قراءة في قضية أيوب الغدامسي نائب الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس
المحروم من حقه الشرعي والقانوني في الترسيم

ما أحوجنا اليوم، وفي هذه البلاد، إلى أديب عظيم ومثقّف فاعل في مجتمعه بحجم إميل زولا، ليقف في معشر الأطراف السياسية المتسرطنة في جسم الاتحاد العام لطلبة تونس، هاتفا فيهم بكلمته المشهورة “إني أتّهم J’accuse !”.
فتحامل الكثيرين من معاديي اليهود والحياد المشبوه للعديد منهم إزاء قضية النقيب دريفوس التي هزّت فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر لأمر يشبه إلى حدّ كبير تعامل جلّ المكونات السياسية للحركة الطلابية التونسية (التي وقفت ساكنة منذ زمن، إذا همّت بالحراك تخبّطت عبثًا فضرب بعضُها بعضًا) مع ملف أيوب الغدامسي الراهن والعالق، تعاملا ينوس بين التحامل المضمر والتخاذل المجهر، تشحذ مواقفَهم في ذلك معاداتُهم الأزلية ـ المقنّعة تارة والسافرة أطوارا ـ للمستقلّين.

فأيّوب اليوم بين مطرقة السلطة وسندان الأطراف المعارضة بالجامعة (والعكس جائزأحيانا) اللذين أوقعاه بينهما يريدان تقمص دور الإله الذي أذاق أيوب الأمس الاسطوري الغابر ألوانا من العذاب؛ متناسين جميعا أن الإله كان يفعل ذلك من أجل امتحانه. أما ماعون الحدادة السياسية الطلابية فكل مراده ومناه، هو منع أيوب من الامتحان الجامعي.
فأيوب الغدامسي وكما تنص عليه العرائض المساندة لقضيته والممضاة من قِبل مئات الطلبة ومن قِبل ما يزيد عن مائة عضو في اللجنة الوطنية لمساندته والمتكونة من محامين ونقابيين وأساتذة جامعيين، مطرد بفعل قرار تعسفي من جامعة المنارمنذ صيف 2004 لكنه محروم من حقه القانوني الذي لا جدال بشأنه في الترسيم بكليات الحقوق والعلوم القانونية الأخرى بجامعات قرطاج وسوسة وصفاقس.
تضاف إلى هذه المعطيات أن عضوا آخر في المكتب التنفيذي الذي يشغل فيه أيوب الغدامسي خطة نائب الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس (المؤتمر 24) كان قد أطرد من كل جامعات الجمهورية في نفس القضية التأديبية التي أحيل فيها أيوب، غير أن هذا الطالب “المتمتّع بالحصانة التنظيمية”( بحكم انتسابه إلى طرف سياسي مهيمن على هياكل اتحاد المؤتمر 24) يدرس منذ أكتوبر 2004، ومن حسن حظه الذي لا يحسد عليه، في كلية العلوم القانونية والسياسية نفسها التي أغلقت بابها دون أيوب الغدامسي.

فما هي ذنوب أيوب الغدامسي التي تؤخذ عليه وأي عدوى خطيرة تُخشى منه على الجامعة حتى يبات خارج أسوارها “كالبعير المفرَّد” ؟

الذنب الأول:
أيوب الغدامسي لا يمتثل لأي مجموعة سياسية ولا ينضبط لأيٍّ ممّن أطلق عليهم لمجد الجملي على أعمدة “الطريق الجديد” اسم “أمراء الحرب”، فهوإذن منتسب إلى تلك الفئة النقابية المضطهدة في الاتحاد العام لطلبة تونس: المستقلون والذين يعاب عليهم تحكيم العقل والمبادئ الشخصية إزاء ملفات الاتحاد عوض الاحتكام لرأي” حكيم” يخضع بدوره إلى منطق التحالفات والصفقات من أجل تكريس مصالحه الشخصية و/أو الحزبية على حساب قضايا الطلبة.

الذنب الثاني:
أيوب الغدامسي نائب الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس (المؤتمر 24) وهو ما يجعل تحامل بعضٍ وتخاذل بعضٍ آخر من مناضلي وهياكل مؤتمر التصحيح مشروعا في نظرهم بكونه منخرطا في مؤتمر يرون أنه “انتهازي وغير قانوني”، ناسين في غمرة عصبيّتهم أن أيوب الغدامسي وكاتب هذه السطور قد أعلنا مرارا وكتابة موقفهما من المؤتمر24 ومن تجاوزات الأمين العام وجماعته المتتالية والتي لا حصر لها ولا نهاية، وأن مشاركتهما في قيادته لم تكن إلا محاولة للإصلاح من الداخل كما اختارت مجموعة التصحيح الإصلاح من الخارج، على طريقتها، ولا أعتقد في أية صورة على كل حال أن أحدا قد نجح في إصلاح ما تعطل في الاتحاد.

