تقــريـر عن حــــوار بيــن أعـضــــاء مـن بـرلـمـــــان تـونـــس الافـتــــراضــــي والـدكـتـــور مـنـصــف المــرزوقــــي

المشاركــــون في الحـــوار: • الـدكتــور منصـف المـرزوقـي• السيــد زهيــر مخلوف، رئيس البرلمان ومنشط الحوار • الأستــاذة ايمـان الطـريقـي• الدكتور محمد عبد الكريم• السيـد عبد السلام التــوكابـري• السيـد رضـى بن عـلـي• السيـد علـي رابــح• الأستــاذة لطـــيفة شعبـــان• الأستــــاذ نبيـــل اللبــــاسي، مقــرر الجلسة

بدأ اللقاء عند التاسعة وعشرة دقائق بالترحيب بالدكتور كضيف على البرلمان، ثمّ قدّم رئيس البرلمان النواب المشاركين في الحوار للدكتور.

د. المــرزوقــي: هناك جيل جديد صاعد في تونس، لا نعلم عنه الكثيــر،،، إذ منذ أن فرض علينا التغـرّب والهجرة خارج الوطن نشأت قطيعة خطيرة بين الأجيال، وأشكركم على هذه المبادرة وهذه الفرصة التي أتحتموها لي للاقتراب وملامسة اهتمامات ومشاغل الجيل الجديد في تونس وطرق تفكيره… وللحقيقة، هناك سوء فهم كبيــر ما بين الأجيال في بلادنا…

السيد زهير مخلوف: هناك العديد من المواضيع الملحة وشديدة الخطورة والأهمية نودّ إثارتها معك خلال هذا اللقاء، وأول هذه المواضيع مسألة المناشدات للتمديد للرئيس بن علي، والتي لم نسمع فيها لحد الآن ردا حاسما من الدكتور ولا تحركا قويا من المعارضة، وهو محور سؤال الأستاذ نبيل.

الأستاذ نبيل اللبـاسي: شكرا للدكتور على قبول دعوتنا للإجابة عن أسئلتنا، سؤالي يتلخص في الآتي: “يمثل التمديد والتوريث خطرا حقيقيا قد يقوض آمال شعبنا في التحرر والديمقراطية لأجيال. والتمديد مسلسل قد لا ينتهي، إن قبلنا بحلقته الأولى فسيصعب إيقاف حلقاته الموالية. أود أن أسمع من الدكتور إن كان للمعارضة استراتيجية حقيقية وقوية وتجميعية في مواجهة هذا الخطر أو كانت تنوي إعداد مثل هذه الاستراتيجية في القريب العاجل؟”

د. المــرزوقــي: بدءا، لا يمكننا الحديث عن معارضة بل عن مقاومة مدنية… المعارضات هي من خصائص ومكونات الأنظمة الديمقراطية حيث حرية التعبير والإعلام والتنظم واستقلالية القضاء وشفافية ونزاهة الانتخابات… أما تحت الديكتاتورية حيث تُصادر الحقوق والحريات وتُحتكر وسائل الإعلام لخدمة عصابة استولت على السلطة واحتكرتها وفي ظل قضاء غير عادل وغير مستقل فلا يمكن أن تكون المعارضة إلا ضعيفة ومهمشة أو مدجنة… لذا، لا يمكننا الحديث عن معارضة تحت نظام ديكتاتوري، بل عن مقاومة للديكتاتورية، مقاومة مدنية.

وفي بلادنا، رغم 130 ألف بوليس والدعم الغربي المكثف والمتواصل وقوى المافيا المجتمعة، فإن المقاومة، رغم قلة عدد أفرادها، تقدمت بالكثير الذي ستفخر به يوما ما بلادنا.

