أصدرتم يوم 6 افريل 2007 بيانا تحت عنوان “إعلان 8 مارس طعنة في الإسلام ودعوة للفتنة ” وهو ممضي من قبل السيد محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي
كنص رد على إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات :حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين الصادر بتاريخ 8 مارس 2007
وفي هذا الإطار أتقدم لهيئتكم الموقرة ببعض الملاحظات.
بداية أود التعرض إلى التسمية التي اتخذتها هيئتكم أي “العالمية لنصرة الإسلام في تونس” حيث تحيل التسمية باستعمال كلمة “الإسلام”إلى عدة معاني تحيل إلى مهمات مختلفة من حيث الطرح والاستتباعات العملية .لذلك رأيت من المهم مناقشة نصكم في البداية إلى الإحالات المتضمنة صلب التسمية والتي تخفي حقيقة اللجنة .

في التعريف اللغوي والقرآني

الإسلام لغة هو الإخلاص والاستسلام والخضوع إلى الله .ويعني كذلك الإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء لعناد.وتعني كذلك معرفة الله بلا كيف ولا شبهة ,ومحله الصدر.وهو مصدرا وليس اسما,منفلتا بذلك من القالب والصيغة الواحدة .

ومن البين أن هذا المعني اللغوي يحيل إلى مجال الروحانيات الخالصة والتي لا تحتاج إلى نصرة مادية أو معنوية من قبل لجنة دولية وهو كذلك ذاتية عميقة وذات تجربة خاصة قصد الانقياد الذهني والقلبي إلى الله وهي لا تحتمل أي دفع خارجي. والى حدود هذا المعني اللغوي فلجنتكم لا معني لها من حيث البعد التصوري والتطبيقي.

أما في المعني ألقراني

فكلمة”الإسلام” بالمعني الذي استعملتموه مخالف لكلمة “الإسلام “التي وردت في القران والتي تحيل إلى الرابطة بين العباد وخالقهم ولا تقتصر على رسالة معينة بل تشمل كل رسالة سماوية, وهو ما يخالف اتجاه فهم لجنتكم والتي تعني الدفاع عن إسلام المسلمين في تونس ولكم هذه الشواهد للتدليل عن معني كلمة “الإسلام” :

ورد في الآية 3 من سورة المائدة
“اليومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”

وتعني كلمة الإسلام هنا اسم الدين الذي رضيه لعباده وهو غير مقتصر على ما تسمونه انتم بالمسلمين فقط والدليل في ذلك قوله في الاية131 من سورة البقرة
“إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِيينَ”
والمقصود هنا إبراهيم الخليل حيث ورد معني الإسلام الخضوع إلى الله بالصيغة المطلقة ولا يعني الإشارة إلى الديانة الإسلامية بالذات والتحديد أي بصيغة اشمل من المعني الذي استعملتموه في تسمية لجنتكم هذا إذا لم اجنح نحو القول بتحريف المعني الأصلي للمعني القرآني .

وتأكيدا للمعني الشمولي ورد في الآية 128 من سورة البقرة في دعاء إبراهيم وإسماعيل
“رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ”
كما ورد في سورة البقرة
“يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُم الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ”
كما كان حواريو عيسى أيضاً مسلمين مثلما ورد في الاية52 من سورة آل عمران
“فَلَمَّا أَحَسَّ عِيْسَى مِنْهُم الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ”.
وورد معني الإسلام مرادف للدين وهو ما يعني تجاوز الديانة الإسلامية إلى بقية الديانات السماوية حيث ورد في الآية 19 من سورة آل عمران
“إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ”
وورد بالآية 133 من سورة البقرة أن يعقوب جاء أيضا بالإسلام “أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيْهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”
وهو نفس الشأن عند موسي حيث ورد في الآية 124 من سورة الأعراف
“وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَـَّما جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ”
هذا من ناحية المعني الوارد في القران وهو معنى مخالف لما ذهبتم إليه في استعمالكم لكلمة الإسلام حصرا على أتباع الديانة الإسلامية في تونس.

