بقلم سليم بوخذير

هديّة الجنرال زين العابدين بن علي للصحافيّين في تونس بمناسبة العيد العالمي لحرّية الصحافة الذي يُوافق أمس الخميس 3 مايو، كانت منعه لنشر إسم منظّم حفلة الموت التي شهدتها مدينة صفاقس التونسية حيث مات 7 تونسيين و جُرح العشرات ضمن سهرة “ستار اكاديمي” مساءالأغثنين الماضي.
قرار منع النشرهذا كان منتظرا تماما بالنسبة لنظام كالنظام التونسي ، فكيف يقبل بن علي بأن تكتب الصحف إسم المنظّم أي المسؤول الأصلي عن الكارثة و هو ليس سوى صهره حسام الطرابلسي مدير مجموعة “فرحة شباب تونس” الذي تعهّد بالحفل ؟ و كيف يرضى بذكر إسم منظّم الحفل و الكارثة حصلت أساسا و أوّلا و أخيرا ،لأنّ المنظّم أساء التنظيم و هو أقرب الناس إلى زوجته ليلى الطرابلسي؟ كيف يسمح و المنظّم أدخل عددا كبيرا جدا من الجمهور إلى المسرح مساء الحفل بشكل يفوق بكثير جدّا طاقة إستيعاب الفضاء ، فحصل بذلك الإكتظاظ الشديد و حصل التدافع الكبير الذي إنتهى بمأساة كبيرة راح ضحيتها العشرات بين موتى و جرحى و مصدومين ؟ كيف يقبل الرئيس بأن يكون صهره الودود هو الذي تُشير إليه الصحف في الداخل بإصبع الإتهام مثلما فعلت ذلك وسائل إعلام بالخارج ؟

و كما في كلّ الأحوال التي من هذا القبيل قرار منع النشر لم يكن مُعلنا في بلاغ رسمي ، و إنّما هو وصل الصحف إيماءً و إشارةً و همسا عبر الهواتف ، و طبعا المنع يسري على ذكر إسم المنظّم حسام الطرابلسي و كذلك على ذكر إسم المجموعة المُسمّاة ب”فرحة شباب تونس” المختصّة في تنظيم الحفلات التي يُديرها ، فلو سُمح للصحف بذكر كلمة ’فرحة شباب تونس” فقط دون حسام الطرابلسي ن من لن يفهم عندئذ من القرّاء في تونس أنّ حسام الطرابلسي هو المنظّم؟ هل هناك من لا يعرف في تونس أنّ “فرحة شباب تونس” هي لصاحبها و مديرها حسام الطرابلسي ؟

و لهذا و حين أخذ الناس يقرؤون تغطيات الصحف التونسية بعد الكارثة بيوم ، وجدوا كلّ التفاصيل عن المأساة ، وجدوا أسماء الضحايا ، مناسبة الحفل ، مكانه ، زمانه . .و . . إلخ ، و لكن لم تتعرّض أي من هذه الصحف في تغطياتها إلى إسم المنظّم ، و كأن الأمر لم يكن يحتاج الذكر أصلا .
وحده من الصحافيين العاملين بالصحف التونسية بالداخل ، تجرّأ على ذكر إسم الشركة المنظّمة للحفل في تغطيته للكارثة و هي “فرحة شباب تونس” ، و أعني الزميل الصحفي كمال بن يونس ، و لكن أين ؟ ليس في صحيفة “الصباح” التونسية التي يعمل بها و التي يسري عليها قرار الحذر كلّ الحذر ، من ذكر إسم الجهة المنظّمة للحفل / المأتم ، و إنّما في موقع “البي.بي.سي” الذي يُراسله من تونس .
و في الواقع لم تكن مسألة مُفاجئة للملاحظين في تونس أن تتخلّى الصحف عن واجبها في ذكر إسم منظّم الحفل/ المُصيبة و بالتالي المسؤول عليه ، فمعروف حجم الحصارالذي تضربه السلطات التونسية على حرّية الصحافة ومعروف مسلسل اليد الغليظة التي تعاقب بها السلطات التونسية أشدّ العقاب كلّ صحفي يحاول كسر عصا طاعة لها ( و إسألوني أنا شخصيا) .
إلاّ أنّ ما يطرح التساؤل حقّا ، هو أنّ النظام التونسي لم ينجح رغم قراره التعتيم على إسم المنظّم في صحف الداخل، في أن يُخفي إسم المنظّم عن الشارع في تونس ، فكيف فات النظام التونسي قبل منعه-بعد الكارثة- ذكر إسم صهر الرئيس كمنظّم للحفل الذي إنتهى بمأتم ، أنّ الصحف التونسية نفسها كتبت قبل يوم واحد من الحفل أن منظّم حفلات “ستار أكاديمي” الثلاث بتونس هي مجموعة “فرحة شباب تونس” بالذات ؟ و من في تونس لا يعرف أنّ “فرحة شباب تونس” هذه إنّما هي لصهر الرئيس حسام الطرابلسي مثلما اوضح هو و مساعديه في مؤتمرات صحفية سابقة مرارا و تكرارا؟ هل يمكن أن ينسى التونسيون هذه المعلومة بعد يوم واحد فقط من نشرها لمُجرّد أن الصحف قرّرت عدم نشرها من جديد بناء على ضغوطات الحكومة ؟
و إذا حصل أن نسي التونسيون هذه المعلومة التي وردت بالصحف بشكل رسمي ، كيف لا ينتبه التونسيون إلى معلّقات الدعاية لحفلة صفاقس بالذات المعلّقة في العاصمة و في صفاقس في عديد الشوارع و قد كتب عليها بالبُنط العريض إسم “فرحة شباب تونس” كجهة منظّمة لوحدها لحفل “ستار أكاديمي” ؟ هذه المعلّقات مازلت إلى اليوم منتشرة بالشوارع التونسية يا سادة ؟ فأي معنى بعد ذلك لقرار إخفاء إسم “فرحة شباب تونس” و حسام الطرابلسي عن أي تغطية لأخبار الكارثة المؤسفة ؟

و كيف فات النظام التونسي أن الشارع التونسي يضمّ الآلاف من حرفاء شبكة الأنترنت ممّن يدخلون إلى مواقع وسائل الإعلام بالخارج و التي كتب مُراسلوها في تونس في تغطياتهم للحدث المؤلم ، إسم حسام الطرابلسي مسؤولا عن الحفل ؟
إنّ محاولات ذرّ الرماد على العيون بالحديث من قبل الحكومة التونسية عن “تحقيق” في كارثة صفاقس مع إستبعاد إسم المنظّم تماما عن أي “تحقيق” قضائي أو صحفي، هو أمر لم ينطلِ على الشعب التونسي الذي فقد عددا من أعزّ أطفاله و شبابه في هذا الحفل الكارثة نتيجة إفراط المنظّم في بيع التذاكر بغرض التربّح و إدخال أعداد مهولة من الجمهور تفوق بكثير جدّا طاقة إستيعاب المسرح .
لم تنطلِ هذه المحاولة ببساطة ،لأنّ هذا الشعب يعرف جيّدا حقيقة أن أصهار الرئيس التونسي هم فوق المحاسبة بل و فوق أن تُذكر أسماءهم -حتّى مُجرّد الذكر- في مأساة كهذه .
و تعازينا الحارّة لمن فقدوا فلذات أكبادهم من أهالي صفاقس ، و إنّا لله و إليه راجعون .

* كاتب وصحافي تونس


الرابط

المصدر :موقع صحيفة “الوطن” (أمريكا) بتاريخ 5 ماي 2007 .