من حيث تجميع قوى المعارضة، فإنه يمكنني ذكر أنه خلال العشر سنوات الأخيرة حصلت 6 أو 7 محاولات للتجميع، لكن لاختلافات متعددة تتمحور حول تشخيص طبيعة النظام وطرق التعامل معه ومواجهة الديكتاتورية، فضلا عن الخلافات الشخصية أو الحزبية أو الأيديولوجية فإن هذه المحاولات باءت بالفشل…

كنت دائما أؤكد على أن هذا النظام بوليسي وقمعي وأن لا خيار لنا غير المقاومة المدنية. وكنت أنادي بإنشاء جبهة سياسية واسعة تطرح نفسها كبديل ديمقراطي عن الديكتاتورية بدل أن تكون لنا معارضات مهمشة تطالب السلطة بصوت ضعيف بإصلاحات ترقيعية وحلول تجميلية لثوب الديكتاتورية… وكان هذا الموقف أقلّي، لكن مع الوقت، بدأ الجميع يدركون طبيعة وحقيقة هذا النظام.

مناشدات التمديد والتوريث، هي فرصة جيدة أحدثها مطلقوها دون رغبتهم ومناسبة لا بد من استثمارها لجمع كل ألوان الطيف السياسي حول محاور رئيسية تهم مستقبل البلاد… وفي هذا الإطار فإن هناك مساعي حثيثة لجمع كل الأطياف والقوى السياسية من أجل بناء جبهة واسعة ضد التمديد والتوريث… وأنا أطلب من شباب البرلمان وكل شباب تونس التحرك على صفحات الفايسبوك وغيره من المواقع والمدونات لدعم هذا التحرك وهذا التوجه…

لنعلم أن الطبقة السياسية والشباب اليوم في واد ومجموعات المافيا والباندية في عالم ثان… ومن بين السيناريوهات التي تُطبخ حاليا في كواليس القصر، تدبير عملية انقلاب على رئيس الدولة بتعلة المرض أو الشيخوخة، على أن تتولى السيدة الأولى وإخوتها مقاليد البلاد وليتوارثوا الحكم فيما بينهم.

طبيعة النظام هذه تفرض اليوم الالتقاء بين الجميع، وقد بدأنا نشهد تقاربا بين ما يسمى بالشق المعتدل مع الشق المتهم بالراديكالية والتطرف. ودور الشباب رئيسي وأساسي في هذه المعركة، ومصيرها يهمه ويهم الأجيال التي من بعده كما يهم الجيل القديم. لذا إن لاحظ أدنى تقاعس أو فشل في التصدي لمشاريع التمديد والتوريث فما عليه إلا أن يفتك المبادرة ويقوم بالثورة على الزعامات السابقة والفاشلة، لأن المسؤولية التي تنتظرنا هي مسؤولية أجيال وتتطلب حلول لأجيال، وعلى الأجيال الصاعدة أن لا تكتفي بالفرجة والانتظار..ـ

السيد زهير مخلوف: إذا هي معركة جيلية تشارك فيها كل الأجيال وعلى مدى أجيال

رضـى بن علـي: بعد السلام والتحية، أود أن أسأل الدكتور السؤال التالي: “إلى ماذا يرجع ضعف وعجز المعارضة عن التنسيق والتعاون فيما بينها؟ وكيف يمكن تكوين جبهة يمكنها أن تحدث التراكم في واقع الضعف الكبير للمعارضة؟”

د. المــرزوقــي: أراني مضطرا لأعيد نفس ما قلته سابقا في أنه لا يمكن أن توجد معارضة سياسية تحت نظام ديكتاتوري، والمطلوب هو إنشاء مقاومة مدنية لهذه الديكتاتورية، مقاومة تأخذ وجوها وأشكالا متعددة: مقاومة نقابية لدى كل الهياكل والهيئات، من نقابات العمال وهيئات المحامين والصحافيين والأطباء والصيادلة والمهندسين،…، مقاومة شبابية تساهم فيها كل التجمعات والتنظيمات الشبابية والطلابية والتلمذية وعلى صفحات الأنترنت، مقاومة نسائية، مقاومة حقوقية تساهم فيها كل منظمات المدافعة عن الحقوق والحريات، مقاومة فكرية وثقافية..

