هذه الإشكالات كانت نتيجة لمخالفة “مارينا قمرت” كراس الشروط، منذ حصولها على رخصة بناء على غير الصبغة السياحية للمشروع من قبل بلدية المرسى، وقبل شراء أرض المشروع وموافقة وزارة السياحة على انجازه، مرورا بالتحيّل على طبيعة المشروع السياحية التي تقتصر على بناء ميناء ترفيهي وتوابعه من مطاعم ومقاهي، لتضيف إلى ذلك بناء وحدات عقارية في خرق واضح لكراس الشروط.
يأتي كل ذلك في سياق إجراءات إدارية ومالية مشبوهة، كلفت الدولة أكثر من 200 مليون دينار خسائر من القيمة المالية للأرض، لتغييرها طبيعة بناء مشروع الميناء السياحي إلى مشروع عقاري مربح، لا مرفقاً ينتفع به العموم ويستغل سياحياً.
وقد سبق لـنواة كذلك أن تطرقت لهذه القضية بإسهاب في تحقيق نشر بتاريخ 24 ماي 2017.
مشروع مارينا قمرت: الدولة في خدمة الفساد
24/05/2017
القضية لم تتوقف عند هذا الحد من الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ، بل تواصل خرق القانون من قبل الشركة المسيرة للميناء الترفيهي بتواطؤ من مسؤولين بدرجة وزراء ومديرين عامين لتمكين الشركة المعنية من استغلال وتسيير الميناء بالرغم من أن الدولة التونسية رفعت منذ 2011 قضية ضدها تتعلق بشبهات فساد واستغلال نفوذ واستيلاء على أموال عمومية، لدى مكتب التحقيق الأول بالقطب القضائي والمالي تحت عدد 38775.
قضية الحال، تتعلق أساسا بالاستغلال غير القانوني للميناء منذ سنة 2017 دون عقود أو لزمة نافذة وما يترتب عن ذلك من التمييز في التمتع بخدماته بالرغم من كونه ملكا عموميا.
استغلال خارج القانون لميناء ترفيهي عمومي
بالرغم من قضايا شبهات الفساد التي تلاحق الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” و رئيسها كريم ميلاد، التي أدت لمصادرة حصة سليم شيبوب من الشركة المسيرة للميناء وقيمتها 24% من إجمالي أسهم الشركة، قررت وزارة السياحة والصناعات التقليدية “الترخيص استثنائيا”، سنة 2015، للشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت”في استغلال الميناء الترفيهي بقمرت. ترخيص إستثنائي تم إسناده في فترة الوزيرة سلمى اللومي، دون طلب عروض أو أي استشارة عمومية.
بعد إيقافه في إطار هذه القضية في جويلية 2020، تم الحكم على سليم شيبوب ب6 سنوات سجن مع النفاذ العاجل في 9 ماي 2022. وتشمل القضية 11 متهما. بينما يتمتع رئيس مدير عام الشركة كريم ميلاد بكامل حقوقه المدنية بحكمه وريث عزيز ميلاد الذي توفي في نوفمبر 2012. ويعتبر ميلاد الأب المسؤول على الخروقات المسجلة.
وينص الفصل عدد 3 من اتفاقية الترخيص الاستثنائي للاستغلال الوقتي للميناء الترفيهي بقمرت على أن لا تسري أحكام التشريع المتعلقة بتنظيم العلاقة بين المسوغين والمتسوغين فيما يخص تجديد كراء العقارات أو المحلات ذات الاستعمال التجاري أو الصناعي على أي من العقارات موضوع هذه الاتفاقية. كما ينص الفصل 34 من الاتفاقية على أن “مدة سريان الاتفاقية حددت بسنة واحدة قابلة للتجديد الضمني لمرة واحدة.
فصلان يؤكدان على أن عقد التسويغ المحدد مدته بسنة واحدة غير قابل للتجديد سوى مرة واحدة فقط، أي أن أقصى مدة يمكن أن تستغل فيها الشركة الميناء الترفيهي هي سنتان فقط، وهو ما يعني أن استغلال ميناء قمرت ينتهي في 30 أوت 2017 باعتبار أن توقيع الاتفاقية تم في 25 أوت 2015.
وزارة السياحة لم تجدد التعاقد رسميا وكتابيا مع الشركة المستغلة للميناء منذ سنة 2017، ما يضع الشركة السياحية والعقارية “مارينا قمرت” في خانة الخارج عن القانون، بما أنها لا تزل لحد هذا التاريخ تستغل الميناء وتحصد منه المليارات بالرغم من انتفاء الصفة منذ 30 أوت 2017.
