(2/2)

عبد
الرحمان الحامدي:

أواصل
على بركة الله الرد على مقالي الدكتورة
رجاء بن سلامة؛ الختان و الحجاب
؛ و لن أدخل معها في نقاش حول تمشيها في
الفصل بين ما هو ديني و ما هو ؛؛حداثوي؛؛
ديمقراطي فيما يتعلق باللباس و قولها في
المقال الأول بأنه على مناصري الحجاب أن
يختاروا بين أن يكون الحجاب
(مجرد لباس)
و بين أن يكون
(فريضة).

إذ أن
كلاما كهذا يحيلنا إلى مرجعية الفصل بين الدين و
الدنيا في تفكيرها بما هي مرجعية التفكير
اللآئكي التي تفوح من مقالها الأول و الثاني
لتعطي ما لقيصر لقيصر وما
لله لله؛ وإذا كان الفصل بين الديني و الدنيوي
خيارها فذاك شأنها قال تعالى (ولكل وجهة
هو موليها فا ستبقوا الخيرات) صدق الله العظيم

الدكتورة
تعلم؛ فيما أحسب؛ أن منهج الفصل بين ما
هو ديني وما هو دنيوي مرده في التفكير الغربي
إلى تلك الصيرورة التاريخية:

Processus historique

التي جعلت
الكنيسة ولمدد طويلة
تسطو على كل مناحي الحياة في أوروبا بما
فيها الإدعاء بأن الدين هو مصدر كل العلوم
فكان الحرق من نصيب العالم
غاليلي كنتيجة منسجمة لتدخل الكنيسة زورا
وبهتانا فيما ليس من إختصاصها وإني
أتحدى من يثبت لي و لو بمثال يتيم أن الإسلام
حارب العلم و العلماء أو تدخل فيما يعني
الإنسان من هذا الجانب
ولا يسعني إلا أن أحيل من يريد الإطلاع
على كتاب المفكرة الألمانية زيغريد
هونكة المعنون ب شمس العرب تسطع على الغرب وهي شهادة على سبيل
المثال لا الحصر تأتي من الغرب اللآئكي
التي جعلت الدكتورة من آليات تحليله
للأمور مرجعيتها في فهم التراث الإسلامي
عوضا عن فهم هذا التراث من داخل منظومته
المتناسقة في إطار من صيرورته التاريخية
المختلفة طولا وعرضا عن الصيرورة التاريخية
للتاريخ الأوروبي والتي كان من نتائجها
إقصاء الدين من الحياة العامة بل والخاصة
للإنسان الأوروبي!

في بداية
المقال الثاني تقول الدكتورة:


هناك مظهر أخر خفي من مظاهر الفاشية الإسلاموية (هكذا)
يتمثل في منع المعرفة غير الدينية عن الدين
و إعتبار رجال الدين وحدهم مؤهلين للخوض
فيه ).

حقيقة
يحتار اللبيب أمام هذا الربط بين الفاشية
وموضوع منع المعرفة غير الدينية عن فهم
الدين لشرحه فلست أدري هل أن الدكتورة
ستحشرني مع الفاشيين إذا ذكرتها على سبيل
المثال بأن لكل علم قواعده و ضوابطه و أصوله
و مختصينه وليس متطفليه؛ وهو ما أظن؛ وبعض
الظن إثم؛ أن الدكتورة تقره لكافة العلوم
إلا للعلوم الدينية و الشرعية
والتي لن تتردد بإسم حرية التفكير وديمقراطيةالبحث
العلمي في أن تسمح؛ لكل من هب و دب؛ في الخوض
فيها(أي العلوم الشرعية) دون إمتلاك المعارف
اللآزمة و الأدوات الضرورية فضلا عن
ضرورة إخضاع منهجية الفهم الديني إلى
منظومته الداخلية ونسقه الفكري المتناغم
مع إطاره الثقافي و اللغوي
الأسلوبي والتاريخي تجنبا لداء عضال
في البحوث الأكاديمية إسمه الإسقاط

La projection

بحيث أن
منهجية البحث إذا لم تأخذ بعين الإعتبار
كل هذه المعطيات المحيطة بالمسائل المدروسة
تكون النتيجة عبارة عن عمل ممسوخ للمسألة؛
مفرغا لها من معانيها
؛مجانبا لما هو موضوعي؛ وهو ما أخرجته لنا
الدكتورة؛ برأيي؛ عندما أثارت قضية الحجاب
و قرنته بموضوع الختان غصبا و إنسجاما مع
ضرورة المنهجية والمرجعية الفكرية
اللتين إختارتهما في المقالين ليخرج
لنا المولود في صورة مشوهة!!!

