بقلم فانيسا سزاكال، ترجمة غسّان بن خليفة،
بعد قرابة خمس سنوات من تقدّم المسار الديمقراطي، وعلى تخوم عمليّة تفجير أودت بحياة 12 شخصًا في قلب العاصمة، تبدو المطالب والوعود بالدعم الأمريكي لـ”النجاح الوحيد في الربيع العربي” أكثر فتورًا وأقلّ نفعًا.
تواصل المطالب بالمزيد من الدعم لتونس فيما تعيش البلاد ثالث هجوم إرهابي هذا العام، يعطي إنطباعًا بأنّ الماضي القريب يكرّر نفسه. منذ حوالي أسبوعين كان وزير الخارجية جون كيري في تونس بمناسبة الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي لمناقشة المحاور الرئيسيّة – الاقتصاد، الحوكمة، الأمن – للشراكة بين تونس والولايات المتحدّة. في نفس الوقت، طالبت ثلّة من المختصّين، الديبلوماسيين والرسميين، الكونجرس بزيادة الدعم الخارجي لتونس فيما يسارع مجلس الشيوخ وممثّلي البيت الأبيض إلى إتمام مشروع ميزانية سنة 2016.
زيادة الدعم لتونس
في الأسابيع الموالية لزيارة رئيس الحكومة التونسية الأسبق مهدي جمعة لواشنطن في أفريل 2014 ولقائه بالرئيس الأمريكي أوباما، بمناسبة ” الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي “، نشرت منظمة “مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط “ (POMED) – وهي منظمة أمريكية تسعى حسب تعريفها لنفسها “إلى دعم الناخبين لسياسات الولايات المتحدة التي تناصر الإصلاح السلمي في الشرق الأوسط.”- رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية كيري. وقالت فيها أنّه وقّعها «65 من الديبلوماسيين ذائعي الصيت ومن رجال الأعمال والباحثين من أجل تشجيع الولايات المتحدة على “تعميق” وتعزيز دعمها لمكاسب الديمقراطية التونسية».
كما نشرت م.د.ش.أ الشهر الماضي رسالة موّجهة إلى أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وممثلي البيت الأبيض، دعتهم فيها إلى تقديم المزيد من المساعدة والدعم لتونس. وانتقدت الرسالة فشل الكونغرس في ضمان التمويل الكامل لقرض طلبته إدارة أوباما لتونس وقدّر بـ 134.4 مليون دولار للسنة الجبائية 2016.
رغم إدراكنا لحدود الميزانية، نلاحظ بقلق أنّ مسؤولي البيت الأبيض ومجلس الشيوخ قد تدبّروا أمرهم لتوفير تمويل كامل، أو حتى تجاوزوا الميزانية المحددة للدولة للاستجابة لطلب كلّ الأنظمة الاستبدادية الحليفة للولايات المتحدة في العالم العربي…
ونذكر من بين الموقّعين الـ 114 : ستيفان ميكنيري من POMED.، ويليام جي بورنس من مركز كارنيغي، تامارا كوفمان وايتس من مركز بروكينغس، باربارا سالفين من المجلس الاطلنطي، خوان كولي من جامعة ميشيغين، والتونسيّيْن رضوان المصمودي، مدير مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، ومحمّد مالوش، عن جمعية المهنيين التونسيين والأمريكيين الشبّان.
هل ستقضي محاربة الارهاب على الثورة؟
تحتاج الولايات المتحدة، في حربها الشاملة على “الدولة الاسلامية”، إلى دعم تونس ودمقرطتها ووقف مساندة الاستبداد. دانييل برومبرغ خلال حلقة نقاش حول محاربة الارهاب في تونس، 16 نوفمبر 2015.
بعد ثلاثة أيّام من زيارة كيري، التأمت بواشنطن حلقة نقاش حول محاربة الارهاب في تونس: آفاق إصلاح القطاع الأمني. وشخّص المشاركون في هذا اللقاء، الذي نظّمه POMED ومعهد ليڨاتوم اللندني، حالة الجهاز الأمني التونسي وناقشوا كيف يمكن للولايات المتحدة والفاعلين الدوليين مساعدة قطاع الأمن والإصلاحات الحكومية. وتمّ اعتماد ورقة بعنوان: تونس في خطر: هل ستقضي محاربة الارهاب على الثورة؟ لفاضل علي رضا، الأستاذ الزائر من معهد ليڨاتوم، كقاعدة للنقاش.
