التعالي على الشارع آفة السياسيين، والانجراف وراءه دون عقلنته هو طبع الانتهازيين، وبينهما مساحة واسعة مفتقدة لتيار فاعل ايجابي يقدم البدائل. مَنْ ذا الذي يفكّ قيدا أو يداوي جرحا أو يكشف غامضا أو يتكفّل يتيما أو يفتح طريقا أو يشقّ نفقا ؟
الديمقراطية الليبرالية هي نموذج مناسب لصفقة (…) الدولة المهيمنة التي تقبل تغيّر مقاعد السلطة، لكنها لا تقبل العدل الاجتماعي ولا تحديد سلطتها في مواجهة ميلها الطبيعي للتغوّل، في حين أنّ الديمقراطية الأهلية تؤمن بالتعاون وبفكرة المنفعة العامة التي “تتجاوز” مجرد قسمة مقاعد بين المصالح الفردية المتعارضة، المواطن الجمهوري يشارك في المجال العام بهدف التعاون على البِرّ والرحمة، وينظر للسياسة بمنظور اجتماعي وحسّ ثوري بالمسئولية. لا قيام ولا كرامة لمجتمع تختلّ فيه علاقة السلطة بالمجتمع، من هنا أهمية مواجهة الاحتكار والقضاء على نواقض الديمقراطية في المجتمع مثل الرشوة والمحسوبية وكلّ ما يعرقل “مجتمع الكفاءة”. السياسة لا تحتاج فقط إلى معلومات وبيانات.. هذا ما تحتاجه الإدارة السياسية، لكن السياسة كنشاط تحتاج إلى خيال + حكمة + شجاعة.
يرى اليسار الإسلامي ضرورة تعميق الجهود في جهتين متلازمتين، جهة الإعداد الأفقي للمجتمع الأهلي والمدني، وجهة بناء الديمقراطية والإرادة السياسية، فالشعب يريد (…) عقدا اجتماعيا يقوم على فكرة الالتزامات المتبادلة والعهود، أي مبنيا على تصور واضح للعلاقة بين الحق والواجب والتراضي من جهة أولى، وتقبّل أسبقية القيام بالواجب على المطالبة بالحق من جهة ثانية. اللهم اعصمنا من زلاتنا، وقنا شرّ سقطاتنا، واجعلنا وخصومنا دائما إلى الحق راجعين، فإنّ السياسة عبئ تنوء به العصبة أولي القوّة.
1- ـ الفقراء أوّلا ومجتمع الكفاءة.
تبقى المهام الأولى على سلّم الأولويات: تجاوز الإعاقات الذاتية والضغوط الخارجية المضادة لحرياتنا، والتوترات الاجتماعية والسياسية والنّفسية الموروثة عن الاستبداد، ومواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف أصلا بمفهوم “المشاركة” تحت سقف الجوع والحرمان من أبسط مقوّمات الحياة الكريمة، والخروج من ثقافة الإحباط والثرثرة، واستعادة “الفرد الإنسان” كقيمة ومنع هدر كرامته. الديمقراطية الأهلية تستمد طاقتها من عقيدة الشعب ومشروعيتها فهي مشكاة نور المواطنة لا “خطر الظلامية” كما يزعم الظالمون من الليبراليين الجدد، الذين أضاعوا مفاتيح تاريخهم واحتموا بسلطة “القوننة” أو حتى بالمحتلّ، والذين يريدون أن يطفئوا نور الله في الإنسان ليصبح محض مستهلك للسلعة وللهيمنة.
