مباشرة بعد اغتيال شكري بلعيد، تعالت أصوات المعارضة في تونس مطالبة بتحييد وزارات السيادة و منها – و أهمها – وزارة الداخلية. حركة النهضة التي تقود الترويكا الحاكمة انتهت بالرضوخ لهذه المطالب (أو هكذا بدى للجميع) و قامت بتعيين السيد لطفي بن جدّو (قاضي) على رأس وزارة الداخلية خلفا للسيّد علي لعريض الذي أصبح يشغل منصب رئيس الحكومة.التعديل الوزاري و التشويق الذي صاحب خروج السيد حمّادي الجبالي من منصب رئاسة الحكومة غطّى على مطلب آخر كان أيضا مدرجا في لائحة التفاوض أنذاك : مراجعة التعيينات الأخيرة في صلب وزارة الداخلية.لطالما تحدّث الفرقاء السياسيون عن ضرورة تحييد المناصب الحسّاسة في صلب المؤسسة الأمنية، إلا أنهم لم يقدّموا أي تفاصيل في هذا الغرض، و لم يذكروا المناصب المعنية و لا الشخصيات الأمنية التي يثير وجودها جدلا. إلا أنهم سرعان ما تناسوا الموضوع، خصوصا على إثر تسارع الأحداث التي رافقت ما عُرف بأحداث الشعانبي.

بعد نشرنا لتحقيق حول محافظة أمن المطار و تعامل السيد بن جدو الإيجابي مع ما جاء فيه، اعتقدنا كغيرنا أن الوزارة سائرة بالفعل نحو التحييد و أنها أصبحت بالفعل تحت سيطرة الوزير “المستقل”. استنتاج ما لبث أن تهاوى بعد اطلاعنا على جملة من المعطيات و المعلومات التي نخصص لها هذا التحقيق. فوزارة الداخلية، و بعد سلسلة من التعيينات المدروسة، أصبحت تحت تصرّف حركة النهضة التي أحكمت سيطرتها على أكثر أجهزتها حيوية. هذا ما نستنتجه من هذا العمل الاستقصائي المستند على روايات مصادر أمنية و سياسية و تسريبات من قلب المؤسسة الأمنية.

هذا التحقيق لا يتناول بالتحليل مسألة ايجابية التحييد من عدمها، و هو اشكال لم نخض فيه، و لكن يكشف حقيقة أن التحييد الذي طالبت به المعارضة و التزمت به الترويكا لم يحصل.

بداية التحقيق و معظلة الشفافية

مقولة “وزارة الداخلية صندوق أسود” ليست محض مجاز أو مبالغة. فباستثناء بيانات الوزارة التي تاتي غالبا كتكذيب لتقارير صحفية أو لتصريحات سياسية، تكاد تستحيل عملية الوصول لأية معلومة تخص هذه وزارة مهما كانت بساطتها.

أردنا في مرحلة أولى معرفة الهيكل الوظيفي لوزارة الداخلية و هذا ما وجدنا في موقع الحكومة التونسية :

طبقا لمقتضيات الأمر عدد 543 لسنة 1991 المؤرخ في غرة أفريل 1991 المتعلق بالتنظيم الهيكلي لوزارة الداخلية ولجميع النصوص التي نقحته أو تممته،

تشتمل وزارة الداخلية والتنمية المحلية على:

+ الديوان
+ الكتابة العامة
+ التفقدية العامة
+ المصالح الإدارية المختصة
– الإدارة العامة للشؤون الجهوية،
– الإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية،
– الإدارة العامة للشؤون السياسية،
– الإدارة العامة للدراسات القانونية والنزاعات،
– الإدارة العامة للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي،
+ المصالح الإدارية المشترك
– الإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية،
– الإدارة العامة للإعلاميـــة،
– إدارة المواصلات السلكية واللاسلكية،
– ادارة مصالح الصحة،
– ادارة التوثيق والأرشيف،
+ هياكل قوات الأمن الداخلي:
هياكل الأمن الوطني.
هياكل الحرس الوطني.

