16 ذكرى ليوم الاعلان العالمي لحقوق الانسان مرّت على عبد الكريم الهاروني و هو في السّجون التّونسيّة و لم يقع اطلاق سراح الهاروني و تمتيعه بحقوقه كاملة و خاصّة منها المدنيّة و السّياسيّة
رسالة عبد الكريم الهاروني الى عائلته
السّجن المدني بالمرناقيّة
في 9 ذو القعدة 1427
30 نوفمبر 2006
بسم الله الرّحمان الرّحيم
و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمين.
أبي الحبيب’اخوتي الأعزّاء
أهلي الكرام
السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الله أكبر’الله أكبر’الله أكبر-”انّا لله و انّا اليه راجعون
اللّهمّ ارحم عمّي العزيز عثمان رحمة واسعة وارزق أهلنا صبرا جميلا و عظّم أجرهم و أحييهم حياة طيّبة و أطل أعمارهم في طاعتك و بارك في ذرّيّتهم واجعلهم من عبادك الصّالحين المصلحين و أسعدهم في دنياهم و أخراهم انّك سميع مجيب يا أرحم الرّاحمين يا ربّ العالمين
قال الله تبارك و تعالى :”ولمن صبر و غفر انّ ذلك لمن عزم الأمور” صدق الله العظيم
قال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم :”انّ لله ما أخذ و له ما أعطى و كلّ شيء عنده بأجل مسمّى فلتصبر و لتحتسب
أبي العزيز : في الوقت الّذي كنت تأمل في عودة ابنك السّجين بعد خمسة عشر سنة من الاعتقال و النّضال لعلّ ذلك يخفّف عنك و عن اخوتي الحزن العميق الّذي خلّفه الفراق الصّعب لزوجتك العزيزة و رفيقة دربك الوفيّة و أمّنا و حبيبتنا و سيّدتنا الفاضلة و المناضلة رحمها الله رحمة واسعة’ اقتضت مشيئة الله و حكمته أن يبقى ابنك رهينة في السّجن الى أجل غير مسمّى و أن يحين أجل أخيك العزيز عمّي عثمان تقبّله الله بواسع مغفرته و رحمته و أسكنه فراديس جنانه و رزق زوجته الفاضلة و أبناءه و بناته الأعزّاء و أحفاده و حفيداته الطّيّبين صبرا جميلا و حياة طيّبة و سعادة دائمة في الدّنيا و الآخرة. أمام هذا الابتلاء العظيم و الامتحان الكبير فانّي لاأبالغ حين أسمّي هذا العام بعام الحزن و لا أجامل عندما أعلن أنّي جذّ فخور بما رأيته منكم من ايمان و صبر و تعاون و تضحية و ايثار’فأنا منكم وأنتم منّي يا أهلي الأوفياء الأقوياء الرّحماء فأبشروا بوعد الله الصّادق:”انّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب”جعلكم الله من المتّقين و الصّابرين و المحسنين”انّه من يتّق و يصبر فانّ الله لا يضيع أجر المحسنين” و انّي على ثقة أنّ المحن لن تزيدنا الا قربا من الله و حبّا لبعضنا و رفعة بين النّاس و عزما على أن نعيش بكرامة و شرف و استقامة و نجاح اكراما لموتانا و احتراما لأنفسنا و احسانا لقومنا و ارشادا لذرّيّتنا من بعدنا و قبل ذلك و بعده ارضاء لربّنا عزّ و جلّ الّذي أنعم علينا بالحياة و جعل في الموت حكمة و عبرة و سموّا بالانسان على الحيوان فأ قبلوا يا أهلي على الحياة بما يحقّق سعادتكم في هذه الدّنيا و في الآخرة فيبدّل الله حزننا فرحا و عسرنا يسرا رغم الموت و السّجن و مختلف مصاعب الحياة”لا يكلّف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا”.و الله معنا يوفّقنا و يحفظنا و يرعانا و لنبدأ بالاحتفال بذكرى ميلاد أبينا الفاضل و المناضل الخامسة و السّبعين برّا بوالدينا و اكراما لستّ الكلّ رحمها الله و اعترافا بالجميل “للمعلّم” حفظه الله’ جعله الله من خير النّاس الّذين قال فيهم نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام”خيرالنّاس من طال عمره و حسن عمله” فمع كلّ يوم تطلع عليه الشّمس يزداد أبي الحبيب بيننا قدرا و مسؤوليّة و مكانة في قلوبنا و حياتنا و عائلتنا و بلادنا فأنت يا أبي العزيز عمر بفضل الله كبير العائلة و قدوة حسنة لأعمامي و عمّاتي و أبنائهم و بناتهم تسأل و تنصح و تزور و تساعد و تحسن ما استطعت الى ذلك سبيلا وفاء لوالديك العزيزين جدّي خالد و جدّتي زينب رحمهما الله رحمة واسعة و جعلهما من أهل جنّته. فبلّغهم جميعا تحيّاتي الحارّة و تعازيّ الصّادقة و دعواتي الخالصة و أشواقي الدّائمة للقائهم في أقرب الآجال و هم في أحسن الأحوال.