“الإسلام “الاصطلاحي والتاريخي

تستند كلمة “الإسلام” اصطلاحيا على معني المسلم والذي يعرف أي المسلم على انه المنقاد طوعا بالأحكام وللأحكام الشرعية ومنه المسلمون اللذين يؤسسون الديانة الإسلامية,وهو المعني الذي قصدتموه أي “لجنة عالمية لنصرة المسلمين في تونس” ويعود هذا التوضيح المختصر لأطرح عليكم لماذا اخترتم كلمة “الإسلام” بالاطلاقية وتركتم المسلمين أو أتباع الديانة الإسلامية في تونس بالتخصيص.

-  أما من الناحية الفكرية فان استعمالكم كلمة نصرة الإسلام فهذا لا يحيل إلى معنى لكون الإسلام مفهوم والمفهوم لا يستحق من يدافع عنه لأنه موجود, والشيء الموجود, الدفاع عن وجوده من عدمه لا يعني شيء لأنه لا يؤكد وجوده ولا ينفيه ما دام هو موجود .

مما يعني في هذا السياق وفي المعني الذي فهمته أي لجنة دولية لنصرة الديانة الإسلامية في تونس وهذا أمر أخر من حيث المعني والدلالة والطرح والمهام.وهو ما يعني من البداهة أن الديانة الإسلامية في تونس مهددة ووجب تكوين لجنة دولية لنصرته ,وإذا كان هذا القصد الذي ذهبتم إليه, فانا بدوري أريد أن اعرف من يهدد هذه الديانة في وجودها واجتثاثها من تونس والحال أنكم انتم أنفسكم تقولون في النص:

“أنه عقيدة عموم التونسيين وشِرعتهم ومنهاجهم، وهو الدّين الرسمي للدّولة التونسية، والركيزة الأساس لهوية البلاد التونسية؛”

-  أما من حيث وقائع الأمور والتي اعرفها جيدا كون الصراع ضد الدكتاتورية في تونس لا تدور رحاه على قاعدة فريق يهاجم المسلمين ويحاربهم وفريق يدافع عنهم ويناصرهم, وليس هناك نزاع ديني أو مذهبي بل صراع سياسي بين قوي مدنية ديمقراطية ونظام حكم مستبد .

-  أما الصراع الدائر بين النظام والإسلاميين فهو صراع سياسي بين خصمين سياسيين مثلما هو دائر بين النظام والشيوعيين والقوميين والاشتراكيين ولليبراليين والقوي الحقوقية والاجتماعية والنقابية التونسية ,وما مهاجمة النظام للإسلاميين بطرائق أشرس,فذلك لطبيعة المواجهة بين هاذين الفريقين إذا ما ذكرتكم أن الإسلاميين هم بدورهم هاجموا الدكتاتورية الحالية بقصد الإطاحة بها بعدما كانت علاقتهم طيبة معها.

وأمام تعقد الوضع السياسي وهيمنة السلطة وتوجيه آلة القمع في كل الاتجاهات
جعل خصوم النظام السياسي التونسي يلتقون في هيئة 18 أكتوبر للدفاع المشترك عن مصلحة مشتركة وهو الحريات السياسية التى ينتفع منها الجميع. فيما عدي ذلك لم يحصل إلى حدود اللحظة حرق مساجد ولا إعلان حرب على الديانة الإسلامية, وغلق المساجد في أوقات الصلاة يتعلق بالصراع السياسي الدائرة مع النظام بين قوتين تراهنان على المسجد لقلب موازين القوي السياسية في المجتمع مما جعل على سبيل المثال حركة النهضة التونسية تعلن رسميا عن تخليها عن استعمال المساجد والدعوة إلى الحفاظ على حياديتها فيما يستمر النظام إلى حد الآن في توظيف المساجد باسم الدين وليس مناهضة للدين ,كما تستعمل قوي أخري المسجد إلى حد الآن مثل الدعوة والتبليغ والسلفية الوهابية وحزب التحرير وفرق مذهبية أخري مختلفة فيما يتردد الأغلبية المطلقة من المصلين من المسلمين إلى المساجد والتي تجد روادها في بعض الأماكن يصلون في الشارع لضيق مساحة المسجد. وحدهم الديمقراطيون التونسيون يناضلون ضد الاستبداد بمنأى كلى عن المسجد .وفي هذا الإطار أقول لسيادتكم الحقائق التالية حول النظام الفاسد والدكتاتوري في تونس .

