بقلم خميس بن علي قشة

تستمرّ معاناة عائلتي في تونس بمعتمدية ملولش التابعة لولاية المهدية بالساحل التونسي. تلك المعاناة التي بدأت مع الحملة التي شنها نظام بن علي على الإسلاميين منذ بداية سنة 1990، و شملت كل أفراد أسرتي، و تنوعت بين الاعتقال و السجن و تضييق مسالك العيش على إخوتي و محاصرة كل أقاربي و أهلي و مداهمة بيوتهم بشكل متكرر. فلا يسمح لهم بالعمل و لا بالسفر و لا باستخراج الوثائق المدنية رغم شدة الحاجة إليها كجوازات السفر و وثائق إثبات الهوية. و وضعهم الآن كوضع الـ”البدون” الذين يعيشون في بعض دول الخليج العربي غير معترف بهم كسكان أصليين، محرومين من حقوقهم المدنية منذ أن نشأت الدولة، متهمين بأنهم وفدوا طمعا في ثروة النفط التي ظهرت في بدايات القرن الماضي. و هم لا يزالون على تلك الحال سنين طويلة بلا حقوق و لا ضمانات. و وضع أفراد أسرتي لا يكاد يختلف عن ذلك. فأكثرهم ممنوع من السفر و لم يتمكنوا من استخراج جوازات سفر رغم مراجعة الدوائر الرسمية.

بل إن ابن عمي الهادي بن حسين قشة، الذي كان ملازما في سلك الحرس الوطني لأكثر من 15 سنة و الذي له من زوجته بنت و ولد هما مجاهد و زينب، طلقوا زوجته منه رغم أنفه و أنفها، و سطوا على بيته بحي التضامن بتونس العاصمة أثناء سجنه. و لما رفض أن يعمل معهم مخبرا سحبوا منه كل وثائقه الرسمية. و لا يزالون يلاحقونه و يضيقون عليه بأشكال شتى منها الإمضاء يوميا لدى دوائر الأمن، و منعه من العمل. و هو لا يملك وثيقة تثبت هويته، و قالوا له: أنت معروف لدينا و لا تحتاج إلى وثائق لإثبات هويتك. فلا يستطيع أن يسافر و لا أن يخرج من القرية و لا أن يعالج عند المرض لدى المؤسسات الصحية الرسمية.

أما أولادي الثلاثة فلا يملكون أي وثيقة رسمية تونسية؛ لا جوازات سفر ولا غيرها. و وضعهم لا يختلف عن وضع الـ”بدون”. فقد حرموا زيارة بلدهم بدون ذنب سوى أنهم أخذوا بجريرة أبيهم، الذي سجن سنة و حوكم سنة 1994 غيابيا بـ 15 سنة سجن، و حرم من إتمام دراسته، و ضيق عليه حتى ترك الوطن، و حيل بينه و بين أهله حتى في لحظات وداع هذه الدنيا، فلم يحضر جنازة والده و لا والدته.

ولقد حيرتني الأسئلة الملحة لأولادي الصغار عند وفاة والدتي رحمها الله قبل تسعة أشهر: “أبي، لقد مات جدي ولم نره. والآن ماتت جدتي، فلماذا لا تحضر جنازتها؟ أبي لماذا لا نذهب لنودعها؟ لماذا لا نزور قبرها؟ لماذا لا نزور أعمامي وعماتي؟ أبي نريد أن نتعرف على أهلنا قبل أن يموتوا دون أن نراهم مثل جدي وجدتي!! أبي من يحول بيننا وبينهم في تونس؟ تونس التي تحكي لنا عنها، و تقول أنها خضراء وجميلة وأن أهلها طيبون. أجب يا أبي؟ لمَ لا تتكلم؟ احكي يا أبي من فضلك؟؟”.

أين عقلاء نظام العهد الجديد، إن كان هناك عقلاء، حتى أعفى من الإجابة عن تلك الأسئلة ليجيبوا أطفالي عن أسئلتهم و يحكوا لهم الحقيقة بصدق وأمانة، عسى أن تقنعهم إجابة من يدعون أن لا ظلم في تونس بعد السابع من نوفمبر 1987؟ أين هم ليعطوا أطفالي البراعم الأبرياء صورة حقيقية لا تولد لديهم حقدا عن وطنهم البريء وكرها له؟

أين عقلاء نظام العهد الجديد، إن كان هناك عقلاء، ليرفعوا هذه المظلمة على أسرتي، و يرفعوا غيرها من المظالم المسلطة على المواطن التونسي، حتى يتمكن من التمتع بحقه في العيش الكريم بأمن وأمان في بلده؟

ما ذنب أفراد عائلتي الذين يحرمون من أدنى حقوقهم؟ و إلى متى ستستمر هذه المأساة الصامتة التي طالت كل أقاربي بدون استثناء قهرا وظلما؟ و متى يكفون آذاهم عن أسرتي؟ متى يتوقف الترهيب لأهلي؟ متى ينتهي مسلسل المداهمات المرعبة والمخيفة؟ أما تكفيهم وفاة أبي وأمي حزنا وكمدا على فراق فلذة كبدهما؟ أما يكفيهم ما تعرضا له من إهانات وأذى أعوان الأمن أثناء زيارتهم الليلية الاستفزازية والتي لا تخلو من الألفاظ السوقية تجاه من يلقونه كبيرا كان أو صغيرا، رجلا كان أو امرأة؟ تلك المداهمات التي لم تنقطع إلا لتنطلق من جديد، و التي لا زالت مستمرة إلى الآن، رغم خلوّ البيت إلا من النساء؟

نعم هذا ما يحدث في تونس الديمقراطية، تونس الحرية، تونس 2005، تونس بن علي, تونس العهد الجديد.. نعم هكذا تعامل سلطات العهد الجديد مواطنيها. إنها معاناة مرة و مستمرة.

إنني أوجه هذا النداء إلى شرفاء مؤسسات المجتمع المدني، وإلى مناصري المظلومين والمضطهدين في العالم، باسمي و باسم أطفالي و باسم العشرات من أصحاب المآسي و باسم المئات من الأطفال الأبرياء المحرومين من حنان أبائهم المعتقلين وأهليهم المشردين نناشدكم، حتى يسعوا لوضع حد لهذه المأساة المرة و المستمرة منذ 15 سنة.

و ما هذه المأساة في الحقيقة إلا غيض من فيض. فالعديد من المساجين يعانون الموت البطئ، محرومون من أدنى مقومات الحياة البشرية، و العديد من المشردين محرومون من أهاليهم و وطنهم بسبب الظلم و القهر و مصادرة الحرية.

أنني أناشد كل أصحاب الضمائر الحية و كل مناضلي حقوق الإنسان إلى الإسهام في رفع هذه المظلمة على أسرتي، و أناشد كل غيور على كرامة البشر أن يساهم في تخفيف معاناة التجويع و التشريد و الترويع و التعذيب عن عائلتي، و تمكين اخوتي جمعة و عمار قشة، وأخواتي حسنية و وسيلة قشة، و ابن عمي الهادي بن حسين قشة من جوازات سفر وبطاقات هوية ودفاتر للتطبب وكذلك تمكين أبنائي بلال وهدى وعلي قشة من جوازات سفر لزيارة وطنهم .

خميس بن علي قشة، لاجئ تونسي مقيم بهولندا

الهاتف النقال: 0031616044772

البريد الإلكتروني: marhabamarhaa33@hotmail.com