أبي الكريم’ اخوتي الكرام : لعلّ من بركات أمّي الحبيبة السّيّدة رحمها الله أن جعلها الله سببا للخير و الرّحمة حيّة و ميّتة تجمع و لا تفرّق’ تقرّب و لا تبعد’ فقد كان موكب دفنها فرصة ثمينة لي للقاء مباشر و مؤثّر لعمّي عثمان رحمه الله في مدخل المقبرة بعد أكثر من ستّة عشر سنة كاملة بحكم السّجن و قبل حوالي ثلاثة أشهر فقط من التحاقه بالرّفيق الأعلى فالحمد لله الّذي يسّر لي رؤيته و جازاه الله خير الجزاء عنّي و عن والدتي و عن أبي و اخوتي لحرصه على الحضور عند الجنازة رغم المرض و الله أسأل أن ييسّر لي لقاء زوجة عمّي و أبناءه و بناته حفظهم الله و هم في أحسن حال فنصل الرّحم و نتعاون على البرّ و التّقوى. انّي على ثقة يا أهلي الكرام أنّكم قمتم بالواجب عند وفاة عمّي رحمه الله حتّى تردّوا التّحيّة بأحسن منها و فاء له و اكراما لأهله. و قد شاركتكم في سجني بالدّعاء له في صلاتي باللّيل و النّهار و قراءة كتاب الله العزيز ترحّما على روحه الطّاهرة رحمه الله رحمة واسعة و أسكنه فراديس جنانه انّ ربّي غفور رحيم.
أهلي الأوفياء : مهما طال الزّمن و شغلتنا الحياة فلن ننسى كلّ الّذين أحببناهم و كلّ من له فضل علينا من أهلنا’ لذلك اخترت يوم الثّلاثين من نوفمبر تاريخا لهذه الرّسالة لأنّه يوافق الذّكرى السّابعة لوفاة العزيزة علينا جدّتي العزيزة عزيزة رحمها الله و الحمد لله أنّها توفّيت و هي راضية عن أمّي و عنّا و نحن راضون عنها و الله نسأل أن يرضى عنّا جميعا. فقد كانت رحمها الله دائمة الدّعاء لي بقولها :”الله يعلّيك على من يعاديك
اخوتي الطّيّبون : لقد سعدت كثيرا بوصول رسالة أختي الفاضلة هندة بمناسبة عيد الفطر المبارك وفّقها الله ثمّ رسالتي زينب و محمّد أنور مع رسالة أختنا الكبيرة الحنون كريمة حفضها الله و بارك لنا في أبنائها الرّائعين. فشكرا جزيلا على كلّ الكلمات الطّيّبة في حقّ الله و رسوله و حقّ أمّنا و أبينا.و حقّ اخوتي و أبناء أختي نزلت على قلبي بردا و سلاما و ان شاء الله أكون في الموعد برسالة الاحتفال بذكرى ميلاد أختي التّوأم كريمة أعزّها الله فهي و أبناءها أهل لكلّ خير’ و كلّ عام و أنتم جميعا بخير
أبي المناضل : فصبر جميل و الله المستعان انّي بخير و الحمد لله صابرا صامدا أقول لك في الختام ما قال اسماعيل لأبيه ابراهيم عليهما و على نبيّنا الصّلاة و السّلام :”يا أبت افعل ما تؤمرستجدني ان شاء الله من الصّابرين” و الله أكبر ودمتم في حفظ الله و السّلام.
كريم
جعلك الله من الصابرين أيّها الأخ الفاضل الكريم وإنّي لأحسبك ممن أحبّهم الله جلّ جلاله بسبب هذا الابتلاء الكبير والله أسأل أن يجمعك قريبا بأسرتك الكريمة والله المستعان
لو كنت مكان هذل الرجل لفكرت في الهروب من هذا السجن الكبير الذي اسمه تونس ولو كنت مجاورا لبلدك لعرضت عليك المساعدة ولا ينبغي السكوت ،على حياة أفضل منها الموت.