الجزء الأول

الشيخ راشد الغنوشـي وعبد الإله بـن كيـران يتحـدثان لـ«صـوت إسـرائيـل» 1

سجّل الزعماء الإسلاميون الجدد لكل من حزب النهضة الإسلامي في تونس ، وحزب العدالة و التنمية في المغرب الجدد في منتدى دافوس،
يوم الجمعة 27 يناير/ جانفي 2012، عدداً من المواقف اللافتة التي في مجال التطبيع مع إسرايل، قد تساهم في توسيع دائرة التساؤلات حول صعود القوى الإسلامية في المنطقة ومستقبل علاقاتها مع القضايا الإقليمية الأساسية. وتمثل أولها بالحديث إلى إذاعة «صوت إسرائيل» للشيخ راشد الغنوشي ،زعيم حركة «النهضة » الإسلامية وعبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي ، حيث قالا بأن مستقبل علاقات حكومتيهما مع الدولة الإسرائيلية «يحكمه التوصل إلى حلّ للقضية الفلسطينية»، فيما طلبوا الدعم من الدول الغربية، محاولين التشديد على «اعتدال» حركاتهم الإسلامية بعبارة توجّهوا بها إلى الغربيين أكثر من مرة هي: «ماذا تريدون أكثر من ذلك؟.».

فقد أكدت إذاعة «صوت إسرائيل» على موقعها الالكتروني الناطق بالعربية إن زعيم حركة «النهضة» الإسلامية التونسية الشيخ راشد الغنوشي ورئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران، قالا لمندوب الإذاعة الإسرائيلية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن «على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم بشأن طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل»، وذكرت الإذاعة أنهما «أكدا أن الحركات الإسلامية ستتصرف بموجب القرار الفلسطيني». ورأى الغنوشي أن «مستقبل علاقات بلاده مع اسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية»( ).
ويأتي هذا الحديث للشيخ راشد الغنوشي متسقاً مع الزيارة التي قام بها للولايات المتحدة الأميركية في شهر ديسمبر 2011،حيث كشفت مصادر أكاديمية عربية وأميركية في واشنطن أن زعيم تنظيم الأخوان المسلمين «حركة النهضة» في تونس ،الشيخ راشد الغنوشي، قد حل ضيفا في الشهر الماضي على «معهد سياسات الشرق الأدنى » في العاصمة الأميركية ، المعروف بأنه « المعقل الفكري» للمحافظين الأميركيين الجدد وغلاة المتعصبين لإسرائيل والحركة الصهيونية في الولايات المتحدة .

وقالت هذه المصادر إن الشيخ راشد الغنوشي الذي كان ممنوعا طوال 20 عاما من دخول الولايات المتحدة على خلفية تصريحاته في العام 1991 دعما لصدام حسين وتهديداته باستهداف الولايات المتحدة، وصل إلى الولايات المتحدة بدعوة من مجموعة «الإيباك» (لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية) و « معهد سياسات الشرق الأدنى» ومراكز أخرى شبه حكومية بهدف « تقديم منظورات سياسية مستقبلية للباحثين وصانعي القرار في العاصمة الأميركية عن دور الأخوان المسلمين في تونس وشمال أفريقيا والعالم العربي ،وعلاقتهم بالولايات المتحدة في المستقبل ، و رؤيتهم للصراع العربي ـ الإسرائيلي».