-  هو نظام يعتمد من بين اعتمادا ته على الدين الإسلامي و يوظفه لصالحه وهو مهيكل لإسلام رسمي مثل النظام السعودي والإيراني والأنظمة العربية الإسلامية التي توظف الدين لحساباتها السياسية والفرق الوحيد أن هناك تفاوت بين هذه الأنظمة فرضته تطورات تاريخية أو خصوصية أو تغيير الأغلفة من نظام إلى آخر ففي تونس الآذان يذاع في وسائل الإعلام الرسمية خمسة مرات بما فيه التلفزة الرسمية ويقع ذلك تحت مراقبة الدولة وبتأطير مباشر منها والمصحف يطبع في تونس ويدرس في الأساسي والثانوي وبن على يبدأ خطاباته بالبسملة وينهيها بآية قرآنية والحال إنني لست من اللذين يبحثون في ضمائر الناس فمن قال إن بن على ليس مسلم الم يكن الحكام المسلمين في الماضي مرجعا دينيا وهم اكبر مستبدين وأعظم فاسدين على وجه الأرض .

-  أن الدستور التونسي والقوانين السارية المفعول في تونس لها سند شرعي أرساه علماء جامع الزيتونة ومن عاصرهم من المصلحين وانه ناتج عن حالة اجتهادية تارة سلفية وتارة مقاصدية وتارة توفيقية ورغم ذلك لم ينفع ذلك ولم يحمي التونسيات والتونسيون من بطش النظام لان العلة ليست في مدي مطابقة الدستور والقوانين للشريعة الإسلامية بل هي تعميق وتدقيق اكبر في موضوع الاجتماع البشري وتأسيس نظام سياسي قادر على إرساء دولة الحق والواجب.

وأعود لأطرح عليكم

ما هي مشروعيتكم التي خولت لكم نصرة الديانة الإسلامية في تونس وتدويلها والحال انه دين الأغلبية ؟
ومن أوكلكم هذه المهمة ومع من صغتم آليات نصرة الديانة الإسلامية في تونس؟

ألا يعتبر هذا توظيف للدين مثلما يفعل النظام الحالي الذي يعتبر نفسه حامي الحمى والدين ومثل الحركات العنفية الرافعة للواء الدفاع عن الديانة الإسلامية .

ومن هي الحركات الوثنية التي تريدون صدها ؟

وخلاصة القول في هذا الباب أن رايتكم هو رأي لا يتجاوزكم والأصل فيه رؤية سياسية ووجهة نظر في القراءة والتأويل متشددة ومنغلقة على ذاتها حد نعتكم الآخرين بمعاداة الديانة الإسلامية وهو نفس المنهج التكفيري الذي أسس للخراب في التاريخ العربي والإسلامي.
أما في ما يخص موضوع ردكم على نص هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات :

ذكركم منذ البداية أن هيئة 18 أكتوبر انطلقت من ثلاثة شعارات أساسية وذكرتموها بتحريف المحتوي الأصلي للشعار الثالث الذي نص على “إطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام” وليس كما ذكرتم “إنهاء معاناة المساجين السياسيين “والفرق بين ما ذكرتم والمطلب الأصلي فرق شاسع يخص التأصيل السياسي وتجذ ير المطالب التي دافعت عنها أجيال وليس اختصارها في صياغة مبهمة لا تحيل صراحة على إطلاق السراح ولا عن عودة المغتربين ولا إلغاء الأحكام التكميلية التي تخص على الأقل المصرحين ولكنها تبقيهم رهائن للبوليس كما ذهبتم إلى ذلك وهو ما يبين منذ البداية عدم اطلاعكم على عمق أطروحات المطالب الثلاثة.بالإضافة إلى كون الشعار الذي وضعتموه بدل الأصلي فضفاض ولا يحتوي على معني مطلبي ونضالي سياسي .
المغالطة الثانية التي أوردتموها في قولكم منذ بداية النص تتمثل في عدم ذكركم الإطار الذي صدرت عنه الوثيقة المتعلقة بالمساواة وهي “منتدى الحوار” الذي أسس بذات الفترة التي أعلن فيها البيان التأسيسي للهيئة والذي أعلن كأهداف طرح أهم الموضوعات قصد توسيع مجالات الاتفاق وتبيان مواقف الخلاف من اجل إحداث إمكانية حقيقية لتطوير الهيئة إلى ما هو ارقي من هيئة عمل والابتعاد عن كل ما هو تخميني وقبلي .

أما فيما يخص المطالب الثلاثة فهي الأدنى المتفق عليه والمنتدى هو محاولة لتطوير هذا الأدنى والتطوير لا يعني بالضرورة الاتفاق المطلق بل القدرة على الوضوح في المواقف.

وأوردتم أن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام:

“إنها تعرب عن استغرابها من إشادة هيئة 18 أكتوبر بمجلّة الأحوال الشخصيّة والاتفاقيّات والمعاهدات الدوليّة – مع أنّها عمل بشري لا يخلو من نقص وقصور لحدّ تلبيسها بمسوحِ قداسةٍ! تجعل كلّ من يخالفها عُرضة ” للتعقّب بتهمة التمييز ضد المرأة وفتح حقّ التقاضي في شأنه لكلّ المنظّمات والهيئات ذات الصّلة “[3] كما توعّدت بذلك الهيئة! – متعامية في الآن نفسه عمّا جلبته هذه المجلّة ولواحقها القانونية، من بؤس وشقاء على كلٍّ من المرأة والأسرة التونسية.”
الاستنتاج الذي ذهبتم إليه من اعتبار أن هناك مسحة قدسية على مجلة الأحوال الشخصية هو استنتاج لا وجود لما يسنده في إعلان هيئة 18 أكتوبر لا تلميحا ولا تصريحا بل إن صياغة النص والطريقة التي وردت بها تدلل على عكس استنتاجكم غير الموضوعي وغير المنطقي .
أما في ما يخص عدم قبولكم لمجلة الأحوال الشخصية والتي تبنتها حركة النهضة الإسلامية في هذا الإعلان أو في الميثاق الوطني سنة 1988 وكذلك في نص هيئة 18 أكتوبر بباريس في 8 مارس 2006 وما أوردوه من دفاع عن موفقهم بالطرق الشرعية يدلل على أن هذه المجلة مقبولة على الأقل من جهة مجموعة ذات مرجعية دينية إسلامية تونسية ويعني هذا أن قراءة مجلة الأحوال الشخصية متعددة الأوجه مما يجعل موقف الطعن الشرعي فيها مردود على أصحابه من الناحية العملية والفكرية .أما إذا كنتم تعتبرونها مخالفة للشريعة الإسلامية فذا شانكم ما دمتم متمسكين بماضويتكم ونضرتكم السطحية وعدم قبولكم بأي تطور فكري أو اجتماعي .ولكن ليس من حقكم اتهام الآخرين بالخروج عن الدين وكأنكم الأوصياء الأواخر عن فهم الدين والدفاع عنه ,وليس من حقكم اعتبار من ناصر مجلة الأحوال الشخصية وتبني المعاهدات الدولية اتهامه بمعاداة الإسلام لان في ذلك ضرب من المزايدة التي لم تعد تنطلي على أي احد بعد ما عانته الحضارة العربية الإسلامية من مثل هذه الأفكار.هذا وإني لن ادخل معكم في جدل فكري وتاريخي يخص هذا الموضوع بالذات .