لكن نقدنا للتجارب السابقة ولدواعي فشلها ينبغي أن لا يتحول إلى عملية جلد للذات،،، هناك عوامل موضوعية عديدة ساهمت في إضعاف الطبقة السياسية… هناك حوالي 300 شخص حملوا همّ هذا الشعب ولا يزالوا يحملونه لمدة 30 سنة ويتحركون على الساحات الحقوقية والسياسية والنقابية، ودفعوا ثمن ذلك غاليا… فضلا عن آلاف المسجونين والمطاردين والمقهورين في وطنهم بسبب أفكارهم وانتماءاتهم…

وحتى إن كنت أختلف مع من ذهبوا للانتخابات أو راهنوا على حلول تصالحية ومطلبية ومهادنة للسلطة فليس لي لوم عليهم. المهم أن نلتقي اليوم على قواسم مشتركة وأهداف تجمعنا، وهناك محاولات وسعي دؤوب للتقريب بين المعارضين ووجهات النظر المختلفة. ولا بد أن تشهد هذه السنة ميلاد جبهة تجميعية، تجمعنا رغم اختلافاتنا، وعلى الشباب دفع الأمور إلى الأمام لإنجاح هذا التوجه.

لا بدّ لنا من أن نعدّ بدائل وأن نتحرك كبديل عن السلطة، وعلينا القطع مع عقلية التسوّل والانتظار الدائم لمنّ وهبات وإصلاحات السلطة. فالديكتاتورية لا تعتبر المعارضة شريكا في اللعبة السياسية وإدارة الشأن العام، وهي لن تمدّ المعارضة بأيّ عطية إلا بما يبقيها في موضع الدونية وموضع التسوّل الدائم.ـ

السيد زهير مخلوف: الكثير في المعارضة لم يستوعبوا بعد منهج المقاومة الذي تدعوا إليه ولهم مؤاخذات كبرى عليه، منطلقين خصوصا من تجارب أليمة سابقة…

السيد عبد السلام التوكابري: هل تعتبرون أن نظرة المقاومة ومنطق النضال هو الأكثر واقعية وقربا للجماهير؟ ألا يتطلب العمل المقاوم شروطا موضوعية غير متوفرة اليوم في بلادنا؟

أليس من الأجدى الانطلاق في التغيير بمنطق التدرج والتجديد وبث الوعي وبناء مقومات القوة ومراكمة النجاحات ومحاولة التغيير والتأثير الإيجابي في موازين القوى مع اعتماد فن الممكن؟

على المستوى الوطني نحن غير قادرين على مواجهة أخطبوط الديكتاتورية، ولضمان النجاح علينا تجنب الدخول في معارك فاشلة وتكرار التجارب السابقة والأليمة

معركتنا الرئيسية اليوم هي معركة الوعي وتحرير الإرادات، فالمجتمع التونسي غير مستعد للمواجهة ولا لأي عمل ثوري.ـ

د. المــرزوقــي: كل أمر يحتاج للتدرج في تحقيقه، لكن تدرج في ماذا ولأي اتجاه؟ نحن نرى أنه تدرج في إطار عودة الوعي ورفض الديكتاتورية…

لو أننا منذ 20 سنة اخترنا الإعداد المتدرج للمقاومة ومواجهة الديكتاتورية بكل الأشكال السلمية الممكنة لكنا اليوم في وضع أفضل بكثير من الوضع الذي بلغنا إليه اليوم، لكن التصورات المغلوطة في إمكانية إصلاح الديكتاتورية من الداخل أو من خلال المشاركة في لعبة انتخابية مغشوشة أوصلنا لحافة اليأس والإحباط ولحالة الانسداد التي نعيشها.

لو كنا في بلد تتوفر فيه أدنى درجات الحرية واحترام الرأي المخالف واحترام حقوق الإنسان لاخترنا طريقا ثانية غير طريق المواجهة والمقاومة، لكن انتخابات 1994 و1999 و2004 و2009 واستفتاء 2002 أثبتت جميعها أن طبيعة النظام لم تتغير، وأن الفساد والظلم والقمع وتسفيه أحلام الناس والسخرية من عقولهم ما ينفك في التصاعد والتزايد، وأن المعارضة لم تزدد إلا ضعفا وهوانا، حتى أصبح المواطن العادي لا يعلم شيئا عن معارضات كان لها تاريخ ووقع في العقود الماضية…

نحن ندرك أن مواجهة الاستبداد تحتاج لعقد أو عقدين من الزمن، هو عمل جيلي، تخوضه كل الأجيال وتتناوب عليه، ينطلق ببناء جبهة سياسية من أجل الإطاحة بالاستبداد وبثقافة الاستبداد ومؤسسات الاستبداد… فالاستبداد سرطان ينخر في البلاد وأجياله وما ينفك أذاه يتضخم…

كانت لنا تجربة مريرة في الميدان الحقوقي مع هذه الديكتاتورية، كتبنا آلاف البيانات المنددة بالانتهاكات لحقوق الإنسان ولكبت الحريات، دخل محمد الشرفي الحكومة على أمل الإصلاح من الداخل، شارك البعض في الانتخابات ودخلوا البرلمان،،، لكن لا شيء تغير إلا نحو الأسوأ.

