بقلم دانيال ويليامز
الواشنطن بوست، 31 مايو 2006
ترجمه من الأنجليزية سامي بن غربية
قبل سنة كان علاء سيف الإسلام واحدا من المدونين المصريين الذين تعودوا على سرد حياتهم على الإنترنت. يكتبون الأشعار، و يقدمون النصائح المتعلقة بالشبكة و يساعدون وكالات الإغاثة الخاصة على إستخدام الأنترنت. لقد كانوا أبعد ما يكون عن دنيا السياسة.
و في يوم 25 مايو 2005 شاهد علاء سيف الإسلام كيف أعتدى مؤيدون للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر على سيدة [1] شاركت فى مظاهرة مؤيدة للإصلاح كانت قد جابت شوارع العاصمة المصرية القاهرة. قام يومها رجال الأمن بضرب علاء الذي سارع بالتدخل ثم انتزعوا منه حاسوبه المحمول.
تحولت مدونة علاء بعد ذاك الحادث لتهتم بالشأن السياسي. و لم تقتصر التدوينات على التشهير بالأوضاع السيئة التي تعيشها مصر تحت حكومة حسني مبارك بل ذهبت أبعد من ذلك لتندد بالأساليب القمعية ولتتحول إلى فضاء تـُنظـّم فيه الإحتجاجات العامة.
شارك علاء في مظاهرة تضامنية مع قاضيين إصلاحيين حوكما من أجل تشكيكهما في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر نوفمبر من العام الماضي. و قد استخدم رجال الأمن الهراوات في قمع المظاهرة و قاموا باعتقال 12 ناشطاً سياسياً من بينهم علاء، و زُج بهم في السجن حيث لا يزالون يقبعون.
من بين 300 معتقل الذين تم أعتقالهم خلال الحملة القمعية للإحتجاجات التي شهدتها مصر في الأشهر القليلة الماضية، يوجد على الأقل 6 مدونين. و حسب عدد من المتعاطفين معهم فإن قوات الأمن قد استهدفتهم بعد أن تمت الإشارة عليهم من طرف أعوان كانوا يترصدونهم. فقاموا بعزلهم عن بقية المتظاهرين ليقتادوهم فيما بعد بعنف إلى مخافر الشرطة. و يرى بعض المراقبين لحقوق الإنسان أن السلطات المصرية قد بدأت تعير اهتماما بالنشاط السياسي على الأنترنت، و هي بصدد القيام بإجراءات للجمه.
و أفاد السيد جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنّ ” التدوين ظاهرة جديدة إلا أنها سريعة النمو. و النظام من جهته يراقب هذه الحركية التي لا تروق له .”
الوضع القانوني للمدونين و غيرهم من المعتقلين يسبب قلقا لذويهم و لأصدقائهم. فقانون الطوارئ، الذي ظل سارياً في مصر منذ 25 سنة، يـُخوّل الإبقاء على المدونين رهن الاحتجاز لفترات طويلة دون أية محاكمة. و رغم أن القانون المصري الإستثنائي قد حدد مدة الحجز على ذمة التحقيق ب 15 يوماً، فإن العديد من المعتقلين قد أمضوا، بموجب قانون الطوارئ، أكثر من 10 سنوات رهن الإعتقال.
و من بين التهم الموجهة ضد علاء سيف الإسلام، إهانة رئيس الجمهورية، حسني مبارك، الذي يتربع على العرش منذ ربع قرن.
“اليوم تألمت. أنا فعلا في السجن” كتب علاء من سجنه في رسالة نشرتها زوجته على موقعهما يوم 10 مايو الفارط.