الذنب الثالث:
أيوب الغدامسي هو آخر من كان (ولا يزال) يرغب عز الدين زعتور في أن يكون له نائبا. فمنذ أول جلسة للمكتب التنفيذي لم ينفك المستقلون عن توجيه نقد عنيف للأمين العام وجماعته فيما يخص على الأقل محورين أساسيين: الشفافية المالية المنعدمة، والاحتكار اللاديمقراطي المقنّع من قِبل الأمين العام، خاصة، لسلطة القرار. هذا النقد الذي صار محرجا فمزعجا لزعتور وجماعته خاصة بعد أن اتخذ شكلا علنيا ومنشورا. تبعا لذلك، توجب على الأمين العام التخلص من المستقلين في أقرب فرصة، وهو مالم يتوان عنه بتاتا لما سنحت له هذه الفرصة في شخص نائبه أيوب الغدامسي.
وما يرسّخ عندي وعند الكثيرين هذا الرأي موقفه من إصرارنا على حضورأيوب الغدامسي على الأقل، ضمن وفد المكتب التنفيذي خلال لقائه مع السيد وزير التعليم العالي ليطرح في جملة الملفات قضيته، فقد آثر زعتور تأجيل موعد اللقاء وتحديد موعد سرّيّ لاحق إمعانا في إقصاء أيوب الغدامسي والمستقلين.
وأما القطرة التي أفاضت الكأس، فهو البيان الأخير الذي أصدره الأمين العام تحت قناع المساندة بعد أن أحرجته تحركات الطلبة المساندين لاعتصام أيوب الغدامسي، والذي ورد فيه الخبر الزائف الذي مفاده أن كلية العلوم القانونية والسياسية قد قبلت مطلب أيوب الغدامسي في الترسيم لسنة 2004/2005 غير أنه قد رفض حينها. وهذا الامر باطل قد أريد به باطل لأن المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية تعرف جيدا أن مطلب أيوب الغدامسي قد قوبل بالرفض كما أن ملفّه لم يحل على جامعة قرطاج 7نوفمبر إلا في هذه الأيام حسب قول سلطة الإشراف بالإضافة إلى ان هذا القبول إن تم في السنة الماضية فمالذي يحول دون تجديده؟

الذنب الرابع:
أيوب الغدامسي لم يستقل عن واجبه تجاه االاتحاد رغم ما يهدد مستقبله. فقد أمضى مع ثلاثة من أعضاء المكتبين التنفيذيين المستقلّين نصا حول تصور إعادة بناء الاتحاد بتحكيم قواعد الجمهور الطلابي وهو ما يتنافى مع تصورات كل الأطراف السياسية لما يسمى بمبادرات التوحيد والتي تلتقي جميعا حول الحلول الفوقية و قسمة الكعكة مسبقا بين الأطراف وفق تحالفاتهم، بعيدا كل البعد، كالعادة، عن خيارات عموم الطلبة الذين لم يسعفهم التطور الدارويني بـ”الوعي السياسي”.

الذنب الخامس:
أيوب الغدامسي اعتصم مدة الأسبوع الأول من ديسمبر مع مجموعة من مناضلي الاتحاد ومن الطلبة المساندين لقضيته داخل كلية العلوم القانونية والسياسية، من أجل المطالبة بالترسيم في أي كلية حقوق بالجمهورية التونسية ولم يفكّ هذا الاعتصام إلا بتدخّل (سلمي) لقوات الأمن التي يبدو أن الأمر لم ينته بالنسبة إليها بما أنها قد استدعته واستجوبته في شأن أعمال عنف وتخريب ملفّقة تزعم أنها قد رافقت الاعتصام…

وهكذا لا تزال المطرقة تنهال على أيوب الغدامسي والسندان يستقبله متلذذا بعذابه…غير أن ذنوبه الخمسة هذه ليست سوى براويز نجمة الاتحاد التي تشع من جبينه رغم كل من يحاولون طمسها…

ولي أن أذكر بمرارة، وفي غياب أديب عظيم ومثقّف فاعل في مجتمعه وخمود الحركة الطلابية، أمثولة الذئب والحمل، حيث لما لم يجد الذئب للحمل ذنوبا تبرر افتراسه له، قال:
ان لم تكن أنت فهو ابوك أو ابن عمك أو أحد أبناء عشيرتك التي ترعى مستقلة في هذا البستان، تنفر من كل قطيع يسير وراء عصا راع ٍ…
عسى أن يفتدي كبش عيد الأضحى أيوب الغدامسي، إذا مازلنا، وإلى اليوم نحتاج أكباش فداء…

غسان عمامي
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس (المؤتمر 24)- مستقل