أما ما زعمتموه من نتائج سلبية لمجلة الأحوال الشخصية مدللين بذلك بنسبة الطلاق في تونس فهذا بدوره استنتاج سطحي وغير موضوعي وادعوكم إلى المزيد من الاطلاع لتكوين أفكار سليمة حول هذا الموضوع لأنه لا يمت بصلة إلى المبادئ التي احتوتها مجلة الأحوال الشخصية ولا علاقة لها بهيئة 18 أكتوبر المعارضة للنظام القائم الذي تنخره الأزمة .

ذكرتم بان هيئة 18 أكتوبر
” لم تتردّد في الجراءة على دين الله بالطّعن في شرعه تلميحا وتصريحا واصمة إياه – وحاشاه – بالحيف والتمييز والتقاليد البائدة! وتكريس دونية المرأة”.

يتبين مما أوردتم قدرتكم على تشويه النص الأصلي لخدمة تحليلاتكم ,فأين يوجد في النص الأصلي لهيئة 18 أكتوبر الربط بين التقاليد البائدة وتكريس دونية المرأة والحيف والتمييز والدين الاسلامي,هل ذكر النص مثل هذا وانتم تقولون الطعن في دين الله تلميحا وتصريحا فأين هو التلميح وأين هو التصريح ,وحال الأمر قول النص التقاليد في معناها السلبي والمخالف لحرية المرأة ونقد النظرة الدونية لها أم تراكم من بين هؤلاء الذين لهم نضرة بائسة للمرأة وانتم من أنصار تقاليد الحيف والتمييز مما هز في أنفسكم الحمية للبائد .

و من البين أن هذا الفهم للدين يحذف المناهج العقلية والعقلانية في التعامل مع النص وهو منهج ينكر المنزع الاجتهادي والعقلاني من المعتزلة والرشدية إلى المدرسة الإصلاحية الحديثة والاجتهاد النهضوي العربي لأواخر القرن التاسع عشر وكل ما أنتجته من قراءات واجتهادات كما انه يعادي المنهج ألمقاصدي الذي يعتبر مكسبا في القراءة والتأويل ويعادي ما أنتجه العقل البشري من قيم كونية.

ومن البين كذلك أن هذا التذكير بان الشرع الإسلامي منزل من الله يعني استمراركم في الخلط بين مجالات التفكير والمهام المطروحة وجهل لأبسط أبجديات عمل هيئة 18 أكتوبر التي تعمل في مجال السياسي والمدني وليس في مجال الديني والاخلاقوي وهذا الفصل بين المجالات هو المنهجية الداعية إلى التوحد من اجل مقاومة الاستبداد على قاعدة الحرية للجميع وليس من منطلق مذهبي عقدي ضيق مثلما ذهبتم إليه في رأيكم هذا.

وذكرتم

” إن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام تعلن تضامنها مع النساء؛ باعتبارها نُصرة المظلوم – رجلا كان أو امرأة – واجبا شرعيا، كما تُبدي الهيئة مساندتها لكلّ جهد صادق مخلص في تمكين النساء من التمتّع بجميع حقوقهنّ الشرعية في العلم والتعلم والتعليم والعمل، وحريتهنّ في اختيار الزوج عن رضى[5]، وحقهنّ في ممارسة مختلف المناشط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونحوها؛ على أن يكون كلّ ذلك وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وهَديِها؛”

من الواضح أن هذه الفقرة من حيث الذهنية العامة التي صاغتها لا تزال تعيش في القرون الوسطي متجاهلة أن الحقوق اليوم هي مدنية وليست شرعية ويمكنني أن أتفهم أن تكون هذه المدنية غير متناقضة مع روح الديانة الإسلامية وجوهرها أما أن تدعوا إلى الاحتكام إلى الشريعة فهذا يعني منذ المنطلق الدفاع عن الدولة الدينية وهو موضوع خلاف جوهري بين الطرح الديمقراطي للمسالة وما أوردتموه من تصور عقدي للمجتمع وللمرأة .