” كنت قد قلت أن السجن ليس كما كنت أتوقعه، و في الحقيقة لم تكن لديّ أيّة توقعات. لا صورة و لا حتى مخاوف، لا شيئ. أعتقد بأنني بحاجة إلى بعض الوقت حتى تتضح لي الصورة. و أتوقع أني سأقضي هنا مدة لا تقل عن الشهر. مدة بالتأكيد كافية للتعرف على الأوجه البشعة للسجن ، و كافية لأن تسبب لى إنهيارا. ”
وردا على هذه التدوينة كتب أحد رفاقه يدعى حسن مُطمئنا ” إن علاء بخير فهو كان قد سمع قصة أبيه في السجن، و هو يعلم جيدا أنه يجب عليه التأقلم مع هذا الوضع الجديد.”
فقد كانا والدي علاء من المناضلين المعروفين الذين ركزت مقاربتهما في تغيير الأوضاع في مصر على اللقاءات المطوّلة مع من يشاطرونهم الرأي ممن كانوا يروجون للشعارات اليسارية و ينظمون مسيرات قمعها النظام آنذك بوحشية. و خلال الثمانينات من القرن الماضي قضّى والد علاء 5 سنوات في السجن.
تقول والدة علاء ليلى سويف أن ابنها ” طالما كان ينتقد المقاربة التي توخاها جيلنا، إذ لم نكن وقتها مستقلين و كنا ننتمي إلى أحزاب سياسية. أما علاء فلا يطالب إلا بحريته في التعبير، إنه يريد أن تكون مصر كغيرها من البلدان.”
يقتفي اليوم علاء أثر أبيه ، على الرغم من استخدامه للشبكة قصد بلوغ هدفه. و قد منحت منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية بالحريات الصحافية في العالم لمدونته التي يديرها مع زوجته منال حسن، جائزة أفضل مدونة لحرية التعبير لسنة 2005.
يقدر مراقبو الأنترنت عدد المدونين المصريين ب 1000 مدوّن و يرون فيه رقما ضئيلا مقارنة بإيران التي تـُعادل مصر من حيث التعداد السكّاني إلا أن عدد المدونين فيها فات 75.000 مدوّن. هذا و يعتبر عمرو غربية أحد أبرز المدونين في مصر أن عدد المدونات المصرية سجل نموا بنسبة 50% خلال 6 أشهر المنصرمة . [2]
الصيف الماضي إقترح علاء بادرة للتديل على جدوى الأنترنت عندما قام بتنظيم تجمع في ميدان السيدة زينب حشد مئات من المتظاهرين [3]. المكان لم يكن معهودا لهذه التطاهرات التي غالبا ما كانت تــُنظم قـُبالة مباني حكومية أو أمام مقرات نقابات المحامين و الصحفيين.
و يقول والد علاء، أحمد سيف الإسلام، المحامي ومدير مركز هشام مبارك للقانون إنّ ” هذا الجيل من الشباب أوسع خيالا منا. فنحن لم نُـفكر يوما في تنظيم تظاهرة أمام ضريح وسط حيّ شعبي”.
لقد قام دلو علاء و منال أيضا بتغطية أحداث لم تنقلها الصحف المصرية المستقلة. فخلال الصدامات التي شهدتها الإسكندرية بين أقباط و مسلمين على أثر عمليات الطعن بالسكين التي استهدفت عددا من مرتادي الكنائس، جاب علاء المدينة و غطى تغطية مفصلة لأحداث العنف الطائفي. وترى زوجة علاء ،منال حسن، في هذا ” أسلوبا من أساليب الصحافة الأهلية التي يجب المحافظة عليه.”
و قد كان للإلتقاء الذي وقع بين هراوات الشرطة و المدونين وقعا كبيرا على ناشطي الأنترنت في مصر. فحسب مراقبي تجمّع المدونين المصريين تنتمي غالبية هذا الجيل إلى الطبقة الوسطى و هي تأمل في توفير متسقبل مهني لها. و يمثل هؤلاء الشباب شريحة إجتماعية طالما وصفها النظام ب”مستقبل مصر”.
