تحتل ولاية بن عروس المرتبة الثانية على المستوى الوطني من حيث عدد الإصابات بالفيروس، ب 1183 حالة منذ مارس 2020، منهم 1033 حالة لا تزال حاملة للفيروس و12 حالة وفاة و138 حالة شفاء حسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة. يصنف المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة ولاية بن عروس (مع ولايات تونس الكبرى وسوسة والمنستير و26 معتمدية) كمناطق ذات خطورة انتشار مرتفعة.

منذ الخميس 8 أكتوبر الجاري، بدأت السلطات في ولايات تونس الكبرى ومنها ولاية بن عروس في تطبيق حظر التجوال ليلا من الساعة التاسعة ليلا إلى الساعة الخامسة صباحا طيلة أيام الأسبوع ومن الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا يومي السبت والأحد. كما تقرر تعليق انتصاب الأسواق الأسبوعية وتعليق صلاة الجمعة ورفع الكراسي والطاولات من المقاهي والمطاعم، بالإضافة إلى تكثيف عمليات التعقيم بالفضاءات العمومية، وتمتد هذه الإجراءات لخمسة عشر يوما منذ تاريخ إعلانها.

أغلبية الضحايا من عمال المصانع

لكن معركة ولاية بن عروس مع الموجة الثانية من انتشار كورونا انطلقت قبل تاريخ اتخاذ هذه الإجراءات بوقت طويل، وكان المنعرج الحقيقي في 24 أوت 2020 حيث سجلت الولاية 50 إصابة في يوم واحد بعد أن نقلت إحدى العاملات بوحدة صناعية في مدينة بن عروس العدوى لزميلاتها في الشغل. ومنذ ذلك المنعرج، تطورت الأمور بشكل درامي في الولاية خاصة يوم11 سبتمبر 2020 حيث سجلت بن عروس 243 إصابة جديدة بالفيروس من أصل 465 حالة إصابة تم الإعلان عنها على المستوى الوطني في ذلك اليوم. وحسب مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، فإن عدد الحالات المسجلة في بن عروس كان نتيجة لعمليات التقصي التي استمرت لأيام في صفوف عمال أحد المصانع بالولاية. بعد ذلك بقي معدل الإصابات بفيروس كورونا في استقرار نسبي مقارنة مع بقية الولايات إلى أن سجلت ولاية بن عروس يومي 6 و7 أكتوبر 4 وفيات بالفيروس و47 إصابة جديدة من أصل 200 تحليل مرجعي حسب ما ذكرته الإدارة الجهوية للصحة ببن عروس.

المستجد في الوضع الوبائي ببن عروس هو اكتشاف “بؤرتين جديدتين” لمصابين بفيروس كورونا وذلك في وحدتين صناعيتين “فيهما تشغيلية عالية” حسب ما ذكرته إذاعة موزاييك، وذلك في المنطقتين الصناعيتين بمقرين والمغيرة حيث تُجرى عمليات تقصي مكثفة لمعرفة مدى تفشي حالات العدوى. هذه الوضعية زادت من تخوف السكان من مزيد انتشار الفيروس في الولاية وأعاد إلى الأذهان سيناريو 24 أوت حين تم اكتشاف البؤرة الأولى.

في المقابل، يعتبر المندوب الجهوي للصحة ببن عروس المنصف الهواني، في تصريح لموقع “نواة”، أنه “من السابق لأوانه الحديث عن بؤرتين جديدتين في منطقتي المغيرة ومقرين لأن الفرق الطبية وجدت حالة إيجابية في وحدة صناعية بمقرين وأخرى في المنطقة الصناعية بالمغيرة ولم تصدر بعد نتائج التحليل بالنسبة للمخالطين لهاتين الحالتين”، موضحا أن الفرق بدأت في عمليات التحري وتقصي الحالات المخالطة للمصابين لكنه لم يتم بعد الإقرار بوجود بؤرتين جديدتين لفيروس كوفيد 19 ولا يمكن الجزم بوجود بؤرة إلا بعد صدور نتائج تحليل إيجابية لعمليات التقصي التي جرت في الوحدتين الصناعيتين حسب قوله.