أمافي
معرض حديثها مجددا عن مظاهر ما أسمته
بالفاشية الإسلاموية تقول الدكتورة
ما يلي: (ومن
ذلك أيضا مواجهتهم المعارف الحديثة بالمعارف
العتيقة التي كان عليها أن تدخل باب تاريخ
المعرفة لولا تضخم الظاهرة الدينية في
حياتنا و مؤسساتنا التعليمية) و تضيف قائلة
للتدليل على المقصود بالمعارف الحديثة (فعندما تحدثهم
مثلا عن الأسطورة بالمفهوم الأنتروبولوجي
يواجهونك بالجرح و التعديل…). و الظاهر بالعودة
إلى الفقرة الرابعة من مقالها الأول فإن
الدكتورة ؛ وتشبعا بعلم تاريخ الأجناس
هذا: الأنتروبولوجيا؛ حشرت
القرآن الكريم و قصصه ضمن؛ و الكلام لها؛
ما أسمته (الأساطير
التأسيسية التي آمن بها المسلمون القدامى) لتضيف
وفي معرض ردها عما أسماه علماؤنا بالإسرائيليات
قولها: (
ما الفاصل من وجهة النظر هذه بين ما هو إسرائيليات؛
و ما هو توراتي و ماهو قرآني و ما هو جهاز
تأويلي أحيط به طيلة عهود طويلة؟)

ووجهة
النظر هذه التي حشرت بموجبها كلام الله
و أحاديث نبيه صلى الله عليه و سلم الصحيحة
في خانة واحدة مع ما هو توراتي و ما هو من
الإسرائيليات و ما هو من التأويل؛ تستند
إلى فكرة الأسطورة التي كما ذكرت الدكتورة
(لا
تخضع إلى نظام الإثبات التاريخي بل تخضع
إلى ما يسمى في العلوم الإنسانية الحديثة
ب؛؛النجاعة الرمزية؛؛ إذ
بحسب وجهة النظر هذه( لاشيء
يثبت تاريخيا الأساطير القديمة).

و
عليه أولا؛ يصبح كلام الله و رسوله في خانة
الأساطير التي لا يمكن إثباتها تاريخيا!!!

و
عليه ثانيا أفهم مساعي الدكتورة(
مع الدكتور عبد المجيد الشرفي والأستاذالمنصف
عبد الجليل) للبحث فيما يزعم هؤلاء من وجود
نصوص قرآنية أخرى موازية للقرآن الكريم
بغاية إثبات ما أوردته الدكتورة من أن القرآن
وقصصه ؛ من الأساطير القديمة التي لا تخضع
كغيرها من الأساطير
إلى نظام الإثبات التاريخي لأنها في النهاية
من صنع البشر و إختراعاته تعكس حاجات
معينة للبشر في ظرف تاريخي معين.

وقد دفعت
محاولات الباحثين الثلاثة هذه
الدكتور هشام جعيط إلى القول في محاضرته
التي قدم فيها كتابه الجديد عن تاريخ الدعوة
النبوية ضمن أبحاثه في السيرة النبوية
إلى القول:

بأنه
لا قيمة لما يحيل عليه بعض الباحثين من
وجود نصوص قرآنية موازية “المصاحف الضائعة”
مثل مصحف صنعاء (الذي يشتغل على تحقيقه
فريق بحث تونسي بإشراف المنصف عبد الجليل
وعبد المجيد الشرفي ورجاء بن سلامة: الكلام
للأخ الأمين محمد ). واعتبر أن لا قيمة علمية
لذلك وأنّ الدراسات النقدية في هذا الشأن
“من باب السخافة” إذ لم يثبت وجود مسافة
زمنية بين النطق بالقرآن وتدوينه كما لم
يثبت أنّ القرآن تعرض لتبديل أو تغيير على
مستوى نصوصه أثناء تدوينه أو جمعه. كما
أشار إلى أنّ منطق القرآن ومعجمه وأسلوبه
خاص به ولا يقارن بأيّ نصّ لاحق شعرا
أو نثرا.(هذا ااكلام
نقله من محاضرة د:جعيط الأخ الأمين محمد
و نشرته تونس نيوزبتاريخ 12ديسمبر 2006

