بقلم علي بوبكر

غريب امر هذا البلد شباب قرر الانتفاضة ضد اوضاع معيشية صعبة و خرج الى الشارع و وجد في وسطه الاجتماعي الضعيف خير سند لتحدي الظلم و لكن هذه الهبة الجماهيرية لازالت مترددة و لم تضع هدفا واضحا للوصول اليه. الأكيد بأن الشعب يريد ان يفرغ هذه الشحنة من الغضب التي بداخله و لكن هناك تخبط كبير و لا يعرف المحتج ماذا يريد أن يحقق.

هناك محاولات من النقابات المحلية لتأطير هذه التحركات ولكنها تبقى مجرد تعبير عن غضب ليس أكثر فلنأخذ أبرز شعار تردد في الفترة الأخيرة و هو “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق” و لنقم بتحليله. فهو ينقسم الى شقين، الجزء الاول هو المحبذ لدى بيادق السلطة الذين يركزون على الطابع الاجتماعي لهذا الحراك و يسارعون بتشبيهه بما يحدث في العالم اجمع كاليونان و اسبانيا و لكنهم يتناسون بأن ثاباتيرو على سبيل المثال ليس له أصهار يسيطرون على القطاع الخاص في اسبانيا و يعتبرون أملاك الدولة أملاكهم. و ليسوا وحدهم في التركيز على هذا البعد فالمحتجون أنفسهم يتعمدون الابقاء على شعار التشغيل حتى يعطوا لحراكهم نوعا من الشرعية أمام السلطة اذ انهم يطالبون بالتشغيل و ليست لهم اية مطالب سياسية أو أنها تفلت من حناجر بعضهم على استحياء.

و نحن نرى السلطة تحاول الركوب على موجة التشغيل من خلال اعترافها بوجود مشكل و تأكيد سعيها لمعالجتها ولكن الشطر الثاني من الشعار من شأنه أن يفرغ الأول من معناه فمن يرددونه يدركون تمام الادراك بان مطلبهم موجه الى “عصابة سراق” على حد قولهم فهل رأيتم يوما شخصا يعترف بحق غيره في سرقته ثم يطالبه بأن يرجع له جزءا من المسروق؟

نعم هناك مثال لذلك و لكنه مثال سيئ وهي السلطة الفلسطينية فبعد أن اعترفت بأحقية اسرائيل في الوجود هاهي تتفاوض منذ زمن و لعلها ستواصل ذلك الى يوم القيامة كما قال أحد المحللين دون الوصول الى حل. الأمر مشابه بالنسبة الى المحتجين فهم رغم ادراكهم لذلك لا يضعون احقية هذه العصابة في تسيير شؤون البلاد أو لنقل نهب ثروات البلاد محل استفهام ثم يطالبون هذه العصابة نفسها بتحقيق مطالبهم وهذا الأمر هو أفضل خدمة يتم تقديمها لهم.

يتهرب الجميع من محاولة تسييس المسألة و يركز على أهمية المحافظة على الطابع الاجتماعي و ينسون أن معظم الثورات التي تقوم في العالم تقوم على مطالب اجتماعية في بدايتها. نعم هكذا درسنا عن الثورة الفرنسية وهكذا كانت الثورة البولشفية و حتى أحداث ماي 68 قامت بسبب مشكلة بسيطة في مبيت جامعي. لكن يبدو أن المعارضين المعروفين على ساحتنا الاعلامية رأوا بأن وظيفتهم تقتصر على بث رسائل عبر الفايسبوك تحيي الجماهير و ترسل لهم رسائل المساندة و تحرضهم على المزيد أو يظهرون على شاشات القنوات الاجنبية و يبقون في مكاتبهم ان كانوا في تونس أو في منافيهم سواء في فرنسا او بريطانيا أو كندا أو غيرها.