العمل المقاوم قد يكون أصعب مما كنا نتصور، لكن لا خيار لنا ولا بديل لنا عنه… فإن كان لا بد من التدرج، فما علينا إلا وضع استراتيجية طويلة الأمد للعمل المقاوم.

جيلنا نجح في تعرية طبيعة الديكتاتورية، رفعنا عنها غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي كانت تخفي به حقيقتها القمعية القبيحة أمام كل المنظمات الدولية وأمام الرأي العام المحلي والعالمي… وما على الجيل القادم إلا المواصلة والبناء والمراكمة على ما تم إنجازه.

وحتى لا يندثر عمل الأجيال السابقة وتجاربها ومنجزاتها، فإني أدعو إلى تكوين لجان لجمع المعطيات المتناثرة والدراسة والتقييم لما تحقق وما لم يتحقق خلال لعقدين الماضيين، وأدعو برلمانكم للمساهمة في هذا الأمر:ـلجنة لتقييم العمل الحقوقي،ـلجنة لتقييم المشاركات الانتخابية وما قدمته للبلاد وللحياة السياسية من إضافة،ـ لجنة لتقييم العمل النقابي لجنة لتقييم عمل المنظمات والجمعيات…

ويعتبر إنشاء قاعدة بيانية مع تحاليل معمقة وتقييمات موضوعية وجادة مساهمة كبيرة في المشروع التحرري…

ولنعلم أن معركتنا اليوم في العالم العربي لا تقتصر فقط على الاستبداد المحلي بل تتعداه إلى شكل من الاستبداد العالمي المتحالف مع أنظمة القهر العربية، وهو تحالف موضوعي أملاه تواجد دولة إسرائيل من أجل ضمان أمنها وتحقيق مصالحها وبسبب تركّز حقول النفط ومصادر الطاقة في منطقتنا.ـ

السيد زهير مخلوف: هناك تجاذبات كبيرة في المعارضة واختلافات في تحديد الحلول والطرق، هل المشكل في الحلول أوفي الزعامات؟نجيب الشابي أضحى يدعو لتغيير الواقع من خلال المعطيات الموضوعية والقوانين السارية، والنهضة أصبحت تبحث عن التهدئة لتخليص أبناءها من المحاصرة والنفي والسجون والمطاردة، في حين تقول أنت بالمقاومة المدنية…كيف يمكن الجمع بين هذه الاهتمامات والتوجهات المتناقضة في جبهة واحدة؟ وبماذا تختلف عن المعارضات الأخرى؟

د. المــرزوقــي: الخلاف موجود على كل الأصعدة وبين كل المعارضات والأحزاب حتى في الدول الأكثر ديمقراطية، والصراعات الشخصية لا يخلوا منها أي بلد ولا أي تنظيم وهو لصيق بالعمل السياسي في كل العالم، وعلينا أن نتعلم كيف نتعامل معه ونعتبره كمعطى يجب التعاطي معه وليس كمرض يمكننا استئصاله، فالسياسة هي معركة من أجل السلطة لغاية تحقيق برامج، وفي هذه المعركة تلعب شخصية الفاعلين دورا مؤثرا.وما ذكرته عن محاولات حركة النهضة من سعي للمهادنة وتزلف للسلطة غير صحيح ولم أسمع به من أحد، وقد قابلت بعض من قياداتها وأعربوا لي عن تمسكهم القوي بمنهج المقاومة.