وكشف الباحث في معهد سياسات الشرق الأدنى ، مارتن كريمر ، لـصحيفة «الحقيقة» أن الغنوشي « تنصل في جلسة خاصة من تصريحاته السابقة الداعمة لحماس وحكومتها في غزة ، ومن موقفه الذي دعم فيه حكومة الطالبان الأفغانية في مواجهة الولايات المتحدة ، ولكن بعد أن رفض تسجيل حديثه»! وقال كريمر « عندما سألناه عن ذلك ، قال إني لا أذكر تصريحات من هذا النوع ، وعندها عرضنا له تسجيلا مصورا ، فأسقط في يده»!.
على الصعيد نفسه ، كشفت مجلة « ويكي ستاندارد » التابعة للمحافظين الجدد أن الغنوشي، وخلال جلسة مع باحثي المعهد أكد أن الدستور التونسي «لن يتضمن إشارات معادية لإسرائيل أو الصهيونية» ، وأنه « لم يعد يتفق مع مقولة إيران وآية الله الخميني عن أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر» . وبحسب مارتن كريمر ، فإن الغنوشي وحركته أصبحا اليوم ، بعد ثلاثة عقود من تبني الإسلام الجهادي المعادي للغرب ، جزءا مما بات يسمى اليوم بـ«الإسلام التركي ـ الأطلسي».

2-حركة النهضة الإسلامية و الموقف من التطبيع
عندما كان الشيخ راشد الغنوشي في المعارضة، قبل اندلاع الثورة التونسية، كانت حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها، تعتبر أكبر حركة معارضة جدية للحكم التونسي نظرا لثقلها السياسي و الشعبي ، و وزنها على صعيد العالم الإسلامي ، و مجموعة صغيرة من حزب التحرير ، و مجموعة صغيرة من جماعة التبليغ ، و جبهة الإنقاذ الإسلامية التونسية ، و هي مجموعة ظهرت تأثرا بالجبهة الإسلامية للانقاذ الجزائرية، تعارض التطبيع مع الكيان الصهيوني . .

وكانت حركة النهضة الإسلامية تشكل طرفا سياسيا مهما على الساحة التونسية ، كان يوازن بقوته قوة الدولة التونسية في عقد الثمانينات و بداية التسعينات ، قبل أن يتم ضرب بنيتها التنظيمية و الشعبية في تونس . و تتميز حركة النهضة التونسية عن سائر الحركات الإسلامية العربية و الإسلامية ، أنها تجسد خطا إسلاميا مستنيرا ، يحاول أن يجسد قطيعة مع الإيديولوجيا التقليدية و المنهج التقليدي . و على الصعيد السياسي تعتبر القضية الفلسطينية حقا للأمة لا يجوز التنازل عنه ، و تدعو إلى السعي لتحريرها و رفض الحلول غير العادلة ، و التهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني ، مهما كانت المبررات و المنافع . و هي بذلك تسير على خطى الحركات الإسلامية الجهادية في العالم العربي التي تقاوم الآن الكيان الصهيوني و العربدة الأمريكية .
و ينبع هذا الموقف الأصيل لحركة النهضة إزاء قضية فلسطين و التطبيع من قراءتها الصحيحة لدور الإسلام التاريخي في تحرير فلسطين ، و استعادة كامل الحقوق المغتصبة .

و قد عبرت حركة النهضة عن معارضتها لتصفية القضية الفلسطينية ، و فرض التطبيع على الشعب التونسي بالقوة و القسر ، إذ تعتبر أن ما قامت به الحكومة التونسية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، لا يمثل الشعب التونسي و قواه الحية الرافضة للاستسلام ، إذ إن تلك الخطوة من التقارب بين الحكم التونسي و الكيان الصهيوني في عام 1994، كانت تشكل مساندة صريحة و متبادلة لإرهاب الدولة الذي تمارسه «إسرائيل » في فلسطين و لبنان.

و حركة النهضة التي تتناقض مع سياسات الحكومة التونسية في عهد علي و خياراتها ، طالبت بإغلاق المكتب الصهيوني و قطع العلاقات الدبلوماسية مع الصهاينة ، و دعت الشعب التونسي و قواه الحية إلى التمسك بالثوابت الإسلامية و الوطنية ، و معارضة سياسة التراجع و التنازلات للعدو الصهيوني ، و أكدت أهمية الموقف العربي و الإسلامي المتضامن في التعامل مع الغطرسة الصهيونية ، و مواجهة سياسات الهيمنة و التمييز التي يمارسها التحالف الأميركي-الصهيوني ضد العرب و المسلمين .

