بقلم غسّان بن خليفة،
تتعاظم تدريجيًا حركة الرفض لمشروع ما سُميَّ بـ”قانون المصالحة الوطنيّة“، المُعلَن عنه من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في 14 جويلية المنقضي، مع اقتراب عرضه المتوقّع على البرلمان الذي سيستأنف نشاطه الأربعاء المقبل.
فبعد أن وحّد رفض هذا المشروع لأوّل مرّة منذ الانتخابات الأخيرة جزءًا هامًا من المعارضة البرلمانيّة، تستعدّ مكوّنات متفرّقة من المجتمع المدني لنقل مواجهتها له من خانة البلاغات والعرائض إلى الشارع.
تحرّكات احتجاجية متوقعة
ومن أجل هذه الغاية أَعلن عدد من الجمعيّات والمستقلّين والنُشطاء في 21 أوت المنقضي عن تأسيس الائتلاف المدني ضدّ مشروع قانون المصالحة الاقتصاديّة. ويضمّ هذا الائتلاف جزءًا هامًا من المجتمع المدني، مثل التنسيقيّة الوطنية المستقلّة للعدالة الانتقاليّة، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة وممثّلين لـ، أو منتمين إلى، جمعيّة النساء الديمقراطيات، النقابة الوطنيّة للصحفيين، فضلاً عن مستقلّين بارزين مثل المحامي العيّاشي الهمّامي والقاضي أحمد صواب (المستقيل مؤخّرًا من لجنة المصادرة احتجاجًا على مشروع القانون) والقاضية كلثوم كنّو، والمحامي رضا الردّاوي، والمدوّن عزيز عمامي.
وقد أصدر الائتلاف، عند تأسيسه، بيانًا عبّر فيه عن رفضه للمشروع «لما اتّسم به من تنكّر للثورة وشعاراتها»، مُعلنًا «تجنيد قوى المجتمع المدني بالعاصمة والجهات علاوة على الشخصيات الوطنيّة الاعتباريّة، بهدف التصدّي» له. ولم يستبعد أصحاب المبادرة «التحرّك عند الاقتضاء في الشوارع بطرق سلميّة وقانونيّة».
عمليًا، شكّل المؤسّسون أربعة لجان، وزّعوا عليها المهام التالية :
● إعداد وثيقة تتضمّن أسانيد رفض المشروع دستوريًا وقانونيًا وسياسيًا وأخلاقيًا؛
● الاتصال بمكونات المجتمع المدني؛
● الاتّصال بنوّاب الشعب؛
● الإعلام والتواصل.
واختار المؤتلفون الأستاذ عمر الصفراوي منسّقًا عامًا لهم. وعقد الائتلاف صباح الاثنين الماضي اجتماعًا جديدًا، خُصّص لمناقشة مسودّة أرضيّته، التي كُلّف الأستاذ عميرة عليّة الصغيّر بالاشراف، رفقة آخرين، على تحريرها.
هذا وقد اطلّع المشاركون على ورقة بعنوان «قراءة في مشروع قانون المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي»، قدّمها أحمد صواب، القاضي السابق بالمحكمة الإدارية.
وفي سياق متّصل أطلق مدوّنون وناشطون شباب، قبل حوالي أسبوع، حملة على فيس بوك اختاروا لها عنوانًا: «مانيش مسامح». وهي تهدفُ «ببساطة إلى إسقاط مشروع قانون المصالحة الاقتصاديّة»، كما عرّفوها على صفحتهم. ويشارك عدد من أفراد هذه المجموعة في اجتماعات الائتلاف، إلاّ أنّها تفضّل التعويل على العمل الميداني المباشر. ويؤكّد المدوّن عزيز عمامي، أحد مطلقي الحملة، بثقة أنّ «قانون المصالحة لن يمرّ». ويقول ناشطون في الحملة أنّهم ينوون التحرّك قريبًا في الشارع.