إنّ السعي لتجميد الصراع الاجتماعي بالتخويف من الفراغ الأمني والأزمة الاقتصادية هو استمرار في أحد جوانبه لنظام مسخ دفع الخريجين الجامعيين إلى قيعان المدن والأرياف، وحاصر أية إمكانية لميلاد الفرد الحرّ كفاعلية اجتماعية وسياسية وقانونية تبادر بالأفكار والإنتاج والفعل السياسي، ومنع ظهور مؤسسات المجتمع الأهلي الفاعلة والمدنية، وسعى دائما لتحويل “الحُكمْ” إلى نظام إدارة الطوارئ… وسط أرياف متصحرة ومدن ريفية وأحياء مليونية للمهمّشين، وإجبار الناس على تضييع الحياة والطاقة في التحايل على البطالة وأزماتها الكثيرة أو الهجرة. نرى في بلادنا اليوم ضعف القطاعات الإنتاجية، التفاوت الحاد بين المدينة والريف وبين الجهات، الفساد الإداري المعمّم، الدعارة كظاهرة اجتماعية تتوسع بشكل مهول، ضعف العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الأفقية مع البلاد العربية والإسلامية ومع الجنوب، اقتصاد الربح السريع، الخضوع للبنك الدولي والاستثمار السياحي، الخلل في النظام الاقتصادي العالمي ونتائجه الكارثية على اقتصادياتنا “المفقّرة”، ضعف القطاع الخاص لنشوئه في حضن الدولة العائلية، ضعف القدرة على تحديث الاقتصاد الذي يمكّن من الدخول في اقتصاديات المعرفة المتقدّمة، ضعف الإصلاحات التنظيمية سواء في الاستثمار أو في التعليم.
إنّ “الدولة الشريرة” ليست نتاجا لميول أفراد أشرار قد يتم استبدالهم بأشخاص آخرين، بل هي انعكاس للتناقض بين الخير والشر الموجود داخل كل فرد، وللتناقض بين المجتمع الأهلي والملأ الفاسد (قارون وهامان وفرعون)، وانعكاس للتدافع بين المجتمع المُنتج وأقلية النهب والاحتكار.
توليد القدرة على التداول السّلمي للسّلطة هو شرط الحرّية السياسيّة، لنبني مجتمعا يحيا بالمشاركة والكفاءة، وتنمية الوعي الأهلي بمسائل التنمية الإنسانيّة القائمة على تبادل الخبرات البشريّة، وأن لا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، والحفاظ على الأرحام والتعاون على البِرّ، وحماية حقوق النّاس… ليتمتّع بها الجمعُ والأفراد.
والحقّ أنّ الديمقراطية لا تكمن فقط في المظاهر الخارجية، من تعددية برلمانية وانتخاب وأغلبية، بل لها قيم أساسية تقوم عليها وهي الكرامة الإنسانية، ومجتمع الكفاءة، وتعزيز الثقة بالنفس لدى الأفراد وفي المجتمع الأهلي، والقناعة الفكرية بصلاحيّة الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة عند النخبة وفي المجتمع، واعتبار الألم الإنساني شرّا في حدّ ذاته، وأنّ العدالة هي الأصل للتنمية والتقدم والسلم الأهلي. إنّ تغيّر “ما بقوم” شرطه الذي لن تجد له تحويلا ولا تبديلا هو تغيير “ما بأنفسهم”، انتصار المجتمع اﻷهلي في هذه الحياة وانتصار المؤمن العامل في الآخرة، وكل إنسان ألزِم طائره في عنقه أي يتحمّل مسؤولية ونتائج أعماله.
2- ـ الرّحمة… وما ينفع الناس.