وعليه
ثانيا أقول بعدم جدوى محاولات
إخضاع القرآن الكريم و جوانب من تراث
الأمة إلى أدوات تحليل
نشأت في سياق تاريخي و ثقافي مغاير لسياقنا
التاريخي و الثقافي و محاولة تسليطها
على تراثنا بغاية الوصول إلى فهمه من خارج
منظومته الفكرية التاريخية و نسقه الثقافي؛
و هو ما إضطر الدكتور جعيط؛ كما فهمت؛ إلى
الإشارة إلى أن منطق القرآن و معجمه و أسلوبه
خاص به ولا يقارن بأي نص لاحق شعرا أو نثرا
(إنتهى كلام الدكتور)

وهو
ما يفيد أن محاولة إخضاع القرآن إلى مفهوم
الأسطورة؛ كإنتاج بشري هو من قبيل ما أعتبره
شخصيا:

العنف الرمزي

La violence symbolique

أو
بتعبير أسهل: الإخضاع القسري: أي محاولة
تطويع القرآن الكريم و تراث الأمة لحساب
هذا المفهوم أو ذاك؛
والمقصود به هنا مفهوم
(الأسطورة من الوجهة الأنتروبولوجية).

وهو
ماجددت لنا الدكتورة معه موعدا
عندما حاولت إخضاع الحجاب للمفهوم الأنتروبولوجي
وإعتبار الحجاب
(كشارة توضع على الجسد الأنثوي لإخضاعه
إلى التنظيم الإجتماعي للمتعة) .. تماما كالختان؛(هكذا!!)؛

ثم
ذكرت في ما معناه أن هذه (الشارة)
؛أي العلامة؛
خاضعة لأحد تعريفات مفهوم
(الخصاء)؛ والمقصود
هنا (الخصاء الواقعي)
؛هنا الحجاب
و الختان؛ والذي بموجبه
تصبح الأمة منتمية إلى المجتمعات البدائية
على إعتبار أنها لم تعتمد
(الخصاء الرمزي)
(وهي جملة القيم و المعايير التي تربى عليها
الأجيال) و بقيت في مرحلة الخصاء الواقعي(كالحجاب
و الختان) الذي يبوؤها منزلة (المجتمعات
البدائية)(هكذا)
!

لقد
سلخت الدكتورة وفقا لهذا المفهوم
الحجاب سلخا من سياقه الثقافي و منظومته
الفكرية ونسقه القرآني ضاربة عرض الحائط
بكل التحصينات الرمزية(القيم و المعايير)
التي تساوقت مع الحجاب أو سبقته في إطار
من الضوابط الأخلاقية و السلوكية المعبر
عنها بالكلام كأداة رمزية تخاطب العقول
في المنظومةالإسلامية
بحيث أن أي فهم للحجاب
(خارج ما أحاطه به الإسلام
من كلام و مسارات نفسية
غايتها أن يستبطن المسلم و المسلمة المحرم
و يضع الحواجز و الحجب لنفسه بنفسه) يعتبر نوعا من مجانبة
الموضوعبة وما يتطلبه البحث العلمي.

فالقرآن
الكريم والسنة النبوية حرصا كل الحرص على
تفعيل هذه المسارات النفسية و الكلامية
بما وضعه من قيم و معايير
ربى عليها؛ إستباقا؛ الذات
البشرية التي قبلت الإسلام؛
دون الإستغناء عن الحجاب
كخطوة تالية لما يكون
إستبطنه المسلم من محرم.

و لست
بحاجة إلى إلقاء محاضرة
على سبيل المثال في مفهوم العفة أو الحياء
في الإسلام كنموذج من النماذج الكثيرة
لمفهوم التحصين الرمزي والكلامي للمسلم
و المسلمة في تنظيم العلاقة بين الجنسين
بما يدخل في خانة تنظيم المتعة بالكلام
و بما أسمته الدكتورة (بالمسارات
النفسية)
التي تجعل الذات البشرية المسلمة تستبطن
المحرم قبل وضع الشارة: هنا الحجاب؛ وهو
ما يجعل الرجل في النهاية يحترم غيرية المرأة
و حرمة جسدها و يحترم الحدود و الضوابط
الإجتماعية بحيث يصبح الحجاب؛ كتعبير و
اقعي؛ عنصرا إضافيا يزيد
من تفعيل هذه القيم في نفس المسلمة
والمسلم في إطار من تنظيم العلاقة بين الجنسين
بحيث وبعبارة أسهل:

