مصير طلب “الشريك المتقدم”
منذ بداية هذا العام نشطت اللقاءات بين مؤسسات الاتحاد الاوربي (بما في ذلك البرلمان الأوروبي) و الحكومة التونسية للبت في طلب تونس الحصول على هذه المرتبة. هذه اللقاءات انتهت بندوة صحفية مشتركة في بروكسيل يوم 11 ماي أعلن فيها تشكيل مجموعة عمل لوضع خريطة طريق نحو مرتبة “الشريك المتقدم”.
كان هناك على ما يبدو رغبة تونسية في الحصول على مرتبة “الشريك المتقدم” في لقاء شهر ماي غير أن ما حصل يبدو تأجيلا لذلك بدون جدول زمني واضح مع وضع الشأن السياسي رسميا في الصدارة و تحديدا الشأن الداخلي (حقوق الانسان و التعددية) و مواقف الخارجية التونسية في شؤون المنطقة. هذه مؤشرات سلبية تحيل على تأجيل البت في الملف التونسي بدون شك لكن ليس هناك “رفضا”. يبقى الآن سؤال أكثر أهمية: هل ما حصل للملف التونسي مسألة استثنائية ترجع لدور بعض الحقوقيين و في علاقة تحديدا بالملف الحقوقي؟
بين يومي 11 و 13 ماي قام الاتحاد الاوروبي بإعلان موقفه فيما يخص سياسة التجاور من “تقدم” أوضاع 12 دولة و باستثناء المغرب و مولدافيا و اوكرانيا فإن بقية الدول المعنية بسياسة “التجاور” بما في ذلك تونس لم تحظ بتقييمات ايجابية عموما. الملف السياسي كان أحد القواسم المشتركة لـ”عدم الرضا” الاوروبي. التقرير الخاص بتونس أشار أيضا الى “عدم حصول تقدم” في ملف مقاومة الفساد. غير أنه سواء في الملف التونسي أو بقية الملفات فإنه يبدو أن الموقف الأوروبي لا ينبني فقط على أسس سياسية. يجب التذكير هنا أن حصول دولة مثل المغرب سنة 2008 على مرتبة “الشريك المتقدم” كان يعني زيادة التزامات المالية الاوروبية لمصلحة المغرب. غير أن المناخ الراهن يجعلنا نتوقع ترددا اوروبيا للانخراط أكثر في التزامات مالية أكبر. و مهما كان التركيز على الشأن السياسي في التقارير الرسمية إلا أنه سيكون من غير الواقعية أن نتصور القرارات الاستراتيجية الاوروبية في هذا الشأن قائمة فقط على مرجعية حقوقية. و رغم ذلك فإن تونس ستتحصل على واحدة من أكبر المعونات المالية الأوروبية يصل الى 240 مليون دولار بين سنتي 2011 و 2013 بما لا يعكس أولوية أوروبية للملف السياسي.
مشروع القانون الجديد
كان التقديم الاعلامي لمشروع قانون “جريمة الأمن الاقتصادي” (أنظر مثلا تقرير “الصباح” بتاريخ 27 ماي) بوصفه “تدارك ثغرة” في الفصل 61 من المجلة الجزائية بعيدا عن أي سياق سياسي. تم الحديث عنه أيضا في سياق مقارن “على غرار القانون الفرنسي” على حد قول أحد المصادر غير المسماة. تتم الاشارة مثلا الى الفصلين 410 و 411 في القانون الجزائي الفرنسي لاضافة البعد الاقتصادي في جريمة “المس بالمصالح العليا” للبلاد. غير أن نظرة سريعة على القانون الفرنسي توضح أن “الجريمة الاقتصادية” في هذا المستوى محددة بالأساس في سياق “التجسس الاقتصادي” و قد وقع تضمينها في سياق تشريعات دول غربية عديدة في إطار حرب التجسس الاقتصادي بعد انتهاء “الحرب الباردة.
