كان من المنتظر أن يقوم مجلس نواب الشعب بمنح الثقة لحكومة الحبيب الصيد والتي طال أمد تشكيلها غير أن اعتراض أغلب الكتل السياسية على أعضاء الحكومة المشكلة حديثا بعثر جميع الأوراق وكشف ضعف الحزب الفائز في التعامل مع انتظارات التونسيين في هذه المرحلة. كما ساهم الكشف عن هذه التشكيلة التي لم تحظ بالتوافق المطلوب في تعطيل أشغال مجلس النواب وتأزيم الخلافات داخله حول نقاط تهم المصادقة على النظام الداخلي للبرلمان ودور المعارضة فيه.
نسق بطيء وملفات عالقة
رغم المصادقة السريعة على الفصول الأولى من مشروع قانون النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب إلا أن أشغال هذا المجلس الجديد عرفت تلكؤا وصراعات سياسية فيما يخص عددا من الفصول الهامة مما أخر المصادقة على هذا المشروع وسط مطالب شعبية حارقة تفاقمت أهميتها في ظل تباطئ حزب نداء تونس الفائز في الانتخابات في تشكيل الحكومة. وقد ساهم ارتباك الحبيب الصيد في تقديم تشكيلة حكومية توافقية في تعطيل أشغال المجلس الذي اشترط بعض أعضائه الموافقة على منح الثقة للحكومة بإنهاء المصادقة على النظام الداخلي أولا.
في الأثناء ينتظر المجلس الجديد كمّ هائل من المهام التشريعية خصوصا ومن بينها نذكر مهمة التسريع في سن قانون المجلس الأعلى للقضاء الذي نص الدستور على ضرورة إحداثه قبل نهاية شهر أفريل 2015. من جهة أخرى فإن مجلس نواب الشعب مطالب بتشكيل بقية الهيئات الدستورية وحل الإشكال العالق بتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة إثر استقالة عدد من أعضائها. وتطرح الإنتخابات البلدية أيضا إشكالا تشريعيا حيث يتطلب العمل على تركيز اللامركزية والنظر في تنقيح قانون الإنتخابات بإضافة الفصول الخاصة بالإنتخابات البلدية حتى تتمكن الهيئة المستقلة من الإعداد لها وتنظيمها في آجال معقولة.
وتنفيذ كل هذه المهام والتفرغ لمناقشة الاستحقاقات الإجتماعية للجهات يتطلب التركيز على إنهاء المداولات الخاصة بعمل مكتب المجلس وتركيبة الكتل وتشكيل اللجان. كل هذه المسائل تبقى عالقة في انتظار الإنتهاء من المصادقة على النظام الداخلي للمجلس.
خلال النقاشات الخاصة بهذا المشروع تمكن مجلس النواب من حل عدد من النقاط الخلافية، فتم بعد جدل كبير التنصيص على أن يكون الحد الأدنى لتشكيل كتلة نيابية 7 نواب بدل 9 نواب بالمجلس التأسيسي والترفيع في عدد مساعدي رئيس مجلس النواب إلى 10 مساعدين. وقد تمت الموافقة على عدد من الفصول المتعلقة بمكتب المجلس وتركيبة الكتل وتنظيم أعمال المكتب كما نجح النواب في حل الخلافات المتعلقة بمسائل تنظيمية داخلية. غير أن بعض الفصول لم تحظ بالتوافق المطلوب وقد أدى الخلاف حولها إلى تعطيل أشغال المجلس إلى حين اجتماع رؤساء الكتل البرلمانية التي تغيبت أغلبها عن موعد الإجتماع المقرر صباح اليوم الأربعاء. هذه الفصول ذات طابع سياسي تتعلق خصوصا بتعريف مفهوم المعارضة وتحديد دورها في العمل البرلماني في المرحلة القادمة.
خلاف برلماني سياسي بالتوازي مع أزمة تشكيل الحكومة
تعتبر الخلافات الكبرى الخاصة بالمصادقة على مشروع النظام الداخلي لمجلس الشعب سياسية بالأساس. فمسألة مراقبة الحكومة أي جلسات المساءلة أخذت حيزا هاما من نقاشات المجلس. وقد استغرق النقاش حول هذه النقطة وقتا مطولا إذ طالب بعض النواب عن الجبهة الشعبية بضرورة تعديل الفصل ال9 من مشروع النظام الداخلي بتغيير فترة رقابة البرلمان على الحكومة من جلسة مساءلة كل ثلاثة أشهر إلى جلسة كل شهر. وقد اتفق عدد هام من النواب حول ضرورة فرض آليات رقابة صارمة على الحكومة منددين بمواصلة حكومة جمعة لعملها دون أية ضوابط. هذا في حين لم يكن موقف نواب الكتل المعنية بالمشاورات الحكومية واضحا في هذا الخصوص.