10مناطق صناعية !

تُعتبر ولاية بن عروس من أهم ولايات البلاد على المستوى الاقتصادي باعتبار انتشار المناطق الصناعية في مختلف معتمديات الولاية الاثني عشر،  10مناطق صناعية بالمروج والمغيرة ومقرين وبرج سدرية وبن عروس المدينة ورادس، بالإضافة إلى الأسواق الأسبوعية الكبرى التي يفوق عددها العشرة أسواق مع المساحات التجارية الكبرى والأسواق البلدية والمقاهي والمطاعم. هذه المعطيات تجعل الولاية عرضة لانتشار واسع للعدوى مقارنة بولايات أخرى فيها حركية اقتصادية أقل خاصة وأن بن عروس تترابط بشكل وثيق مع ولايات تونس الكبرى باعتبار التنقل اليومي بين هذه الولايات بالنسبة للموظفين والطلبة الذين يستعملون النقل العمومي في نسبة كبيرة من تنقلاتهم.

من جهته قال المنصف الهواني إن المندوبية الجهوية للصحة “اتخذت جملة من الإجراءات الاستعجالية والخصوصية لمجابهة تصاعد تفشي فيروس كورونا في الولاية، وهي تقوم الآن بجهود لفرض الالتزام بالبروتوكول الصحي في جميع الوحدات الصناعية خاصة بعد تسجيل إصابات في هذه الوحدات، بالإضافة إلى توفير الفرق الطبية التي تقوم بعمليات تقص ومسح شامل لكل المناطق التي تسجل إصابات إيجابية وذلك بهدف محاصرة العدوى”.

الوضع في بن عروس لا يختلف كثيرا عن الوضع في بقية الولايات. حين تجولنا فيها، لاحظنا أن الالتزام بارتداء الكمامة ضعيف جدا. المحلات تواصل عملها بشكل عادي ولم تفرض على مرتاديها ارتداء الكمامات أو تعقيم الأيادي عند الدخول ولم تفرض التباعد بين الحرفاء داخلها باستثناء بعض البنوك التي نظمت طوابير انتظار أمام مقراتها وسط المدينة. لكن الوضع عموما لم يتغير. فالاكتظاظ الذي كان داخل مقرات البنوك والبريد تحول إلى خارجها. كما لم تجد الدولة بعد حلا للمتقاعدين الذين يتجمعون كل شهر للحصول على جرايات تقاعدهم من مقرات البريد التونسي خاصة.

في هذا السياق أوضح المندوب الجهوي للصحة أن المندوبية والسلط الجهوية تبذل جهودا لمحاصرة انتشار الفيروس لكن هذه الجهود لن يكون لها معنى دون وعي من المواطنين مثلما حصل خلال الموجة الأولى، مشددا على أنه “إذا لم يلتزم المواطنون بإجراءات الوقاية فإننا سنطبق القانون على الجميع دون شك”.

تعيش الولاية حالة من الخوف والترقب في صفوف مواطنيها، خوفا وخشية من مأزق انتشار العدوى بالفيروس لا يرافقها حذر والتزام بالبروتوكول الصحي وإجراءات الوقاية من قبل المواطنين والمحلات التجارية والخدماتية والمقاهي والمطاعم. بالنسبة للسلطات الجهوية والصحية هم يعولون على وعي المواطن والالتزام بالإجراءات، إذ “لا خلاص للولاية ولا لتونس إلا من خلال الالتزام بإجراءات الوقاية وليس هناك حل آخر في ظل عدم توفر لقاح مضاد للفيروس”. أما بالنسبة لسكان بن عروس، فإن أكثر ما يتردد على ألسنتهم هو التذمر من غياب المراقبة لاحترام البروتوكول الصحي والتراخي في تطبيق القانون والإجراءات وصعوبة الحصول على تحليل للمشتبه بإصابتهم بالفيروس، وبطبيعة الحال الشكوى من اكتظاظ وسائل النقل وخدمات البريد والفضاءات التجارية، وهي في الأصل مشاكل لا تخص الولاية لوحدها بل البلاد بأكملها.