الجزء الأهم من الهيكل الوظيفي لم ينشر وهي هياكل الأمن الوطني و هياكل الحرس الوطني، إذ تكتفي الوزارة بنشر التركيبة الادارية.

مؤخّرا أطلقت خدمة البوابة الحكومية للبيانات المفتوحة (www.gov.tn) و تم تخصيص موقع فرعي لوزارة الداخلية (interieur.gov.tn). و كما توقّعنا، وعلى الرّغم من تقديم البوّابة على أنّها دليل دخول المنظومة الأمنية في عهد البيانات المفتوحة، فإن المعطيات المدرجة حول تركيبة الوزارة تتوقّف عند نفس الحدود و لا تقدّم أي بيانات حول الأقسام المهمة و الحساسة من الوزارة.

جزء من الهيكل الوظيفي لوزارة الداخليّة

لتدقيق الهيكل الوظيفي لوزارة الداخلية اضطررنا للإستعانة بمصادر أمنية مختلفة، قمنا على إثرها بمقارنة المعطيات و المعلومات و الوثائق التي أمدونا بها و التحقق من توافقها مع بعضها البعض. هذا المجهود مكّننا من رسم جزء من تركيبة وزارة الداخلية و لكن ليس كلّها.

القسم الذي تمكنّنا من اضافته للهيكل الوظيفي الذي تقدمه وزارة الداخلية يتمثل فيما يلي:

+ الادارة العامة للأمن الوطني
+ الادارة العامة للمصالح المشتركة
+ الادارة العامة لوحدات التدخل
+ الادارة العامة للأمن العمومي
+ ادارة المصالح الفنية
+ الادارة العامة للتكوين
+ الادارة العامة للمصالح المختصة
– ادارة الاستعلامات العامة
– ادارة التوثيق و الاعلام الآلي
– ادارة الحدود و الأجانب
– مصلحة التحركات
– الادارة المركزية لمكافحة الارهاب

organigram-ministere-interieur-tunisie
جزء من التركيبة الهيكلية لوزارة الداخلية – انقر على الصورة للتكبير.

التحقيق الحالي يشمل هذه الأقسام من وزارة الداخلية، لم تتوفر لنا أي معطيات مؤكدة حول هياكل الحرس الوطني.

تعيينات و نقل مشبوهة في مواقع حسّاسة

المتابع لشؤون وزارة الداخلية (حتى من الأمنيين أنفسهم) يلاحظ حجم التعتيم الذي صاحب كل حركة نقل أو تعيين في صلب الوزارة. المعطيات التي تمكنّا من الحصول عليها من مصادرنا، بعد التأكد منها، تؤكّد أن ما حصل و يحصل لا يمكن بأي حال من الأحوال تنزيله في اطار نوايا الاصلاح و التحييد :

1- ترقيات مشبوهة بالجملة

عندما وضعنا تحت التدقيق حركات التعيينات و النقل الأخيرة في وزارة الداخلية (استنادا على المعطيات المتوفّرة) لاحظنا أن جزءا هاما من هذه التعيينات حصل بعد تسلسل مريب من الترقيات و في بعض الحالات في مخالفة للتراتيب أو العرف الأمني و هذه بعض الأمثلة :

وحيد التوجاني : أصيل ولاية باجة، 46 سنة، شغل عدّة مناصب أمنيّة هامّة قبل الثورة، خلال فترة حكم بن علي، فقد تولّى منصب رئيس منطقة بالقصرين ثم مدير إقليم بكلّ من ولاية الكاف ومدنين وصفاقس ثمّ رأس الجبل من ولاية بنزرت. ليشغَل بعد ذلك خطة مدير عام للأمن العمومي قبل أن يتمّ تعيينه في منصبه الجديد كمدير عامّ للأمن الوطني مكان عبد الحميد البوزيدي، “الّذي لم يتأقلم مع متطلّبات المسار الثّوري”، حسب ما أكّده مصدرٌ مسؤول في الوزارة. وقد اُتّهم من قبل بعض السيّاسيّين بالفساد خاصّة وأنّه عمل فترة حكم بن علي.
فترة ادارة السيد وحيد التوجاني للأمن العمومي كانت الأسوء حيث شهدت البلاد عددا من الأحداث التي كان أداء الأمن فيها كارثيا ان لم يكن متواطئا و أهمها أحداث السفارة الأمريكية و تفاقم تحركات شبكات الجهاد الى سوريا و أحداث سليانة و تجاوزات روابط حماية الثورة (أخطرها الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر 2012) و اغتيال الشهيد شكري بلعيد و الأحداث التي رافقت موكب جنازته و اغتيال لطفي نقض. هذه الأحداث الخطيرة كان من المفروض أن تؤدّي (في أقل الأحوال) الى عزله و ليس ترقيته كما حصل.

