بسم الله الرحمن الرحيم

بات المشروع الاسلامي الوسطي والمعتدل والنابذ للعنف كوسيلة للوصول الى الحكم أو الحفاظ عليه أمام مفترق طرق خطير وحساس في منطقتنا العربية,اذ لم يعد يخفى على أجهزة الحكم أو من يقف وراءها ! من دوائر دعم ونفوذ أن بعض التشكيلات الحزبية التي نرى لها أثر الأذن والعين في أكثر من ساحة سياسية وجغرافية باتت تشكل تعبيرة حية عن احدى جوارح المدرسة الأم بتنظيمها العالمي في اكثر من حاضرة عربية
التناغم الذي أبداه الكثيرون مع ماحققه الاخوان المسلمون في مصر من انتصارات معنوية وسياسية في أدائهم الانتخابي ,بات احدى التمظهرات السياسية لولاء تنظيمي خفي أحيانا ومعلنا أحيانا أخرى مع بيعة لمكتب الارشاد في أم الدنيا .واذا كان المرء لايجد حرجا في تثاقف الأفكار والسياسات والتجارب البشرية في أي نقطة جغرافية من كرتنا الأرضية ,الا أنه يحق للمراقب والمحلل الموضوعي أن يتساءل عن حقيقة مسألة الخصوصية القطرية في العمل الوطني والحزبي ,واذا كانت المعارضات تعيب على الأنظمة ولاءها لجهات خارجية ,فانه وبنفس المقاييس لم يعد من المعقول على بعض الحركات الفاعلة في المنطقة أن تبني برامجها وسياساتها على خطية او استراتيجية تستمد خيوطها فيها من شبكة مركزية ليس من الضروري أن تحمل لها من خلال هذا الولاء المخفي أو المعلن العصمة فيما ترسم! ه من سياسات واستراتيجيات
الحديث اليوم عن الحركات ذات المرجعية الاسلامية بدأ يشق طريقه الى النجاح السياسي من يوم أن تخلصت هذه الأحزاب والهيئات والحركات من نظام البيعة الحزبية المركزية والزعاماتية ,لتستبدله بالولاء للبرامج والأفكار والقيم والطروحات
واذا كتب لبعض الأحزاب أن تفشل اليوم في معالجة ماهو قطري ,فان سببا من أسباب فشلها هو التحليق بتجاربها خارج فضاءاتها السياسية الطبيعية,اذ يجد البعض منها نفسه مرتبكا بين خيارات الاخوان الذين يدين لهم بالولاء المعنوي وبين تجارب أخرى أربكت الساحة الاقليمية وربما حتى العالمية وعلى رأسها تجربتي الجزائر والسودان

التجارب المغاربية في طريقها الى التخلص من عقدة الولاء الى التنظيم الأم

للتدليل على ذلك يمكن القول بأن تجارب المغرب وموريتانيا هي أقرب ماتكون الى التجارب المحلية منها الى التجارب التي تدين بالولاء والبيعة الى التجربة الأم في مصر ,ولعل مايحدث اليوم من اعادة تشكل في التجربة السياسية الحركية في المغرب هو خير دليل على أن تجربة العمل الاسلامي الوسطي في المغرب بدأت تشق طريقها نحو الظاهرة السياسية الانسانية النسبية التي تجتهد اجتهادا متناميا في التفاعل مع كل ماهو قطري تستدعيها له خصوصية نظامها الملكي وخصوصية الحراك الاجتماعي والسياسي في واقعها البشري
واذا كان البعض يرى في تجربة خروج البرلماني محمد خالدي وجزء من مجموعة الاصلاح والتوحيد من رحم العدالة والتنمية خسارة لهذه التجربة الانسانية الناجحة فانني أرى على عكس ذلك في تجربة النهضة والفضيلة التي مازالت في طور التأسيس والانشاء مؤشرا ايجابيا على دخول الحركة الاسلامية المغار! بية في مرحلة ترشيد الممارسة السياسية وعقلنتها وابعادها عن المشاحنات الداخلية وواقع التكتلات التي تتظاهر بالقداسة والطهرية خارجيا ولكنها تخفي وراءها واقع أحزاب داخل نفس الحزب