النظام يرفض التعامل وحتى مقابلة الدكتور بن جعفر رغم ما يُعرف عنه من لين واعتدال، فكيف سيقبل بالنهضة وقياداتها؟

المجتمع التونسي ككل كائن حي يحمل ذكاء جماعيا قد لا ندركه، تشكّل من خلال ركام التجارب التاريخية والمعطيات الواقعية، وهو يفرز مختلف التيارات داخله والحلول وينطلق ضمن سيناريوهات مختلفة ولا يحتفظ إلا بأحسنها وأسلمها. فأمام السدّ المنيع الذي تمثله الديكتاتورية يجرب جملة من الحلول المختلفة، فيفرز من بين أفراده من يدعون للإصلاح من الداخل وآخرون ينادون للمشاركة في الانتخابات، وآخرون لا يرون في غير رفع السلاح حلا، وطرف رابع يدعو للمقاومة المدنية، وهكذا… كل هذه التشكيلات والحلول المتباينة هي من صنيعة هذا المجتمع، الذي يقوم بعد ذلك بعملية فرز للحلول الناجحة والحلول الفاشلة والمرفوضة.

هذا الجسم الذكي فهم أن الانتخابات لعبة مغشوشة، لذلك هو يقاطعها ويتجاهلها. ولو كانت لنا مراصد للمتابعة العلمية للعمليات الانتخابية لأدركنا كم هي ضعيفة نسبة المشاركة…

الوعي الجماعي لهذا المجتمع يفترض أن لا يضع بيضه في سلة واحدة، وهو يفرز الحلول الأكثر فاعلية ونجاحا،،، وإن كنتم ترغبون في أن يكون للبرلمان الافتراضي دور ووزن فأنا أدعوكم لدراسة مختلف الأشكال التي يقاوم بها هذا الجسم الذكي وطرقه في تحديد أنجح الحلول. لتقوموا بدراسة للعشرين سنة الأخيرة، كيف تفاقم الفساد والقهر رغم ادعاءات الحرية وحقوق الإنسان؟

هناك استراتيجيات متعددة، الكثير منها فشل، ونحتاج لدراستها لتحديد أسباب هذا الفشل للخلوص لاستراتيجيات أكثر نجاحا

الأستاذة لطيفة شعبان: ما هي خريطة الطريق التي وضعتموها للمواجهة؟ ألا ترون أن خنق الحريات الذي خضعت له بلادنا منذ سنة 1990 هو امتداد لسياسة خارجية للضغط؟

د. المــرزوقــي: في منطقتنا العربية نحن نخضع لاستبداد داخلي واستبداد عالمي، والعامل الخارجي يعمل على إضعاف هذه المنطقة بتجريد شعوبها من حقها في الديمقراطية من أجل حماية ودعم إسرائيل.بالنسبة لخارطة الطريق، فيمكن تلخـيصها في تكوين جبهة سياسية مدعومة بالشباب ضد التمديد والتوريث. جبهة لا تكتفي بالعمل الكلاسيكي التقليدي بل تقوم على بث الوعي لدى الشباب وتضع بدائل متقدمة للحكم وتقدّم نفسها كبديل ديمقراطي عن الديكتاتورية وتتوجه للمجتمع المدني الدولي للضغط الخارجي على هذه الأنظمة المتخلفة في المنطقة…

علينا أن ننتهي مع هذه العصابة المتخلفة وأن لا نسمح لها بالتواصل، عصابة تعتمد على البوليس وعلى السحرة والمشعوذين والمجرمين لإخضاع الناس وضرب المعارضين…

لا بدّ من التحالف لفك واسترجاع دولة سُلبت من شعبها لفائدة عصابة…لا بدّ من وضع استراتيجية جديدة تقوم على المقاومة المدنية

محمد عبد الكريم: هناك من يقول أنك ظلمت نفسك مرتين بتأسيس حزب المؤتمر، مرة أولى لمّا تحولت من مشروع زعامة وطنية جامعة فتقلصت إلى زعيم حزبي كسائر لزعامات الحزبية، ومرة ثانية لما تحولت عن محاولة حل مشاكل الزعامة على مستوى المعارضة الوطنية ولتضيف إليها مشكل زعامة جديد، ما رأيك؟؟