حمزة عويشة : خلال 8 أشهر فقط تمّت ترقيته مرّتين و بدون أي مبرّر واضح ليجد نفسه في مرحلة أولى مديرا لمدرسة تكوين الاطارات النشيطة بصلامبو بعد أن كان رئيسا لادارة فرعية للعمل الاجتماعي قبل أن ينتهي به المطاف مديرا عاما للمصالح المشتركة و هي الادارة التي تعنى بالمسارات المهنية للاطارات و الأعوان (نقل، ترقيات، عقوبات، إلخ.)

سيف الدين بن عبد اللطيف : تمت ترقيته في أقل من 8 أشهر و دون مبرر موضوعي في مناسبتين إلى مدير إقليم الأمن الوطني بقفصة ثم متفقدا عاماللأمن الوطني (الهيكل المختص في التحقيق إداريا في التقصير والإخلالات الأمنية وتحديد المسؤوليات والبحث إداريا في التجاوزات المهنية و المالية للأمنيين). المعني يرتبط أيضا بعلاقة قرابة بسيف الله بن حسين (إبن خالته) زعيم تيّار أنصار الشريعة بتونس.

مصطفى بن عمر : تمت ترقيته دون سبب موضوعي و في ظرف 8 اشهر انتقل من خطة رئيس المصلحة الجهوية المختصة ببنعروس بالادارةالمركزية للإستعلامات العامة (ما يعرف بالبوليس السياسي وهي خطة كان يشغلها قبل الثورة) إلى مدير إقليم الأمن الوطني بقرطاج ثم مديرا عاما للأمن العمومي. هذه الترقيات تمّت في مخالفة صارخة للتراتيب حيث تتعلّق به القضية عدد 12/25333 المنشورة لدى مكتب التحقيق عدد 12 بالمحكمة الإبتدائية بتونس من أجل إخضاع موظف عمومي للتعذيب حال مباشرته لمهامه (و القضية لا تزال جارية).

مراد السباعي : مدير الشرطة العدلية.

2- في الظاهر تطهير و في الأصل مجرد تغيير مواقع

حركات النقل تم الترويج لها على اساس اندراجها في نطاق تمشّي الإدارة نحو التطهير. ما اكتشفناه هو غير ذلك حيث يتم في الواقع تغيير للمواقع و في بعض الأحيان تتخذ النقل طابع الترقيات و ليس العقوبات و هذه بعض الأمثلة :

عبد الكريم العبيدي : بعد نشرنا لملف استقصائي يهم محافظة أمن المطار تحت عنوان “محافظة أمن المطار، ثكنة الأمن الموازي“، قام وزير الداخلية بزيارة ميدانية أعلن بعدها مباشرة عن حركة كبيرة من النقل على مستوى محافظة امن مطار تونس قرطاج كالتالي (رئيس محافظة المطار : العقيد حسين الماجري ( كان يشغل خطة رئيس محافظة مطار النفيضة) – رئيس فرقة الإرشاد : نزار بن عمر – رئيس فرقة الإجراءات الحدودية : خميس البوحسيني – رئيس فرقة حماية المطارات : النقيب الشاوش – كما تقرر في نفس السياق إحالة العقيد منصف العجيمي المدير العام السابق لوحدات التدخل على التقاعد الوجوبي استجابة لطلبه).

