سمك “الشلبة” من الأسماك المعروفة في بلادنا. وهو يتميز بخاصية ينفرد بها دون بقية الأسماك. ميزة هذا السمك أنه يرعى نبتة بحرية مخدرة تجعل من يأكله يصاب بنوع من الفقدان المؤقت للإدراك والتمييز. وبالطلاع على البيان الذي أصدره بعض الزملاء عشية الثلاثاء 9 جوان 2009 تحت عنوان : “نتمسّك باستقلالية النقابة وحرية الإعلام وندعو إلى الاحتكام إلى الصحفيين في مؤتمر استثنائي استجابة لعريضة وقعها أكثر من 600 صحفي وعريضة سحب الثقة التي أصدرها ثلثا الصحفيين أقالت ما تبقى من المكتب التنفيذي“، يتبادر إلى الذهن أن عددا من الزملاء الذين كتبوا هذا البيان أفرطوا في أكل (الشلبة) خلال المأدبة التي أقامها لهم مسؤول سام بوزارة قطاعية يوم الأحد 31 ماي 2009 بأحد المطاعم الفاخرة بضاحية قمّـرت البحرية، مما جعلهم يفقدون البعض من صوابهم ومن ملكة التمييز!؟

زملاؤنا المحترمون أكدوا في بيانهم تمسكهم باستقلالية النقابة. وهو ما كان سيحسب لهم حقا لو أنهم همسوا على الأقل بأنهم يرفضون تدخل مديري المؤسسات الإعلامية في عمليات توقيع “عريضة الإقالة” التي يروّجون لها. ويؤكدون تضامهنم الكامل مع كل الزميلات والزملاء الذين انتزعت منهم إمضاءاتهم تحت التهديد والإكراه!؟

زملاؤنا المحترمون أكدوا إصرارهم على خيار الاحتكام إلى المنخرطات والمنخرطين في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بمختلف أجيالهم وانتماءاتهم، لكنهم لم يشيروا إلى أنه علينا انتظار خمسة أيام أخرى حتى تبدأ عملية تحديد هؤلاء المنخرطين بعد تعليق قائماتهم. ذلك أنه لا يمكن الاحتكام لجسم لم تتشكل حدوده بعد!؟ فالمحتكم إليه يجب أن تكون له الصفة القانونية. وهذه الصفة لا تتكون إلاّ بعد تعليق القائمات النهائية للمنخرطين؟

زملاؤنا المحترمون صرّحوا بأن حسم الخلافات يكون عبر احترام القانون الأساسي والنظام الداخلي ، وهم محقون بكل تأكيد في ذلك. لكن هل احترموا القانون الأساسي والنظام الداخلي للنقابة عندما فوضوا أنفسهم سلطات لا يملكونها!؟ ألم يعلموا بأن هاتين الوثيقتين متوفرتان على ذمة الصحفيين ويمكنهم محاججتهم بها!؟
زملاؤنا المحترمون لاحظوا أن المكتب التنفيذي للنقابة قد أصبح “مكتبا تنفيذيا مُقالا” طبقا للفصل 39 من القانون الأساسي وذلك بمقتضى عريضة سحب الثقة التي أمضتها أغلبية واسعة من الصحفيات والصحفيين. لكن ألم ينتبهوا إلى أن مجرد إمضاء العريضة على فرض عدم وجود مطاعن فيها، لا يعني آليا إقالة المكتب التنفيذي. ذلك أن الإقالة لا تتم إلاّ إذا صوت المؤتمرون ضد التقرير الأدبي الذي يقدمه المكتب التنفيذي، وهو ما يحرم أعضاءه من تجديد ترشحهم حسب مقتضيات الفصل 41 من النظام الداخلي!؟

زملاؤنا المحترمون ذهبوا إلى اعتبار أن “كل القرارات التي اتخذها المكتب التنفيذي المُقال منذ 26 ماي 2009 والمعلنة في بيانه ليوم 6 جوان 2009 وما سبقها، إنما هي قرارات غير شرعية تؤكد مواصلته خرق القانون والهروب من المسؤولية. ونؤكد أن القرار القانوني الوحيد المخول له بعد إقالته هو الدعوة إلى عقد المؤتمر الاستثنائي وتحديد موعده وإفساح المجال للصحافيين لحسم الأمر“!؟ لكن ألم ينتبهوا إلى أن الفصل 39 من النظام الداخلي ينصّ بشكل واضح وصريح على أنه ” عند انعقاد مؤتمر استثنائي على معنى أحكام الفصل 39 من القانون الأساسي بسبب شغور يتجاوز ثلاثة أعضاء أو بسبب عريضة قانونية لإقالة المكتب التنفيذي تمضي عليها الأغلبية البسيطة من الأعضاء العاملين، فإن المكتب التنفيذي المتخلي يبقى مسؤولا إلى حين انعقاد المؤتمر الانتخابي الاستثنائي“!؟ إذن والحال وذلك هل لمسؤولية المكتب معنى آخر غير أنه يمارس صلاحياته كاملة إلى حين عقد المؤتمر الاستثنائي؟

زملاؤنا المحترمون في تقديرهم “أن الدعوة إلى جلسة عامة يوم 26 جوان 2009 ومكتب تنفيذي موسع يوم 30 جوان 2009 هو مناورة تمويهيّة يائسة جاءت بعد اتخاذ سلسلة من القرارات غير الشرعية وأن الهدف من ورائها هو الالتفاف على إرادة الصحافيين الحرّة ومحاولة دفعهم إلى المصادقة على قرارات متخذة سلفا“؟ فهل أصبحت دعوة الصحفيين للاجتماع لتدارس أوضاعهم والاطلاع على مجرياتها مناورة تمويهية هدفها الالتفاف على إرادة الصحفيين!؟

زملاؤنا المحترمون احترزوا على قيام النقابة بطعن قضائي في العريضة التي وجهوها للمكتب التنفيذي بواسطة عدل منفذ!؟ أليس هذا العدل المنفذ مساعدا قضائيا؟ ثم ما ضير زملائنا المحترمين في تظلم النقابة للقضاء!؟ أليسوا واثقين من صحة وقوة موقفهم القانوني!؟

أعود للفصل 39 من النظام الداخلي لأسأل زملائي المحترمين: هل يدركون معنى عبارة “عريضة قانونية” الواردة بهذا الفصل؟؟
المكتب التنفيذي أكد بشكل واضح لا لبس فيه في بيانه بتاريخ 6 جوان 2009 أنه لن ملتزم بالقانون الأساسي للنقابة وبنظامها الداخلي، وأنه ملتزم بكل ما يقرره الصحفيون في إطار نقابتهم باعتبارهم مصدر السلطة والشرعية. كما أكد بأنه سيبتّ في “عريضة الإقالة” حال تعليق القائمات النهائية للمنخرطين. فما الذي يريدونه من المكتب أكثر من ذلك!؟

هل قدّر المندفعون من زملائنا على جناح إمكانات السلطة، خطورة أي شرخ قد يحصل بالنقابة على المهنة وعلى البلاد؟ أم أن بُعد نظرهم يعيقهم عن النظر أمامهم!؟

هذه نقابتننا وستبقى عزيزة عصية على الطامعين، ولو كره الكارهون
عاشت نضالات الصحفيين التونسيين
عاشت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين حرة مستقلة مناضلة

زياد الهاني