د. المرزوقي: خيار تكوين الحزب أملته جملة من المعطيات والظروف،،، إذ عند خروجي من الرابطة سنة 1994 كان النظام قد خرّب وقتها كل المنظمات والأحزاب لذا دعوت لبناء وتأسيس حركة سياسية وحقوقية ونقابية جديدة… دعوت لإنشاء رابطة كتاب جديدة، ورابطة حقوقيين جديدة، ونقابات مهنية جديدة… كما دعوت سنة 1997 لإنشاء جبهة سياسية واسعة تضم الجميع،،، وكان الجدل على أشده بين رؤيتين إحداهما تدعو إلى التواصل مع النظام والثانية إلى القطع معه… لذا وقع الخيار على تأسيس حزب ديمقراطي يرفض الاستبداد على عكس الأحزاب القائمة، وطلبت من الصديق الدكتور مصطفى بن جعفر التحرك في هذا الاتجاه، ووافق على الفكرة والمشروع، لكن بعد 5 سنوات من الانتظار لم يتحقق شيء، لأن الصديق بن جعفر كان ينتظر ترخيصا من السلطة، ترخيص لن يأتي أبدا…

كان المقترح الذي قدمته يدعو إلى إنشاء حركة سياسية مختلفة عما ألفناه في بلادنا من حركات وأحزاب سياسية،،، هي تيار جامع يعمل على شكل لجان متعددة ومتفاعلة، دون أن تكون في حاجة لزعيم أوحد ولا هيكلية هرمية ولا انتدابات ولا قوائم للمنخرطين فلسنا في حاجة لتقديم هدايا مجانية للبوليس. لكن الغالبية رغبت عن فكرة اللجان وفضلت الفكرة الكلاسيكية في إنشاء حزب على الشاكلة المعهودة.

أراد النظام في البداية أن يضع لنا إطارا على حسب مواصفاته وقالبا على حسب الحدود التي ينوي أن يحدد بها حركتنا فرفضنا.تم تجويعي وطردي من عملي ومحاصرتي، فاضطررت للهجرة لفرنسا حيث وجدت القبول الحسن وفتحت لي الجامعات الفرنسية أبوابها للتدريس بها.

كانت قناعتي أن نتجاوز الطرق القديمة والأساليب المستنفذة : حزب يجند ويؤطر الشباب والنساء والعملة والموظفين والعاطلين والتلامذة والطلبة على شاكلة التنظيمات اللينينية، وأن علينا أن نستحدث أشكال متطورة وأن ننشئ جسما حيا، خميرة تضم الجميع ضد الاستبداد، تضم الإسلاميين والعلمانيين واليسار والقوميين، مؤتمرا وطنيا ديمقراطيا يكون له ناطقا رسميا يتداول عليه مختلف التيارات كل 6 أشهر. لكن في النهاية سقط المشروع وانسحب الجميع.

المؤتمر من أجل الجمهورية خيار من بين خيارات متعددة، وبالإمكان أن ينصهر في أي جبهة أوسع وأكثر تطورا من أجل مواجهة الديكتاتورية . أما عن الأخطاء، فككل النضالات لا بدّ أن تصحبها أخطاء،،، هو مخاض صعب وطويل، حققنا فيه الكثير ويحتاج للتقييم والتقويم

السيـد زهيـر مخلـوف: ما هو تقييمك لتجربة حركة 18 أكتوبر؟

د. المرزوقي: لما بلغني خبر دخول المجموعة في إضراب الجوع، قررت العودة للبلد للتضامن معهم رغم المرض وحالتي الصحية المنهكة بعد عملية جراحية خضعت لها،…

تمّ تعـمّد إقصائي، شعرت بالكثير من المرارة والألم، لكن سعيت لتجاوز الأمر وعدم الوقوف عنده.

بعـد البيان، اتصلت رفقة الأستاذ عبد الرؤوف العيادي بالمنظمين للحركة لأقنعهم بأن البيان الذي قاموا بإصداره كان ضعيفا جـدا، وأنه تجاهل 20 سنة أو تزيد من النضالات ولم ينص على الطبيعة القمعية للنظام…

وعدوني بتكوين جبهة وبعد 5 سنوات لم تحقق هذه الجبهة شيئا. قناعتي اليوم أن 18 أكتوبر أفلتت فرصة تاريخية ولن تعود … هي مجرّد إضافة فشل لكل محاولات تجميع المعارضة وكما قال الشيخ الغنوشي تحولت إلى مجرد نادي فكري وتجمع للنقاش. مكوناتها غير متفقة وتجاذبات حزبية تمزقهارغم هذا الفشل يجب مواصلة التجميع خاصة وأن المستنقع والكابوس سيتواصلان حتى ولو مات بن علي غدا . بعده سيتواصل الاخطبوط المافيوزي الذي كونه . ومن ثم ضرورة سعي الشباب لتكوين جبهة المقاومة الوطنية إذا لم ينجح في تكوينها الجيل القديم .

