كمال الجندوبي على صفيح من نار
بعد قرار مجلس الوزراء تكليف السيد : كمال الجندوبي بمعالجة ملف الحوض المنجمي ، والإعلان عن تحوله إلى قفصة لمباشرة الوضع على عين المكان، يبدو أن السيد الوزير لم يتقدم إلى حد الآن بأي خطة واضحة لحلحلة الأوضاع و لا تحول إلى قفصة ، فانتعشت سوق الوساطة و السمسرة و الحج إلى “بيت سي كمال” ، الذي يبدو كغيره مترددا، يتوجس خيفة من هذا التكليف حسب ما صرح به في بعض المناسبات : “التكليف فخ” قد يكون لغير صالحه.
ولكن إذا سلمنا بمشروعية تخوفاته فكيف يقبل هذا التكليف أصلا ، ويحمل وزر مسؤولية غير مضمون العواقب ، أم هو التحدي؟
في هذا و في العديد من التصريحات و الإجراءات سنحاول الغوص في النوايا و التسلل إلى المناطق المحرمة في العقلية التي قادت إلى هذا التكليف خاصة ان الخطوات الاولى في معالجة الملف بدأت بشائرها تطفو على السطح.
ولفك لغز التخوف في موقف الرجل من ناحية و تمسكه بهذا الملف من ناحية أخرى، علينا كشف الدوافع المعلنة والخفية و سنده في الإصرار على تحقيق نجاحات في هذا الملف علما وأن الفشل فيه خط أحمر.
ـ كمال وطموحات الحكم
المعروف عن هذا الرجل أنه كان يشغل “رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان ” ، ويحظى بثقة و مساندة العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية في الداخل والخارج ، ورضا الإتحاد الأوروبي ، والمنظمات الحقوقية العالمية ، الشيء الذي اهله بعد 14/01/2011 إلى العودة إلى تونس والإلتحاق بهيئة : “تحقيق أهداف الثورة” التي لم ير أعضاؤها أي مانع من تكليفه بالإشراف على انتخابات 2011 وعند صعود “الترويكا” إلى الحكم خسر كمال الكثير من إشعاعه و لم يسعفه الحظ لترأس هيئة الإنتخابات الجديدة في 2014 وتوترت علاقاته بأحزاب الترويكا حد اتهامه بسوء التصرف المالي. وبعد غياب طويل عاد كمال إلى الواجهة في أواخر 2014 لكن هذه المرة ليس من الباب الحقوقي بل السياسي ، فأعلن عن مساندة ترشيح “مصطفى كمال النابلي ” للإنتخابات الرئاسية . وإثر انسحاب هذا الاخير ، انتقل كمال إلى مساندة مرشح النداء : ” الباجي قايد السبسي ” و انخرط فعليا في الهيئة المشرفة على الحملة الإنتخابية . و بعد نجاح “الباجي” و حزبه في الانتخابات كافأه بإحداث وزارة على قياسه ونصبه عليها وزيرا.
هكذا أصبح كمال يحظى برضا الباجي و ثلاثة على الاقل من احزاب الإئتلاف الحاكم وكذلك رباعي الحوار الوطني ، ولن تحجم عديد الجمعيات و المنظمات عن مساندته ودعمه خاصة تلك التي تمول نشاطاتها ” الشبكة الاورومتوسطية” برئاسة صديقه “رامي الصالحي” ، وكذلك الشبكة الجديدة في “بروكسال” التي أصبح ” مسعود الرمضاني” عضوا فيها بعد ان تم ترشيحه عن المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية يوم الاحد 12/06/2015 في جلستها العامة العاشرة.
إن رجلا يحظى بكل هذه المساندة يدافع عن الحداثة و غن نمط المجتمع التونسي لا يتبنى مواقف راديكالية من القضايا السياسية و الإقتصادية ، لا يمثل خطرا على بقية المكونات السياسية ، من حقه أن يطمح إلى رئاسة الحكومة و حتى إلى رئاسة الجمهورية . خاصة وأن أداء الحبيب الصيد وفريقه الحكومي اتسم بالإضطراب و الضعف (ديوان الناموس .. علم تونس.. تأشيرة تركيا .. إنجاح جميع تلاميذ الأساسي دون امتحان …إلخ). و أدى إلى توتير العلاقة بين الإتحاد العام التونسي للشغل والسلطة و العديد من منظمات المجتمع المدني . كل هذا اسال لعاب العديد من الطامحين إلى الحكم في اول تغيير قد يكون قريبا فكيف لا يستهوي كمال الذي يحظى بمساندة قوية.
