لقد عودتنا طبيعتنا الإنفعالية و المتشنجة على “رفض” ما هو أمريكي أو غربي عند الحاجة و القبول به… عند الحاجة أيضا. أحسن مثال على هذا هو الدعوة التي أطلقها البعض- ممن أحترم فيهم مناصرتهم لقضايا الأمة العربية- لمقاطعة الندوة التي ستنظمها الإيراكسليس مبادرة الشرق الأوسط الكبير كما يوهم البعض. و كأن من سيشارك في هذه الورشة سيدخل “خيمة الإدارة الأمريكية الحالية” مباركا مخططات بوش و بني صهيون في منطقة الشرق الأوسط التي أحببنا أم كرهنا تحكمها أمريكا و ذيولها (باستثناء بعض جيوب المقاومة في لبنان و فلسطين و إيران).

سخافة هذه الإتهامات و حماسة دعوة المقاطعة يأتي في الوقت الذي يستعمل فيه الداعون إليها خدمة تدوين بلوغسبوت أو بلوغر التي شارك مديرها التقني و مؤسس غوغل، سيرغي برين، قبل يومين في مراسم الاحتفالات بعيد ميلاد دولة إسرائيل حيث ألقى خلالها كلمة، و إلى جانبه مارك زوكربغ، مؤسس الشبكة الإجتماعية فايس بوك التي يطوفون حولها يوميا.

فلماذا لا يقوم هؤلاء بمقاطعة خدمات التدوين الأمريكية و “المتصهينة” التي يدونون عليها و التي يحتفل مؤسسوها بقيام دولة إسرائيل على أنقاض حقوق الشعب الفلسطيني. لماذا لا ينتقل هؤلاء الحريصين على عدم دخول الخيمة الأمريكية إلى خدمات التدوين العربية مثل مكتوب و جيران و يقبلون بشروط الإستخدام التي صُممت على قياس “أولي الأمر” و يدخلوا خيمة الطاعة العربية التي يطبل لها البعض بصمته عن مناصرة مدون تونسي و هو سليم بوخذير سجن بسبب أرائه و دافعت عنه منصات أمريكية.

لعل البعض ممن يتابع قضايا التدوين العالمي يتذكر جيدا الموقع الذي كان يحتله المدون الإيراني و الأب الروحي لما يسمى بالبلوغستان، حسين درخشان. لقد كان من أشهر المدونين و أكثرهم حظورا في الندوات المهتمة بشؤون التدوين و حرية التعبير على الشبكة خاصة في المحافل الأمريكية الرسمية و الغير رسمية. نجم حسين درخشان “سقط” و تخلى عنه الكثيرون من أصدقائه و من المتشدقين بالدفاع عن حرية التعبير، بل باعوه و لم يساندوه عندما قرر مزود الخدمة الأمريكي شطب مدونته الشهيرة بسبب كتاباته الناقدة لبعض المعارضين الإيرانيين المتحالفين مع المحافظين الجدد بأمريكا.

سبب هذا الإنقلاب على حسين و عزلته هو وقوفه مع حكومة إيران باعتبارها مـُنتخبة و على الرغم من صفته كلاجئ سياسي و دفاعه عن حق إيران في امتلاك التكنلوجية النووية و رفضه توظيف ملف حقوق الإنسان و حرية التعبير من أجل شن حرب على بلده إيران. فهل غيرت الندوات و الإحتفالات و النزل الفاخمة من قيم حسين درخشان و مبادئه؟
أم هل قاطع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد جامعة هارفرد التي تعد معقل المحافظين الأمريكيين عندما ألقى كلمته في حرمها و أمام جمهور يكن له العداء؟

لقد علمتنا الخمسون سنة الماضية من تاريخ النكبات و الهزائم العربية أن لغة الحماس و التخوين و “الذكورة السياسية” و المقاطعة العرجاء (تلك التي تقاطع باليمنى و تأكل باليسرى) لا تصمد أمام تعقيدات الواقع و أنها لم تحل يوما قضية و لم تنتصر في المعارك التي خاضتها. بل أن أؤلائك الذين أقاموا الدنيا و لم يقعدوها ب”طزهم” الثورية ضد أمريكا هم أول من سلم عتاده و ماله إلى الأمريكان.

فقاطعو بلوغر إن كنتم صادقين.

سامي بن غربية | فكرة