.

.السيد علـي رابح: لو كنت رئيسا للدولة الآن، ما هو برنامجك للإصلاح والتغيير والتنمية؟

د. المرزوقي: برنامج تونس وطن للإنسان، تجدون برنامجي في صفحتي على الأنترنت.

هناك 7 أو 8 ملفات كبرى تتمثل بالأساس في إصلاح المنظومات السياسية والقضائية والأمنية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية… لكن لنعلم أن كل سياسي يدّعي أنه يمتلك الحـلول لكل هذه المشاكل لا يمكن أن يكون إلا كاذبا…كل ما أدعو إليه هو اعتماد منهجية في الحل تقوم على تشريك أهل القطاع وأهل الاختصاص ومختلف الأطراف السياسية لوضع الحلول.

هناك أهداف يقوم بتحديدها رجل السياسة، لكن كل أطياف الشعب تساهم في تحديد طرق بلوغها… لا بد أن يشعر كل الناس أن مشروع التنمية ومشروع هذا الوطن هو مشروعهم ولا بد من تشريك الجميع في والتطور بالأوضاع.

هكذا يمكننا إعادة الهيبة والقيمة لوظيفة رئاسة الجمهورية، رئيس منتخب بأغلبية 51 في المائة يكتفي بتحديد الخيارات الاستراتيجية الكبرى، وعلى مكونات الشعب ومؤسساته تحديد التفاصيل وأشكال تحقيقها وطرق الإنجاز والوسائل..ـ

الأستاذ نبيـل اللبــاسي: كيف يمكن للمعارضة أن ترفع شعارات الديمقراطية وتشكو من ضيق صدر السلطة وسلوكها المنافي لأبسط قواعد الديمقراطية، لكن بالمقابل لا تتورع هي من حمل فكر أحادي وإقصائي، ترفض حتى حق الحياة لبعضها فضلا عن التعاون، تتبنى أشكالا هرمية ومركزية وجامدة في تنظيماتها، تقوم على الولاء للزعامات والرموز بدل عمل المؤسسات، ألا يدل هذا على أن المعارضة بمختلف توجهاتها، رغم رفعها لشعار الديمقراطية تحمل في الحقيقة مشاريع استبداد؟

د. المـرزوقي: الديمقراطية هي قبل كل شيء عقلية ومؤسسات تقوم على حرية التعبير، واستقلالية القضاء، والتعدد السياسي مع ما يتطلبه من حرية النشاط والتنظم، وانتخابات حرة وشفافة… لكن داخل المنظومة الديمقراطية قد يوجد أشخاص أو أحزاب غير ديمقراطية… في أوروبا وأمريكا تتواجد شخصيات لا تحمل المبادئ الديمقراطية على رأس أحزاب كبرى، لكن الجميع يخضع لقواعد اللعبة الديمقراطية…

علينا أن نفهم أن الديمقراطية لم تُنشئ للملائكة بل لإدارة التنافس والصراع بين إرادات وزعامات وأنانيات مختلفة ومتضادة.

السيد زهير مخـلوف: تشهد تونس حالة تصحر حـقوقي والجمعيات أصبح دورها مجرد إصدار البيانات أو محاولة الدفاع عن أبنائها أعضائها. ما هي خريطة الطريق للخروج من هذا الواقع؟

د. المرزوقي: الحالة المتردية التي بلغتها مؤسسات حقوق الإنسان في تونس هي نتيجة توارد مجموعة من العوامل:ـ

أول هذه العوامل، شراسة القمع: فتحت نظام قمعي كنظام هتلر أو تشاوشسكو لم يكن من الممكن الحديث عن جمعيات لحقوق الانسان… والنظام الحالي ضرب كل المنظمات والجمعيات بما فيها المنظمات الحقوقية

ثاني هذه العوامل، الاهتراء: خلال 20 سنة لم يكف القمع يوما واحدا ولم يرتفع الحصار والمضايقة المضروبين على نشطاء حقوق الإنسان،، وهو عذاب أنهك وأتعب المناضلين…

ثالث هذه العوامل، تصور الحـركات الحقوقية انه يمكن أن تكون بديلا عن العمل السياسي… لكن ما غاب على النشطاء الحقوقيين أن دور الحركة الحقوقية يقتصر على الوقاية، لكن العلاج كان يتطلب عملا سياسيا وحراكا سياسيا.

