بقلم مراد الفضلاوي،

لعله من المفيد في هذه الايام أن نتناول موضوع الانتخابات بنوعيها : -انتخابات المجلس التأسيسي .- انتخابات الرئاسة. و قد بدا على النخب السياسية الكثير من التخبط و الخلط بين ماهو ايديولوجي و ما هو سياسي الامر الذي ادى الى اشمئزاز الناخب التونسي و موعد الانتخابات لم يحدد بعد.

و لئن بدا هذا التخبط مفهوما لحداثة عهد النخب السياسية بالديمقراطية. الا انه من البديهي في علم السياسة أن من يستقي برامجه من المكتبات و المدونات، لا يحق له أن يمارس السياسة ؛ لسبب بسيط هو ان السياسة هي علاقة الحاكم بالمحكومين و لا بد لهذه العلاقة كي تنجح من حد كبير من التواصل و الحوار الذين يفضيان الى تفهم قضايا المحكومين والاستجابة لها. و بالتالي فان البرامج الانتخابية لا بد أن تستوحى من الشوارع و من الاحياء، من الاسواق ، من حضائر البناء و من المصانع، من المزارع والضيعات الفلاحية، من المدارس و المعاهد و الكليات، و بالاعتماد على الاحصائيات و سبر الآراء و الحديث الى الناس؛ كل أطياف الناس لان الجميع معنيون بالانتخابات.

بالله عليك أيها القارئ العزيز أينما كنت في تونسنا الحبيبة هل سمعت يوما فلاحا أو نجارا أو حدادا أو حتى طبيبا في عيادته أو مهندسا في مصنعه يحدث بامر اللائكية و يتألم لعدم فصل الدين عن الدولة في تونس؟ هل أولئك الذين ثاروا في سيدي بوزيد و القصرين و قفصة و جندوبة و الكاف و سليانة و غيرها من المدن التونسية كانوا يملكون قوت يومهم ناهيك أن يورثوا لابنائهم و بناتهم ؟. هل هذه هي قضايا التونسيين؟ اين قضية الفقرالمدقع الذي يضرب العديد من الجهات؟ ماذا تقول الاحزاب في موضوع البطالة ؟…السكن؟ ….. التنمية؟ ….. .المناطق المحرومة؟… التعليم؟ …الصحة؟ هل اختزل مبدأ المساواة في الميراث؟ أين المساواة في فرص العمل؟ أين المساواة في التنمية بين المناطق الداخلية و الساحلية؟ أين المساواة في التمتع بالماء الصالح الشرب؟ أين المساواة في التمتع بالكهرباء و الطريق المعبد؟ أين المساواة في التمتع بالخدمات الصحية؟ ثم لماذا هذه الاستماتة خلف موضوع فصل الدين عن الدولة؟ ومنذ متى كان ائمة اامساجد مستبدين بالقرار السياسي في تونس؟ هل صادفت يوما أيها القارئ العزيز في تونس رئيسا أو وزيرا أو شرطيا يشكو من سطوة امام المسجد؟ لماذا نسعى لفصل ماهو مفصول أصلا و نترك ما يحتاج الى الفصل ؟ اليس من الاجدر الفصل بين السلطات القضائية و التشريعية والتنفيذية ؟ أليس من الأجدر بنا ان نحرر القضاء الذي يضمن حقوق الجميع مهما اختلفت معتقداتهم؟ أليس من الأجدر ان نحرر الصحافة من القيود المفروضة عليها؟ اليس من الأجدر ان نحرر الانسان فتتحررالمراة ويتحرر الرجل؟.

تصوروا لو أن هذا الوقت الذي أهدر في قضايا وهمية مثل قضية اللائكية و الميراث و المجهودات التي بذلت في مختلف السجالات السياسوية قد خصصت لمعالجة قضايا الانسان التونسي الحقيقية؟ ألم يكن من الممكن أن نبدع حلولا تفيد تونس و تحقق للأحزاب مكاسب سياسية؟

و في الختام فاني أقول لكل الأحزاب مهما اختلفت مشاربها؛ يسارية كانت أم يمينية : نحن لا نحكم على مرجعياتكم و لا على ايديولوجياتكم و انما على برامجكم و بالتالي فلا بد من الاخذ بالاعتبار ان الطريق الى البرلمان يمر عبر امرين اثنين :

– أولا: عدم المساس بعقيدة التونسي الاسلامية ، و تجنب كل ما يمكن ان يحمل على ذلك ؛فالاسلام خط أحمر عند التونسيين و المساس به انتحار سياسي.

– ثانيا: الاستماع الى الشعب و اقتراح حلول عملية لقضاياه الحقيقية التي أختصرها في مايلي: البطالة-الصحة-اصلاح التعليم-السكن-المساواة بين الجهات في التنمية -تطوير الاقتصاد-الديمقراطية -الحرية المحدودة بالثوابت -استقلال القضاء. و أؤكد على استقلال القضاء . كما أدعو الى الكف عن افتعال قضايا وهمية لا علاقة لها بالتونسيين.

أما الاصرار على استهداف الاسلام فلن يزيد التونسي الا تمسكا بدينه و بهويته العربية والاسلامية. و بالتالي فاني أرى ان من يفعل هذا انما هويدفع الكثير من الوقت ليخسر الكثير من الناخبين وهذا لعمري غباء سياسي بامتياز. و ما لم تكف بعض الاحزاب عن اضاعة وقتها ووقت الناخبين في قضايا وهمية وما لم تنتبه الى الشعب وتنزل من عليائها و تستمع اليه وتجعل من قضاياه مصدرا لبرامجها السياسية فانه سيجهضها قبل ان ترى النور. فالعهد الذي تمنح فيه المقاعد النيابية محاباة أو رشوة قد ولى وليس للانسان الا ما سعى.