هناك تصنيف تقليدي يقسم المعارضة التونسية الى ثلاثة أطياف: معارضة رسمية , معارضة إسلامية ومعارضة ديمقراطية. ولنكون أكثر دقة نقول أن المعارضة الرسمية تتمثل في الا حزاب التي منحها النظام مقاعد في البرلمان , والمعارضة الديمقراطية في مجموعة الأحزاب والجمعيات التي لا يعترف بهاالنظام و لكنه يغض عنها الطرف بعض الشي ,و المعارضة الإسلامية في حركة النهضة. طبعا هنا لابد أن نشير الى حزب التجديد الذي يستعصى على التصنيف لتأرجحه المتواصل بين الرسمي و الديمقراطي. ولغويا هذا التقسيم مصيب في جانب و مخطأ في ثلاثة جوانب. هو مصيب في نفي صفة الرسمية عن المعارضة الإسلامية والمعارضة الديمقراطية, لكنه مخطأ في منح صفة المعارضة للمعارضة الرسمية ونفي صفة الديمقراطية عن المعارضة الإسلامية و صفةالإسلامية عن المعارضة الديمقراطية. لكننا لن نتوقف كثيرا عند الأسماء طالما أن المسميات معروفة , بل سنراجع المسميات أصلا.

هذا التصنيف , رغم عدم دقة تسمياته, يظل مقبولا الى حد ما إذا تحدثنا عن هرم المعارضة لكنه يفقد معناه إذا أردنا التحدث عن القاعدة, لأنه ببساطة شديدة ليس لهذه الأصناف الثلاثة أي إمتداد جماهيري. عند هذه النقطة أعرف أن ثائرة أي قارئ إسلامي ستثور وسيقول كيف تقول أنه ليس للحركة الإسلامية إمتداد جماهيري وقد كانت في أواخر الثمانينات تمثل , في أسوأ الحالات , ثلاثين بالمائة من الناخبين التونسين. أنا لا أنكر ذلك, لكنني أضع سطرا تحت كلمة الثمانينات. لأنه منذ ذلك الحين والى الأن فقدت الحركة الإسلامية أغلب مريديها لأسباب عدة تنبع أساسا من الحركة ذاتها قبل أن تكون نتائج مباشرة وغير مباشرة لسياسة النظام في محاربتها. أولا قيادة الحركة المقيمة في الخارج فقدت مصداقيتها على المستوى الفردي نتيجة لإثراء أغلب أفرادها مقابل الفقر و المعاناة التي يعيشها المنتمون بالداخل والتي ينتج عنها غالبا الإحساس بالخدعة و الغضب. ثانيا الحركة تجمدت على مستوى الإنتماء لإنتهاء نشاطاتها الدعوية في تونس وخوف أفرادها في الخارج من الإختراق. ثالثا عجزت الحركة الإسلامية عن إثبات صفتها الديمقراطية وظلت المراكز القيادية في نفس الأفراد منذ خمسة عشر عاما. رابعا مازالت الحركة تعتبر نفسها الممثل الوحيد للإسلام في تونس , فنراها تبارك تزايد عدد المصلين في المساجد وعدد المحجبات في الجامعات وكأن كل مصل أو كل محجبة هو أو هي بالضرورة منتم للنهضة, وهذا يجلب عداء الدولة للملتزمين وعداء الملتزمين للنهضة. وخامسا الحركة تعيش جمودا فكريا كبيرا فرغم تواجد عدد كبير من مثقفها في الخارج فإن إنتاجهم الفكري مفقود, بل يبدو أنهم يمارسون على أنفسهم نوعا من الحصار الذي يرفض أي مراجعة أو نقد. و خلاصة القول أن حركة النهضة الإسلامية تعيش حالة إحتضار وهو إحتضار ممل نتيجة لتمسكها باصدار البيانات التي تتجاوز حجمها و قفزها العشوائي على الأحداث للتنديد أو التأبين أو المباركة وربما لو تطوعت بحل نفسها أو تغيير إهتماماتها إلى الجانب الإجتماعي لأسرعت بحل مشكلة المساجين السياسين
أو على لأقل خففت معاناة أهلهم.

نعود الأن الى المعارضة الديمقراطية, و الحديث عن هذا الصنف من المعارضة طريف لأن أفراده يتصرفون تصرف نجوم السينما, وأظن أنهم لو كانوا أكثر وسامة أو جمالا لأختاروا السينما لكن لله في خلقه شؤون. أفراد وتنظيمات هذاالصنف تكاثرت كالفقاقيع في سنتي الفين والفين وواحد مع وجود حكومة يسارية في فرنسا لكن مع انتصار اليمين الفرنسي في إنتخابات الفين واثنين تلاشى أكثرهم. لكن هذا لم يمنع بعض من تذوق حلاوة الظهور على شاشات التلفزة من مواصلة النضال بعد أن حصل على نوع من الحصانة نتيجة لعلاقاته في فرنسا و ظهوره المتواصل في وسائل الإعلام. هؤولاء يعرفون أنه ليس لهم أمتداد شعبي لكنهم يعتقدون أن الشعب يحبهم كما يحب أبطال المسلسلات فيتصرفون بصبيانية و دلال. فهم مثلا يفرقون في حقوق الإنسان بين الإ نسان الإسلامي والإنسان غير الإسلامي, ويطالبون بمنع الناس من الكتابة على الأنترنت لإنهم غرورهم يصور لهم أنهم فقط أهل لذلك, و يصفون التونسين بالجبناء و يطالبونهم بالنزول الى الشارع للموت وهم يقيمون وعائلاتم في فرنسا. و خلاصة القول فيهم أن وزنهم الفعلي أقل بكثير من وزنهم الذي يخيل إليهم.

رغم أن المعارضة الرسمية يكفيها أنها ذكرت إلا أننا سنتوقف قليلا عند حزب التجديد. هذا الحزب الذي لا يملك الكبرياء الكافي للتخلي عن هبات النظام ولا الجرأة الكافية للإرتماء في أحضانه وهو بهذا التلون يخدم النظام أكثر من خدمة بقية الأحزاب الرسمية له فصور مساندي مرشحه للإنتخابات الرئاسية الأخيرة وحكاية ملاسنات مجلس النواب تظهر النظام التونسي في صورة النظام الديمقراطي السليم ولذلك هو يحافظ على حزب التجديد ويعطيه بعض المصداقية بتسليط عقوبات صغيرة عليه من حين الى أخر. طبعا الإنتخابات الأخيرة أعطتنا فكرة صادقة عن حجم المعارضة الرسمية بما فيها حزب التجديد ,و لن يستطيع أحد إقناعي بأن النتائج زورت لصالح التجمع.

و بقيت أخيرا فئة من المعارضة الناشطة ,إذ أن كل التونسيين تقريبا معارضة, التي لم تصنف بعد. هذه الفئة هي مجموعة الأفراد الذين لا ينتمون الى اي من التنظيمات السابقة والذين تملأ مجهوداتهم مواقع الواب. هؤولاء هم أكثر أفراد المعارضة صدقا وإرادة لأنهم ببساطة لايسعوون للحكم ولا الى أن يصيروا أبطالا.