و على سبيل المثال فقد درس أحمد الدروبي البيلوجيا و العلوم السياسية ثم عمل مستشارا بيئيا. وقد اعتقله رجال أمن يرتدون الزي المدني في وقت متأخر من أحدى ليالي شهر أبريل وهو يلعب بكرة القدم رفقة مجموعة من الشبان الذين احتشدوا تضامنا مع القضاة الإصلاحيين.
و تقول سلمى سعيد التي كانت حاضرة ساعة اعتقال صديقها أحمد الدروبي ” لقد صدمتني الحادثة كثيرا. إننا لم نكن نتوقع أن يحصل هذا خاصة منذ أن تم التسامح لفترة مع المظاهرات. لقد تعلمنا الآن أن كل شيء ممكن. إنه أمر مخيف.”
مالك مصطفى المدوُن الآخر الذي تمّ الزج به في السجن بتهمة إزدراء الرئيس و تعطيل المرور و الإخلال بالأمن العام، صاحب مدونة متميزة بالتسامح في تعاطيها مع القضايا الدينية. و هو ينتمي إلى حزب الوسط المنشق عن حركة ” الإخوان المسلمين” االمحضورة. و يقدم حزب الوسط نفسه على أنه بديل ليبيرالي داخل منظومة الإسلام السياسي. و قد دافع مالك مصطفى عن حق البهائيين في المطالبة بالاعتراف بهم قانونيا. غير أن حركة ” الإخوان المسلمين” التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر تعارض ذلك وتـُكفرأتباع هذه الطائفة.
وقد وقع إلقاء القبض على مالك مصطفى يمو 27 أبريل الفارط خلال مظاهرة مساندة للقضاة الإصلاحيين. و يرى جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن “استهداف المدونين لم يكن صدفة.”
و أتهم محمد الشرقاوي أحد المدونين الذين اُعتقلوا مؤخرا رجال الأمن بالتحرش به جنسيا في حين أكد جمال عيد أحد محامي هيئة الدفاع عن المدونين أن وكيله الشرقاوي تعرض للتعذيب بشكل وحشي على أيدي قوات الشرطة بعد اختطافه من مظاهرة جابت شوارع القاهرة يوم الخميس الفارط.
و يبدو أن التغطية الإعلامية للإحتجاجات الأخيرة و التي روفقت بصور للإعتداءات و الإعتقالات التي طالت المتظاهرين و التي ظهرت على الصحف المصرية وعلى الفضائيات العربية و الأنترنت أقلقت الرئيس حسني مبارك. ففي حوار أجراه مع صحيفة ” الجمهورية ” الحكومية نُشر يوم الثلاثاء الماضي وصف مبارك المظاهرات بكونها ” دليل على الديمقراطية” المصرية غير أنه أكد أن هذه التغطية للأحداث تعكس ” نية سيئة و رغبة في بلوغ أغراض شخصية.”
و يرى حسني مبارك “أنه يمكن اعتبار أغلب ما يـُكتب جريمة يعاقب عليها القانون لأنها تحتوي على الثلب و انتهاك للحرمات والمقدسات.” و في تلميح إلى ما يراه في شخصه كصاحب فضل في ما تعيشه مصرمن أجواء حرية تعبير أضاف قائلا : “إذا كانوا يعتقدون أن ما يقومون به ممارسة لحريتهم فيجب عليهم أن يتذكروا من ذا الذي منحهم هذه الفرصة و من ذا الذي يحرص على أن تدوم.”
[1] الدكتورة ليلى سويف التي تبين فيما بعد أنها أم علاء-راجع في هذا الغرض نص عمرو غربية : الحركة بركة
[2] راجع التصحيح الذي أدخله البارحة عمرو غربية : المدونات المصرية تتضاعف مرة كل ستة أشهر، إذن الزيادة 100% وليست %50.
[3] أنظر أيضا : تعالوا نكنس عليهم السيدة، عمرو غربية، بتاريخ 11 يونيو 2005.
iThere are no comments
Add yours