تُجادل الورقة بأنّ هنالك انزياح في السياسات المُتبّعة في تونس حاليًا، من سرديّة الإصلاحات إلى سرديّة محاربة الارهاب. وهذا التحوّل ليس معادٍ للديمقراطية فحسب، بل وكذلك غير فعّال. إذ تكمن المفارقة في أنّ المساعدات الغربية لتونس في محاربتها للارهاب قد تكون بصدد المساهمة في تحقيق عكس ما تصبو إليه.
يفحص علي رضا تطوّر الجهاز الأمني خلال الثورة والمرحلة الانتقالية، قبل أن يخلص إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات لسياسيي البلاد وحلفائهم الدوليين. وهو يصف “ثقافة الخطر” التي مكّنت وزارة الداخلية من احتلال موقع رئيسي في دولة ما بعد بن علي، كما يرى أنّ الثورة مثّلت فرصة مهدورة من أجل سيطرة أكبر للمدنيين على الجهاز الأمني. إذ استرجعت وزارة الداخلية، بعد 2011، من خلال وسائل الإعلام قدرتها على تشكيل الانطباع العامّ حول العنف والتهديدات المحيقة بالأمن الوطني. واتبّعت قوّات الأمن خلال أحداث الشعانبي 2013 والحملة الانتخابية 2014 “تكتيكات صارمة لكنّها غير ناجعة بالمحصّلة”، فيما استعمل سياسيون خطاب محاربة الإرهاب لشيطنة منافسيهم.
قاد ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى بقاء “الأمن الجمهوري” بعيدًا عن الرقابة المواطنية، إلى منظومة أمنيّة مُفكّكة فشلت في الردّ الناجع على هجوميْ باردو وسوسة. وأدّى إعلان رئيس الجمهورية عن حالة الطوارئ في جويلية 2015 إلى فسح المجال أمام المساس بحرّيتيْ التعبير والتنظّم. ويشرح الباحث، من خلال وصفه لـ”التكتيكات الخطرة” المتبّعة من قوّات الأمن، كيف تتعزّز الراديكالية نتيجة الإيقافات العشوائيّة والواسعة (100 ألف شخص، أو 1 بالمائة من المواطنين، تعرّضوا للإيقاف خلال النصف الأوّل من 2015، حسب وزارة الداخلية) وتعذيب “الإرهابيين” المُشتبهين والمسجونين.
ويستنتج علي رضا : «على الرغم من أنّ جزءًا واسعًا من المساعدة الخارجية لتونس تذهب إلى القطاع الأمني فإنّ الإصلاح، بمعناه العميق، ليس على أجندة أيّ كان… لا يمكن للإنجازات الميدانية، في الجانب التكتيكي، أن تكون مجدية اذا لم يتمّ كذلك معالجة تعطلّ مؤسّسات الدولة، الرشوة، تضارب المصالح والغايات داخل المنظومة الأمنية».
تعاقب الأحداث والمسار المألوف
أثبتَت ردّة الفعل الرسمية على الهجوم الإرهابي ليوم الثلاثاء صحّة تحاليل علي رضا. إذ اتّخذت الأحداث بعد وقوع التفجير مسارا مألوفا : موجة ذعر حملت الشائعات والتقارير المتناقضة، تعنيف الصحفيين الذين توافدوا لتغطية الحادث، والإعلان الفوري للرئاسة لحالة الطوارئ وحظر التجوّل بين الساعة التاسعة مساء والخامسة صباحًا.
وأدان الحلفاء الغربيّون ميكانيكيا العمليّة، وعبّروا عن تضامنهم مع تونس من خلال تويتر والبلاغات الرسميّة.
وبينما يواصل المسؤولون والديبلوماسيون طلب المزيد من المساعدة الخارجية لتونس، يتزايد وعيُ الباحثين والمواطنين العاديين بالفارق بين كمّ ونوعيّة الدعم المُقدَّم.
الارهاب مسؤولية الفكر المتشدد ، الارهاب مسؤولية الجريمة التربوية (الجفاف التربوي و التعليمي العمومي ) ، الجريمة الاجتماعية (الفوارق الفاحشة).
الارهاب أيضا هو حقيقة جريمة الخيارات الإستراتيجية التي قد تتعدى فهمنا .
دون الدخول في نقاش بزنطي . نحن تعلمنا أن نفكر في منظومة قيم تصنع مجتمع السلم الأهلي ، مجتمع التعايش المشترك مع وجود التنوع ، التعدد و العدالة الاجتماعية و المساواة أمام القانون ، انها مسألة الكرامة .
الإرهابي (الإرهاب الداعيشي) لا يفكر في نفس الإطار الذي نفكر فيه نحن . الإرهابي لا يفهم الوطن كما نفهمه نحن . إرهاب اليوم لا يستجيب إلى ما يمكن الحياة المشتركة في إطار السلم الأهلي و الديمقراطية و مؤسسات الدولة المدنية . شبكة العلاقات التي تمثل لنا العروة الوثقى لحياتنا الاجتماعية ، هو لا يعترف بها .
ثم الإرهاب الداعشي يريد تقويض السلم الأهلي في دول أوروبا ، و تقسيم الدول العربية . منظومة القيم التي نحملها و التي تؤسس للمجتمع كما نراه نحن ، متعدد ، حقوق الإنسان ، يناضل سلميا من أجل عدالة اجتماعية عبر نقابات و مجتمع مدني … الإرهابي لا يعترف بها . إذا نفهم هذا يمكن أن نتصدى له و نشن عليه حرب شاملة . إذا نفهم هذا يمكن أن نحدد من أين تبدأ حماية الوطن، حماية الأجيال. أما إذا نبقى في عمى و نظر قصير و في تحديد مسؤوليات بدون عمق في التحليل ، أو عائلية ، فالإرهاب سيبقى يضرب ، و تذهب أموال الدولة في شراء الأسلحة ، و يمكن أن نصلي صلاة الجنازة على التنمية ، على الكرامة ، و يحكمنا الخوف و الدكتاتور و تتمادى الشركات العالمية في استثمار ضعفنا و سلب ثروتنا .
مجتمعنا يكون مجتمع عمل ، تقاسم سليم و أعدل ما يمكن للثروة ، مجتمع مساهمة و تضامن ، مجتمع سلم أهلي و سلم اجتماعي ، فنخلق حقوق اجتماعية جديدة تؤسس لعدالة اجتماعية في إطار الجمهورية المدنية الديمقراطية ، و إلا نواصل كما نحن اليوم نعيش في مجتمع الفوارق الفاحشة (فوارق تربوية ، اجتماعية ، رقمية ، فوارق فاحشة على مستوى الطاقة ، فوارق فاحشة في التوصل إلى الماء الصالح للشراب و لحياة عامة بين المدينة و الريف ، بين العائلة و الأخرى …) ، فتستمر دعائم فبركة الإرهاب ، و نضرب من حين إلى أخر ، ثم نبكي ، و نعوي و ننادي بالوحدة الوطنية ، التي ليس لها معنى في الحقيقة أو تفقد المعنى .
هذا لا يعني أن الإرهابي ليس مسؤول ، و يجب أن نعذره لأنه ضعيف الفكر و التفكير ، و ليس له أدوات الفهم و النقد الذاتي ، لا الإرهابي لابد من محاربته قبل أن يحاربنا . لكن لما تمر بالشراع كيف تعرف الإرهابي . غدا يمكن لبنت تلبس الميني جيب أن تفجر نفسها في سوق من الأسواق . الإرهاب الداعشي يضع معه كل سبل و طرق النجاح . هل نحن الدولة المسؤولة يمكن أن نضع معنا كل سبل و خيارات النجاح الحينية و العاجلة ، و متوسطة المدى و التي هي بعيدة المدى ؟
دون إطالة : إذا نخطأ الجواب ، نصنع إرهاب أكثر شراسة و أكثر معرفة بضعفنا ، ثم …
الدولة المدنية ، الوطنية، الجمهورية كما نعتبرها (تونس اليوم ) هي مسؤولة على يومنا هذا و على مستقبل الأجيال .
فالرجاء أن نكون على مستوى الوعي المطلوب .