إنّ الدولة الاقتصادية الناجحة هي الدولة السياسية الناجحة، الدولة التي عندها القدرة على اتخاذ القرار، وتبنّي خيارات اقتصادية علمية والسّير فيها، وليس دولة الوهن التي كل همّها الاستهلاك وأمن النظام المباشر وصرف الأموال ! النظام الرأسمالي ظالم ومُفسد لمُقدّرات الطبيعة، ويعمّق الفوارق الاجتماعية الفاحشة، كوارث متلاحقة في البيئة وعلى رؤوس الفقراء، اضطرابات المناخ واستباحة تنوع الحياة، إبادة أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات إلى الأبد، حروب من أجل السيطرة على النفط وقريبا من أجل السيطرة على الماء (الماء العذب ثروة تقِلّ يوما بعد يوم بشكل خطير ومتواصل نتيجة تحويل وجهة الأنهار والاستهلاك المهول للمياه في غير الأساسيات) وتزايد الفوارق الفاحشة بين الشمال والجنوب، وبين حفنة من الأغنياء وملايين الفقراء في كل بلاد، والمساس بشكل خطير بمقومات الحياة : الهواء والماء والشجر، وصناعة الأوبئة كأنفلونزا الطيور والخنازير… والقادم أخطر، والاحتباس الحراري والغازات السامة، والقضاء على التوازن البيئي وتهديد تنوّع الحياة. إنّ أيّ مشكلة أو مأساة في أي مكان تأثّر في كل البلدان فعالمنا تحوّل، أكثر من أي وقت مضى، إلى “سفينة” بكل ما تعنيه هذه الكلمة من خطورة وحميمة وشعور بالكارثة إذا استمر هذا الإفساد المنظّم للشركات المجرمة المتعددة الجنسية والتي لا يهمّها إلا زيادة أرباحها المالية ! ما يرهبنا، في مرحلتنا التاريخية وواقعنا المعاصر، ليس شبح القرون الوسطى، مع العلم بأنّ صور هذا الشبح تختلف من مجتمع إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى، بل إنّ ما يرعبنا هو النظام العالمي المهيمن بنهب شركاته المتعدّدة الجنسية وحروب تدميره الشاملة، بخطاب إنسانيته المزدوج وقدرته على التدمير بالصواريخ والطائرات بدون طيّار، بإغراقنا بالتلوّث البيئي والسلع والأوبئة، بتغريب الإنسان وتفقير الثقافة والمعنى.
إنّه لا دولة ناجحة بدون هوية وإدارة مسؤولة وانتماء، ولا ديمقراطية حقيقية بدون عدل وحرية، ولا إنسان بدون الرحمان. الإنسان فيه أبعاد مطلقة لا يمكن اختزالها في الطبيعة وحدها، ومن هنا ضرورة التعامل الاجتماعي والتاريخي مع متغيرات عودة الدين للمجال العام، وعودة القيم إلى المجال السياسي والاقتصادي، وضرورة الخروج من ثقل الإيديولوجيات الحداثوية وصناعة الأوهام، ونقد فصل العقل عن الوحي، والواقع عن الغيب، خاصة وأنّ الإسلام يمثل أفقا تقدميًّا وديمقراطيًّا. إنّ المصير اختيار يتقرّر في النفوس، قبل أن يحدث في الأرض أو يأتي من السماء، فـ “ما بقوم” مرتبط بـ “ما في أنفسهم”، وتغيير ما بالنفس مهمّة الإنسان. إنّ أداء الواجبات هو الطّريق الوحيد للحصول على الحقوق، في هذه الحياة الدّنيا وفي الآخرة.
مجتمع مقتصد ومتعاون، رحماء بينهم أشدّاء على المفسدين في البر والبحر والجوّ. مجتمع أهلي يؤمن بالله الخالق الكريم، يحمي الحرمات الفردية والجماعية، ويحبّ الأرض وتنوع الحياة. إنّ نظام “المنافسة” الذي بناه النظام الرأسمالي وعمّمه، وثقافة “الربح المالي”، أي بمعنى صراع كلّ واحد ضد كلّ الآخرين… حوّل الحياة ولقاءاتها إلى معركة تُحدّد الرابح والخاسر بمعايير مالية وعنصرية لا مبالية بمصالح الناس العليا وبثقافاتها، ولا مبالية بالحياة وتوازنها البيئي، وبما أنّ (سفينة الأرض) في زمن العولمة باتت صغيرة جدّا حيث فعل كل واحد، سواء كان فردا أو دولة أو جماعة، يؤثر على كل الناس وعلى نوع الحياة في كوكبنا، فإنّ الخيار الرّأسمالي وما ينتج عنه من كوارث، يدفع المجتمع الأهلي للتساؤل عن كيفية المقاومة والدّفاع عن الحياة. خيار اقتصادي مغاير يهتمّ “بنوع الحياة” لا استهلاك كل جديد، حيث الأولوية لوسائل النقل الجماعية والنظيفة، الضمان الصحّي للجميع، التعليم المجاني حقيقة والإلزامي حتى سنّ 16، العون والرعاية للقاصرين والعجّز والمعاقين، الدفاع عن الكائنات الحية سواء كانت حيوانات أو نباتات أو فقراء جائعين، الاهتمام بالماء ورعايته وصونه، وحماية الأرض جوفها وتربتها ومناخها. العمل على توفير الأكل واللباس والسّكن وحقّ تكوين أسرة وحقّ العمل والحقّ في العدل… لكلّ واحد وللناس جميعا.
