لقد ضحكت ملئ شدقي خلال الأيام الفارطة من حدوث اجماع شبه كامل في وسائل الاعلام التي لم تتحرر بعد من ربقة أمراض العهد البائد حول فرادة ونموذجية تنظيم وتسيير الانتخابات الأخيرة وهو ما جعلها يا للهول نموذجا يحتذى به لدى الصديق والشقيق،وحتى لدى الدول الديمقراطية العريقة التي أصبح يستوجب عليها الجلوس الى أساطين الهيئة العليا غير المستقلة للانتخابات بعد رجائها التفضل والتكرم بنقل تكنولوجيتها الخارقة عبر تنظيم دروس تدارك لها في الشفافية وفي النزاهة وفي التزام الحيادية مما يذكرني ولعله يذكر الكثيرين بالخطب الرنانة للتجمعيين القدامى والذين جددت الثقة لبعضهم في انتخابات المجلس التأسيسي الحالي ليكونوا في صف”المعارضة الثورية” لا في صف”الأغلبية المؤمنة” مما يعتبر نقلة نوعية أخرى نحسد عليها جميعا؟؟؟

*الشحن المقدّس: لقد استفاد أحد الأفرقاء الانتخابيين والى حدود كبيرة ومبالغ فيها من تفشي الخوف “المشروع” على الهوية العربية الاسلامية بعد سلسلةمن التظاهرات والممارسات الاعلامية التي فهمت خطأووظفت الى أبعد الحدود في تبرير “الشحن المقدس” الذي مارسه فريق “الأغلبية المؤمنة” الذي تعامل مع القضية كما تعامل معها رجال الحركة الوطنية التونسية عبر عديد محطات الصدام مع المستعمر الفرنسي مثل حادثة الجلازوأحداث التجنيس وادراج الثلث الاستعماري مما جعلنا نعتقد رغم ذقوننا وشواربنا بأننا أصبحنا مهددين بالذوبان السريع وبالزوال الأكيد حتى ونحن في دولة الاستقلال فتحولنا بحمد الله الى “مورسكيين” و”هنود حمر”وبوسنيين”و”كروواط”،فأقبل الجميع تقاة وسكارى للتصويت تلبية لنداء”الجهاد المقدس” ضد الشلائكيين، ضد المنادين بالمساواة في الأرث،واحقاق الحقوق لبعض الفئات غير النمطية،فقسمت نتائج الانتخابات الجمهور الى صنفين” الصالحون التقاة”و”الفاسدون البغات” الواجب محاصرتهم وحتى الالقاء بهم في البحر؟؟؟

*التزييف الديمقراطي:لقد ولّّدت هذه الوضعية تعبئة خطيرة وغير مبرّرة شحنت لها الامكانيات المادية والتجييش الفكري والتعبئة الدينية داخل وخارج المساجد،وفعّلت لها شبكات اقترن انشائها بتجميع التبرعات للوافدين والأشقاء الليبيين فانطلق الاستعداد لابتزاز الضمائر والسطو على الجيوب ومراودة المترددين في الانضمام ل”الشحن المقدس” مما حقق أسبقية أكيدة وسطوة معنوية جلية لطرف سياسي أغلبي رفع لواء نصرة الأخوة الأشقاء وتوفير الحاجيات لهم نقدا وعينا وتأطيرا وتأهيلا لمرحلة العودة فتكونت دولة داخل الدولةأو”دويلة”داخل الدولة.وتحرك الأنصار لاختراق وتدجين كل الأجهزة والهياكل بما في ذلك هياكل الهيئة العليا غير المستقلة وبناتها الفرعية مما أوجد وضعية غير مريحة حرفت النتائج وتجاهلت التجاوزات واغتصبت الارادات حتى قبل حلول موعد23 أكتوبر2011؟؟؟ ولم يكن من الصعب البتة تكييف المنظومة الانتخابية مركزيا وجهويا لتلبية نداء”الجهاد المقدس” لتعويض هذا الطرف السياسي عن محنه السابقة التي كان يمكن أن يعوض عنها ماديا ووظيفيا لا سياسيا خصوصا وأنه اعتمد من أساليب الشحن المادي- الديني والتجييش الفكري والمراودة الانتخابية الشرعية ما جعله طرفا سياسيا غير ملتزم بقواعد”اللعبة الديمقراطية”وأي لعبة؟؟؟

*الاجماع المشبوه:لقد عانينا لعقود من حالة الاجماع المشبوه خلال العهود السابقة ويبدو بأننا موعودون ومقدمون في المرحلة القريبة القادمة على ترويج اجماع من نوع جديد لا يستند الى الشرعية التاريخية لكن الى الشرعية الدينية،اجماع يشترك في بناءه اعلام مريض متزلف راكب للموجة،ورأي عام مغلوب على أمره متلاعب بقوة يومه وكرامته وضع بقدرة قادر في فخ الدفاع عن الهوية المهددة،وأفرقاء سياسيون تعاملوا سابقا مع فريق الأغلبية ويهمهم بالأساس المشاركة السياسية في هذا المشهد الجديد الذي هو نتيجة حتمية للتجييش الفكري والتعبئة الدينية والمراودة الانتخابية المدعومة نقدا وعينا ودعوات صالحات مع استعمال أساليب الترغيب والترهيب والتبشير بجنة الخلد الدنيوية قبل الأخروية مستغلة حالة الفقر والأمية والهوان المزمنة داخل حشاشة المجتمع التونسي بعد أن حوّله النظام السابق الى أقرب ما يكونالى”فيراي بشري”؟؟؟؟

مراد رقية