تم الترويج لها أنذاك على أنها تندرج في اطار تطهير الوزارة و تحييدها و محاسبة من تجاوزوا القانون و الاجراءات الجاري بها العمل. ما اكتشفناه لاحقا أن جزءا على الأقل من هذه النقل لم تكن البتّة في اطار نهج عقابي بل بالعكس تماما إذ نجد أن السيد عبد الكريم العبيدي الذي كان أنذاك رئيس فرقة أمن الطائرات والمعني الأساسي بعملنا الاستقصائي قد نقل ليصبح مستشارا لدى السيد محرز زواري المدير العام للمصالح المختصّة.

نبيل عبيد : تمّت تنحيته من منصب المدير العام للأمن الوطني و لكن تمّت مكافأته بتسميته مستشارا بمجلس وزراء الداخلية العرب.
للتذكير فانّا كنا أثبتنا في تحقيق سابق بعنوان “دراسة تفكيك احصائي لسجل المكالمات الصادرة و الواردة لهاتف كمال لطيف” علاقة نبيل عبيد برجل الأعمال كمال لطيف.

ياسين التايب : تمّت تنحيته من منصبه “المتفقد العام للأمن الوطني ” (ترك مكانه لسيف الدّين عبد اللّطيف) و لكن تمّ تعيينه على رأس المدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي. الخطير في الأمر أنّه متورّط في أحداث الثورة و كانت قد أصدرت في حقّه بطاقة جلب، و من المفارقات أن من أصدرهذه البطاقة هو السيد بن جدّو وزير الداخلية الحالي عندما كان يشغل منصب وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بالقصرين و المعني أنذاك بالتحقيق في قضايا شهداء تالة و القصرين.

3- دفعة 1991 1992, دورة 7 نوفمبر ؟

معطى غريب اكتشفناه في ما يتعلّق بهوية و انتماءات القيادات الأمنية الحالية. معضم من شملهم هذا التحقيق و عدد آخر من القيادات الأمنية البارزة خرّيجي نفس الدورة : دورة1991 1992 (السنة الدراسية 1991-1992) التي أطلق عليها اسم “دورة 7 نوفمبر”.

هذه الصورة التقطت يوم تخرّج “دورة 7 نوفمبر” ، و قد وضعنا قائمة إسمية حسب الدوائر المحيطة بوجوه المسؤولين الذين يديرون حاليا أهم الملفات الأمنية في تونس :

صورة جماعية لدفعة 1992 المسمّاة “دفعة 7 نوفمبر” (السنة الدراسية 1991-1992) – انقر على الصورة للتكبير.

1- وحيد التوجاني : المدير العام للأمن الوطني.
2- محرز الزواري : المدير العام للمصالح المختصة.
3- رشاد محجوب : مدير ادارة الدراسات و الكفايات.
4- صيغم بن حسين : مدير الأمن الخارجي.
5- توفيق بوعون : مدير الأمن السياحي.
6- مراد السباعي : مدير الشرطة العدلية.
7- بوبكر عبيدي : مدير مدرسةالاستعلامات بمنوبة.
8- حمزة بن عويشة : مدير عام المصالح المشتركة.

بالاضافة الى (لا يظهرون أو لم ننجح في التعرف عليهم) :
– حبيب السبوعي : مدير عام السجون و الاصلاح.
– سيف الدين بن عبد اللطيف : مدير تفقدية الأمن الوطني.
– معز ثليجة : مبعوث أمني ببون.
– رياض باللطيف : المدير العام للتكوين.

لا مجال لعدم طرح سؤال بديهي : كيف انتهى أبناء نفس الدورة في أعلى المراكز الأمنية في نفس الفترة بعد 12 ستة 22 سنة من تخرجهم؟ ما سر الترقيات و التعيينات التي ألحقت من تخلّفوا ليكونوا في أعلى السلّم بعد 23 أكتوبر 2011؟

من نفس الدورة نجد أيضا محافظ الشرطة علي الوسلاتي الذي كان نبّه سفيان بن فرحات الى وجود مخّطط وضعه شق من المؤسسة لتنفيذ اغتيالات سياسية و ذلك قبل اغتيال الشهيد شكري بلعيد.