كان الخطأ في فصل العمل الحقوقي عن العمل السياسي ولا أقصد الحزبي انطلاقا من نظرة مغلوطة تعتبر أن العمل الحقوقي شريف في حين أن العمل السياسي مدنس… في حين شاهدت حركات سياسية نظيفة ومنظمات حقوقية مدنسة..ـ

هذه العوامل الثلاثة مشتركة أبلغت الحركة الحقوقية للمأزق الحالي.والحلّ يتطلب إعادة تصور وبناء الحركة الحقوقية كجزء من الحركة السياسية، بحيث يصبح العمل الحقوقي ذو أفق سياسي، والعمل السياسي ذو عمق حقوقي، بحيث تخرج الحركة الحقوقية من مجرد المطالبة واستصدار البيانات إلى مرحلة التشهير والفضح، التشهير بالجلادين… والحقوق تفتك ولا يطالب بها…

نحن بحاجة لحركات سياسية وحقوقية نظيفة تعمل من خلال ملفات ووفق رؤية استراتيجية واضحة.

أقترح على برلمانكم إنشاء لجان تقييمية وتقديم ملفات تقييمية تقـيّم الحركة الحقوقية والحركة النقابية والحركات السياسية خلال العشرين سنة الماضية حتى لا تضيع التجربة السابقة ونستفيد من نجاحاتنا وإخفاقاتنا

الأستاذة إيمان الطريقي: أودّ أن أطرح سؤالين على الدكتور المرزوقي:الأول: نرى في الفترة الأخيرة سعي للفصل بين كل ما هو سياسي عن العمل الحقوقي، ما تقييم الدكتور لمثل هذا التوجه، هل في الفصل ايجابياته أم من الأحسن الدمج؟

الثاني: تمثل معضلة الشباب السلفي قضية حقوقية بامتياز، وقد بلغ عدد المحالين على خلفية قانون الارهاب أعدادا مهولة، هل ترون أن طريقة تناول المنظمات الحقوقية لهذه الملفات كافيا؟

د. المرزوقي: أولا، هناك خلط في الفهم. بالطبع لا بد وأن يكون هناك فصل بين العمل الحقوقي والعمل الحزبي، ولا ينبغي أن يتحول العمل الحقوقي لخدمة أجندات حزبية متناقضة ولا أن تصدّر الصراعات الحزبية إلى العمل الحقوقي..ـ

لكن لا بد أن يكون للعمل الحقوقي أفق سياسي بحيث يدفع نحو تغيير الأجهزة التي تنتج القهر والتعذيب. فكما أن الأورام السرطانية لا تعالج بالأسبرين فإنه لا ينبغي الاكتفاء بمعالجة العوارض بالمطالبات والبيانات.

ثانيا، المشكلة في البلد ليست مشكل سلفيين بل مشكل اضطهاد. بالنسبة للناشط الحقوقي لا يهمه الانتماء الأيديولوجي أو السياسي لمن وقع عليه الظلم والاضطهاد بقدر ما يهمه مواجهة فعل الاضطهاد، وهو مع كل المظلومين والمضطهدين مهما كانت انتماءاتهم وأصولهم وأعراقهم..ـ

وفي الختام شكرا للبرلمان الافتراضي على أمل أن يكون لنا يوم قريب برلمان حقيقي ومؤسسات ممثلة وشعب حرّ سيد نفسه ورئيس دولة جدير بالاسم …وأن نخرج أخيرا من عالم الوهم والسحر والكذب والتضليل عند الماسكين والسلطة والافتراضي والنظري والخيالي عند المعارضين لنصبح أخيرا شعب…..طبيعي أي يعيش في الواقع .