إن من المصائب أن تحُول الأيام بيننا و بين البوح بالحب و التقدير الذان نكنهما لمن شاهدنا فيه تتحرك روح التحرر و قيم مقارعة الظلم و الإنتصار للمظلوم. عندما يقضي حُسام الوقت قاطعًا طريق الوصل لا تبقى إلا صلواةٌ و بضع كلماتٍ هي أعجز من أن تحمل ثقل الأحزان وغمّ المكتوم.
وماذا أقول و أنا الذي لم أعرف زهير إلا من خلال ما كتب و ما قِيل عنه.على الرغم من عدم معرفتي به فإن خبر وفاته أدخلني في دوامة حزن لم أعهدعا. أهو صغر سنه الذي آلمني أم شدة البلاء الذي سُلط عليه و على عائلته منذ أن وطأت قدماه حلبة السياسة المتوحشة و القاتلة في بلدي ؟ أم آخر ما كتبه على منتدى تونيزين والذي أيقظ حبي لبطل مظاهرات أفريل 1938 المطالبة ببرلمان تونسي، علي بلهوان؟ مهما تعددت الأسباب فالوقع واحد : مزيج من الحزن و البكاء و الغضب.
أعذرني يا زهير إن أنا أخّرت بوحي ، فقد أغرتني الدنيا بطول آمالها وأقعدتني نفسي بتسويفها و عبثها فسبقتني إليك المنايا قاطفة ما تبقّى من شبابك الذي أهرمه المستبدّ وأنهكه وعيك بالإستبداد. فضاق صدرك ، و أعانه على ذالك هول ما رأيت من أصناف التعذيب والتنكيل وقبيح القمع والتهميش والإذلال.
أعذرني إذ شاءت السياسة و شبهات الإنتماء و اللا إنتماء أن تفرق بيننا. يكفي أن جمعنا خندق واحد و جبهة واحدة و عدو واحد : خندق العمل الإفتراضي و جبهة الوفاء لتونس و عداؤنا للدكتاتورية. لقد كان منتدى تونيزين مدخلي إلى ساحة العمل السياسي بعد سنين قضيتها في العمل السري شبه المكبوت الذي فرضته آلة القمع التونسية. فكانت مداخلاتي الأولى بمثابة المخاض فالولادة. لقد كان ملاذي و ملاذ الكثيرين من الذين حرمتهم أجهزة الأمن من النّطق. حسبك أنك أعدت الكلمة إلى فمِ من بُرمجت له ، في أروقة الحكومة ومخافر الشرطة، حياة حيوان غير ناطق.
أعذرني أيضا يا زهير فمِداد الكلمات عندي دينيّ و رؤى الموت في خيالي كربلائيّ. كيف لا و العدوّ مدجج ظالم و المظلوم قتيلُ أعزل. فكأنّي بك تردّد كلمات أمير الثّورة الحسين إبن علي في طريقه إلى طف حتفه : ” هيهات منا الذلة… والله إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما “. موتك لم و لن يكون هزيمة. إنه انتصار الدم على السيف. نظرية قديمة قدم الثورة على الظلم يواجه فيها الفرد غطرسة زمانه فينتصر، ليس بمقاييس الموت و الحياة الجسديين بل بمقاييس أسمى تعيد للإنسان بُعده التراجيدي و الربّاني. بُعدٌ يتّحد فيه الإنسان بالمُثل فكأنما مُثل و لا إنسان . وكأنما إنسان و لا مُثل. إنها نظرية خالدة خلود إرادة التحرر التي لن تُرفع مهما تعددت أساليب الإستحمار واستفحلت فنون التدجين و التضليل. تزرع الأمل وتنفخ روح الشجاعة والفداء في القلوب المنهكة.
أسأل الله أن يجعل من درب المقاومة الإفتراضية في موقع و منتدى تونيزين صدقتك الجارية التي لن تنقطع بانتهاء الدكتاتورية القابعة على صدورنا والحاصدة لأرواحنا الواحد تلو الآخر.
ولتعلم الدكتاتورية و زبانية الموت في وطني أننا مرابطون ، عازمون على الإبقاء على حيوية النضال وزخمه المعنوي المتدفق ضدها ، إحقاقا للحق وللعدل وللحرية وإزهاقا للباطل، باطلها. إن الباطل كان زهوقا.
ولن يثنينا عن مواصلة الدرب الذي فتحه زهير شيءٌ. لا السجن و لا التعذيب و لا المنفى. طالما أننا على حق فلا همّ : أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.
Quel opportunisme!!!
Tout l’art d’écrire ce genre d’article est dans l’emploi de ces finesses opportunes, de ces nuances par l’effet desquelles on donne aux gens l’impression que l’on parle d’eux, tout en ne parlant que de soi.
حروف من ذهب
لنا ماض … وحاضر … ومستقبل
الشعب لن ينسى والتاريخ لن ينسى.