مازال الموقف من القضية الفلسطينية يشكل في الذهن الجماعي التونسي حدا فاصلا بين العداء و التطبيع مع الكيان الصهيوني ، على الرغم من أننا لم نعد نشهد في تونس مظاهرات شعبية كما في السابق بمجرد حدوث صدام مسلح بين العرب و الفلسطينيين من جهة ، والصهاينة من جهة أخرى . و منذ أن تم توقيع اتفاقات اوسلو-واشنطن القاهرة بين القيادة الصهيونية و قيادة الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993، و تقديم المحيطين بياسر عرفات و النظام التونسي ذلك الاتفاق و كأنه النصر الحاسم و مفتاح الدولة الفلسطينية الذي كان مفقودا و تم العثور عليه ، تباينت المواقف من التطبيع مع العدو الصهيوني في صفوف المعارضة التونسية بين مؤيدين لخط التسوية ، الذين يرون في الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود هو طريق الاستقلال ذاته الذي ارتضته السلطة الفلسطينية ، و بين معارضين لكل ذلك جملة و تفصيلا ن معتبرين ان الانخراط في الكفاح من أجل تحرير فلسطين و معاداة الكيان الصهيوني ، كان و مازال يعتبر واجبا قوميا و دينيا ، و يشكل احد المقومات و الثوابت الوطنية للشعب التونسي .

3-المعارضة اليسارية و الموقف من التطبيع
تعتبر المعارضة اليسارية اقدم وجودا على الساحة السياسية التونسية ، إذ إنه تم تأسيس أول تنظيم شيوعي في تونس في أواخر 1921 بصفته جناحا تابعا للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية .و على الرغم من أن الشيوعيين التونسيين قد تصدوا للصهيونية من مواقع نظرية منذ العشرينات ، و قدموا على صفحات جريدتهم« المستقبل الاجتماعي » الناطقة باللغة الفرنسية عدة مقالات حول الصهيونية ، و طرحوا شعارات صحيحة ( عروبة فلسطين ، اعتبار الصهيونية أداة في أيدي الامبريالية الانكليزية ، انتفاء الطابع القومي عن الحركة الصهيونية ) ، إلا أن تحليلاتهم هذه كانت تنطوي على ثغرات كبيرة ، نوجزها على النحو الآتي :
-تفريغ صهيونية ، تيودور هرتزل من أي مضمون سياسي و تحميلها مضامين انسانية و خيرية فقط .
-اختزال التفاوتات الطبقية لليهود المتواجدين في أوروبا إلى برجوازية كبرى و بروليتاريا ، وعدم التعرض إلى الدور الكبير الذي لعبته الطبقة الوسطى في الحركة الصهيونية العالمية .
-النظر الى الحركة الصهيونية العالمية المرتبطة عضويا بالحركة الامبريالية العالمية بوصفها مجرد مستغل لقوة العرب من دون رؤية الحركة الصهيونية كممثل لمصالح البرجوازيين اليهود الكبار ، التي كانت تريد تشديد قبضة استغلالها على يهود العالم في مرحلة الامبريالية ن و التي كان لها مشروعا يتمثل في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين .
و في سنة 1947 سقط الحزب الشيوعي التونسي في خطأ تاريخي قاتل حين ساند موقف الاتحاد السوفياتي المتعلق بقرار التقسيم لفلسطين من قبل منظمة الأمم المتحدة . و قد اعتبر الحزب الشيوعي التونسي قرار التقسيم ضربة قاصمة للامبريالية البريطانية و حلفائها العرب المنضوين تحت لواء منظمة الجامعة العربية . و يقول في تبريره لهذا الموقف : إن الامبريالية الانكلو-سكسونية لم تنجح في السيطرة على فلسطين و في إجهاض انعتاقها التام إلا بالتفرقة بين العرب و اليهود في فلسطين . و يضيف : ان الحزب بعد ان كان ينفي نفيا قاطعا وجود امة يهودية تماشيا مع موقف ماركس و لينين في هذه المسألة ،

