعل التعرية والتصحر وبذلك يمكن أن يحقق هدفا بيئيا واخر اقتصاديا. حيث في المشاريع القادمة سوف يتم استيعاب أصحاب الشهائد العليا الذين سيساهمون في البحث عن زراعات تتماشى مع هذه المناطق، مروية بمياه مالحة أو حتى يمكن استعمالها دون أن تتعرض للتلف من جراء المناخ.

لنفرض أنّ بتونس 4 ملايين هك أرض بور وأنّ الجيش يوزّع نصف مليون هك على الشّباب بحساب 5 هك للفرد الواحد لاستصلاحها على 10 سنوات. ثم يملّكهم اياها.

  • نصف مليون هك على 5هك =  100.000 قطعة ارض.
  • 100000 قطعة بكل قطعة 4 شبّان = 500.000 موطن عمل.

أما المساهمات المتصلة بالتجارة والسياحة والخدمات فقد سبقتنا إليه عدة دول، وما علينا سوى أن ندرس تجاربها ونغربلها لنحذف كل ما هو سلبي ونخلص إلى ما يتماشى مع بلادنا. وقد رأينا في هذه البلدان أن مجال الخدمات من مطاعم وهندسة مدنية ومغازات وملاهي ونوادي يتم استغلالها من طرف مدنيين لتحقيق خدمات لفائدة العسكريين سواء داخل المنشآت أو خارجها، ويتم ذلك طبعا حسب شروط مفصّلة وطرق منظّمّة. هذا يمكّن الجيش من المساهمة  بجدّية في تشغيل أو تحريك العمل بالمؤسسات، من ناحية أخرى سيساهم في تطوير الخدمات لوزارة الدفاع الوطني، كما أنه يريح المسؤول العسكري من عناء قد يكون جانبيا ولا يدخل في المهمة الرئيسية ألا وهي الدفاع واستعمال السلاح والتدرب عليه عوضا عن الطبخ والدهن وتشغيل النوادي. ولا نتصور أن هذا سيكون سهلا في البداية، لكننا نقول أنه لا مفرّ منه مستقبلا.

المساهمات الاجتماعية للحد من البطالة

نمر إذا إلى المساهمات التي يمكن أن تقدمها الوزارة للمجتمع وتأثيرها على مؤسسات الجيش. نستمع كثيرا في المدة الأخيرة إلى تشغيل أصحاب الشهائد العليا. هنا يمكن للجيش معاضدة المجهود الوطني، زيادة على التكوين المهني العسكري للمدعوين، الذي والحق يقال مرَّ بنقلة نوعية في السنوات الأخيرة. ومن الشهائد: شهادة انتهاء التدريب المهني، شهادة المهارة، شهادة الكفاءة المهنية المؤهل التقني المهني.

أما بعض الاختصاصات فهي: ميكانيك السيارات، كهرباء السيارات، طولة ودهينة، خراطة، محركاتي صنف ثقيل، محركاتي صنف خفيف، تغليف السيارات، تصليح العجلات، تارزي، صنع مرطبات، تصليح أحذية، تصليح آلات الخياطة، تغليف الأثاث، خباز، خياطة، نجارة بناء، كهرباء بناء، لحام صحي، بناء، تسخين، تبريد، نقش على الجبس، تركيب الجبس، دهان، ملمّع موبيليا خراطة الخشب، تلفيف، المحركات، نجارة، نقش على الخشب. والاختصاصات البحرية: ميكانيكي محرك بحري، سمكرة، لحام صحي، حدادة.

توظف الفضاءات التكوينية العسكرية لهؤلاء قصد تسليمهم شهائد وتدريبهم على اختصاصات أو تركيز معلوماتهم النظرية التي تلقوها بالجامعات، فإحداث مراكز تكوين مهني وطنيّة وجهويّة وحتى محليّة لفائدة التونسيين العاطلين عن العمل من غير المدعوين يساهم في الحد من البطالة. أما فيما يخصّ الإطار المباشر للجيش فان تمكينه من تقاعد مبكر يترك المجال لغيره من المواطنين لتشبيب إطارات المؤسسة. لكن لا يتم ذلك إلا بعد حصول المتقاعد على حقوقه الاجتماعية. ونحن نسمع عن تقاعد الـ45  سنة ببعض البلدان.

المساهمات التكنولوجية للحد من البطالة

وفي الأخير نتطرق إلى مساهمات المجال التكنولوجي الذي في رأينا يشكل أبرز الإسهامات للتحكم في البطالة لما له من نظرة مستقبلية، ولأن رأس المال في تونس ليس المال ولا الموارد الطبيعية وإنما العقل البشري والتكنولوجيا إسهام العقل البشري في استنباط طرق ووسائل صيانة يمكن صنعها ونفع البشرية بها. ففي هذا المجال كلنا يعرف إسهامات الجيوش على مر التاريخ خاصة خلال القرن الماضي في التطور العلمي والتكنولوجي والطبي وذلك بواسطة هيكلة وتنظيم  البحث العلمي والتكنولوجي داخل المؤسسة العسكرية الذي فجر طاقات العلوم التطبيقية وخلق ما نراه أمامنا اليوم من الأسلحة والتجهيزات وطرق الإدارة والتنظيم واللوجستيك وحتى التدريب والتكوين. وتونس اليوم بما لها من أدمغة وأصحاب اختصاصات عليا يمكن أن يجدوا في المؤسسة العسكرية الإطار الملائم لمزيد تطوير البحوث العلمية الخاصة باستنباط طرق ووسائل عيش وعمل عصرية تتماشى مع بلادنا يكون لنا فيها السبق على البلدان الأخرى. وهذا يقتضي برنامجا وطنيا تتعاقد فيه الدولة بمؤسساتها من علم وتربية وصناعة ومن شركات وحتى خواص يريدون أن يستثمروا في هذا المجال. وهذا بالطبع وعلى مدى زمن طويل سيعود على  البلاد بالنفع المعنوي والمادي.

نحن كثيرا ما نسعد عندما نرى عملية جراحية معقدة ناجحة قام بها أطباء عسكريون تونسيون أو عن جهاز ولو كان بسيطا اخترعه عنصر من جيشنا. ولكننا مازلنا في بداية الدرب. ومن سار على الدرب وصل. إن الاختيار السياسي لرفع تحدي التحكم في البطالة يتطلب سعيا وجهودا وتوظيفا لكل الإمكانات المتاحة. ويمكن للجيش أن يساهم في تحقيق هذا الهدف في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي، لكن تبقى في الأخير مساهمة العاطلين عن العمل في رفع هذا التحدي والاعتماد على الذات أولا وقبل كل شيء.