للبروفيسور المنصف بن سالم أخط هذه الكلمات…

قيل كل شيء حول الرجل، فماذا عسانا أن نزيد؟ تابعنا كلنا رحلة عذاب… لرجل، لعالم، لمواطن… أنشأ كلية فأغلقوا أبوابها في وجهه..، هيأ ذرية صالحة ومتعلمة لمجتمعه، فمنعوها من التعليم وأطردوها من مؤسساته..، أراد أن يساهم في بناء وطنه بالكلمة الحرة والكلمة الصادقة، فحشروه في السجن لسنين عدة…،وتتواصل محنة الرجل، ومحنة وطن في رجل.

البروفيسور المنصف بن سالم ليس إلا صورة مكبرة من صور ضحايا الاستبداد والجور في بلداننا، حيث يعلو صوت التسلط والاستخفاف وتوضيع كل نفس معارض مهما علت درجته الاجتماعية أو العلمية، ففي بلداننا يتجلى العدل والإنصاف في أبهى مظاهره بين المواطنين في أخذ كل فرد نصيبه كاملا من التعسف والإذلال والتهميش، ولن يتخلف عن هذا صاحب خُلق أو علم، فالكل سواء أمام العصا والكل مختلف أمام “القانون”، ولا اعتبار لمنزلة إلا منزلة التمسح والقربى!

البروفيسور المنصف ليس إلا محطة جديدة ومتكررة في مشوار الغباء السياسي، والحسابات الخاطئة، فليس التعسف والإذلال، ومحاربة الفكرة ومواجهتها بالقمع والتسلط وتشريد الأسر ونفي الأفراد إلا منهجا هابطا وعقيما ولن يؤدي إلى نهاية الصراع وذوبان الاستماتة وقبول الغلبة والموت، ولكن يؤجل نقطة الصفر التي تجعل من الوعي حالة جماعية ملتهبة، ومن الاستنفار ورفض “الاستحمار” والتهميش والجور مسارا صاعدا ودائما.

لا شك أن حالة أستاذنا الكبير تبقى سابقة في تونس، لكن حياة العلماء لم تكن أبدا نهرا جاريا ساكنا، ولا جنة تملأها الظلال والنمارق، ولا راحة مستديمة، إلا من ابتغى قرب السلطان وسعى إلى تمجيده لنيل رضاه والحصول على عطاياه، ونسي أو تناسى دوره في الارشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلمة الحق في مواطن الحق والباطل… وليس العالم فقط من تحدث عن الشرع، وأبحر في فقه الدين والتدين، واجتهد في الشريعة، ولكن العالم من جعل علمه يلامس واقعه ولم يجعله محبوسا في مخبره، وخرج به لمنفعة البلاد والعباد. ولقد كان أستاذنا عالما في مخبره عالما في مدرسته عالما في مدينته عالما في وطنه… عالما بين الناس! ولعل هذه الأخيرة هي التي جلبت له المشاق والمحن..، ولعل خروجه عن بوتقة العالم المنكسر في محرابه والمنعزل عن الناس، وتميّزه بربط علمه بعمله كانت كافية لجلب “المتاعب” ودخول مشوار الابتلاء.

فصبرا أستاذي الفاضل، وصبرا أيتها الأسرة الكريمة، وأنا أعلم أنكم لستم محتاجين لمن يُذكّركم بذلك وأنتم منذ سنين صابرون على الجور الذي طالكم..، ولكنها كلمات العاجز من وراء البحار، الذي ليس له إلا أن يكتب هذه الكلمات رأفة بنفسه قبل غيره، وتفاؤلا بأن هناك في تونس الحبيبة رجالا صامدين على رجل واحدة أو بدون أرجل، يُذَكّرون القاصي والداني بأن الأيام دول، وأن زمن الجور يبقى ساعة، ولو تمددت عقاربها، وتأخر المُنبِّه عن الرنين!

إن نداء البروفيسور وصيحة أسرته هما تذكير لمن أراد الاستراحة ومغادرة القافلة على عجل، بأن الوقوف ضد الطغيان والعمل من أجل تونس ورفاهة أبنائها ليس نزوة ولا نفحة ولا ساعة من نهار، و لكن همّا قائما ومسؤولية عظمى أمام الله والوطن، وفعلا دائما يتطلب النفس الطويل والعمل الدءوب ولعله المضني على حساب الأهل أحيانا والاسترزاق أحيانا أخرى… ولا يشوبه استرخاء أو إحباط أو ملل.


المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي