صحف تغيب عن السوق رغما عن القانون
شهدت صبيحة يوم الثلاثاء 12 ماي 2015 غياب ما يناهز ستّا من العناوين الكبرى للصحف التونسيّة عن أغلب الأكشاك في تونس العاصمة ومختلف جهات البلاد في إعلان واضح عن بدأ حرب توزيع الجرائد التونسيّة بين مسعود الدعداع الذّي يحتكر القطاع منذ عقود وشركة الموزّع التابعة للجامعة التونسيّة لمديري الصحف التي تحاول كسر الإحتكار وتولي مهمّة توزيع المنشورات الصادرة عن المؤسّسات الصحفيّة المنضوية تحتها دون الخضوع لشروط واملاءات الدعداع.
الحرب بدأت بخسارة معركة كما جاء على لسان السيّد الطيّب الزهّار، رئيس الجامعة التونسيّة لمديري الصحف، خلال الندوة الصحفيّة التي عقدتها هذه الأخيرة في مقرّ النقابة الوطنية للصحفيّين التونسيّين بحضور عدد من مديري الجرائد اليوميّة والأسبوعية وعضو المكتب التنفيذي للنقابة وعدد من صحافيي الجرائد التي تمّ حجبها اليوم من السوق والتي بلغ عددها ستّ جرائد يوميّة هي الصباح وLe Temps و La Presse والصحافة والمغرب والضمير وأسبوعية آخر خبر.
وقد تمثّلت حيثيّات عمليّة الحجب كما جاء في مداخلة رئيس جامعة مديري الصحف وعدد من الصحافيّين الحاضرين على عين المكان في تعمّد أغلب نقاط البيع الإمتناع عن قبول تلك الصحف المذكورة وعرضها على العموم، بل ووصل الأمر إلى حدّ التهديد والإعتداء على أعوان التوزيع، وهو ما حصل في دار الصباح حيث تعمّد نجل الدعداع التحرّش بالعاملين هناك أثناء الخروج للقيام بعمليّة التوزيع ممّا أدّى إلى توقيفه واستنطاقه من قبل قوّات الأمن.
النقابة بدورها ممثّلة بعضو المكتب التنفيذي يوسف الوسلاتي أعربت عن استنكارها لعمليّة الحجب التي تندرج في إطار التضييق المستمّر على حريّة الصحافة والتعبير. هذا وقد استغرب السيّد يوسف الوسلاتي من سلبيّة الحكومة في التعاطي مع هذا الحدث الذّي يعتبر تجاوزا صارخا للقانون وللحريات، معتبرا أنّ التنديد يترجم عجز السلطة التنفيذيّة التّي ينبغي عليها أن تكون مسؤولة عن حماية القانون والمؤسسّات والمواطنين و حقهم في صحافة حرة.
مديرو الصحف التي تعرّضت للمنع من التوزيع على غرار محمد رؤوف خلف أدانوا صراحة مسعود الدعداع وطالبوا الحكومة باتخاذ إجراءات سريعة وقاسية ضدّ هذا الأخير الذّي احتكر القطاع منذ عقود وكان مساهما بشكل فعّال في تدجين الإعلام خلال السنوات الفارطة عبر التحكّم المباشر في توزيع الصحف والمبيعات والأرباح والتلاعب بحصص التوزيع حسب الولاءات والالتزام بالإملاءات.
الردّ الأوليّ من مديري الصحف والجرائد التونسيّة كان بتوزيع الأعداد التي حجبت صبيحة اليوم مجانا في شوارع العاصمة، والتشهير بالتجاوز الذّي حدث، وقد أشار الطيّب الزهّار خلال الندوة الصحفيّة أنّ المعارك ستتواصل مهما كانت الخسائر لكسر الإحتكار الذّي فرض طيلة عقود على سوق الصحف التونسيّة مشيرا إلى أنّ الجانب القانوني سيأخذ مجراه، كما دعا خلال مداخلته أهل القطاع من نقابة وصحافيّين إلى مساندة جهود الجامعة خدمة للصالح العام على حسب تعبيره.
معركة كسر احتكار قطاع توزيع
المعركة التي اعترف رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف بخسارتها يوم الثلاثاء كانت بداية لمعركة جديدة في اليوم الموالي بعد اصرار مختلف الشركاء في شركة الموزع على المضي قدما في عملية التوزيع وعدم التراجع امام تهديدات الدعداع ومضايقات رجاله.
المغامرة الجديدة كما جاء على لسان احد الموزعين امام دار الصباح في اليوم الموالي كانت بحضور فريق نواة الذي تنقل الى دار الصباح لمواكبة عملية التوزيع في ساعات الفجر الاولى ورصد اي صعوبات قد تعترض العاملين او الموزعين كما حصل في اليوم الفارط.
عملية التجميع وتحميل شاحنات وعربات الموزعين تمت بحضور عدد من مديري الصحف على غرار المدير العام لدار الصباح عبد الرحمان الخشتالي و رؤوف خلف مدير آخر خبر ومدير صحيفة لابراس. ولم يخف هؤلاء خشيتهم من تكرار الإعتداءات التي طالتهم في اليوم السابق ولكنهم متفائلون اكثر بعد دعم النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومختلف المؤسسات الاعلامية واهل القطاع. كما اعتبر محدثنا الخشتالي ان لا خيار امامهم اليوم سوى المضي قدما في مشروع كسر احتكار توزيع الصحف وان كانت الخطوات والنجاحات بطيئة. اما عن التهديدات المحتملة وسير عملية التوزيع فأفاد هذا الأخير ان عدد الموزعين الذين توافدوا على دار الصباح لا يقارن بنظيره في اليوم السابق كما لم يتلقى حتى ساعات الصباح الاولى اي تشكيات من الموزعين بخصوص حصول اعتداءات او مضايقات من الدعداع.
الموزعون بدورهم برروا غيابهم وامتناعهم عن التوزيع في اليوم السابق بتعرضهم للتهديد والابتزاز اضافة الى مغالطتهم من قبل رجال الدعداع الذين كانوا حاضرين بالأمس لمراقبتهم ومحاولة ثني من يقبل على استلام الجرائد بشتى الوسائل. وقد استعرض لنا احدهم حالة اعتداء رجال تابعين لمسعود الدعداع على موزع رفض التصوير بالكاميرا ولكنه افادنا ان ما حصل كان مطاردة حقيقية كادت تنتهي بالإعتداء عليه بالضرب لولا تدخل اعوان الأمن.
وحول ممارسات الدعداع مع الموزعين يجيب احدهم قائلا ان هذا الأخير كان يتعمد التضييق على عملهم بشتى الوسائل التي تبدأ بتعمد تأخير التسليم مرورا بالإمتناع عن مد الموزع بحصته لتنتهي الى السرقة والابتزار من قبل عمال مسعود الدعداع الذين يعمدون الى افتكاك عدد من الصحف لبيعها لحسابهم الخاص بعد بيعها للموزع. ليضيف آخر يتولى عملية التوزيع في حلق الواد ان خسائرهم اليومية لا تقل عن 30 دينار وهو ما ادى الى افلاس العديد منهم وتراجع اعمال الآخرين.
اغلب الموزعين الذين توافدوا الى دار الصاح فجر اليوم كانوا متفائلين بهذه الخطوة الجديدة الهادفة الى كسر الإحتكار وتسلط رجل واحد على قطاع بأكمله بعد ان تحول هذا الموزع الكبير الى دولة داخل الدولة يعاقب من يشاء عبر ميليشياته ويسن قوانينه الخاصة في العمل.
الباعة الذين مرت بهم نواة أثناء جولتها مع احد الموزعين المسؤولين عن منطقة باردو وخزندار ومنوبة رفضوا التعليق حول هذا الصراع متعللين بجهلهم بحيثيات القضية او باقتصار تعاملهم مع صغار الموزعين. ولكنهم اعربوا في الوقت ذاته عن استنكارهم لما يحصل من غياب عدد من العناوين بالإضافة الى النقص الواضح يوم امس ويوم الاربعاء 13 ماي 2015 في عدد الصحف المسلمة مما اثر على مرابيحهم ودفعهم الى الإخلال بالتزاماتهم تجاه الحرفاء من الخواص والشركات والادارات.
التوجس الذي كان مسيطرا على الجميع قبيل بدء عملية التوزيع اختفى بمرور الوقت خصوصا وانه لم يقع تسجيل حالات اعتداء او مضايقات من قبل رجال الدعداع. بل ورصدت نواة حجم الرضا الذي قابل به الباعة واصحاب الأكشاك عودة توزيع الصحف التي حجبت بالامس في حين اختفى الدعداع ورجاله من المشهد تماما بعد ان تحولت هزيمة معركة الامس على ما يبدو الى انتصار لمديري الصحف التونسية في لحظة قد تمثل منعطفا حاسما لواقع الصحافة المكتوبة التي لطالما خضعت لحسابات لوبيات المال والسياسة.
iThere are no comments
Add yours