أصبح يرى في المجموعات التراكمية من المستوطنين الصهاينة الذين يحملون صفات بلدانهم الأصلية و مميزاتها قومية يهودية في طريق النشوء و التطور .
و تأسيسا على هذا الموقف التاريخي الخاطئ على طول الخط و الذي لم يقم الحزب الشيوعي التونسي بمراجعته ابدا ، أيد الحزب المذكور – الذي يتزعمه الآن محمد حرمل و يعتبر واحدا من الأحزاب الستة المعترف بها رسميا في تونس – اتفاق اوسلو، انطلاقا من تبني مبدأ « القبول بما يقبله الفلسطينيون » الذي يعني في الواقع السياسي العملي الوقوف دائما مع ما تقرره سياسةالسلطة الفلسطينية .
و الحال هذه أيد الحزب الشيوعي التونسي (حركة التجديد الآن) عملية السلام الجارية وفق الشروط الأمريكية-الصهيونية ، و ساند موقف الحكومة التونسية في إقامة علاقات دبلوماسية بين تونس و الكيان الصهيوني ، و بالتالي الهرولة نحو التطبيع مع العدو .
أما التجمع الاشتراكي التقدمي( الحزب الديمقراطي التقدمي ) الذي يتزعمه المحامي أحمد نجيب الشابي ، فهو حزب معترف به رسميا و حديث النشأة ، إذ يعود تأسيسه إلى عقد الثمانينات و يسعى لتجميع الفصائل اليسارية و العروبية في إطار حزب قومي واحد يتبنى الاشتراكية الديمقراطية ، و إن كان قد فشل في مهمته هذه, يعتبر هذا الحزب ذو الجذور القومية البعثية و التوجهات الاشتراكية الديمقراطية ان عملية التطبيع ، أو عملية التسليم بحق الصهاينة في اغتصاب أرض فلسطين ، و إقامة سلام غير عادل مع العرب ، يخدم بالكامل مصالح الكيان الصهيوني .
و لا شك أن هذا الحزب يرفض عملية السلام الجارية الآن ، و يقول أمينه العام الشابي : بأن حزبه يتميز عن بقية الأحزاب و عن الرأي العام بأنه يصيح بالموقف المعارض لعملية التطبيع سواء في العلاقات العربية «الاسرائيلية» بشكل عام ، او موقف الحكومة التونسية إزاء عملية التطبيع . و قد عبرنا عن كل هذه المواقف عن رفضنا لعملية التطبيع باعتبارها وليد ظرف غير موات للعرب ، و نحن نعتقد بأن ما لا يقوم على العدل هو زائل بزوال ظروفه .
و ينبع هذا الموقف الرافض للتطبيع ، من الرؤية الايديولوجية القومية العربية المترسخة في اوساط هذا الحزب الصغير ، و انطلاقا من اختلافه التاريخي منذ نشأته مع الشيوعية التقليدية التي يتبناها الحزب الشيوعي التونسي .
حزب العمال الشيوعي التونسي ينحدر من بقايا المجموعات اليسارية التي نشأت في نهاية الستينات ، و عرفت انقسامات حادة في عقد السبعينات بسبب ولاءتها الخارجية للمدارس الفكرية الشيوعية العالمية بين موسكو و بكين و تيرانا ، و لذلك بسبب الموقف من المسألة الاجتماعية . و يعتبر هذا الحزب الماركسي اللينيني الذي يتزعمه حمه الهمامي متفردا في رؤيته ازاء قضية فلسطين ، فهو على الرغم من أنه يجسد الخط الستاليني على صعيد نمط تفكيره الايديولوجي ، إلا انه يرفض و باطلاقية الاعتراف بشرعنة اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين ، و يدعو في الوقت عينه إلى تحرير فلسطين . و هو حزب غير معترف به رسميا . و قد أصدر هذا الحزب بيانا ادان فيه خيار التطبيع و قرار فتح مكتب اتصال لرعاية مصالح العدو الصهيوني بتونس ، حيث جاء في البيان الموقع في شباط 1996 ، ما يلي « إن حزب العمال الشيوعي التونسي اعتبر و مازال يؤكد بان الهرولة التي لجات إليها الأنظمة المنخرطة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية و على رأسها النظام التونسي ، ما هي الا تنفيذ لخطة امبريالية صهيونية ترمي إلى التخلص من القضية الفلسطينية و قبرها و السيطرة كليا على الوطن العربي ، ذلك ان التطبيع هو حجر الزاوية في الترتيبات الأمريكية الجديدة في كامل المنطقة العربية ، لأنه يكرس استسلاما تاريخيا للاستعمار الصهيوني على جميع الواجهات» .
أما حركة الوحدة الشعبية التي كان يتزعمها أحمد بن صالح ، و الذي ينحدر من الحزب الحاكم باعتباره قائدا للتجربة الاشتراكية الدستورية في تونس خلال عقد الستينات ؟، فتعتبر حركة قومية عروبية و اشتراكية ديمقراطية في الوقت عينه ، و تربط بين العروبة و الاسلام ، و تعمل من أجل الوحدة العربية . و الحال هذه ، فهي حركة غير معترف بها رسميا و لديها موقف معاد للتطبيع مع العدو الصهيوني .

