عندما نادى الطاهر الحداد,ذلك التونسي العظيم, بتحرير المرأة في تونس في ثلاثينات الفرن الماضي , اتهم بالإلحاد و حكم عليه اثر نشر كتابه ( امراتنا في الشريعة و المجتمع) بإباحة دمه بتهمة الزندقة , و يعد ذلك أمرا طبيعيا و مفهوما آنئذ لما تميزت به تلك القترة من تزمت و انغلاق في العقليات ساعدا المتعصبين حينئذ في محاصرة أفكار الطاهر الحداد التحررية بدعوى الخروج عن تعاليم الدين و مقتضيات الشريعة الاسلامية في حين ان المثقفين في عصره قد ساندوه في نشر أفكاره التي تجسدت غداة الاستقلال في نصوص قانونية .

إلا انه و بعد قرابة قرن من الزمن يلاحظ تغير كبير و تراجع في العقليات و في التعامل مع مسالة المرأة و هو ما يعد امرأ غير طبيعي و غير مفهوم ليس في تونس فقط و إنما في جل المنطقة المغاربية التي تعد للمرأة فضل كبير عليها و هي التي قادت عديد المعارك سواء في حروب الاستقلال الوطني او حتى في مراحل تاريخية لاحقة في عديد المعارك دفاعا عن السيادة الوطنية و الحداثة و مواجهة الزحف الظلامي و الرجعي ليبقى الخطر الكبير غير كامن في تقدم المد السلفي بل في ضعف و هشاشة أساليب مقاومته في ظل تفاقم حالات الازدواجية التي تعاني منها النخب السياسية و الثقافية و كان المنظومة الثقافية و المعرفية عندها تتقاطع مع المنظومة الأخلاقية و الدينية التي تبدو و كأنها المحدد الوحيد في تعاملها مع المرأة وهو ما يحيلنا إلى مفهوم المثقف الرجعي أو المثقف المحافظ الذي لا يهتم إلا بتحقيق ا لمنفعة المادية والمتعة الوجدانية و هو ما يحيلنا إلى التساؤل عن جدوى التشريعات و القوانين لفائدة المرأة مادامت لم تغير شيئا في مجتمعاتنا و لم تؤثر حتى في نمط حياتنا؟

في الغرب و في نهاية القرن الثامن عشر ظهرت فكرة التشابه بين الرجل و الراة و التي افرزت اعطاء حق الملكية للمراة و حق التصويت …… و طرحت فكرة الاستقلالية الفردية و التي واجهتها عديد القوى لزمن طويل بفكرة اخرى و هي فكرة الاختلاف كمبرر لدونية المراة و تكريسا للمنهج الباترياركي في التعامل معها ليس في ما هو سياسي و اقتصادي فقط بل في ماهو اجتماعي و ثقافي أيضا لتتالى الأصوات الداعية لحرية المرأة ككائن حر و مستقل و تحقق تقدما نوعيا في سبعينات القرن الماضي و بروز التيار الثقافي الذي نجح في كشف زيف ما سبقه من حديث عن قضايا المرأة و تكريس لتبعيتها داخل العائلة وفي علاقات العمل و في المجتمع عموما.

و رجوعا إلى بلداننا المغاربية التي و رغم قربها الجغرافي من الغرب فان التعامل مع مسالة المراة و المساواة بينها و بين الرجل لم يرتق بعد إلى مستوى الاقتناع بها كفكرة بل هي لم تتعد حدود استغلالها كشعار أو كأحد محاور المعارك السياسية أو كعنوان للمزايدة مما يحصر هدف رافع مثل هذا الشعار لا يتجاوز مسايرة ركب التصدي للتيارات السلفيةاو استغلاله كوسيلة تعبئة و استقطاب او وسيلة لكسب البعض و ضرب البعض الأخر مما يجعل دعاة حرية المرأة الميكيافليين اكبر خطر عليها و اكبر سند للسلفيين لأنهم لايتعدون أن يكونوا في الحقيقة سوى 3 جمهور احتياطي 3 لدى الظلاميين و ذلك رجوعا الى ممارساتهم خارج الحملات الدعائية و الانتخابية و في الاجتماعات العامة و محاولات الاستقطاب لتبقى مسالة المرأة في بلداننا غير خارجة عن سياق التوظيف السياسي في ظل هيمنة ذكورية تتجلى في سلوك النخب الاجتماعي المحكوم بنتاج ثقافي زاخر بأفكار من قبيل أن المرأة كائن لا يتعدى التفكير فيه خارج حدود الجسد و ليس ككائن واع و مفكر و حر و مسؤول عن اختياراته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية بعيدا عن قالب الزوجة والجارية و مربية الأطفال و بعيدا عن تلك النظرة المعبأة بشحنات التمييز الجنسي و الحط من قيمتها و دورها في استهلاك ركيك لموروث ثقافي و ديني متخلف و عقد و تناقضات ذكورية تتحمل وحدها المرأة تبعاتها من خلال الإرهاصات والحيف الذي تتعرض له يوميا بوصفها ذلك الكيان الأضعف الذي تآمر عليه التخلف الذكوري و الطبيعة و التركيبة البيولوجية حتى أصبح لا يصلح الا للمتعة و التكاثر و التناسل حتى في نظر النخب التي لم تتخلص بعد من عقدها و انغلاقها و شبقها و انفصاماتها , تلك النخب التي لم تتخل بعد عن النظرة الإقطاعية في التعامل مع المرأة كخادمة و كجسد او النظرة الدينية ( وما ملكت إيمانكم ) او النظرة الأخلاقية ( كل النساء مومسان ما عدا زوجتي و أمي )ا ولم تحاول البحث في ذات المرأة كذات تتساوى مع الرجل في الحقوق و الواجبات و ……., نخب لم لازالت تعيش في جلابيب ابائها مخافة أن تتوه و تذوب فتلتجئ لما هو تقليدي و ديني و عقائدي لتحصين ذواتها ضد التلاشي في ثقافة معاصرة و حداثية لا تعرفها و لا تعرفها في غير الشعارات و الحملات السياسية و الدعاية الحزبية .

فهنيئا للتيارات السلفية بهذه الأرضية الخصبة التي هيأها لها احتياطي النخب السقيم و المتخفي وراء شعارات
الحداثة

شهرزاد عكاشة