منظومة أمنية موازية في قلب وزارة الداخلية؟

حركة التعيينات جاءت تتويجا لمرحلة كاملة بدأت بدخول علي لعريض لوزارة الداخلية. النهضة جمعت بعض الموالين لها في مختلف أجهزة الوزارة مدعومين بعدّة أسماء من خارج المؤسسة تم تعيينهم في ديوان الوزير بالصفة المبهمة “مكلف بمهمة”. هؤلاء العناصر ينسّقون بينهم و يرفعون التقارير رأسا الى “مونبليزير” (حسب روايات متطابقة لمصادرنا) مشكّلين بذلك هيكلا أمنيا غير رسمي و لا ينضوي تحت لواء الوزارة و تراتيبها. اطارات وزارة الداخلية يطلقون على هذا الجهاز الموازي عددا من الأسماء مثل “المنظومة النهضوية” و “خلية مونبليزير” و “المنظومة الايرانية”.

بعض هذه العناصر حافظ على موقعه و منه ينسّق العمل مع المنظومة الموازية و البعض الآخر تمّت ترقيته بسرعة لاحتلال مناصب أمنية عليا.

مصادر أمنية مختلفة أمدتنا ببعض المعطيات عن هويّة هؤلاء و طريقة عملهم. نكتفي هنا بالحديث عمن تمكنّا من مطابقة معلوماتنا عنهم :

الطاهر بو بحري : يترأس الهيكل. و هو عون سابق في الحرس الوطني كان مشرفا على الجهاز العسكري لحركة النهضة (الجهاز السرّي الخاص)، فر الى فرنسا حيث مكث لاجئا بعد اتهامه بالضلوع فيما يعرف بقضية المجموعة الأمنية.

أسامة بو ثلجة : كان يعمل في ديوان وزير الداخلية فترة ادارة علي العريّض كمكلّف بمهمّة و قام لطفي بن جدو بعزله ابان تولّيه لمهامه. عرفه الرأي العام التونسي لأوّل مرّة حين ذُكر في تحقيقنا حول ملف فتحي دمق و بعد مواجهته لرئيس تحرير نواة في برنامج التاسعة مساءا على قناة التونسية.
بعد فراغ وظيفي دام قرابة ثلاثة أشهر تم تعيينه مؤخرا كمكلّف بمهمّة في رئاسة الحكومة بموجب الامر عدد 2827 مؤرّخ في 9 جويلية لسنة 2013 (الرائد الرسمي).

لطفي الحيدوري : ابن أخ الفاظل البلدي القيادي السابق في الاتجاه الاسلامي و هو حاليا مستشار لدى وزير الداخلية. و تجدر الإشارة هنا أن لطفي الحيدوري كان ناشطا حقوقيا صلب المجلس الوطني للحريات و أحد محرّري موقع “كلمة” و مراسلا سابقا لوكالة أنباء القدس برس.

جمال النفزي : رئيس مصلحة التحركات (إدارة الحدود و الأجانب). كان ينشط في جهاز الاستعلامات قبل أن تتم ترقيته لمنصبه الحالي. فُتح في حقّه تحقيق داخلي لتورّطه في المساعدة اللوجيستية لخلية فتحي دمق دون إذن أو علم من وزارة الداخلية.

فتحي البلدي : ابن أخ الفاظل البلدي القيادي السابق في حركة الإتجاه الاسلامي يشغل حاليا خطّة “مستشار أمني” لدى وزير الداخلية.

عبد الكريم العبيدي : رئيس فرقة أمن الطائرات سابقا و مستشار محرز الزواري (المدير العام للمصالح المختصّة) حاليا.