4-المعارضة القومية و الموقف من التطبيع
على الرغم من اختلاف مرجعياتها الايديولوجية ، الناصرية و البعث ، و توزعها على مجموعات صغيرة ، إلا أن موقفها من التطبيع ثابت و لم يتغير ذلك ان هذه المعارضة تعتبر القضية الفلسطينية قضية عربية مركزية ، و لا تعترف بوجود الكيان الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ،و تدعو إلى انتهاج سياسة التحرير ، و هي ضد عملية السلام الجارية . و أبرز قسمات هذه المعارضة :
-مجموعة المحامي البشير الصيد (اتجاه ناصري ).
-حركة الطليعية العربية التي يتزعمها المحامي عبد الرحمن الهاني ، (اتجاه ناصري).
-العصمتيون و هم مجموعة صغيرة تنتسب للمفكر المصري الراحل عمت سيف الدولة .
-جبهة تحرير تونس ، و من أبرز رموزها المرحوم ابراهيم طوبال ، و هي من بقايا المعارضة اليوسفية التي تأثرت بموجة القومية العربية في الخمسينات .
-البعث العراقي ، بالإضافة إلى وجود رموز قومية مستقلة عديدة .
و يعتبر نشاط هذه المجموعة محظورا ,و لذا فهي لا تصدر نشرات علنية تعبر من خلالها عن مواقفها السياسية من الأحداث الجارية .

غير انه يوجد حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي الذي كان يتزعمه عبد الرحمن التليلي( و هو لآن في السجن) -و يتولى قيادة الحزب الآن أحمد الإينوبلي بدلا منه – و يضم العناصر القومية الموالية للحكم التونسي ، و يتبنى بالكامل سياسة السلطة التونسية فيما يتعلق بالاعتراف بالكيان الصهيوني و التطبيع معه . و هذا الحزب المعترف به رسميا ، اوجدته السلطات التونسية ، لمنع تبلور و وجود حزب قومي راديكالي في تونس و لشق صفوف القوميين .