أما الإشكال السياسي الثاني والذي ساهم في تعطيل أشغال مجلس النواب فيتمثل في فشل النواب في إيجاد صيغة توافقية تحدد بدقة مفهوم المعارضة الذي يتضمنه مشروع قانون النظام الداخلي. ويتمثل الغموض الذي اختلفت حوله الكتل السياسية في عدم وضوح الفصل ال60 من الدستور في تعريفه للمعارضة وخاصة فيما يتعلق بأنشطة المعارضة الداخلية والخارجية بمجلس نواب الشعب وينص هذا الفصل على الآتي:
المعارضة مكوّن أساسي في مجلس نواب الشعب، لها حقوقها التي تمكّنها من النهوض بمهامها في العمل النيابي وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كل هياكل المجلس وأنشطته الداخلية والخارجية. وتسند إليها وجوبا رئاسة اللجنة المكلفة بالمالية وخطة مقرر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، كما لها الحق في تكوين لجنة تحقيق كل سنة وترؤسها. ومن واجباتها الإسهام النشيط والبنّاء في العمل النيابي.
ودعا نواب عن حركة النهضة والجبهة الشعبية إلى ضرورة توضيح كل المفردات التي جاءت في هذا الفصل ليتم تحديد مهام الكتل المعارضة بدقة داخل البرلمان. وقد أدى هذا الخلاف إلى تعطيل المداولات إلى أجل غير مسمى.
وقد تعلل مجلس النواب بتعطّل أشغاله نتيجة أزمة “تعريف مفهوم المعارضة” للإعلان عن عدم جاهزيته للمصادقة على الحكومة قبل إنهاء هذا الخلاف مما يمنح الصيد الوقت الكافي لإعادة ترتيب أوراقه بما يضمن له النجاح في نيل الثقة بالأغلبية المطلوبة.
جدل سياسي حصل أيضا بخصوص بث مداولات مجلس النواب بشكل مباشر على القناة الوطنية الثانية من عدمه، على خلفية قطع البث بشكل مفاجئ إثر احتدام النقاش خلال إحدى الجلسات العامة. وقد شددت كتلة الجبهة الشعبية موقفها بهذا الخصوص حيث اتهمت بعض الأطراف السياسية بالوقوف وراء قطع البث وطالبت في بيان لها بالتراجع عن هذا الإجراء وهددت بمقاطعة أشغال المجلس في صورة عدم الإستجابة لمطلبها.
النتيجة: تعطّل أشغال مجلس نواب الشعب بسبب غموض في أحد فصول الدستور مع تعنت بعض النواب في سعيهم للحصول على صلاحيات واسعة في صورة تواجدهم في موقع المعارضة، وتعطيل مفتعل لجلسة المصادقة على الحكومة بتأجيلها لأسباب واهية من أجل منح الحبيب الصيد مزيدا من الوقت لإعادة النظر في قراراته، وأيضا تعطل في المشاورات لتشكيل هذه الحكومة بسبب قرارات سياسية تعمل على إقصاء بعض الأطراف والإستفراد بالسلطة. هذا هو ملخص المسار السياسي في تونس بعد أشهر من الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية والتشريعية.
عزيزتي الكربولة اللطيفة، من ينتظر نتائج من مجلس دوابّ (بالدال) التجمّع كمن يحلم بتقلد البغدادي لبابوية الفاتيكان! وهم على وهم! ومن يعتقد أنّ حوانيت ما يسمّى بالمجتمع المدني أو إعلام المافيا والبروبغندا قادران على الضغط على هؤلاء فهو إما جاهل أو غبيّ فالتجمّع يخترق ليس فقط كل مستويات مؤسّسات الدولة المارقة بل أيضا كل دكاكين الإعلام وحوانيت الاسترزاق باسم المجتمع المدني. ولا ينبغي الإطالة في البحث عن شواهد عن ذلك فمقارنة سريعة لطريقة تعامل هؤلاء مع أحداث الشهور الأولى لحكم الطرطزوقي وفخامة خرف قرطاج كافية لفهم حجم مصيبة هذا البلد. وليتجرّع شعب الشقاق والنفاق ومفاسد الأخلاق من الكأس التي اختارها لنفسه بكامل وعيه وإدراكه. فعلى نفسها جنت براقش