نعم لأجل تحقيق هذا الطموح قبل كمال عبء ملف الحوض المنجمي الذي أطاح بنظام بنعلى فهل ينجح ؟
كمال يعلم أهمية ملف الحوض المنجمي و ” الفسفاط” على جميع الاصعدة ، الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية ، ومدى تأثيره في انعاش الدورة الإقتصادية و تعديل الميزان التجاري و إمكانية إطلاق تنمية حقيقية في المناطق المميزة دستوريا . ولعل من نصحه بإستلام هذا الملف وشجعه على ذلك يدرك جيدا انه بداية الطريق للتأهل لمهام أكبر في المستقبل ، أو هو يغامر بصنع شخصية منقذ لحكم النداء مستقبلا.
السيد الوزير يعلم أكثر من غيره أيضا ، أن قضية قفصة و الحوض المنجمي كما في بقية الولايات المميزة دستوريا هي قضايا حقوق ومواطنة بجميع ابعادها ( الإقتصادية والثقافية و السياسية والإجتماعية).قضايا تنمية ، قضايا شغل و كرامة ، قضايا صحة وبيئة ، قضايا بنية تحتية ، قضايا فساد مالي وإداري ، قضايا ظلم وحيف امتد على مر عقود ، قضايا حقوق الإنسان مجمعة في ولايات وقرى الداخل و حتى الساحل والشمال . فهل يغفر له أهالي تطاوين ومدنين وقبلي وقابس و دوز وسليانة وقدماء طلبة الإتحاد ، و المعتصمون من أصحاب الشهادات العليا إغفالهم و إسقاطهم من حساباته و عدم إسنادهم و لو ببيان ، وهو وزير حقوق الإنسان ؟ رغم كل هذا هل سينجح في مهمته هذه ؟
إن تواصل الإعتصامات في المظيلة ، وبرج العكارمة ، والرديف و غيرها من مدن قفصة ، وعودة المحتجين إلى توقيف نقل الفسفاط في المتلوي يوم الإثنين 15/06/2015 صباحا و حرق العجلات ، واحتجاز السيارات وغلق طريق قفصة توزر يوم الثلاثاء 16/06/2015 من طرف المعتصمين في مدينة قفصة ، بداية العود إلى توتر الأوضاع في الجهة بسبب ضبابية الإجراءات التي إتخذها كمال في بداية هذا الأسبوع.
ـ كمال الجندوبي على صفيح من نار.
بعد اللقاء الذي جمع نواب قفصة برئاسة الحكومة في 13/04/2015 وفشل مهمة الوفد الوزاري الذي تحول إلى الولاية يوم 23/04/2015 ومحاولة السيد الأزهر العكرمي لقاء ممثلين عن المعتصمين في المتلوي بإشراف نداء تونس ، عقدت الحكومة مجلسا وزاريا للغرض يوم 15/05/2015 و أعلنت عن حزمة من الإجراءات ، قوبلت برفض المعتصمين و الاهالي في الجهة ورفعت درجة الإحتقان إلى أقصاها بلغت حد الإضراب العام في عديد من مدن الولاية يوم 20/05/2015 و بمظاهرات شعبية تندد بالإجراءات المتخذة . وكان من المفروض أن يتحول ’’السيد الوزير’’ إلى جهة قفصة لمباشرة مهمته إلا انه ظل في العاصمة يستقبل وفودا من المعتصمين و كثيرا من الاشخاص للإستشارة و أخذ صورة عن الوضع عملا بنصيحة بعض الاصدقاء كما قال. فكان موسم الحج إلى ” بيت كمال الجندوبي” ، وانتعشت سوق السماسرة و المتطفلين و الإنتهازيين و اصحاب المآرب الخاصة و كل من هب ودب . وانتشرت الإشاعات في الجهة ، كثر الحديث عن قائمات وأسماء تعد في الخفاء لإنتدابها في شركة فسفاط قفصة و في شركات البيئة و حتى في قطاع الحظائر مما اضطر سي كمال إلى الظهور في البرنامج التلفزي “شكرا على الحضور” يوم الجمعة29/05/2015 ليوضح موقفه مما يشاع ويؤكد على تواصله مع الهيئات الحقوقية و المنظمات الوطنية والمجتمع المدني بالجهة للتثبت و التدقيق في التعهدات السابقة.
و أعلن عن الإلتزام فقط بما ورد في بيان الحكومة الصادر في 04/06/2015 الذي نص على :
ـ التدقيق في التعهدات السابقة في خصوص التشغيل بداية من 15/06/2015 بفتح مكاتب قبول الملفات.
ـ تفعيل شركات البيئة بضبط برنامج عملها و آلية إسداء الخدمات و ربط الأجور بالعمل الفعلي و الشروع في قبول الملفات لغير المشمولين من المعتصمين بمحاضر الجلسات في مكاتب يتم فتحها يوم 15/07/2015. كما صرح أثناء البرنامج أن الحكومة ستطبق القانون على كل الأطراف التي تسعى إلى بث الفوضى في منطقة الحوض المنجمي.