يصبح
الحجاب تتويجا و اقعيا
لما تتحصن به المرأة و الرجل رمزيا
(كالعفة و الحياء وهي من رموز إحترام الآخر)
و يصبح كلامها عن ضعف و إخفاق المسارات
النفسية المنظمة للمتعة والعلاقة بين الجنسين
لا معنى له و غير ذي جدوى كما
يصبح للحجاب؛ بالنتيجة؛ معنى يتجاوز كلية
ما ذكرته الدكتورة في المقال الثاني بكون
الحجاب من (الجروح
و الشارات الإضافية) رابطة
بمكر يدوخ العاقل بين
قطع بضر المرأة؛ هنا (الجروح)؛ و الذي ليس من الإسلام
في شيء بما قدمته من أدلة في المقال الأول؛
والحجاب؛ هنا
(الشارات)**

و المسلم
بالنتيجة ليس محتاجا إلى أن يكمم فمه لكي
لا يقول كلاما غير لائق؛ كما أنه ليس محتاجا
لأن
(يلف)؛ والمثال
دائما للدكتورة؛ (عضوه
الجنسي حتى لا يرتكب المعصية)!

فترسخ
الخصاء الرمزي الذي أسميته أنا بالتحصين
الرمزي هو من مميزات الشخصية المسلمة في
القرآن و السنة لأنه لا يتعلق
باللباس فقط بل بكل ما من شأنه أن
يساهم في تنظيم العلاقة بالآخر..

و أرى؛
تبعا لمنطق تحليلي للموضوع؛ أن قول الدكتورة (من
أن الحجب النفسية لدى الإنسان مهددة
بالخطر)
بسبب إختيار المرأة للحجاب غير ذي جدوى
إذ الغاية من الحجاب ليست
(اللف
والتكميم)
كما ورد في مقالها إذا أخذنا بعين الإعتبار
مجددا التحصينات الرمزية التي قدمها
الإسلام للمسلمة و المسلم.

أما
تعبيرك عن أن (التكميم
و اللف)
يعكسان (حصول
كارثة نفسية)

في مجتمع قلق فيه (إنفلات
ما للغرائز و تضخم للشعور بالإثم) فهو من قبيل الخيال
الجانح

La pensée fantasmatique

ولا
يوجد إلا في ذهنك و في ذهن من يريد أن يدمر
التحصينات الرمزية لأبناء المسلمين و بناته
في بلدي تونس؛ عبر ضرب ما يمت إلى ثوابت
الأمة بصلة.

ويبقى الهدف من مقالك
كما فهمت هو المساهمة
في إسقاط الحجاب و تحصيناته الرمزية

من فكر
المسلم و سيكولوجيته بالضربة القاضية!
و تلك أمانيك!! عبر سلخه سلخا من منظومته
ووضعه تحت مجهرأدوات تحليل مغايرة؛ نبتت
في إطارمرجعيات حضارية أخرى؛ بما يخدم
ثقافتها و لا شك؛ و لكن لا يخدم بأي حال
من الأحوال الحجاب و لا أي مسألة أخرى من
المسائل المرتبطة بثقافتنا و تراثنا؛ حتى
أن مفكري الغرب ورجال السياسة فيه بدؤوا
يضعون موضع تساؤل أدوات تحاليلهم في فهم
الإسلام بعد ما لاحظوه من مظاهر إقبال
مواطنيهم عليه؛ لأن أدوات تحليلهم لم
تعد كافية بل لم تسعفهم في الإقتراب من
فهمه من الداخل؛ فبادروا إلى العودة إلى
علماء الأمة و مفكريها ليفهموا الإسلام
و المسلمين في جوانب من بينها على سبيل
الذكر ظاهرة العودة إلى الدين أو
فهم ظاهرة الإسلام السياسي أو فهم ما يتعلق
بأسباب صعوبة إندماج الجاليات المسلمة
في المنظومة الثقافية لدول الغرب

هذا الخيار
كان موفقا في رأيي لأن إلتجاء الأوروبيين
إلى علماء و مفكرين مسلمين لفهم هذه المسائل
و غيرها يعكس الحاجة الملحة للفهم الصحيح
لها إعتمادا على تلك الثلة من أبناء المنظومة
الإسلامية الذين تشبعوا بثقافتها وفهموا
نسقها التفكيري.