اننا اليوم نرصد نجاحات أخرى تحققها التجربة أيضا في القطر الجزائري في زمن السلم والوئام المدني والمصالحة الوطنية,بعد أن تعزز واقع التعدد الاسلامي بأكثر من لافتة حزبية نرى فيها المتحالف مع مؤسسة الرئاسة والناقد لها والماشي بين بين
ولم يكن بهذا الصدد خروج ادمي عن ثوب مؤسس النهضة التي أسس لها الشيخ عبد الله جاء بالله ورجالاته ,الا اثراء واضافة تمثلت في حركة الاصلاح الوطني
لم يعد الخطاب اذا يتحدث عن عوالم القداسة والطهارة والنقاوة في معالجة عالم المتغيرات وانما نزل بالتجربة التي أر! ادت منها حركة مجتمع السلم نسخة متماهية مع الخطاب الاخواني الى واقع شديد الديناميكية والخصوصية
لقد كانت تجربة الجزأرة وتيارها داخل الانقاذ هي الأخرى اقرب التجارب الى معانقة الخصوصية الجزائرية عبر التعلق بميراث مالك بن نبي والنزول بالخطاب الى مدرسة الشهيد عبد القادر حشاني الذي كان بلا شك مهندس انتصارات الانقاذ في الانتخابات التشريعية ,وكان الرجل الذي رفض الانخراط في تجارب العمل المسلح وماتحمله من مخاطر جمة واثام في حق الوطن والأبرياء غير أن الأيادي الاثمة لم تكافئه على ذلك الا التخلص من عقله وروحه النابضين اعتقادا منها أن ذلك سيذهب بوهج تجربة هذا الرجل