اليسار الإسلامي يعرّف بنفسه على بصيرة وبما يخدم المجتمع الأهلي… أي التنقل، لغة وأدوات، من النخبة إلى الناس ومن الناس إلى النخبة، واحتضان وتفعيل ودعم وتشبيك واستثمار كل خبرات ومهارات العالمين، والحوار الهادئ… لأنّ معركتنا مع الشرّ طويلة ومريرة ! والصّبر على الانتظام في جبهة تتوحّد ولا تتفرّق “فتذهب ريحها”.
إنّه لا إسلام بدون محورية القرآن العظيم، فالبعد عن القرآن وتركه مهجورا… في المعرفة والسلوك، في التديّن وإنتاج المعارف، هو سبب رئيسي للإعاقة الذهنية الجماعية، فلا بُدّ من إعادة التواصل اليومي والعملي مع القرآن الكريم، وإنّ أعظم الخيانة هي خيانة المجتمع الأهلي في حرّياته أو سلطاته السياسية أو أمواله أو أعراضه !
قيمة العمل الصّالح، من أهمّ القيم الإسلاميّة التي تجعل النّاس يصنعون ما يحتاجونه من طعام وشراب ومسكن، وكلّ متطلّباتهم الصحيّة والدّفاعيّة والتّرفيهيّة في إطار من الحرّيات والاستمتاع بالطيّبات…
نساهم في بناء ثقافة عقد اجتماعي أساسه فكرة الاستقامة والعمل الصالح والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كواجب مشروط بالعلم وبالقدرة. عقد اجتماعي يجعل المدينة فضاء مفتوحا غير مغلق يستطيع أن يندمج فيه أيّ إنسان يسعى للخير، وحيث التفاضل هو التّقوى والتعاون، أي تحقيق الاستقامة في السّلوك، فيحقّق الفرد العمل الصّالح المرتبط بالدّنيا والآخرة. تجديد الصّلة بالله سبحانه وتعالى والمؤاخاة بين الناس كفكرة دافعة ومحفّز، للتأليف بين أعضاء المجتمع تأليفا يحمل معنى المشاركة في الأفكار والأموال… رؤية قرآنيّة مفتوحة للنّاس بالخير والمؤاخاة. كيف ينسى المسلم أن العدالة في القرآن مقترنة بالصفح والمغفرة والعفو والفضل.. ؟! الثورة ليست فرصة للثأر فهناك فارق كبير بين ثار ويثأر، ومن يريد بناء وطن حر عليه أن يحقق العدالة ويبني وطنا للجميع، وينشر ثقافة الرحمة. {فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} آل عمران 159
كما وجب التّدريب على الدّفاع المدني للكافة، حتّى يكون كلّ فرد رجلا أو امرأة مؤهّلا ومستعدّا، إذا ما جابهتنا كارثة سواء بيئية أو اقتصادية، عدوانا أو وباءا… والوعي اللازم بأنّ هذا التّأهيل ليس نافلة بل واجب، جهاد حقيقي لا “حديث النّفس”.
3- ـ اليسار الإسلامي حرّاس رسالة القرآن.
