بسم الله الرحمن الرحيم

فصل المقال بين الاسلام والوسائل

كتبه مرسل الكسيبي

قبل الخوض في جوهر الموضوع ولبه أذكر بأننا بشر يعترينا مايعتري الناس من خطأ وصواب ومن غيرة وانفعال ومن صفح وتسامح كما غضب وتوتر ومن حب وائتلاف وكل مايناقض ذلك من مشاعر تعتري كل بني ادم حتى وان تبوؤوا أعلى المكانات وتقلدوا أسمى الألقاب والوجاهات الا أن يعصمهم الله من ذلك في اطار من تزكية النفس والابتعاد عن الأحقاد والكراهيات التي حثنا الله سبحانه وتعالى عليها جميعا من أجل أن نضمن سبل النجاة في يوم تشخص فيه الأبصاريوم لاينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم .
لم أدعي يوما ما امتلاك الحقيقة بل انني موقن بنسبيتها الا أن يكون غير ذلك في عالم السماء ولذلك أذكر مرة اخرى بأنني ان أحسنت فيما كتبت أو أدليت به من أقوال أو تقييمات وتحليلات فانما ذلكم بتوفيق من الله جل جلاله وان أخطأت أو قصرت فانما ذلكم من نفسي ومن الشيطان ولذلك توجب عندها الاستغفار والاعتذار لأصحاب الحقوق والمظالم وهو ماأجدده دائما وأبدا لمن كان له عندي حقوق قد غمطته فيها أو قصرت له فيها من جانب الأداء.
غير أن لي رجاء من الاخوان يتمثل في أن يبقى نقاشنا متمحورا حول الأفكار والسياسات ومبتغى ذلك من الأدوات والوسائل وأن يبتعد عن الحديث عن الحياة الخاصة للناس لأن ذلك من رفيع الأخلاق وسمو الهامات وهو أصدق عند الله وأقرب للتقوى .
بلا شك أن الحديث عن الأحزاب والحركات فيه مخاطرة كبرى لأنه يمس بالعصب والتكتلات التي قد يعجز الأفراد في معزل عن قوى الاسناد عن مواجهتها ولكن يبقى أملي في صدق الكلمات ووجاهة الأفكار أن تحرك قوى الصمت والترقب وتحدث في الناس مالا تحدثه الة التكتلات من انضباط صارم في الأفكار يكون مختلفا في الألفاظ متحدا في المعاني والتصورات في جوقة تعزف نفس الألحان بدون تميز في الأداء والأصوات .
لا أريد في ماأطرحه اليوم من أفكار أن أستعمل نفس الوسائل والميكانيزمات ولكن سأظل ان شاء الله طائرا متواضعا يحلق بما يحمله من مستقل رأي وطروحات ولعل احداها يتعلق بعالم الوسائل والمقدسات.
ان العلاقة المفصلية بين الاسلام كدين ارتضيناه واتفقنا عليه ورودا ومنهاجا وبين جملة من الوسائل يرتئي البعض فيها قداسة نختلف عليها يكون محور حديثنا في مقال اليوم .
فاذا كان البعض يرتئي في حزب ما أو جماعة ما أمرا مقدسا غير قابل للنقاش فاننا نرتئي صراحة عكس ذلك واذا كان البعض يدافع عن التنظيم أكثر من دفاعه عن الاسلام فاننا نغضب لذلك واذا كان اخرون يقرون بحق الاختلاف في الوسائل والأدوات ثم يفعلون غير ذلك فاننا نتألم لذلك واذا كان الكثيرون يجمعون على ضرورة التعدد في ساحة العطاء للوطن ثم يحاربون كل مبادرة بهذا الاتجاه فاننا كتونسيين معنيين بشأن بلادنا نأسف لذلك.