بعد فشلهم في استقطاب الرأي العام طيلة الفترة الماضية و انشغالهم بتوجيه الاتهامات لبعضهم البعض و الدخول في صراعات ايديولوجية ليس لا الوقت و لا المكان مناسبا لها هاهم يشاهدون تحرك الشعب و كلهم يتمنى أن يتحول هذا الحراك من تلقاء نفسه هكذا الى الشق السياسي و ينتظر من الشعب أن يقوم بالتضحيات الجسام من أجل أن يأتوا بعد ذلك ليجنوا ثمار ما يزرعه الشعب لذلك نراهم يبتهجون حين يطلق البعض صيحات تناهض الطرابلسية أو الرئيس بن علي و يطالبون الشعب بالمزيد و هم جالسون في منازلهم في المنفى.

يسارع الكثير منهم الى اعتبار شاب أحرق نفسه شهيدا بل يتخذونه رمزا للانتفاضة و مثالا للتضحية من أجل الحقوق و كلنا يعرف بان هذه الفرصة قد تكون الاخيرة في حياتهم للوصول الى هدفهم السياسي الذي أوهمونا بنضالهم من أجله.

وهنا أريد أن أسأل اذا كان هؤلاء مؤمنين حقا بأن الفرصة مواتية وهم الذين يتمتعون بعلاقات جيدة جدا مع مؤسسات المجتمع المدني الأجنبية من هيومن رايتس ووتش الى أمنستي انترناسيونال لماذا لا يتفقون معا على العودة الى ارض الوطن في آن واحد و القيام بدورهم الذي ينبغي القيام به وهو توجيه الراي العام نحو أصل الداء؟ قد يرد علي بعضهم بان هذه الخطوة بمثابة الانتحار و الالقاء بالنفس الى التهلكة لكن الم يعتبروا للتو انتحار الشباب استشهادا من أجل القضايا؟

قد يقولون بأن التعذيب و السجون أو حتى الموت هي مصيرهم اذا عادوا ولكن أليسوا يعتبرون أنفسهم أبناء هذا الشعب الذي يحرضونه على المزيد ؟ أنا أتذكر آية قرآنية نزلت في بني اسرائيل و لكنها تنطبق عليهم تماما وهي “أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”. ثم انهم بفضل علاقاتهم الدولية من شأنهم تركيز اهتمام العالم بالنظام الحالي و الضغط عليه للرحيل. كثير منهم يضع صور بورقيبة أو فرحات حشاد وراءه و ينصب نفسه وريثا لهؤلاء الرجال و لكنهم ينسون أن هؤلاء الرجال كانوا داخل الشعب أثناء كفاحه رغم أن علاقاتهم الدولية كانت تسمح لهم بالتواجد خارج الوطن كما يفعل هؤلاء اليوم. أليس وجودهم داخل الشعب في جبهة موحدة و قيادتهم لثورته من شأنه أن يعطي اشارة قوية بأن ساعة الطغاة قد حانت و بأن المشكل قبل أن يكون اجتماعيا هو سياسي بامتياز.

لقد اخفقوا منذ زمن في تحريك هذا الشعب لغياب جديتهم بانشغالهم بالمزايدة على بعضهم البعض و اكتفائهم بالتنظير من بعيد وهاهو الشعب يقدم لهم فرصة ذهبية لاستغلالها و العمل على توظيفها من أجل مصلحة الوطن لا مصالحهم الشخصية و لكنهم مازالوا مترددين و خائفين. فمما يخافون؟ اذا كانوا سيموتون فانهم شهداء من أجل الحرية و اذا قبعوا داخل السجون فهاقد رأوا الشعب انتفض متعاطفا مع شبابه العاطل عن العمل. هذا الشعب ليس كما صوره الكثير جبانا و لا يخذل من يستعد للتضحية من أجله. اذا كان هؤلاء المعارضون جديين فان الشعب سيأتي الى سجونهم ليحررهم اذا سجنوا.

هذا الشعب لم يقرأ وثائق ويكيليكس و تغيب عليه الكثير من الحقائق و يتم الهاؤه بالفن و الكرة حتى يبقى بعيدا عن همومه و لكنه بدأ يستفيق و هاهي النساء المسنات من بلدة المزونة خرجن بملابسهن التقليدية بكل شجاعة ينادين من أجل العدالة هذا الشعب مل الظلم و لكنه بحاجة لمن يؤطره و الا فان مجهوداته ستذهب هباء.

نعم هكذا هي الثورات كلها تحتاج لرجال أقوياء يوجهونها و هذا ليس عيبا. هذا الشعب حائر و يتخبط و يبحث عمن يقوده و هو لا يعرف ما عليه فعله فهاهو ينقض على الممتلكات العمومية التي هي ملكه تارة و يفسدها وهاهو يدخل في صراع مع أفراد الأمن الذين هم أيضا أبناء الشعب طورا و هو يتنقل بين مختلف النقابات العمالية من أساتذة و محامين يبحث عن دعمه و السياسيون حاضرون غائبون حاضرون بالكلام و التحريض و غائبون عن الفعل. و هذا ما يريح النظام فهنا رجل يربي نمرا يسميه باشا و يطعمه 4 دجاجات في اليوم و هناك سيدة تونس الأولى تتردد الأخبار عن احتفالها برأس السنة الجديدة في أفخم النزل في العالم بينما “ياكل الشعب في بعضو ماكلة” وهم غير مكترثين به.

هذا الشعب بحاجة الى التأطير و أن يتوجه جميعه الى رأس البلاء حتى نحافظ على دماء أبنائنا و ممتلكاتنا العامة. اذا أراد الناس أن تختلف هذه الهبة الشعبية عن سابقاتها و أن تكون الأخيرة و أن لا تخمد لتندلع الشرارة بعد أشهر أو سنوات في مكان جديد فيجب التحلي بالشجاعة الكافية و مواجهة هذه الشرذمة التي وصف السفير الأمريكي السابق فسادها بما فيه الكفاية و أكد ما تناقله الشعب كثيرا من الأحيان عن استغلالها لنفوذها و أكد بأنه لا أمل يرجى منها و أن كل تحسن في وضع البلد هو رهين رحيل هؤلاء.

هذا هو ندائي الى السياسيين المعارضين اليوم تحلوا بالشجاعة واتركوا خلافاتكم الايديولوجية جانبا و اتحدوا من أجل تحرير الشعب و عودوا الى الوطن ان كنتم خارجه أو غادروا مكاتبكم ان كنتم داخله و انزلوا مع الشعب لتعملوا من داخله و تقودوا ثورته و الا فكفوا عن تحريض الشعب و لا تحملوه مالا طاقة له به فهو ليس لعبة بين أيديكم و دعوه يعيش في سلام تحت رحمة طغاته الى أن يأتي غيركم من الجيل الجديد و يقوم بواجبه دون تردد في قادم الثورات.

نحن من أبناء هذا الجيل الجديد للأسف لا نملك الآن من القوة و العلاقات التي تتمتعون بها و لقد نظرنا الى التاريخ و نعرف بأن ضياع جيلنا الآن في احتجاجات عبثية دون توظيف سياسي من قبلكم سيكون كارثيا لمستقبلنا الساعة الآن هي ساعتكم أيها المناضلون القدامى فان قررتم المضي قدما فنحن معكم و مستعدون لدعمكم و لكن ان واصلتم التهرب من مسؤولياتكم فدعوا الشعب يعيش بسلام الى أن نتمكن من أسباب القوة و حينها نعدكم بأننا سنقضي على الظلم بأنفسنا و لن نحتاج لتضحياتكم فالمسألة هي مسألة وقت اما أن تكونوا أنتم القادة و نحن وراءكم و اما أن تتركوا لنا المسؤولية في المستقبل و نعدكم بأننا سنكون في مستوى التحديات و سنرفع الظلم عن أهلنا ان لم ترفعوه أنتم الآن.