أما هيئة 18 أكتوبر فليس هذا منطلقها الذي تأسست عليه بل إقرارها بالحد الأدنى المشترك وما تطرحونه لا يمثل الأدنى بل يقيم التناقض على أشده من البداية وعليه فان مساندتكم لهيئة 18 أكتوبر وفقا لشعاراتها الثلاثة هو من محض التكتيك والانتهازية وليس على أسس مبدئية في الدفاع المشترك ضد كل أشكال إهانة التوانسة مهما كان مصدرها ومنطقكم هذا وهو طرح شمولي وعقدي خطير يؤسس لنهج التصفية .

ذكرتم حالة المرأة في عهد النبوة وما تلاه من عهود الإسلام .
” مثلما كان حال المرأة في عهد النبوّة، وفيما تلاه من عهود الإسلام الزاهرة، بمنأى عن كلّ الأعراف المبتدَعَة المُزرية بقدر المرأة، والتقاليد والعادات المبتذَلَة المُهينة لكرامتها، والمخالفة لشريعتها، وكذلك بعيدا عمّا نشهده اليوم من مهاترات، ومتاجرة بشعار المساواة، والحرية النسوية، وافتعال المعارك والصّراعات الوهمية، أسوة بتجربة المرأة الغربية.”

ولكن تغافلتم على مسالتين على الأقل :أولا نحن الآن نطرح المسالة من وجهة ما بلغته الإنسانية من مفهوم للمواطنة وهو معني لم يكن واردا في ذلك العهد ,لقد تغير العالم برمته ولم يعد مكان ترعي فيه الإبل وتستعبد فيه المرأة حتى نتحدث عن إطلاقها حرة بالمعني القديم.
أما ثانيا:تتحدثون عن المرأة في عهد النبوة وما تلاه من عهود الإسلام وكأننا لا نعرف تاريخنا وكأنكم تحدثوننا عن المدينة الفاضلة. والحال أنها أي هذه المدينة الفاضلة لم توجد بتاتا في التاريخ العربي والإسلامي وإذا ما أردتم فتح هذا الملف فلا بأس من ذلك لتنسيب الأمر بعض الشيء عندكم.

أوردتم في النص

“إن الدّعوة للمساواة الكاملة – على ما فيها من إغراء تحمل السمّ في الدّسم لما تنطوي عليه من مخاطر على المرأة والأسرة والمجتمع على سواء؛ ولا أدلّ على ذلك من تجربة المجتمعات الغربية الماثلة اليوم أمامنا؛ حيث استحالت المرأة فيها سلعة تباع وتشترى في أسواق الدّعاية والابتزاز، والاستغلال بكافّة أشكاله وصنوفه وألوانه، وذلك باعتراف عقلاء الغرب نساء ورجالا. والعاقل من اتعظ بغيره؛ فهل من مدّكر؟! ”

انتم تتحدثون عن مظاهر مرضية في المجتمعات الغربية ولكن لماذا تصمتون عن المرأة الغربية التي تشكل أغلبية هذه المجتمعات وهي تناضل في كل أوجه الحياة وتحقق الانتصارات بجانب الرجل وهي الأم التي تربي الأجيال على المبادئ الديمقراطية ,وهو المجتمع الذي تعيشون فيه وقد استقبلكم وفتح لكم باب الحرية بدون أي عقد وخاطبكم بنفس القوانين التي يتخاطبون بها فيما بينهم وهم يكتبون عن الحب وعن العدل وعن المساواة وعن الحرية وفيهم من يدفع من ماله وصحته لمقاومة الفقر في العلم والسيدا وفيهم من هم من النساء من يدعمنا في نضالاتنا ضد الدكتاتورية فلماذا كل هذا الجحود والإنكار للحق والابتعاد عن كل موضوعية في حديثكم عن المرأة الغربية هل المجتمعات الإسلامية اليوم خالية من بيع وشراء النساء في سوق النخاسة الجسدية بدءا من السعودية إلى الإجراميين الذين يحكمون السودان باسم الشريعة إلى دول النفط الخليجي إلى المجتمع الإيراني ,ولكن أنا انسب الأمور فهناك تفاوت وهناك خلل لابد من مقاومته ولكن ليس من نفس الأطروحة التي تقدمونها والتي تنظر إلى الأشياء من منظار واحد .