5-المعارضة الليبرالية و الموقف من التطبيع
تتكون المعارضة الليبرالية من الأحزاب السياسية التي ولدت نتاج عمليات متتالية من الانشقاقات داخل الحزب الحاكم و من أبرز هذه الأحزاب ن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ، التي كان يتزعمها الدكتور محمد مواعدة قبل أن يصدر حكما بسجنه لمدة 11 عاما ، و التي لها 10 مقاعد في البرلمان التونسي السابق على الثورة ,و حزب الوحدة الشعبية التي يتزعمها محمد بو شيحة ، و الحزب الاجتماعي للتقدم ، الذي يتزعمه منير الباجي ، و هو من دعاة الليبرالية الاقتصادية المطلقة .
هذه الأحزاب الثلاثة التي كانت معترفا بها رسميا من قبل النظام المخلوع السابق ,تبنت مواقف السلطات التونسية في كل مرتكزات سياستها الخارجية ن و إزاء القضية الفلسطينية . و الحال هذه تبنت مواقف و سياسة عرفات منذ بدء مسار عملية السلام باعتبارها المرجعية الفلسطينية الوحيدة التي تتبناها عموما القوى السياسية المغاربية ، و بوجه خاص المعارضة الرسمية المعترف بها .

و يشذ عن هذه المعارضة الليبرالية الحزب الحر الدستوري التونسي الذي يعتبر الحزب التاريخي ن الذي انبثق عنه الحزب الحاكم ، و الذي يعتبر استمرارا لخط القائد العروبي و الاسلامي التونسي عبد العزيز الثعالبي . و قد أصدر هذا الحزب عدة بيانات خلال هذا السنوات الماضية أدان فيها بشدة سياسة الحكم التونسي الذي فتح سفارة «لإسرائيل» في تونس ، و استضاف مؤتمر قساوسة شمال افريقيا الذي أشرف عليه البابا شخصيا و أباح تونس لآلاف من الصهاينة الذين اجتاحوا في يوم الاحتفال لما يسمى مهرجان الغربية بمدينة جربة ، حيث أقيم لهذا الغرض جسر جوي بين تونس و تل أبيب نقل أكثر من 2000 إسرائيلي من فلسطين المحتلة ، كما أقر تنظيم رحلات شرتار لنقل 3000 من يهود الشتات من مختلف أصقاع العالم .
و يرفض هذا الحزب رفضا صارما التطبيع مع الكيان الصهيوني .

6-تونس و التطبيع مع الكيان الصهيوني
إذا كانت مثل هزيمة حزيران / يونيو 1967 ، و توقيع اتفاقيات كمب ديفيد عام 1978 ، و معاهدة السلام المصرية مع الكيان الصهيوني عام 1979، قد شكلت اتجاها ً تاريخيا ًبالغ التعقيد نحو التسوية للصراع العربي – الصهيوني ، فإن اتفاقيات أوسلو عام 1993 ، ومعاهدة وادي عربة الأردنية –الصهيونية عام 1994، قد دفعت الدول العربية إلى الترويج لمقولة مفادها أن التطبيع و السلام مع الكيان الصهيوني أصبحا وشيكين للغاية و تاليا يتعين على الدول العربية ، و لا سيما منها المغاربية ، الإسراع في الرهان على « الكعكة الصهيونية » قبل فوات الأوان . و منذ توقيع اتفاق أوسلو بين الحكومة الصهيونية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، قدمت الحكومات في دول المغرب العربي(تونس و المغرب، وموريتانيا) ، ذلك الإتفاق و كأنه النصر الحاسم للقضية الفلســــــــطينية و مفتاح « الدولة الفلسطينية المستقلة » الذي كان مفقودا ً و تم العثور عليه ، وفقا ً لســـياسة «خذ و طالب » التي اعتمدها القادة المغاربيون في عملية الانتقال من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الاستقلال .
قبل تحليل التزام الدول المغاربية تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، علينا أن نبحث في نشاط الحركة الصهيونية العالمية داخل البلدان المغاربية التي تعيش بين ظهرانيها جاليات يهودية ، و في وعي القضية الفلسطينية في العقل الجماعي المغاربي .

(1)-صحيفة السفير اللبنانية، تاريخ 28 يناير/ جانفي 2012