اعتبرت وزيرة السياحة التونسيّة سلمى اللومي خلال حوار مقتضب لها مع المجلّة الفرنسيّة باريس ماتش في الاوّل من شهر أوت الجاري، أنّ السنة الحاليّة ستكون الإنطلاقة الحقيقيّة للقطاع السياحيّ بعد التراجع الفادح خلال سنتي 2015 و2016. تطمينات استندت على تحسّن عدد من المؤشرات الخاصّة بالقطاع السياحيّ. حيث ارتفع عدد الليالي المقضاة بالمقارنة مع سنة 2016 من 14 مليون و839 ألف ليلة إلى 22 مليون سنة 2017، كما تشير التوقّعات إلى بلوغ هذا الرقم عتبة 26 مليون ليلة مع نهاية الموسم السياحي سنة 2018 بحسب رئيس الجامعة التونسيّة للنزل، خالد فخفاخ. هذا وارتفعت العائدات السياحيّة من 1808 مليون دينار سنة 2016 إلى 2690 مليون دينار سنة 2017 حسب بيانات الديوان الوطني للسياحة والمعهد الوطني للإحصاء، وسط توقّعات ببلوغ عدد السيّاح سنة 2018 أكثر من 8 ملايين وافد.

الانتعاشة التّي يشهدها القطاع السياحيّ ستلقي بظلالها على الوضع الاقتصاديّ بشكل العام. حيث تساهم السياحة بنسبة 7% من الناتج الإجمالي المحليّ بإيرادات ناهزت 2.7 مليار دينار من العملة الصعبة وهو ما يمثّل 19% من مجموع مداخيل البلاد من النقد الأجنبيّ حسب تقرير وزارة السياحة لسنة 2016. أمّا على صعيد المردودية التشغيلية، يوفّر القطاع السياحيّ مباشرة 95600 ألف موطن شغل و400 ألف فرصة عمل في مختلف الأنشطة ذات الصلة بالقطاع. لكنّ هذه الأرقام الإيجابيّة المسجّلة خلال موسمي 2017 و2018، لا تحجب خطورة الأزمة الهيكليّة التي يتخبّط فيها القطاع السياحيّ منذ سنوات.

عشريّة الركود تكشف عن عمق أزمة السياحة

اعتمدت تصريحات الجهات الحكوميّة والفاعلين الخواص في القطاع السياحيّ خلال السنوات السبع الماضية على مؤشّرات سنة 2010 كنقطة مرجعيّة لتقييم المواسم السياحيّة التّي تلت جانفي 2011. خيار يُحمّل التغيير السياسيّ الذّي شهدته البلاد تبعات الأزمة الإقتصاديّة ككلّ وتراجع السياحة التونسيّة بشكل خاصّ.
بالعودة إلى بيانات المعهد الوطني للإحصاء، تكشف الأرقام المنشورة بين سنوات 1998 و2016، أنّ السنة المرجعيّة المعتمدة رسميّا لا تعدو أن تكون سوى ظرفا استثنائيّا في سلسلة من المؤشّرات التّي تعكس حالة الركود التّي يمرّ بها القطاع السياحي خلال العشريّة الأخيرة على الأقّل. حيث لم تحقّق الإيرادات السياحيّة بين سنتي 2009 و2010 سوى نموّا طفيفا بنسبة 1.43% و2.3% بين سنتي 2008 و2009. النمو المتباطئ للقطاع السياحيّ لم يقتصر على حجم المداخيل من العملة الصعبة، بل تجلّى في تراجع الإستثمار السياحيّ بين سنوات 1995 و2015 بنسبة 55.42%، إذ انخفضت قيمة الاستثمارات السياحيّة بشكل متواصل من 449.1 مليون دينار إلى 200.2 مليون دينار سنة 2015، باستثناء طفرة ظرفيّة بين سنتي 2009 و2010. من جهة أخرى لم يتطوّر عدد المؤسّسات السياحيّة بين سنوات 2005 و2015 سوى بنسبة 5.33%. ورغم أهميّة السياحة على مستوى التشغيل المباشر، باستيعابه ل96500 يدا عاملة، إلاّ أنّ قدرته على تطوير مردوديته التشغيليّة ظلّت دون المأمول، إذ لم يوفّر هذا القطاع سوى 4600 موطن شغل جديد طيلة السنوات العشر الممتدة بين 2005 و2015، بنسبة تطوّر لم تتجاوز 4.7%.
تؤكّد هذه البيانات ومسار النموّ المتذبذب للقطاع السياحيّ خلال السنوات العشرين المنصرمة، أنّ أزمة السياحة التونسيّة تتجاوز مبرّرات التجاذبات السياسيّة وهشاشة الوضع الأمنيّ، لتعود جذورها إلى ما قبل 14 جانفي 2011.