مشروع قانون “غير قانوني”
تناولت الورقة (من 5 صفحات) التي قدّمها القاضي أحمد صواب مجمل الثغرات القانونيّة والدستوريّة لمشروع القانون. ويمكن تلخصيص “الاخلالات الدستوريّة” فيما يلي:
● خرقها للفقرة الأولى من توطئة الدستور التي تشير إلى نبذ «الحيف والظلم والقطع مع الاستعباد»؛
● خرق مبدأ الحكم الرشيد في الفصول 1، 2، 7 و8 من مشروع القانون؛
● خرق مبدأ التشاركيّة في إدارة النظام الجمهوري الديمقراطي للبلاد، “المنصوص عليها صراحة بالفقرة الثالثة من التوطئة”.
● خرق مبدأيْ الفصل والتوازن بين السُلَط، وذلك بالنظر إلى تشكيلة لجنة المصالحة التي ينصّ عليها المشروع. إذ “أنّها تتركّب أساسًا من ممثّلين عن السلطة التنفيذية”. وقد وصف صواب ذلك بـ”استفراد سلطة على حساب سلطة”.
● خرق الفصل 10 من الدستور: وذلك بضرب ما نصّ عليه من قواعد ثلاث: ضمان استخلاص الضريبة، مقاومة التهرّب والغشّ الجبائيّين وحسن التصرّف في المال العمومي ومنع الفساد. ويشير القاضي في ورقته إلى الفصلين 7 و8 من مشروع القانون الّذان ينصّان على أنّ العفو يشمل “حتى الموظفين العموميين والمُشْبَهونَ بهم”. ويشرح أنّ مفهوم الموظف العمومي وشبَهَه يشمل حسب المجلّة الجزائيّة طيفًا واسعًا يبدأ من “موظفي الإدارات المركزية والجهوية والوزراء وأعضاء الدواوين وكتاب الدولة (…)، مرورًا بالأمنيين ووصولاً إلى القناصل والولاّة والمعتمدين والعُمد”. وهو ما “يعكس بداهة تحصين وحصانة للأجزاء والمكوّنات الرئيسية لمنظومة الفساد لنظام بن علي”، تُضيف الورقة.
● خرق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، كما نصّ عليها الدستور في فصله عدد 21.
● خرق مبدأ الشفافيّة: وذلك لكون القرير الختامي للجنة لن يحال سوى على رئيس الحكومة وهيئة الحقيقية والكرامة، ولن “يُنشر في الرائد الرسمي ولن “يُناقش حتى في مجلس نوّاب الشعب”.
● خرق حقّ التقاضي وإفراغه: إذ أنّ لجنة المصالحة التي ينصّ عليها مشروع القانون هي “هيئة إداريّة”، و”لا تخضع في أعمالها لأيّ رقابة قضائيّة مهما كان نوعها”.
● خرق منظومة العدالة الانتقاليّة، الواردة بالفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور.
تُبيّن الورقة أيضا مكامن “تعارض المشروع مع المنظومة القانونيّة”. والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية: غموض في مجال التعهّد، الإفلات من العقاب، تفتيت مسار العدالة الانتقاليّة، تكريس الخروج عن الشرعيّة، إحداث هيئة تابعة للسلطة التنفيذيّة وإهدار الحقوق المدنيّة.
“رسالة سلبيّة اقتصاديًا”
وفيما انبرى “خبراء اقتصاديون” قريبون من الرباعي الحاكم للدفاع عن مشروع المصالحة، يرى اقتصاديون آخرون أنّ هذا المشروع ضارّ بالاقتصاد، حتّى من زاوية نظر ليبراليّة. وقد علّق سامي العوّادي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة وأحد مؤّسسي جمعيّة تونس الاجتماعيّة “سوليدار”، في تصريح لـ “نواة” :
هذا القانون هو سياسي بالأساس. تأثيره هامشي اقتصاديًا لأنّه لا يتعلّق بمبالغ ضخمة، لكنُّه يبعث برسالة سلبيّة للمستثمرين بالداخل والخارج.سامي العوّادي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة وأحد مؤّسسي جمعيّة تونس الاجتماعيّة “سوليدار”
iThere are no comments
Add yours