ثم من هم عقلاء الغرب اللذين تشيرون إليهم غير أنهم رجالا ونساء يكافحون من اجل معالجة مشاكل مجتمعاتهم ولكن الفرق بينكم وبينهم أنهم ديمقراطيون ودعاة مساواة بين النساء والرجال وانتم ضد هذه المساواة بدعوي الشرع الإسلامي وهو ليس سوي أفكاركم انتم والتي ترفعون من شانها وتلبسونها هالة التشريع .

وذكرتم

” إنّ من حقّ خصوم الإسلام سواء كانوا من بين أعضاء هيئة 18 أكتوبر أو غيرهم، أن يكون لهم فهمهم، أو رأيهم الخاصّ المخالف للإسلام ونهجه القويم، الذي قرّر منذ أربعة عشر قرنا أنه لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة: 256] بيد أن وجودهم في مثل هذه الهيئة أو في سواها من الهيئات والمواقع والمنظّمات أيّا تكن حكومية أو شعبية، وطنية أم أجنبية، فإنّ ذلك لا يعطيهم – وهم فئة قليلة – شرعية الاختيار ولا صلاحية التقرير لأغلبية الشعب التونسي. ”

أريد أن اعرف من هم خصوم الإسلام من هيئة 18 أكتوبر وكيف صنفتموهم وما القواعد الشرعية والضوابط الفكرية وممارساتهم السياسية والفكرية والمدنية التي جعلتكم تضعونهم في موقع خصوم الإسلام.وفي هذا الإطار أعود إلى معني”الخصوم”حيث ورد في الآية
” وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشتط وأهدنا إلى سواء الصراط”
ومن الواضح أن المعني الوارد أن الخصوم والخصم والخصومة تعني النزاع بين على الأقل طرفين واستعمالكم كلمة خصوم الإسلام بالاستعمال الاصطلاحي تعني أن هناك نزاع بين بعض أطراف هيئة 18 أكتوبر والمسلمين في تونس وان موضوع النزاع هو الدين الإسلامي.
فهل هذا صحيح وهل هو منطقي حتى يصدر عمن في رأسه عقل.

ومن البين أن هذا المنهج في المعالجة يقوم على حالة التفضيل والتفاضل في التركيبة التي تقوم عليها هيئة 18 أكتوبر بين خصوم الإسلام والمدافعين عنه وهذا المنهج في الفهم والتحليل هو معادي تمام المعاداة للمواطنة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد وهو ذات المنهج المحيل إلى التكفيرية ,فلا معني آخر لكلمة خصوم الإسلام خارج معني الكفرة والكفر واتهامهم الصريح .

أما الفكرة الثانية الواردة في هذه الفقرة والتي تتناول صلاحية التقرير لأغلبية الشعب التونسي فهي مجانية وفجة لأنه بنفس المنطق ما هي الصلاحية لديكم حتى تنتصبوا المدافعين عن الإسلام فهل انتم أغلبية ؟ وما هي مدللاتكم في أن “وهم فئة قليلة ” وان هم كذلك, ألا تعتقدون في أن كم من فئة قليلة هزمت فئة كبيرة من مثل أهل تفكيرهم التكفيري.