ــــ ما هكذا تورد يا سي كمال الإبل ــــ
بدون التحامل على الرجل أو التقليل من شأنه فقدره محفوظ و رصيده سابق لمهامه الجديدة ، نود الإشارة إلى أن بدايات خطوه متعثرة رغم طول مدة الإستشارة و التردد في إجراء استلام الملفات.
إن تكليف لجنة في الرديف و أخرى في ام العرائس دون باقي معتمديات قفصة ، قد أثار حفيظة المعتصمين و زاد شكهم في نوايا الرجل و هذا سبب الإضطرابات بالأمس في المتلوي واليوم في قفصة علما وأن المعنيين بالتدقيق في وضعياتهم ، أسماؤهم مضبوطة مسبقا، وبترصد هذه الخطوات نلاحظ ما يلي :
ـ إن تصريح السيد الوزير في البرنامج التلفزي يوم 29/05/2015 و إشارته للتواصل مع المنظمات الوطنية و الهيئات الحقوقية و المجتمع المدني بالجهة للتدقيق و التثبت في التعهدات السابقة، يجانب الحقيقة ، خاصة وأن عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقفصة و فرعي قفصة والمتلوي ، والكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بقفصة ينفون ذلك ويعتبرون ان هذه المهمة ليست من مشمولاتهم فهي تعود إلى من امضى هذه المحاضر و من تعهد بتطبيقها و التدقيق من مهمات الدولة.
ـ إن تأكيد السيد الوزير في بلاغ 12/06/2015 التوضيحي الصادر عن رئاسة الحكومة (لنفي الإشاعات) على إلتزامه فقط بما ورد في بيان 04/06/2015 يفرغ هذا الأخير من محتواه ويجعله ينحصر في نقطتين يتيمتين تثيران جدلا كثيرا ، فمحاضر الجلسات أمضيت مع معتصمين من طرف ولاة ، و معتمدين ، ورؤساء مناطق الشرطة والحرس ، وإطارات عليا في شركة فسفاط قفصة و وسطاء و سماسرة اشتغلوا مع رئاسات الحكومات السابقة ، الغاية منها فك الإعتصامات في حينها وتأمين نقل الفسفاط و الدليل على ذلك أنها لم تطبق حتى الآن ، فهل هذا مقياس جديد للتشغيل عند حكومة الصيد وعند سي كمال ؟ وهل يستحق كل هؤلاء التشغيل ؟ خاصة وأن الحسم في هذه الملفات على كثرتها سيكون في وقت قياسي و تشغيل أصحابها بداية من 15 جويلية.
إن نقل مطالب المعتصمين الغير معنيين بالمحاضر إلى بداية 15 جويلية حيث يشرع في قبول مطالبهم بداية من هذا التاريخ دون تحديد المدة الزمنية لذلك ، وربطه بالشغورات في شركات البيئة ، فيه كثير من الحيف والظلم ، لأن عدد هؤلاء يفوق بمئات المرات المعنيين بالمحاضر ، ومن بينهم حالات إجتماعية احق بالعمل من غيرهم.
ـ إن تصريح السيد الوزير في البرنامج التلفزي بأن الحكومة ستطبق القانون على كل الاطراف التي تسعى إلى بث الفوضى في منطقة الحوض المنجمي و الذي لم نسمعه منه في احداث بنقردان و الذهيبة ودوز ، يضعه في خانة القائلين بنظرية المؤامرة والأيادي الخفية ، و الأطراف المشبوهة ، وقد عانى من هذه النظرية الكثير زمن الهجرة و المنفى ، خاصة وأنه كرس حياته للدفاع عن حقوق الإنسان و حق الإختلاف.
و حتى يتمكن السيد الوزير من الخروج من هذا الملف بأقل الأضرار عليه إعادة ترتيب أوراقه بما يضمن له نجاحات اكبر و أن ياخذ قضية الحوض وقفصة في إطارها الشمولي والتاريخي و يبدأ فورا بفتح ملفات الفساد الإداري و المالي إلى جانب التشغيل بمنظور جديد ، ويتخلص من الإرث السابق الذي يثقل خطاه و يشل حركته . بذلك يكسب ثقة المواطنين و النخبة السياسية و المدنية والحقوقية و ينطلق في إرساء قواعد نهوض حقيقي بالجهة في إطار الشفافية لإعادة الإعتبار للإنسان و حقوقه حاضرا ومستقبلا . في إطار خطة استراتيجية شاملة تأخذ بعين الإعتبار مقدرات الجهة المادية و الذهنية ببعث مؤسسات مستقلة عن الجهاز البيرقراطي للإدارة القديمة و بعيدا عن العفوية و المصالح الشخصية
بشير العبيدي
الرديف في 16 جوان 2015
iThere are no comments
Add yours