السياحة النمطيّة في طريق الإفلاس

رغم ما تمثّله السياحة من ثقل صلب النسيج الاقتصادي التونسيّ، إلاّ أنّ تموقعها على الصعيد الدوليّ لا يعكس حجم الرهان الرسميّ والخاصّ على هذا القطاع. حيث تفيد معطيات المنظّمة الدوليّة للسياحة، أنّ نصيب تونس من السوق السياحيّة في العالم لم يتجاوز 0.5% سنة 2017 من العدد الإجماليّ للسيّاح البالغ عددهم 1.184 مليار نسمة ممّا وضعها في المرتبة 79 عالميّا سنة 2015، حسب مؤشّر التنافسيّة لقطاع الأسفار والسياحة.

الفشل في تعزيز موقع تونس على الخارطة الدوليّة للسياحة، رغم الدعم الحكوميّ لأصحاب النزل عبر سلسلة من الإعفاءات الضريبيّة وجدولة الديون البنكية والجبائيّة، وذلك عقب تنامي التهديدات الأمنيّة التي بلغت ذروتها سنة 2015 والتراجع الكارثيّ للإيرادات السياحيّة التّي انخفضت إلى 1108 مليون دينار خلال نفس السنة، رسّخ حقيقة الأزمة الهيكليّة التي يعاني منها القطاع السياحيّ وإفلاس النمط التونسي وعجزه عن تقديم منتج سياحيّ مغر. هذه الوضعيّة الحرجة للسياحة التونسيّة ترجمها تقرير السفارة الفرنسيّة في تونس سنة 2017. حيث أرجع التقييم الفرنسيّ الوضع المتردّي للقطاع السياحيّ في تونس إلى إفلاس الخيارات التّي تمّ إعتمادها منذ ستينات القرن الماضي، والتّي ترتكز على الفندقة والسياحة الشاطئّية. توجّه أدّى إلى محدوديّة المنتوج السياحيّ وتحديده ضمن مجالات جغرافيّة ضيّقة والتّي تتركّز أساسا في السواحل. كما لم تحاول الحكومات التونسيّة خلال أكثر من ستّين سنة تخصيص استثمارات جديّة لخلق أنماط سياحيّة جديدة على غرار السياحة الاستشفائيّة أو الرياضيّة أو البديلة و البيئية أو سياحة الأعمال. ليخلص التقرير الفرنسيّ انّ غياب رؤية استراتيجيّة لسبل تطوير القطاع أدّى إلى نفور الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة على حدّ سواء. إضافة إلى الوضعيّة المترديّة للبنى التحتيّة والخدمات التي اعتبرها الفرنسيّون أحد أهمّ العوامل التّي أثّرت سلبا في تطوّر السياحة التونسيّة.
هذا التقرير الذّي أدرج العناوين الكبرى لأزمة القطاع السياحيّ، وإن اعترف بتحسّن المؤشرات السياحيّة خلال سنة 2017، إلاّ أنّه فسّر ذلك التحسّن على تراجع الخطر الإرهابيّ والاستقرار الأمنيّ، معتبرا أنّ الأرقام الحاليّة لا تعكس تعافي السياحة التونسيّة أو انطلاقة حقيقيّة للقطاع كما وصفتها الوزيرة سلمى اللومى، بل انتعاشة ظرفيّة هشّة، قابلة للانتكاس مع أوّل هزّة.