بقلم سامي بن غربية

إذا كانت أشرطة الفيديو التي تعرضت للملك المغربي قد تسببت في حجب موقع يوتيوب في المغرب لمدة ناهزت الأسبوع، قبل أن يُرفع بفضل الحملة الإحتجاجية التي قام بها المدونون و هواة موقع يوتيوب المغاربة، فأن صنفا جديدا من أشرطة الفيديو الهادفة و التي تفضح بجرأة غير معهودة أساليب إبتزاز المواطنين من قبل رجال شرطة المرور قد أثارت موجة من ردود الفعل طالت الصحف المغربية و العالمية و حتى لجنة المراقبة و التفتيش التابعة لإدارة الدرك الملكي التي أرادت تدارك الأمر بإيقاف الأعوان المتورطين بتلقي رشاوي من السائقين.

القصة التي أحدثت ضجة في الشارع المغربي وشقت طريقها إلى أعمدة صحف عالمية كصحيفة لوموند و ليباراسيون بدأت عندما أقدم شاب يتخفى وراء إسم مستعار “قناص تارجيست“بنشر سلسلة من أشرطة الفيديو على موقع يوتيوب فاضحا رجال الدرك متلبسين بتلقي رشاوى من طرف سائقي سيارات نقل البضائع و الركاب مقابل السماح لهم باجتياز نقاط تفتيش نصبوها بمدينة تارجيست التابعة لإقليم الحسيمة. و حسب إحصائيات موقع يوتيوب فقد تمت مشاهدة الأشرطة الثلاثة التي نشرها “قناص تارجيست” أكثر من 491.680 مرة، وهو رقم هائل إذا ما أخدنا بعين الإعتبار حداثة نشر الأشرطة الذي لم تتعدى الشهرين.

Sniper targuist in The media
Sniper targuist in The media

إضغط على الصور للتكبير- المصدر: مدونة محمد دريسي بخات

و حسب الخبر الذي أوردته صحيفة الحدث المغربية الصادرة يوم 2 أوت 2007، فإن ردة فعل رجال الدرك بمنطقة تارجيست على هذه الفضيحة تمثلت في شن حملة تشفي ضد سائقي النقل العمومي و الخاص طـُبّق خلالها القانون بطريقة إنتقامية تم خلالها حجز 70 سيارة بحجة مخالفة أربابها لقوانين المرور. و حسب سكان المنطقة فإن رجال الأمن بدل أن يقوموا بتحقيق حول تورط زملائهم في تلقي الرشوة قاموا بهرسلة المواطنين بحثا عن أي معلومة قد توصلهم للشاب “قناص تارجيست” الذي تحول بعدسته الخفية إلى عدو أول للدرك الملكي.

و إلى جانب التغطية الإعلامية التي قوبل بها الحدث فقد قد قامت أسبوعية تال كال المغربية (TelQuel) بإجراء حوار مع “قناص تارجيست” رفض فيه الكشف عن هويته و حذر فيه رجال الشرطة بأن عدسته لا زالت تتربص بهم.

الشيء الذي لفت انتباهي في هذا الحوار، علاوة على الحس المواطني الذي يتمتع به “قناص تارجيست” و اهتمامه بالشأن العام، فهي محاولة الصحفي لتقديم العمل الذي قام به “قناص تارجيست” على أساس أنه تهور و عمل غير مسؤول كان من الأجدر أن لا يقوم به.


Pour dénoncer la corruption que connaît votre région, vous avez décidé de filmer des gendarmes en flagrant délit de corruption, et vous avez tout balancé sur Internet. Dites-moi, on s’ennuie à ce point chez vous ?

C’est pire ! Le quotidien à Targuist est devenu quasiment invivable. Les gendarmes y ont semé la terreur, profitant de l’ignorance et de la naïveté des habitants qu’ils traitent comme des “awbach”, des moins que rien, pour se remplir les poches. Je ne pouvais pas rester les bras croisés. Il fallait que quelqu’un réagisse.

Et vous n’avez rien trouvé d’autre que Youtube.com pour ça ?

Je n’allais quand même pas me tourner vers notre justice qui, nous le savons tous, n’est pas un modèle d’indépendance. Internet est beaucoup plus efficace et, surtout, ne reçoit d’ordre de personne. En tout cas, avec ces vidéos, je pense avoir ouvert une brèche. À vous, les journalistes, de finir le boulot.

هذا التنكر لدور الإعلام البديل الذي يلعبه ناشطو الأنترنت على مواقع مثل يوتيوب و المدونات يعبر عن فشل الصحافة التقليدية في تعاطيها مع استفحال ظاهرة الإرتشاء، إلى حد دفع صحفي أسبوعية TelQuel إلى طرح سؤاله الأخير الإستغرابي الذي ينم عن قبول بواقع الفساد و كأنه قدر محتوم لا يرجى اصلاحه. الخلل الثاني يكمن في ذلك التعاطي الإستعلائي و العدائي مع النقلة النوعية التي شهدها ميدان الإعلام بفضل الثورة الرقمية و التي أربكت عروش صحافة تقليدية باتت تركض وراء أحداث لم تعد قادرة لا على تغطيتها و لا على صنعها. إذ كان من الأجدر، قبل إلقاء اللوم على “قناص تارجيست” و تحميله “المسؤولية الأخلاقية” التي ترتبت عن “فعلته المتهورة” و التي أدت إلى حبس أعوان الأمن المرتشين، كان من الأجدر أن يقوم الصحفي المحترف بدوره في نقل الخبر و تقصي الحقيقة.

ظاهرة استخدام شبكة الأنترنت لنشر شهادة مصورة حية من قبل المواطن الرقيب و المستقل –لا ذلك الرقيب الهجين الذي أنتجته مؤسسات دولة الحزب الواحد في تونس– نجحت في مصر عندما أجبر المدونون (و أخص بالذكر المجهود الذي يبذله المدون الصديق وائل عباس الذي فاز بجائزة أحسن مراسل صحفي لسنة 2007، و هي المرة الأولى التي تمنح هذه الجائزة لمدون) هناك وسائل الإعلام التقليدية إلى التعرض لقضايا رفضوا تغطيتها في الأول، كقضية التعذيب في السجون و مخافر الشرطة، و كذا قضية التحرش الجنسي التي شهدهتها شوارع القاهرة و صورتها عدسة المدونين المصريين.

على كل حال، قد يكون أشقائنا المغاربة بفضل حسن استخدامهم للتقنيات الحديثة قد اكتشفوا علاجا لداء الرشوة و الإستبزاز التي ينخر بها جهاز “الأمن” أوطاننا. و عسى أن تكون عدسة “قناص تارجيست” مُعدية في كشفها للحقائق المسكوت عنها التي ألفتها صحافتنا التقليدية و رضت بها قدرا.
إذ يببدو أن حمى مراقبة أعوان الأمن و نشر أشرطة الفيديو الفاضحة على يوتيوب تجاوزت منطقة تارجيست. فقد قام شاب آخر يبلغ من العمر 19 سنة و يطلق على نفسه “قناص ناظور” بفضح رجال الدرك متلبسون بابتزاز المواطنين و قبض الرشاوي في شريط فيديو مستوح على ما يبدو من أشرطة “قناص تارجيست“.

و قد شاهدنا خلال شهر ماي الفارط كيف قام شاب تونسي بنشر شريط فيديو على موقع يوتيوب يصور فيه صديقه السائق و هو يـُرشي عون أمن يتظاهر بمراقبة أوراق السيارة.

سامي بن غربية، 17 سبتمبر 2007

www.kitab.nl

www.nawaat.org