التحييد: مطلب مغيّب أجابت النهضة بعكسه

جملة الإخلالات و الإجراءات المشبوهة التي لاحظناها (كما هو مبين في الفقرات السابقة) جعلتنا نطرح عديد التساؤلات حول خلفية هذه الاجراءات و أسبابها. التدقيق في التركيبة الحالية لوزارة الداخلية (أو على الأقل الشق الذي تمكنّا من تسليط الضوء عليه) يقدّم جزءا من الإجابة : وزارة الداخلية أصبحت عمليّا تحت سيطرة حركة النهضة.

فيما يلي جزء من التركيبة الوظيفية لوزارة الداخلية و هو وان ان كان منقوصا فهو يشمل أخطر المناصب و أكثرها حساسية. نكتفي هنا بالمناصب التي يتقلّدها منتمون أو مقرّبون من حركة النهضة أو ممن أعلنوا “ولائهم” لها :

organigram-ministere-interieur-tunisie-ennahdha
جزء من المراكز الحسّاسة التي تسيطر عليها حركة النهضة في وزارة الداخلية – انقر على الصورة للتكبير

+ الادارة العامة للأمن الوطني – وحيد التوجاني (تربطه علاقة بعائلة السيد علي لعريّض بمدنين و تحوم حوله شبهة التواطؤ مع شبكات التهريب – يعرف في الجهة بكنية “وحيد لايت”)
+ الادارة العامة للمصالح المشتركة – حمزة بن عويشة (صهر محرز الزواري)
+ ادارة الأمن العمومي – مصطفى بن عمر (مقرّب من محرز الزواري و مرتبط با لمنظومة الأمنية الموازية في صلب وزارة الداخلية)
+ ادارة المصالح الفنية – عماد بوعون
+ الادارة العامة للمصالح المختصة – محرز الزواري (على علاقة وطيدة بحركة النهضة في شخص رئيسها كما تحوم حوله شكوك – و قضايا مرفوعة – بعلاقة بقضية اغتيال شكري بلعيد)
– مستشار – عبد الكريم العبيدي (نقل من محافظة أمن المطار بعد ثبوت تورّطه في تقديم تسهيلات للمرتبطين بحركة النهضة – مرتبط بالمنظومة النهضوية في وزارة الداخلية)
– ادارة الحدود و الأجانب
– مصلحة التحركات – جمال النفزي (عنصر اسلامي كان سابقا في الاستعلامات و اصدر في حقه تحقيق داخلي بعد تسهيله لعملية فتحي دمق دون اذن من الادارة – هذا المعطى لم يكن متوفرا في السابق و لكنّه يصب في نفس سياق ما ذهبنا اليه عن انجاز عملية فتحي دمق في اطار موازي خارج عن سيطرة وزارة الداخلية و بعيدا عن اشراف القضاء).
+ الادارة العامة للتكوين – رياض باللطيف (ابن خالة أبو عياض و المسؤول عن فضيحة الاسئلة ذات الطابع الديني التي اضيفت مؤخرا في امتحانات مختلف المدارس التكوينية للاطارات و الأعوان)

الوضع الأمني و الاغتيالات و ملف الشعانبي : هل من تفسير؟

اذا سلّمنا بسيطرة حركة النهضة على المفاصل الحيوية لوزارة الداخلية على غرار المصالح الفنية و المصالح المختصّة والاستعلامات فلابدّ من طرح بعض الاسئلة الملحّة المتعلّقة أساسا بتداعيات الوضع الأمني في البلاد وبوجه خاصّ ملفّي الشعانبي والاغتيالات السياسية التي مازالت لم تبُح بأسرارها بعدُ بالرغم من التجنّد النظري لوزارة الداخلية لفكّ اسرار هذه الجرائم غير المسبوقة في تونس.