مذا عن التجربة التونسية ؟
أما عن التجربة التونسية ,فانها اليوم وربما يعود ذلك الى أسباب الا! نغلاق السياسي العام الذي تعرفه البلاد ,فانها لم تعرف نفس الثراء وظلت حركة النهضة التي تمثل تساوقا معنويا واتساقا فكريا مع مدرسة الاخوان المسلمين ولاسيما في عشريتها الأخيرة مهيمنة على الساحة والفضاء السياسي الاسلامي ,واذا سجلت الأشهر الأخيرة ميلاد تجربة اللقاء الاصلاحي الديمقراطي التي يتزعمها الدكتور خالد الطراولي من منفاه الباريسي ,الا أن هذه التجربة مازالت تتلمس طريقها للبحث عن أنصار ومؤيدين وذلكم قد يعود في جزء منه الى نمط تعاطي المعارضة مع هذا الجسم الوليد ,حيث تتعمد في كثير من الأحيان سياسة تجاهل عند القيام على مبادرات سياسية مشتركة تدعى لها كل الأطراف السياسية دون توجيه الدعوة الى صاحب تجربة لقاء الاصلاح الديمقراطي ,وربما يكون أيضا للنهضة في هذا الموضوع دورا غير مقصود حيث تحرص هذه الأخيرة والى حد الان على الظهور بمظهر المتزعم للظاهرة الاسلامية سياسيا دون وجود أي شريك حقيقي يشعرها بالمزاحمة أو المنافسة
ولعل أيضا تقهقر المساحة السياسية في أداء السلطة جعل هذه الأخيرة ترفض في تشنج ملحوظ التعاط! ي مع كل ماهو اسلامي ومعارض,ومؤمن بخصوصية القطر وحريص على استقرار البلد ووطنية الخيارات فيه,اذ مازلنا اليوم نرصد تشجيع ظواهر خطيرة تنشط في اطار غير شرعي من شأنها ان تشوش على جميع التونسيين يوم أن تجد البلد نفسها أمام انفتاح سياسي
اليوم نرصد في تونس ظواهر التشيع الوافدة علينا من روافض المشرق تعمل في سرية وهدوء يرى البعض أن للسلطة مسؤولية فيه وخاصة بعد أن عمدت هذه الأخيرة الى تطبيع علاقاتها مع الطرف الايراني أيام انتقال بعض خيوط السلطة الى الرئيس السابق محمد خاتمي
البعض الاخر يتحدث عن سلفية متشددة وربما مكفرة في أحيان أخرى باتت تتربص بوسطية الصحوة الثانيةو ومظاهر الاعتدال فيها
واذا كانت السلطة في الأردن اختارت محاصرة هؤلاء عبر الانفتاح على التيار الاخواني وجبهة العمل الاسلامي ,فانه يحن للبعض أن يقول بأن السلطة في تونس اختارت محاصرة التيار الوس! طي والذي يزاحمها ويحرجها سياسيا عبر السكوت على ظواهر التنطع في الدين أو تشجيع غلاة الشيوعيين من الذين اختاروا التحالف مع الأنظمة الاقطاعية الموغلة في الرأسمالية الفاحشة
ان مسألة الخصوصية القطرية في الحديث عن أي تجربة سياسية قد تحتم على السياق التونسي اعادة النظر مركزيا وكليا في جدوى احتكار حزب ما للظاهرة السياسية ذات الخلفية الاسلامية ,واذا كان الدستور التونسي بعد أن نقح يوصد الباب ظاهريا على الأحزاب ذات الطابع الديني والاسلامي ,الا أنه وأمام أي أفق للانفتاح السياسي وهو مانرجحه بعد حين قد تجد الظاهرة من جديد نفسها امام نفس السؤال وهو مامدى جدوى أن تكون النهضة لوحدها لاعبا اسلاميا وحيدا وواحدا في الساحة التونسية بينما تجاوز اخرون في الجزائر والمغرب وموريتانيا هذا الاشكال منذ الثمانينات على الأقل ,ولعله لايكون خافيا على الجميع أنه مع كل تجربة فشل سياسي تحملها النهضة معها, يكون الجسم المنعوت بالصفة الاسلامية عرضة لنفس الاضطهاد الذي تتعرض له النهضة وتشكيلاتها الطلابية او الش! بابية أو الجمعياتية

كيف ستكون اجابة الحركة الاسلامية في تونس على احتكار تمثيل الساحة الاسلامية وهل ستخرج الحركة من شمولية الطرح الذي يلامس كل تشكيلات المجتمع وتعبيراته الحية؟ أم أن تجربة الاخوان وعلاقتهم مع حزب الوسط عبر اضعافه وتهميشه ستكون تجربة أخرى تشهدها الساحة الوطنية اذا ماأقبلت على مناخات سياسية جديدة ؟
هل ستوفق الحركة الى معالجة القضايا السياسية ضمن رؤية تخصصية حزبية محترفة ؟ أم أن الحركة ستصر على اصطحاب نفس أشكال تنظمها القديمة لتكون جسما دعويا ونقابيا وسياسيا وثقافيا يلامس كل قطاعات المجتمع في شكل حزب اخواني لايريد أن يتخلى عن صبغته الشاملة وربما قد يقول البعض الشمولية؟
أسئلة قد تحمل الأشهر القادمة اجابات حاسمة عنها ,ولعل محطة المؤتمر ال! سابع للحركة فرصة لاعادة النظر في هذه القضايا الشائكة التي ارقت ذهن نخب الحركة وذهن المعنيين بالشأن العام منذ أن وقعت النهضة التونسية في منزلق مواجهة بداية التسعينات

مرسل الكسيبي
كاتب تونسي مستقل مقيم بالمنفى
reporteur2005@yahoo.de

في الأول من ذي الحجة1426 ه