تقرير أفرزته إستشارة لدى شركة دولية مختصة في الدراسات والتدقيق
وزارة السياحة تتحايل على القانون
في مراسلة عدد 4015 بعث بها وزير السياحة السابق روني الطرابلسي للرئيس المدير العام للشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت”، كريم ميلاد، ردّا على مراسلة سابقة لميلاد يطلب فيها التمديد في اتفاقية الاستغلال الوقتي للميناء الترفيهي بقمرت، أقرّ وزير السياحة بأنه لم تعد هنالك حاجة لتجديد اتفاقية استغلال الميناء المنتهية سنة 2017، وهذا لا يعنى التوقف عن استغلال الميناء وإنما مواصلة استغلاله بناء على تأويل “تحيّل” على حكم صدر لصالح أحد متساكني الوحدات السكنية بالمنطقة العقارية المحيطة بالميناء ضد الشركة المذكورة، حيث جاء في مراسلة الوزير: “كما أقرت محكمة الاستئناف بتونس في قرارها عدد 21627 بتاريخ 27 مارس 2019 للشركة العقارية السياحية مارينا قمرت صفة المستغل الفعلي للميناء الترفيهي بقمرت”.
وقد اعتمد الوزير على هذا الجزء من الحكم للقول بأن “القضاء قد أقر بأن الشركة السياحية والعقارية مارينا قمرت هي التي يجب أن تسير الميناء” في حين أن قرار محكمة الاستئناف لم يصدر بطلب أو لفائدة الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت ولم يصدر لإقرار صفة المستغل للشركة وإنما صدر لصالح المتساكن وضد الشركة المستغلة للميناء، إثر قيامه برفع قضية ضدها بتاريخ 22/01/2016 في الفترة التي كانت تستغل فيها الميناء بشكل قانوني لإقرار حقه في إرساء مركبه بميناء قمرت، ولم يكن محور القضية إقرار صفة الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” كمستغل للميناء.
ويذكر المتضرر في مراسلة لوزير السياحة روني الطرابلسي بتاريخ 6 أكتوبر 2020 أن الشركة “نفت أمام المحكمة أي صفة لها في الميناء” بغية التهرب من مسؤوليتها القانونية بما أن الحكم صدر في 2019 سنتين بعد انتهاء الترخيص الذي منحته لها وزارة السياحة لاستغلال الميناء، في حين أنها كانت في تلك الفترة تُسيّر وتُسوِّغ ممتلكات الميناء بشكل غير قانوني ولكنه فعلي بالنسبة لوزارة السياحة.
وزارة اعترفت في تقرير قدمته لدى المحكمة الإدارية بمناسبة قضية أخرى مرفوعة ضد الشركة وضد وزارة السياحة، بأنها “غضّت النظر” عن التسيير غير القانوني للميناء من طرف الشركة المعنيّة.
لا تمثل قضيتنا هذه سوى سيل من فيض. إذ بلغنا أن 200 متسوغ لعقارات في “مارينا قمرت” لا يملكون عقود بيع أو عقود ملكية، أحدهم رجل الأعمال والنائب السابق رضا شرف الدين الذي رفع قضية وأنصفته المحكمة مؤخراً.
المشيشي يعيد الكُرَة لوزارة السياحة
في مراسلة داخلية موجهة لوزير السياحة حبيب عمار، بتاريخ 04 مارس 2021، حصلت “نواة” على نسخة منها، انتقد رئيس الحكومة هشام المشيشي بصفته وزيرا للداخلية بالنيابة، ما أسماه “تخلي وزارة السياحة عن دورها كسلطة مينائية مكلفة بالتصرف في الملك العمومي المينائي وحمايته واستغلاله حسب الفصلين 6 و11 من مجلة الموانئ البحرية”.
جاء ذلك في سياق استعراض وزير الداخلية بالنيابة لوضعية الميناء غير الطبيعية والمعطلة و”افتقاد الشركة (مارينا قمرت للسياحة والعقارات) شرعيتها في الاستغلال (الميناء)”، مما يوحي بوجود نيّة لدى رئاسة الحكومة لإثارة هذا الملف وإنفاذ القانون “بسبب تفاقم الوضع في ظل غياب السلطة المينائية وعدم تطبيقها القانون على الشركة المخالفة وتحوز ملك الدولة العام خارج إطار القانون، والدخول في خلافات شخصية انعكست على أمن المرفق المينائي”.
هذا الاستعراض وجد صداه في الأوامر الحكومية التي تضمنتها رسالة المشيشي إلى الحبيب عمار، بطلبه البت في هذا الاشكال وفقا لمقتضيات أحكام مجلة الموانئ البحرية واسترجاع الملك العمومي المينائي المستغل بغير وجه حق وفض الخلافات القائمة حوله.
إجابة وزارة السياحة لم تتأخر، بل جاء الرد في نفس اليوم الذي وردت فيه المراسلة، أي بتاريخ 4 مارس 2021. وكانت الإجابة، على غير المنتظر، غاية في التعويم من قبيل أن الوزارة “تسعى لتجاوز الإشكاليات والصعوبات الإدارية والقانونية المتعلقة بالمراقبة والاستغلال” عكس ما كان يفترض أن تقوم به من تطبيق لمجلة الموانئ البحرية وخصوصا “استرجاع الملك العمومي المينائي المستغل على غير وجه حق” مثلما جاء في مراسلة رئاسة الحكومة.