الحديث اليوم عن التعدد في ساحة العمل للاسلام الوسطي والمعتدل يعتبر أمرا حتميا يمكن أن يثري بلا شك الفضاء السياسي لأي قطر عربي ولكن لا يعني ذلك احتكار صفة الحديث باسمه أو التمثيل لمعتنقيه وهو لايعني أيضا الدخول في منافسة مع من طرح الدفاع عنه من باب المبادئ والمنطلقات على خلفية الشجار أو الخصام في مرحلة تاريخية وهو لايعني ضرورة المزايدة على أصحاب المشاريع الأخرى حتى وان اعتنقت منظومة غير اسلامية في التفكير وهو لايعني بالضرورة الدخول في علاقة صدامية مع السلطة أو المعارضة أو بعض نخب المجتمع .
المطروح اذا هو تجديد الوسائل وتحديثها على ضوء واقع الناس واحتياجاتهم وعلى ضوء معالجة أخطاء الماضي والنظر بعين الاستشراف للمستقبل في ظل رغبة جامحة الى الارتقاء بالشأن العام من واقع الخصام الى واقع التعاون والانسجام حتى وان اتسعت الفوارق بين مكونات المجتمع في ظل مرحلة تاريخية عصيبة.
ان معالجة قضايا الناس ومتطلبات المجتمع باتت اليوم في حاجة الى ثراء جديد يؤسس لواقع أفضل يتعاون عليه الجميع وتتعدد فيه الوسائل والتنظيمات والهيئات والجمعيات التي تبعد البلاد والعباد عن أخطار الانزلاقات والتوترات كما تحفظ للاخرين حقوقهم وتطالب بحق الجميع في حياة كريمة أفضل تخلى البلاد من معتقلي الرأي وتفسح المجال واسعا أمام اعلام متعدد حر ونزيه كما تقنن حالة تعددية هادئة تقطع السبيل على كل عمل سري يهدد مكتسبات الوطن والمواطن .
ملخص القول ان احتكار عالم الصحوة والهوية والمنظومة الثقافية في بعدها العربي والاسلامي من قبل تيار واحد يهيمن على الساحة بات أمرا غير صحي في ظل ثراء يعيشه المجتمع وتكبح جماحه مخاوف السلطة ببعدها الرسمي والمعارض .
ولعل الوضوح في القصد واللفظ لايفسد للود والأخوة قضية اذا قلنا أن تونس باتت اليوم تتطلع بثراء منظومتها الثقافية والحضارية الى تعددية اسلامية متنورة في الفضاء الجمعياتي والحزبي وهو لايعني قطعا التنكر لفضل الجيل الأول في تأطير الصحوة الاسلامية الرصينة والابتعاد بها عن مخاطر التطرف ومزالق العنف والتشنج ولكن لايعني ذلك أن احتكارها في شكل حزب مهيمن على فضاءات الدعوة والسياسة والعمل الاجتماعي شكل ظاهرة صحية يمكن المواصلة معها الى أجل غير مسمى بدعوى عدم التنكر للقابعين وراء القضبان أو الحفاظ على مكتسبات العمل المهجري لمدة راوحت العشريتين .
ان تونس المعاصرة بقدر تطلعها الى تقنين حضور النهضة كحركة في الفضاء السياسي باتت متشوقة الى مولد تيارات وجمعيات جديدة تعالج أخطاء الماضي وتتجاوز منطق الحزب الواحد الذي يمكن أن يكون مقتلا من مقاتل الابداع في ظل عالم تتسارع خطاه بشكل برقي ووتتزاحم فيه الأفكار والتطورات ومن لم يلتفت فيه الى هذا الازدحام الفكري والسياسي داخل التنظيم الواحد بات يهدد قانون المجتمعات في التطور والارتقاء .

أخوكم مرسل الكسيبي
ألمانيا الاتحادية
في 23 ماي 2005 الموافق ل14-4-1426 ه
الهاتف القار 00496112054989
الهاتف المنقول 00491785466311
reporteur2005@yahoo.de

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته