المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
بقلم راضية الشرعبي،

فتحت الثورة التونسية الباب على مصراعيه أمام مبادئ سياسية كانت غائبة ومنشودة لدى المجتمع التونسي: التعددية الساسية والديمقراطية والكرامة. فبعد سقوط الدكتاتورية ، تحركت الساحة السياسية وبدأت في النشاط والعمل السياسي بتأسيس أحزاب تعمل في إطار الدولة لتحقيق أهدفها والمساهمة في بناء تونس الديمقراطية.

إذا فتحت الابواب أمام تكوين الأحزاب دون مضايقات أو عزل أإقصاء. ووفقا لقانون الأحزاب الجاري العمل به في تونس فإن عدد الأحزاب وصل اليوم إلى أربعة وثلاثين حزبا .

في هذا الاطار نتسائل عن جدوى هذا الكم الهائل من الأحزاب مع العلم أن العدد لم يستكمل بعد و ما المنتظر منها. فماهي الاحزاب ؟ و ما المطلوب منها في هذه الفترة ؟ ثم هل أن الكثرة علامة صحّيّة؟ كيف ستتصرف الاحزاب و تتحرك بعد غياب وتهميش طال سنينا ؟ كيف ستعمل على توسيع دائرة مناصريها ؟

لنبحث في البداية عن مفهوم الأحزاب أو الحزب السياسي لأن ذلك سيوضح لنا أفكارا ومسلمات نستعين بها في مناقشة الوضع الراهن للأحزاب السياسية في تونس .

لم يختلف مفكر ولا محلل سياسي في تعريف الاحزاب السياسية . فعرفوا الحزب على أنه الاطار أو الهيكل التنظيمي الذي يجمع أفراد أو مجموعة تجمعهم فكرة واحدة. يتجمعون تحت مسمى الحزب أو التكتل بغرض العمل على تحقيق مصلحة عامة معينة و فقا لمبادئ عامة تمت الاتفاق عليها مسبقا بينهم . ويسعى الحزب عادة الى توسيع دائرة أنصاره بين الشعب . وتعد الاحزاب احدى ادوات العمل السياسي في المجتمعات الحديثة ترتكز عليه لصناعة او تنمية السياسة، و توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بها الى درجة من الرقي و التنظيم الفاعل بشكل يسهّل على الافراد طرح أفكارهم في إطار من التفاعل السياسي. و ما من أحد ينكر سعي الأحزاب الى الوصول الى السلطة كهدف مركزي لها.

إن مانلمسه اليوم في المشهد السياسي على مستوى تشكل الأحزاب ، وجود أحزاب ايديولوجية تتمسك بايديولوجية واضحة ، واحزاب اخرى براغماتية تتصف برامجها بالمرونة مع متغيرات الوضع.

ان من بين وظائف الحزب هو السعي الى التعبئة بمعنى حشد الدعم لسياساته من قبل المواطنين. ويقوم الحزب ايضا بوظائف تنمويية عمادها انعاش الحياة السياسية التونسية التي تغيرت بعد الثورة واصبحت كالمولود الجديد الذي يحتاج الى الرعاية . كذلك تونس اليوم تعيش فترة ولادة جديدة نحو ارساء نظام ديمقراطي فعلي أساسه المشاركة السياسية الفعالة ومحرّكه التعددية الحزبية التي عليها ان تكون المثري لهذه العملية. فهل أن الاحزاب السياسية اليوم في تونس القديمة منها والجديدة قادرة على القيام بهذا الدور؟ ام انها ستقع في فخ التناحر السياسي والعمل على اقصاء الآخر دون النظر الى طبيعة العمل الحزبي أو طبيعة الفعل الديمقراطي و اللعبة السياسية.

تلعب الاحزاب دور الوسيط بين الشعب والسلطة او صناع القرار . هذه الوساطة تنسجا برامج انتخابية تصغي جيدا الى مشاغل المواطن وتطلعاته . لتصبح هذه المشاغل افكارا تتضمنها الاحزاب وتنسج منها خطابا دعويا بأسلوب ما تستميل به ثقة الناخب ؟

ولكن بعد سنوات من الغياب والتهميش والبعد عن الشعب وبعد الشعب عن مثل هذه الممارسات ستكون العملية في غاية من التعقيد. فما لاحظناه في هذه الفترة القصيرة بعد الثورة ، يدعوا الى الخوف والقلق على المسار الديمقراطي الذي لطالما ناشده التونسيون. وبعد أن كانت كل الاطياف السياسية يدا واحدة تتحرك معا وراء حركة الاحتجاجات الشعبية التي اطاحت بالدكتاتورية وبعد ان أكدت كل الاطراف أن لا محرك لهذه الاحداث والمظاهرات وأنها كانت عفوية دون تأطير من أي جهة . بدأ الحديث يتغير وبدأت التصريحات تتجه إلى أن الثورة صنيع هذا وذاك . شاهدنا شخصيات حزبية عديدة تتبنى الثورة وكأنها كانت ورائها منذ اليوم الأول وأنها صنيع من صنائعها . وبعد أن كانت يدا واحدة ظهرت الانشقاقات و الصّراعات وبدات تتجلّى وتنكشف للعيون ، وبدانا نسقط في تداعيات التهميش الذي كانت عليه.

تطل علينا بعض الوجوه الحزبية من حين الى آخر في جلسات حوار يكشف لنا حقيقة كل حزب وتنكشف لنا حقائق تخيفنا، وطالما عانى منها الكل ايام الرئيس المخلوع . وتتسع الهوة ما بين المنشود والموجود . فنحن قلنا إن مبدا وجود الاحزاب هو الالتفاف حول رأي ما أو فكرة ما تجمع بين مجموعة لتكوّن حزبا ثم نكون احزابا، فالايديولوجات ليست واحدة وهذا امر طبيعي .اذا نتفق أن الاختلاف أمر طبيعي وأنه أساس وجود مثل هذه التنظيمات لكننا نكتشف أن هذه الاحزاب لا تحترم مبدأ الاختلاف وعوضا أن تنكب على تقديم توجهاتها للمشاهد أو المتتبع وتبسيط أفكارها للوصول الى التعبئة التي تحدثنا عنها، نجدها تنكب على مهاجمة الطرف الآخر والعمل بكل السبل على تهميش أفكاره ومبادئه و الطعن فيها وتبادل الإتهامات ونبش الماضي في حركة تعيدنا الى الصفر وترسم أمامنا إستحالة التوافق و ربما إستحالة البناء الديمقراطي و يعزى كل هذا حسب رأيي إلى الأنانية و الإعتقاد المفرط في أنه الأحق والأجدر، وإلى انتشار عقلية الإقصاء و الإلغاء و عدم القبول بالآخر.

إذا عدنا الى ” قاعدة: الاختلاف لا يفسد للودّ قضية” ينفتح الباب أمام التوافق الفعلي مع الاختلاف الايديلوجي بما اننا نجتمع على مبادئ التحول الديمقراطي وبناء تونس الجديدة. فلماذا لا نؤسس توافقات حزبية تعمل على حماية الثورة واكمالها وارساء الدولة دون تدخلات ووصايا خارجية . فلا للتهجم على بعضنا البعض، فالحزب الذي يحترم الخطاب الديمقراطي عليه أن يحترم الاخر . ولا للسخرية من افكار و مبادئ أي طرف حزبي ومبدا المنافسة النزيهة والحرة يقطع مع هذه الاساليب ، ويحتّم على أي حزب تقديم الأفضل والإقناع وكسب الاصوات والمناصرين إنطلاقا من برنامج إنتخابي واضح وواقعي لا عن طريق حملات مغرضة تشويهية أو نشر الاكاذيب والاتهامات دون و جه حق . علينا القطع مع هذه الممارسات في اتجاه المصلحة العامة وانقاذ البلاد من فوضى سياسية وتصدير ثورة تونسية نموذجية على كافة المستويات .