كيف نفكّ حصارا أو نتجاوز عائقا ؟ أين الإخفاقات وأين الانتصارات ؟ كيف نقتحم مشكلات عصيات على الفهم ؟ كيف نفعّل العلاقة بالحق وبالقرآن وبواقعنا وبالآخرين وبالعالم ؟
رؤية اليسار الإسلامي هي توحيد الله وتحقيق النفع للناس، إقامة مجتمع أكثر عدالة وحرية، بناء دولة قويّة، والحياة بالإسلام عن طريق الحوار والإقناع. {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} سورة الإسراء
إستراتيجيتنا هي الإيمان بالله العظيم ثم المساهمة في إعداد القيادة المجتمعية الحكيمة، ومنظومة خبرات متطوّرة لبناء القوات التي لا تنهار أو تهرب في المعارك، وشبكة السرايا المجتمعية المستقلة لجهاد البناء الأهلي، والإعلام المتحرك لمنع التشويش على الإرادة السياسية وعلى الروح المعنوية للمجتمع، إذ الصورة والتغطية الإعلامية مهمة جليلة يجب أن تحكمها المقاصد الكبرى وفقه الموازنات والمآلات فمجتمعنا يحتاج إعلام ميزان الذهب، هذه هي عوامل التنمية الإنسانية إن شاء الله وانتصار المدينة.
مجتمع مقاوم ينشر الإسلام والحبّ والتوحيد، يرتّل القرآن ويستمع له… ويظهر القوّة الدّفاعيّة الهائلة الكامنة في المجتمع الأهلي، ويعمل على توجيهها بما يحقّق تفعيل سلطة القرآن في المدينة وتحقيق المصالح العليا للفقراء وإعادة توحيد بلاد المغاربة. الشدّة مع من يريد أن يكون لنا عدوّا… والتعامل بالحُسنى مع الناس في المجتمع… ومرونة مع باقي القوى والأحزاب دون بتر التزامنا الكامل بالقرآن. أبناء اليسار الإسلامي حرّاس رسالة القرآن، نعمل على نشرها في العالمين، كما لنا دور في تحقيق الأمن الداخلي لبلادنا ومواجهة أعداء المجتمع الأهلي. نقدّم دائما البيان القرآني ونطوّر بالفعل عناصر الوحدة والتركيب والبنية الذكية بشكل كاف، لخوض التحدّيات الكثيرة.
الإنسان المؤمن حارس الرسالة الحيّة للقرآن، وتنمية الموارد فالمال هو عصب الحياة في السلم والحرب وفي كلّ زمان ومكان، والتطوير المستمرّ للعمل وطريقة التنظيم والقيادة. البصيرة والإحسان أي وضوح “ماذا يُواجه ومَنْ وكيف ومتى”… مدرسة قرآنية للمسؤولية الدقيقة أمام الله سبحانه وتعالى، وتنمية تأثير الأفراد في اتخاذ القرار فتتحرّك القدرات ويقوى عنصر المبادرة، ففي الصراعات القادمة غير المتوازية، العامل الحاسم للنجاح هو الإنسان الذي يخوض هذه المعارك… ونوعيّة استخدامه لجهده… واكتساب القدرة على إدخال التغييرات المصلحية في الخطط، بغرض تعزيز أهدافنا القرآنية والحركية الشاملة، وتعديل إستراتيجيتنا وتكتيكنا لمواصلة تقوية المجتمع الأهلي، حسب التغيرات الإستراتيجية والتكتيكية والنزاعات والنقاشات والتكتلات في مجتمعنا ومن حولنا، دون التضحية بفعالية شخصيتنا القرآنية، ومن غير “تخفيف” التزامنا بالقرآن.
السّرايا كنظام عمل، من خصائصها أنّها توَزّع أفقيا القيادة السياسية والعملياتية، فتحتفظ بوجودها وبقدرتها على المجابهة في كلّ الأحوال… لكونها ليست هرمية ولا مركزية. سرايا مستقلة عن بعضها تماما ليس لها قرن واحد، فكل سريّة تملك رأسها الخاص. حركة الوحدات المستقلة (السرايا) توافقية بين أفرادها وعهد الله بينهم، وتتصرف حسب الظروف، ما هو الهدف المطلوب بالضبط ؟ هل في طاقة قواتنا أن تحقق هذا الهدف ؟ ما هو الأسلوب المناسب لتحقيق هذا الهدف ؟ ما هي أبعاد “المفاوضات” ومتطلباتها أثناء وبعد الصراعات ؟ عدم تعتيم أهداف القرآن الإستراتيجية من أفق تحرّكاتنا وأعمالنا.{… ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} سورة التوبة.