و لست
بحاجة إلى إعلامك بأن في كثير من معاهد
الدراسات الإستراتيجية و كبار الجامعات
والمجالس الإستشارية الكبرى و المجالس
الحوارية بين الديانات تجدين مسلمين
هذه مهمتهم؛ وهي مساعدة الغرب على فهم
الإسلام من داخل منظومته و إستنادا إلى
مرجعيته الحضارية بما أزال بعضا من اللبس
و الغموض في العلاقة بين الساسة ومسلمي
تلك الدول بل ممامكن المسلمين في بعضها
من الحصول على بعض من حقوقهم التي تحفظ
عليهم هويتهم.وتحد من سوء الفهم المسبب
لتوتر العلاقة.

ها أن الكثير من مفكري الغرب و ساسته إهتدوا
إلى الجدوى من أن تدرس ثقافة الغير من
داخل منظومتها و مرجعيتها و بأدوات تحليلية
نابتة منها؛ بحيث أن كثيرا من البرامج و
القوانين المخصصة للجالية المسلمة في بعض
دول الغرب أصبحت تأخذ بعين الإعتبار مرجعية
هده الجالية الحضارية ضمانا لإندماج
يستجيب لمتطلبات الواقع و ثقافة المهاجر
في آن.

فمتى تفهمين أنت و غيرك هذا الأمر؟ و إلا
فسيبقى بينك وبين مفكري الغرب ؛أيتها الدكتورة؛
سنوات من النضج الفكري لفهم المسائل المرتبطة
بالهوية على أساسها الصحيح؛ ومن بينها
الحجاب!

ولست بحاجة
في الأخير إلى تذكيرك بقدرتك العجيبة على
الإستفزاز وخلط الأمور بطريقة جعلتني في
البداية لا أعرف من أين أبدأ للرد عليك؛
من ذلك تنزيل الحجاب في إطار تنظيم العلاقة
بين الجنسين بما فيها تنظيم المتعة
وربط ذلك بالختان؛ ثم حديثك عن كون الحجاب
يهدف إلى الحفاظ على نظام الإختلاف
الجنسي بجعل لباس المرأة مختلفا تماما
عن لباس الرجل؛ و ها أنك هنا تحجبين القارئ
بحجاب مرجعيتك الفكرية عن حقيقة مفادها
أن لباس الجلابيب كان القاسم المشترك بين
الجنسين زمن تشريع الحجاب؛ حتى أن غطاء
الرأس كان مطلوبا للجميع بحيث أن الإختلاف
الظاهري بين المرأة والرجل في الأماكن
العامة كان فقط في تغطية (الجيب) و هو أعلى
الصدر؛ لغايات بينها القرآن الكريم.

فعن أي
إختلاف في اللباس تتحدثين و أنت تعلمين
أن الإختلاف في اللباس ظهر حديثا؛ ثم تستنتجي
بناء على هذه المغالطة التاريخية لتتحدثي
عن فكرة ما أسميته
(بنظام تبادل النساء)
في الإسلام ولتضيفي قولك(
بحيث أن المرأة تكون محجوبة إلا عن المحارم
و يكون لزوجها حق النظر إليها لأنه هو الذي
يملكها بما دفعه إلى أسرتها من مهر) بدون تعليق!!!

أما حديثك
عن تيارات الإسلام الحركي التي
(مازالت تفضل الدعاية و التعبئة الجماهيرية
و تجييش العوطف على الحوار)؛
والمقصود بالأساس ما نشر هذه الفترة من
مقالات للدفاع عن الحجاب؛ فأقول نيابة
عن نفسي و عن إخوتي بأننا حقا دعاة حوار
و لكنك تتغافلين كعادتك؛ وللأسف؛ عن الظروف
الموضوعية التي دفعت بعض الإخوة إلى ’’تجييش العواطف’’؛ الذي هو في حد
ذاته نوع من الحوار والخطاب الرمزي
الذي أرى فيه إنسانية في مواجهة خطاب
لا إنساتي و بدائي متوحش متمثلا في تجييش السلطة في تونس لبوليسها
لإنتهاك الحرمات الجسدية والنفسية
للمواطنات و المواطنين.

هل هي
التخمة الفكرية والعيش في الأبراج العاجية
والمكاتب المكيفة التي تبلد الإحساس
بحجم مأساة المضطهدات و المضطهدين في بلدي
في أبسط خصوصياتهم؟ أم ماذا؟

حتى أن
الدكتورة إستكثرت على بني جلدتها الدفاع
’’ ولوبطريقة ؛؛التجييش و التعبئة’’
عن المكتوين بنيران الدكتاتورية!

ويبقى
ذلك إجتهاد خاص من هؤلاء الإخوة ليس من
النزاهة التركيز عليه و إهمال الإجتهادات
الأخرى بغية التشهير و الإستنقاص!! وصدق
المثل التونسي القائل(إلي إيدو في الماء
موش كلي فيدو في النار).