جملة هذه المعطيات تجعلنا نستحضر التصريحات (بعضها مُبهم) التي أدلى بها الجنرال رشيد عمّار لقناة التونسية حول حقيقة ما يحدث بجبل الشعانبي حيث “تلقّت المؤسسة العسكرية طعنات من الخلف” على حدّ تعبيره .. فهل كان الجنرال يلمّح أو يتّهم بشكل ضمني جهاز الاستعلامات التابع لوزارة الداخلية بحجب حقيقة ما يحدث في الشعانبي عن المؤسسة العسكرية ما جعل دوريات الجيش تُقاد الى المجزرة بأعين مغمضة؟
هذه الفرضية تلوُح مبرّرة -وليس مؤكّدة- اذا ما تامّلنا في التصريحات الاخرى للجنرال التي تحدّث من خلالها صراحة عن “قصور رهيب في نشاط الاستعلامات” داعيا في السياق ذاته الى ضرورة بعث “هيئة مستقلّة للاستعلامات” تكون بالضرورة – مادامت مستقلّة- بعيدة عن وصاية وزارة الداخلية.

وفي السياق ذاته من الضروري التعريج على جملة الاغتيالات السياسية الأخيرة. سيطرة حركة النهضة على مفاصل وزارة الداخلية ينفي فرضية عجز الحكومة على فك لغز اغتيال شكري بلعيد بسبب عدم تعاون المؤسسة بل يدعم فرضيّة التورّط او التواطؤ و في أحسن الأحوال التغطية على القاتلين و من يقف ورائهم.

لكن وجب التنبيه أيضا انّه، و ان يثبت هذا التحقيق سيطرة حركة النهضة على القسم الأهم من وزارة الداخلية، فان الوزارة تشهد صراع أجنحة كبير. بعض القيادات المحسوبة على نداء تونس أو بقايا النظام و بعلاقة بشبكة كمال لطيف ماتزال قادرة على فعل نافذ في المؤسسة الأمنية.

في نفس السياق, عقدت نقابة الأمن يوم الثلاثاء 30 جويلية 2013 مؤتمرا صحفيا تحدّث فيه ممثّلوها عن عدد من الاخلالات و التعيينات المثيرة للجدل التي عاينوها. النقابيون ربطوا بين هذه التعيينات و مجمل الملفّات الأمنية الشائكة والعالقة. هذا التقرير يعود على أهم ما جاء في المؤتمر :

تنبيه : تم اليوم اعلان جملة من النقل في صلب وزارة الداخلية. مصادر نقابية تحدّثت عن تبادل أدوار حيث تحافظ الوزارة اجمالا على نفس الشخصيات.

خلاصة التحقيق

إن ما جعل من تونس دولة بوليسية، منذ عهد الحبيب بورقيبة، ليس القمع الأمني وحده بل حجم و أهميّة وزارة الداخلية التي تتحكّم أجهزتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مفاصل الدولة و عدد هام من القطاعات الحسّاسة. كلّما طال الإنتظار لبدأ الإصلاح الحقيقي و الجدي لهذه المؤسسة السيادية و المركزيّة كلما تواصل نفوذها و قدرتها على التلاعب بالمسار الثوري مهما كانت نيّة القائمين عليها.

تحقيقنا يجيب على تساؤل لطالما طرح منذ انتخابات المجلس التأسيسي و هو الدافع وراء تلكّؤ حركة النهضة في تطهير و إصلاح المنظومة الأمنية. ما أسلفنا طرحه من معطيات يكشف أن الحركة لا تنوي اصلاح المؤسسة الأمنية بل تطويعها والسيطرة عليها تمهيدا لضمان بقائها في السلطة.

ما قدّمناه من معطيات قد يميط اللثام عن جزء من السر حول تواصل الضبابيّة في التحقيق حول اغتيال الشهيد شكري بلعيد و التحاق الفقيد محمد البراهمي بقائمة الشهداء المغتالين و تواصل مهزلة الشعانبي بمجزرة شنيعة راحت ضحيتها حظيرة كاملة من الوحدات الخاصة للجيش الوطني.

في جميع الأحوال ما يحصل في وزارة الداخلية خطير بكل المقاييس و فتح الملف الأمني بطريقة جديّة وشفّافة لغاية غلقه نهائيا أصبحت مسألة ملحة أكثر من أي وقت مضى خصوصا في ظل الوضع الحالي للبلاد و الاستحقاقات السياسية القادمة.