حتى حين تطرق وزير السياحة الحبيب عمار في رده، لفرض السلطة المينائية، لم يذكرها مباشرة في علاقة بميناء “مارينا قمرت”، بل عمّم القضية على جميع الموانئ في تونس وكأنها تشتكي نفس المشكلة مع كريم ميلاد، مثلما هو الحال في قضية ميناء قمرت. وجاء في رد وزير السياحة أن هنالك استراتيجية “لإعادة هيكلة الوحدة المعنية بهذا النشاط (ميناء قمرت) على مستوى الوزارة والتركيز التدريجي للسلطة المينائية بمختلف الموانئ الترفيهية التونسية…”.
هذا التعويم والالتفاف الذي نلمسه في إجابة وزير السياحة يخدم بطريقة أو بأخرى شركة “مارينا قمرت”، لأن ما يستشف منها هو البحث عن حل إداري وصيغة قانونية لإعادة هيكلة واستغلال الميناء لصالح الشركة المذكورة، دون إخراجها من الميناء وتطبيق القانون عليها لمخالفتها العقد الذي أبرمته مع وزارة السياحة المنتهي في 2017 واستغلالها غير القانوني للميناء منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
استهتار بالملك العمومي
تجاوزات واخلالات بالجملة وسوء تصرف رصدها متساكنو الإقامة السكنية ومستعملو الميناء الترفيهي “مارينا قمرت” خلال تسيير الشركة للميناء والإقامة السكنية التابعة له. فبالرغم من أن السلطة التونسية منحت ترخيصا للشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” لتشييد ميناء وتوابعه (مطاعم، مقاهي…) فقط على أراض منحتها الدولة بسعر رمزي نظرا للطبيعة السياحية للمشروع. فإن الشركة حادت عن هذا الهدف باستغلال الأرض لغايات أخرى، منها بناء إقامة سكنية فاخرة (سعر الوحدة السكنية يتراوح بين ستمائة ألف ومليون دينار) في تجاوز واضح لبنود التعاقد مع الوكالة العقارية السياحية، التي تنص على أنه في صورة استعمال مخالف لطبيعة المشروع الموافق عليه فإنه يحق للبائعة (الوكالة العقارية السياحية) تجريد المشترية (شركة مارينا قمرت) من حقوقها كليا”.
وبحسب محمد كمون قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي والمالي المتعهد بالتحقيق في وجود شبهات فساد واستغلال نفوذ واستيلاء على أموال عمومية في قضية مشروع المنطقة السياحية “مارينا قمرت”، فإنه حصل اختبار مأذون به لتحديد الفرق في ثمن الأرض بعد أن تجاوز المشروع صبغته السياحية ليتحول لاستثمار عقاري، إلا أنه رفض مدّنا بالقيمة المالية التي حددها الاختبار. كما أفادنا، في ذات السياق، بأن سليم شيبوب ليس الوحيد الملاحق قضائيا في هذه القضية وبأن العدد الجملي للمحالين هو 11 نفرا.
من بين التجاوزات الأخرى التي تقوم بها إدارة ميناء مارينا قمرت “التعامل مع مستعملي الميناء دون احترام قواعد تسيير المرفق العمومي ودون اعتماد مبدأ المساواة أمام المرفق العام، مما دفع بالعشرات من مستعملي الميناء إلى رفع قضايا مدنية لإلزام الشركة باحترام قواعد تسيير المرافق العمومية”، بحسب وثيقة مرسلة من قبل مجموعة من المواطنين للشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت.
هذا وتمنع الشركة المستغلة للميناء عموم المواطنين التونسيين من الولوج إلى الميناء، بالرغم من أنه يعتبر مرفقا عموميا على ملك الدولة التونسية، وحق من حقوق المواطنين التي يكفلها لهم الدستور والقانون.
حلقة أخرى من حلقات الفساد واستغلال النفوذ المستمرة منذ ما قبل الثورة (2007) وعلى امتداد ربع قرن، دون أن تطبق الدولة القانون على المارقين في هذا المشروع، وتستعيد حقوقها من الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت”، وتعوض للمتضررين الذين صودرت أراضيهم بمبالغ زهيدة رمزية بتعلة خدمة الصالح العام في حين أن المشروع لم يقتصر على الميناء وتحول لاستثمار عقاري يدرّ على أصحابه من قطريين وتونسيين مئات المليارات.
تنويه: حاولت “نواة” الاتصال بكريم ميلاد الممثل القانوني والرئيس المدير العام لشركة مارينا قمرت خلال فترة الاستغلال للميناء وذلك لأخذ رده حول التهم بالفساد في المشروع العقاري والترفيهي لكاب قمرت والاستغلال غير القانوني للميناء واستفزاز متساكني المشروع العقاري الملحق بالميناء بخلافات شخصية وقانونية، إلا أننا وبعد اتصالات هاتفيةو الكترونية كثيرة لم نتوصل إلى أية إجابة منه أو ممن يمثله قانونيا.
iThere are no comments
Add yours