أما قولك
في آخر مقالك الأول بأنك تكتبين
(للنساء عسى أن ينتزعن حجابهن بأنفسهن بشوقهن
التلقائي إلى الحرية لا بحد عصا الشرطي) أقول لك أكتبي ما
شئت فهذا من حقك الذي قاومنا و ما زلنا نقاوم
بمختلف الوسائل المتاحة لصونه في تونس
ودفعنا ولازلنا ندفع ثمنه؛ و لكني أدعوك
إلى قليل من تواضع المفكرين إذا شئت أن
تحسبي نفسك من بينهم؛ و تعيدي النظر
بالخصوص إلى مفهومك للحرية و علاقته بالحجاب
و تتوقفي أرجوك عن الإدعاء؛ و هو ما فهمته
من كلامك؛ من أن لباس الحجاب جاء بالإكراه
بما أنه مخالف تماما لمبدإ الحرية كما تفهمينه
وهو ملخص ما ضمنتيه بإستعمالك لمفردة
(عصا الشرطي).

(عصا
الشرطي)

هذه؛ والتي أنت في مأمن منها؛ لم تثن
بنات جلدتك عن الإصرار على الحفاظ على لباسهن
مما يفيد بأن لباسهن للحجاب جاء عن إختيار
وقناعة وعشق للحرية لا دخل للذكور ولا لعصيهم
في إجبارهن عليه!!

لقد عمدت السلطة في بلدي
إلى القبضة الحديدية لضرب الحجاب وإسكات
المدافعين عنه من
المكتوين بنار الديكتاورية؛ و أنا لم
أسمع لك فيها ركزا إلا من
باب التشهير بالمضطهدين من بني جلدتك
وأعني بهم الإسلاميين و غيرهم إناثا و
ذكورا.

أما
أنت؛ أيتها الدكتورة؛ فإنك تكملين من حيث
تشعرين أو لا تشعرين الوجه الآخر للقبضة
الحديدية؛ وهو ما أسميه
؛؛بالقبضة الفكرية؛؛ لتكتمل بذالك؛ وعلى
التمام؛ سنمفونية ضرب كل من إختار أن
يكون حرا في بلدي العزيزة تونس!!!
بل وخذلان من تجشم من أبناء بلدي و غيرهم
عناء الدفاع عن الحقوق المهضومة في
تونس و منها حق إختيار اللباس؛ و كأنه
لا ينقص الجميع في هذا الظرف العصيب
إلا أنت و قلمك هذا !!!.

كلمة
أخيرة إلى الكتورة:

وفي
الختام أطمئنك إلى أني لن أكفرك؛
وهو ما إتهمتنا به في بداية مقالك الثاني؛
إذ للتكفير شروط ليس من مشمولاتي ولا من
مشمولات إخواني الخوض فيها؛ كما لن أطلب
لك الهداية بالنتيجة؛ وهو ما
قرنتيه
(بالعنف و بالفاشية الإسلاموية) في بداية مقالك الثاني
وهو بالنتيجة ما ترفضيه
طولا وعرضا!.

و لكني
سأطلب لك؛ و هذا رغما عن أنفي هذه المرة؛ الهداية
الفكرية
بما قد يقربك مما أدركه مفكرو الغرب من
أنه لا جدوى من لي عنق المسائل المندرجة
ضمن ثقافات مغايرة للثقافة الأوروبية إسلامية
كانت كالحجاب أم غيرإسلامية
بإخضاعها قسرا إلى أدوات تحليل نابتة
من سياق تاريخي مغاير و منظومة مختلفة
حتى لا تسقطي أيتها الدكتورة من جديد
في
العنف الرمزي و
الفاشية
الفكرية التي
طالما إتهمنا به أدعياء إمتلاك الحقيقة
العلمية و البحوث ألأكاديمية!!!

أستاذ
و سجين سياسي سابق

لاجئ
سياسي مقيم حاليا بسويسرا

متخصص
حاليا في التربية النفسية و الإجتماعية
بأحد ملاجئ سويسرا.

للإطلاع
على المقال الأول في الرد على الدكتورة
يمكن الرجوع إلى تونس نيوز23 12 2006

ما بين
قوسين و باللون الأزرق هو من كلام الدكتورة
المأخوذ من مقاليها المنشورين بتونس نيوزبتاريخ
27نوفمبر و 4ديسمبر 2006