وذكرتم في النص

مثال الفتاة التي تعرضت للمحاكمة بسبب شربها للخمر واعتدائها على والدها واستنتجتم “بما لا عهد للمجتمع التونسي به من قبل ” وهذا مجانب للصواب لان هذه الحادثة معزولة ولا يمكن التدليل بها على أية قصة من قصصكم ومن ناحية الاستنتاج فهو غير سليم بدوره لان مثل هذه الحالات المعزولة وقع ما أشنع منها في المجتمع التونسي من قبل ولا يمنع هذا لمثيلاتها من المظاهر المعزولة للوجود سواء في تونس أو في بقية مناطق العالم لان الإنسان كائن نسبي والمجتمع يخضع إلى تناقضات مدهشة وكان هذا في كافة المجتمعات وكافة العصور بما في ذلك المجتمعات العربية والإسلامية الأولى والإشكال ليس هذا بل في كيفية صياغة المبادئ العامة للمجتمع وكيفية معالجة مثل هذه الظواهر مما يعني أن المثال الذي قدمتموه لا يعني ولا يؤسس لأي تدليل عن ظاهرة تدين المجتمع .

أما في ما تبقي من الأمثلة التي قدمتموها فهي لا تبدوا معقولة من جهة رد أسبابها وطرائق علاجها لأنها شان المختصين في علم الاجتماع والطب النفسي وغيره.

وذكرتم في النص
“إنّ تحسين وضع المرأة وضمان حقوقها، يقتضي – في تقديرنا – حركة إصلاح شامل للمجتمع التونسي كلّه برجاله ونسائه، وكافّة مؤسّساته وتشريعاته، على وفق المنهاج الإسلامي من الإيمان والحقّ والعدل والاستقامة والصلاح والتقوى والإيثار والرحمة.”
من الواضح في هذه الفقرة عدم إقراركم بالمساواة بين المرأة والرجل وأنكم تعتبرون كل دعوة إلى المساواة هي دعوة لمعاداة الإسلام وأنكم تدعون إلى “تحسين وضع المرأة ” ويعني التحسين بالنسبة لكم التراجع عن مجلة الأحوال الشخصية وعدم إقرار المعاهدات الدولية الخاصة برفع كل أشكال التمييز والعودة إلى مقترحاتكم الخاصة بوضع المرأة وفي هذا الإطار بالذات أريد أن اعرف من سيادتكم ما هي القوانين والضوابط التي تريدون صياغتها .

لان ما تطرحونه عمومي إلى درجة أن لا معني له مثل “وفق المنهاج الإسلامي” والحال أن هناك مناهج واجتهادات في الإسلام تخص هذا الموضوع بالذات وليس منهاج واحد كما ذكرتم وتضيفون “والحق والعدل والاستقامة والصلاح والتقوى والإيثار والرحمة “, وهذا ما ورد في معناه الحقيقي في المعاهدات الدولية وكذلك في مجلة الأحوال الشخصية التونسية .

كما تعرضتم في سياق النص إلى الائكية وكأنها الشر الأعظم والخطر الذي يهدد الإسلام وتقدمونها على أنها ضد الدين وهذا الأمر لا يمكن أن يصدر عمن له دراية عن الائكية ومبادئها التي تعني الحكم المدني ومجتمع المواطنة حيث لا اضطهاد على قاعدة التشيع المذهبي والانتماء الديني أو غيرها من ضروب البطش مثلما وقع ويقع في الدول العربية والإسلامية اليوم كما أن الائكية ليست معادية للدين بل بالعكس هي ضمانة لاحترام الديانات والمتدينين يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية.أما من الناحية العملية من هم الآن في أمان أكثر من غيرهم هل المواطنات والمواطنين اللذين يعيشون في الدول الإسلامية أم الدول الائكية الغربية التي تهاجمون نسائها وتشهرون بإحكامها وانتم تنعمون بالحرية العقدية والمدنية فيها .

ولكم حسن الفهم

لطفي الهمامي

عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس.

باريس في 18 افريل 2007