لقد قام وزير العدل و حقوق الانسان في جلسة البرلمان التي صادقت يوم 15 جوان على القانون بنفي أي تأثير على الحريات المكفولة في الدستور. و الواقع أن التفريق بين “القصد في التحريض على الإضرار” من عدمه مرتبط في نهاية الأمر بتعريف “المصالح الاقتصادية العليا” و التي تتعلق في الأصل بسياسات اقتصادية يمكن الاقتناع بها أو عدم الاقتناع بها. و تبدو صيغة القانون إشكالية أكثر عند تعريف “الجهات الأجنبية” إذ يشير القانون الى “أعوان دولة أو مؤسّسة أو منظمة أجنبيّة”. فهل التعبير عن موقف معارض للخيارات الاقتصادية الرسمية، لنقل مثلا، في مؤتمر تنظمه منظمة أكاديمية غير حكومية أجنبية يدخل ضمن اطار “التحريض”؟ إن هذه الاشكالات هي التي يمكن أن تجعل القانون قابلا للتأويل بما يمس الحقوق الدستورية. كما أن القلق الراهن ينبع ايضا من تقاليد التأويل السياسوي للقوانين و ليس من فراغ. لكن هل الاعتراض المشروع على القانون يعني تبرير توظيف آليات ضغط حكومية خارجية؟
الضغط من أجل الدمقرطة
إن أحد المواضيع الاشكالية و التي لا تخضع لنقاش كافي هو موضوع كيفية التصرف إزاء توظيف الضغط الخارجي الحكومي في مسار الدمقرطة. و هو منهج غير جديد يوظف البند المتعلق بالالتزامات الخاصة بالوضع السياسي و الحقوقي في اتفاقية “الشراكة”. يجب أن نتذكر هنا أن السياق السياسي الذي تم فيه التوقيع على “اتفاقية الشراكة” لم يكن سياق وفاق سياسي وطني كما أن بنود الاتفاقية التي تساهم في ترسيخ دور أوروبي علوي لا تبدو في “المصلحة العليا” لتونس. إذ حتى لو لم يشارك أي حقوقي تونسي في الضغط على المؤسسات الاوروبية فإن هناك ما يكفي من المنابر الحقوقية الدولية التي ستقوم بذلك.
لكن القول بأن السلطة هي التي أمضت على الاتفاقية بما في ذلك البند السياسي لا يبرر الانخراط في توظيف ذلك البند. فمسار دمقرطة الدولة التونسية لا يمر عبر تقويض سيادتها. إذ أن تفكيك الاستبداد الداخلي غير ممكن في حالة ترسيخ الاستبداد الدولي. كذلك من غير من الممكن أن نقارن مثلا جهود الحركة الوطنية التونسية لتحصيل دعم دولي من أجل تأسيس دولة مستقلة بوضع يتمثل في معارضة ضعيفة أمام سلطة اقصائية لكن في نهاية الأمر في اطار دولة مستقلة دستوريا و رمزيا.
إن أحد مظاهر المعضلة التونسية الراهنة هي الاعتقاد بأنه ليس أمام معارضة محاصرة من قبل سلطة لا تقبل الانفتاح و مسيطرة سوى التركيز على ضمان “تضامن دولي”. لكن إذا قدر للقوى الدولية المهيمنة الانصات الجدي لأي بدائل معارضة فلن يكون ذلك في سياق ميزان القوى الحالي. و هكذا فإن المحصلة البسيطة التي نحن بصددها أن أي عزم في ظل الوضع الراهن على تحصيل “تضامن دولي” خاصة من قبل حكومات القوى الدولية المهيمنة هو أسلوب غير واقعي بالاضافة الى أنه يمكن أن يساهم في اهتراء السيادة كأحد أسس الدمقرطة. كما يساهم في المساعدة على تشويه أي عمل احتجاجي خاصة أن الشعور الوطني الشعبي ضد الهيمنة النيوكولونيالية ليس هينا.
إن مفتاح التغيير في الداخل و ذلك ليس مجرد شعار رومنسي بل هو أيضا أساس أي نظرة واقعية للوضع التونسي. و هذا يعني الانضباط لنبض الشارع الذي لايزال شديد التردد من أي عمل احتجاجي و كذلك ضرورة تشجيع أي دماء جديدة بعيدا عن الأطر التقليدية شكلا و مضمونا. و ربما كانت الومضة التي أطلقتها شبيبة 22 ماي في حملتها ضد الحجب هي أحد الأمثلة المبكرة على بدائل المستقبل.
طارق الكحلاوي
*مقال صادر في جريدة الموقف في عدد اليوم 18 جوان 2010… هناك اختلاف وحيد مع النص الأصلي و هو العنوان.. لكن أتفهم رغبة ادارة تحرير الجريدة في اختيار عنوان عام لملف حول القانون سيكون محور مقالات الاعداد القادمة كما يبدو من تقديمها للمقال.. رغم أن المقال كان أطول و تم تلخيصه لضوابط النشر إلا أنه حافظ على أهم النقاط الواردة فيه… في سياق الفايسبوك سأكون سعيدا لو ساهمت في فتح حوار جدي حول موضوع الضغط من الخارج و هو موضوع الشطر الثاني للمقال.. إذ لا أعتقد أن النقاط الواردة في الشطر الاول تستحق نقاشا كبيرا من الاصدقاء الموجودين على صفحتي
iThere are no comments
Add yours