دعوة العالمين للتوحيد… حماية أمن المجتمع الأهلي الدّاخلي… ردع أيّ عدوان خارجي… الجهاد الأهلي للبناء والإعمار… وحشد تأييد الناس لسياسة العدل وقراءة القرآن والقدرة على تمثّل هموم الناس الفعلية ومصالح المجتمع الأهلي بدلا من مصالح أيّ “فرقة تسيطر”… ولابدّ من رفض سرقة ثروات المجتمع وتبديد أمواله، والخروج من الربا المحلي والعالمي المخرّب للاقتصاد، والقضاء على الفوارق الفاحشة في الرزق بين الأغنياء ووكلائهم والفقراء وعائلاتهم، والتصدّي لأكل مال اليتامى وحقوق الشهداء وجرحى الثورة والمعوّقين، ورفض التفريط فيما بباطن الأرض للشركات المتعددة الجنسية، والاستنكار القاطع لقتل النفس بغير حق، أيّا كانت، أو تعذيبها وإيذائها، مع واجب رفض السكوت عن الظلم الواقع في فلسطين وفي بلاد الجنوب.
الإمبراطورية المهيمنة حاليا تحكمها “مؤسسة دائمة” هي التي تقوم بانتقاء أعضاء المؤسسة المؤقتة المنتخبة (تضع لها البرامج الاقتصادية والسياسية وتقدم لها المال لحملاتها الانتخابية، ولحروب المصادر) وهي التي تساند الطابور الخامس في البلاد التابعة.. وأهدافها الكبرى هي خدمة المال وشركاته وفتح الأسواق في أرجاء العالم كافة بتطويع قوانين الدول والشعوب لمتطلبات تلك الشركات العابرة للقارات باسم العولمة، وعدم السماح بقيام أي مجتمع يمكن أن يمثل نموذجا ناجحا يتنافس مع النظام الرأسمالي (والذي تزعم نخبهم المسيطرة بأنه النظام العالمي الصالح لكل الدول والأفراد وفي كلّ مكان).
أواليات السيطرة الامبريالية هي القوة العسكرية (تدمير المدن بالقصف الجوّي)، والدولار المحمول على بحر من النفط، وشركات التسويق العابرة للقارات (هوليوود وأخواتها ومنظمات “العمل الإنساني”) والشركات المتعدّدة الجنسية. مسيرة العولمة تحتاج إلى أربعة محرّكات: النفط، وأمن المفسدين، وتدفق الأموال، واستغلال العمالة.
تعزيز التعاون الاجتماعي بالتنظيم المؤسسي المتفوّق للخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وإسكان… والعمل على مشاركة جميع أبناء الشعب بمستويات مختلفة، وتحقّيق ذلك مع بناء وتثبيت المتانة الخلقية والمناعة العصية على اختراق الاستخبارات أو المنافقين. فعل كل ذلك، بنفَس طويل هادئ، والتحلي بالحلم مع الاقتدار، والممارسة الكثيرة لذكر الله : {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}.
أضرار الاستبداد على البلاد والعباد أكبر بكثير من ضرر أيّة فكرة متطرفة، ولنتذكر أن بلادنا دفعت ثمنا باهظا لمصادرة نقد السلطة عبر عقود، وواجب الجميع هو أن يكونوا حماة الحريات العامة، خاصة أننا عانينا الويلات من مصادرتها، فالفكرة الحادة تُردّ بالفكرة الراشدة.
واجبنا جميعا تفعيل كتلة تاريخية مسلمة تضم بين جنباتها تيارات وتنويعات سياسية وفكرية مختلفة تلتقي جميعها في إطار البناء وهندسة الحضارة وفي مواجهة تاريخية…
واجبنا جميعا تفعيل كتلة تاريخية مسلمة تضم بين جنباتها تيارات” وتنويعات سياسية وفكرية مختلفة تلتقي جميعها في إطار البناء وهندسة الحضارة وفي مواجهة تاريخية”
هذا هو الردّ العملي على ما يحدث خلف ظهر الثورة التونسية